قال محمد فال بن عبد اللطيف بن الشيخ أحمد لطف الله به وحمد مسعاه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد فهذه رسالة كتبناها وهذبناها وسميناها جيدة السبك في أخبار العلك أخرجناها أيها الأخ إجابة لطلبك ونزولا عند رغبتك فإنك أيها الأخ الحبيب والصديق اللبيب رغبت إلينا غيرة منك على التراث الوطني ومساهمة في إحيائه وحبا منك للاطلاع على تعدده وثرائه أن نجمع لك نبذة في أخبار هذه المادة المسماة عندنا بالعلك تكون غزيرة الفوائد دسمة الموائد حسنة المقاصد خلوا من جفاف البحث العلمي بريئة من إسفاف الخيال الشعري تجمع إلى فائدة التاريخ متعة الأدب وإلى وقار الجد خفة اللعب وقلت لا أريدها سردا تاريخيا ولا جردا سوسيولوجيا ولا منشورا أجنبيا شرقيا أو غربيا بل أريدها رسالة شنقيطية المسحة عربية المنطلق إسلامية الأصل والمرجع فاعلم أيها الأخ زادك الله حرصا على العلم والأدب وجنبنا وإياك موارد العطب أن ما طلبت إلينا عظيم وما هو بعظيم ما هو عظيم لأن لك أن تقول هذا موضوع مأهول معروف يفترض أن تكون أصوله متجذرة ومراجعه متوفرة من بطون الكتب أو أفواه الرجال فالعهد قريب والكاتب أديب والأديب الحق هو من يكتب حيث لا يكتب الناس ويشعر حيث لا يشعر الناس فهو الذي يحيل بقلمه المنظر الباهت إلى منظر عجاب والموضوع المبتذل إلى موضوع جذاب وإنه لعظيم لأنك جشمتني أن أخرج لك شيئا يجوز عرضه في المحافل من موضوع لا أدري أبكي هو أم حافل وما ذا عسى أن يكتب كاتب عن العلك دون أن يوصف بالإسفاف أو يوصم بالجفاف فأنت خبير أن التصدي لعمل مثل هذا من أصعب الأشياء وأثقل الأعباء لأنه إما إخبار بالضروريات فليس من شأن العقلاء أو روغ في مدرج غريب عن مدارج العلماء والأدباء وكل هذه معوقات مثبطات داعيات إلى الكسل والداعي إلى الكسل مجاب كما يقال بيد أننا نزولا عند رغبتك وجبرا لخاطرك جعلنا كل هذه المعوقات دبر آذاننا ومحوناها من أذهاننا فكتبنا إليك هذه العجالة راجين أن تنظر إليها بعين الرضى وتقضي لها بخير القضاء والله وحده هو العاصم من الزلل والموفق في القول والعمل به الثقة وعليه المعول وقد ذكرنا في هذه العجالة على ما رسمت نيفا صالحة من أخبار العلك وما جر إلى ذلك من فقه اللغة ونوادر الأخبار والأمثال وشفعنا بكيفية لقطه وبيعه وما فيه من المنافع المختلفة وما ورد في ذلك من النوادر والأقوال المأثورة وعززنا بالكلام على تصديره وما جر إليه من استطرادات مفيدة وأوابد غريبة وقد أسسنا هذه الرسالة على أربعة أركان وخاتمة وإن شئت قلت أربعة أبواب ونافذة.
الركن الأول في التعريف بالعلك ومنافعه وفيه تعريفات من فقه اللغة طريفة ترتاح لها نفس الأديب.
الركن الثاني في لقط العلك وسنتكلم فيه على اللاقطين وآلات اللقط وآدابه والبضلان وحياة أهلها وذكر سيره وما جاء فيها.
الركن الثالث في بيع العلك وشرائه والصرف والرصف بتقديم الراء على الصاد والصرافات وأم اصريكيكة وما قيل في ذلك
الركن الرابع في تصدير العلك إلى الخارج وذكر تجار العلك وأغرمان ونوادرهم.
والخاتمة في أخبار الرفقة وقافلة العلك.
الركن الأول:
العلك هو السائل الذي يخرج من شجرة أيروار بين جذعها وقشرها ثم يجمد في شكل كريات متفاوتة في الحجم فهو بمثابة المطاط الذي يخرج من شجر المطاط وكاللبان الذي ينبت بأرض اليمن وكالذي يخرج من شجر البشام المسمى عندنا بآدرس ويسمى هذا الخارج أم الناس وهو مستعمل في الطب الشعبي لإزالة الشوكة من جسم الإنسان ومرهما للجروح وقد يحرق بخورا لرد العين والأرواح الشريرة وأيروار يقال له في بعض مناطق بلادنا أوروار وكأنها هي أيروار دخلها نوع من الإعلال الصرفي وهو شجر ذو شوك قصير ولا نعلم على التحقيق اسمه بالعربية ومنهم من يسميه سنط السنغال والأشبه عندنا أن يكون هو القتاد وبذلك جزم صاحب الوسيط وفي الكامل للمبرد لما تعرض لشرح المثل العربي الشهير دون عليان خرط القتاد وصف ينطبق تماما عل أيروار وممن جزم بأن أيروار هو القتاد الشاعر امحمد بن أحمد يور حيث قال:
تعجبت من شأن القتاد شبابـــــه**** له عنفوان أن تشيب ذوائبــــــــه
يهيج به نوح الحمائم في الضحى**** هوى من نأت أحبابه وحبائبـــــــه
وتعشقه الأنعام ابان شيبـــــــــه **** وما خلت أن الشيب يعشق صاحبه
وقد ينبت في أشجار الطلح والتمات والغضا وتيشط شيء يشبه العلك لا يسمى بالعلك عندنا إلا مجازا ومقيدا بإضافته إلى هذه الأشجار فيقال علك تيشط مثلا وعلك التمات أما العلك إذا أطلق فهو علك أيروار ويسمى علك الطلح خاصة عند بعضهم شركرك بفتح الراءين وإسكان الكافين ويلحق بالعلك عندهم ما يسمى بأبكاك وهو سائل كالشكلاتة ينشأ من اختلاط السائل العلكي بأجزاء متحللة من جذع الشجرة المتخرئ أو ببعض الفطريات العالقة بالشجرة ويصنع من أبكاك في بعض مناطق البلاد شراب حلو وقد يخلط بالمذق والذي عليه العمل أن يقبل مطلقا إذا جاء في علك كثير وإلا قبل منه البني فاتح اللون دون الأسود الغربيب قال لي بعض فقهاء التجار وهذا أحسن ما سمعته في هذا الباب لأن رفضه مطلقا ينافي مصلحة تألف الزبناء وذلك مخالف لمقاصد التجار وقبوله مطلقا فيه ضرر على التجار والقاعدة الفقهية في مثل هذا إعمال العادة والعرف ما لم يقع شرط صريح يخالفهما فيعمل عليه.
أسماء العلك:
يطلق الموريتانيون على العلك من القدم عدة أسماء يعرفونه بها مع أن لفظة العلك لا تحتاج إلى ذلك لأنها عربية فصيحة بلا شك فمن هذه الأسماء العلك ويطلق في العربية على كل مادة لزجة متمططة تعلق باليد ونحوها كالفراء والنشا وخصصه العرف الاستعمالي عندنا بهذه المادة التجارية التي تجتنى من شجرة أيروار ومما ورد في ذكر العلك قول الراجز الموريتاني في مباراة الكرة التقليدية:
أقسمت بالبدل وأم البركا****وكل غار أترعته علكـــــا
أنا إذا ما شبكوها شبكــا****نطعنهم مخلوجة وسلكى
وأن دون غلبنا لعركا
ومما ورد فيه أيضا قول الشاعر لمحبوبته ولعمري لقد سلك في الحب مسلكا غريبا قال:
أحبك حب العلك في الدشر رابحا**** وحب ذوي البضلان بيع البضائل
ومنها الصمغ ويقال الصمغ العربي وجعل صاحب المنجد الصمغ العربي خاصا بصمغ الطلح ولم نسمع أن لفظة الصمغ وردت في الشعر ولعل ذلك لتنافر حروفها نعم ورد ذكر الصماغ للاقط العلك قال الشاعر في شأن جمل ضل عليه:
وسألت عنه كل راع جاءني**** فضلا عن الصماغ والحطاب
ولعل لفظة السمغة وتطلق على المداد في بعض المناطق مشتقة من الصمغ لأن المداد كان يخلط به شيء منه ليشتد بذلك وينعقد ويسمى هذا العلك الذي يخلط بالمداد أسغن بالسين المهملة بعدها غين معجمة ولا أحسب أن أصله عربي والله أعلم ومنها الكندر بضم الكاف والدال كما في القاموس وورد في المنجد أنه يطلق على صمغ شجرة شائكة ورقها كالأس وقد يطلق على اللبان وورد ذكر الكندر في الشعر كثيرا قال القاضي أحمد سالم بن سيد محمد على لسان الشاي المسمى لمبيريم :
تمشون ابطنكا فيأتي بطبخة**** وليس من المفتول ذلك يجبر
ليالي هذا الكيت عز وجــوده **** ومجهاره يكدي إذا عنه يجهــر
فليست عقيلات المواشي تناله****ولا الكندر الغالي إذا بيع كنــدر
وقال الهادي بن محمدي العلوي في موعظة له :
بعد شراء كندر الأغلال **** أصبح في القيود والأغلال
ومنها الكثيراء بالثاء المثلثة نبه على ذلك الطبيب محمد بيب بن سيد أحمد المقري في كتابه جمع المنافع في الطب القديم وفي القاموس أن الكثيراء رطوبة تخرج من أصل شجرة تكون في جبال بيروت ولبنان
أطوار العلكة:
قال أهل هذا الشأن أول ما تخرج العلكة تسمى فزيرة بتشديد الزاي تشبيها لها بالقرحة التي تصيب اليد إذا مجلت فذلك اسمها بالعامية وإذا كبرت العلكة قليلا فهي عليكة بصيغة التصغير فإن خرجت حمراء لذيذة الطعم فهي كامومة فإذا بلغت حجم البندقة فهي علكة فإذا صارت مثل جمع اليد فهي كنجورة بجيم شديدة ولا يبعد عندي أن تكون تحريفا لكلمة كندر ثم هي درة كواحدة الدر قالوا وإذا خرجت العلكة رقيقة ملتوية فهي خرص تشبيها لها بخرصان الذهب وإن كانت يابسة بيضاء اللون سهلة التفتت فهي فرشاشة واحدة الفرشاش.
أنواع العلكات: اعلم أن أهل العلك تواضعوا من قديم الزمان على أن يخصصوا بعض العلكات ببعض الأسماء لسبب من الأسباب ونحن ذاكرون لك هنا من ذلك ما حضرنا فمنها: علكة الفازع والمراد بالفازع هنا لاقط العلك وهي العلكة الحمراء اللذيذة الطعم يصطفيها الفازع لنفسه يأكلها تفكها ولا مطمع لغيره فيها أسوة بجناة الكمأة في الجزيرة العربية فهكذا كانوا يفعلون قال عمرو ذو الطوق مفتخرا بشذوذه عن هذه القاعدة
هذا جناي وخياره فيه****إذ كل جان يده إلى فيه
علكة الحنش: والحنش الثعبان وهي علكة تنبت في أسفل جذع الشجرة تنبو عنها العين غالبا ولا ندري لم سميت بهذا الاسم ألأنها تنبت بجوار مسكن لحنش أو لأنه يأكلها بزعمهم فأضيفت إليه أو لسبب آخر.
علكة الحبارى: وهي العلكة التي تخرج من بين جذع الشجرة وعروقها وغالبا ما تكون مرة الطعم ملوثة بالتراب ولذلك يضرب بها المثل في كل أمر جمع بين عيبين شنيعين فيقال إنه كعلكة الحبارى مرة الطعم ملوثة بالتراب وقريب منه قول العرب حشف وسوء كلية وسبب إضافتها إلى الحبارى أنها تأكلها كما هو مشاهد وما يكره الناس منها من المرارة هو ما تحبه الحبارى.
علكة القاعد: والمراد بالقاعد من لا يذهب للقط العلك تشبيها له بالمتخلف عن القتال قال تعالى حكاية عن المنافقين ذرنا نكن مع القاعدين وهذه العلكة يعطيها الفازع للقاعد من باب المعروف والتهادي ولأنهم يكرهون أن يقدم الشخص من غيبة ولو قلت دون أن يعطي للناس عراضة ولو قلت إلا أنه قد يراد بالعلكة هنا أكثر من علكة واحدة فقد تكون مدا أو مدين على حد قول ابن مالك وكلمة بها كلام قد يؤم.
علكة الملقاطة: وهي علكة تترك عمدا في وعاء اللقط ليلا يبقى وعاء اللقط فارغا لأنهم يتشاءمون من إفراغ كمية العلك دفعة واحدة أو هذه العلكة التي تترك في الوعاء هي بمثابة داعية اللبن وهي ما يترك في الضرع من اللبن يستدعى به اللبن وفي الحديث الشريف دع داع اللبن .
علكة الأسد: وهي شيء يشبه العلكة وليس بها يلصق بجذع الشجرة من الفطريات ونحوها وورد في بعض روايات الحكاية الشعبية عن ميرة أنها قالت لوصيفتها وقد رأت علكة الأسد انزعي لي تلك العلكة فقالت وصيفتها ما هي بعلكة إنما هي علكة الأسد فقالت ويحك انزعيها لي فنزعتها فكان من أمر ميرة مع الأسد ما هو مشهور عند الناس.
الفرق بين المنبت والعين: إذا كانت الشجرة الواحدة كثيرة العلك قيل هذه شجرة جرباء كأنهم شبهوا العلك الذي عليها بالجرب الذي يكسو الجسد وإذا كانت شجرات عدة في مكان واحد قيل هذا منبت قال بعض أهل اللغة لا يسمى منبتا إلا إذا كان يتعهده شخص معين ولا يصلح أن يقول القائل مررت بمنبت ليس لأحد بل يقول منبت فلان أو منبت آل فلان قالوا والمنبت آخر ما يجني الفازع لأنه حاصل عنده بالقوة لأنه له يدا على منبته وإذا امتد العلك أميالا قيل هذه عين تشبيها لها بعين الماء أو عين المعدن وعلك العين مشاع بين الفازعين لا يختص به أحد عن أحد فهو لأول من جناه وقد يكون المنبت قريبا من المحلة فيكون مسترادا يلتقي فيه الأحباء بعضهم ببعض قال بعض الأدباء يخاطب منبتا كان يلقى فيه حبائبه وقد نضب هذا المنبت أي نكر بالحسانية:
أيها المنبت الذي كان يجنى****من محاصيل علكه الثمرات
ما رأينا نكورك اليوم عــارا **** نكرتك النساء والطافــــلات ………
يتبع في الجزء الثاني بحول الله
Cheikh رسالة الفيش بين كسكس والعيش موجودة لدينا وسنقوم بنشرها قريبا إن شاء الله
Cheikh رسالة الفيش بين كسكس والعيش موجودة لدينا وسنقوم بنشرها قريبا
Cheikh رسالة الفيش بين كسكس والعيش موجودة لدينا وسنقوم بنشرها قريبا
أين يمكنني وجود رسالة الفيش بين كسكس والعيش وشكرا؟
Je me demande pourquoi ce livre n’ a pas gagné le prix de Chinguité malgré qu’il remplis tous les critères demandes.
هذا العنوان ماه أساغه ولا غرو، هكذا الأدب أو لا يكون، وكذلك هكذا تكون المواقع المفيدة جزاكم الله خيرا
رسالة رائعة كتبها الاديب الحق
هكذا وإلا فلا
هذا الرسالة ممتازة فقها ولغة وأدبا نرجو أن لا تؤخروا عنا بقيتها
وشكرا
ممتاز
رسالة رائعة للغاية
شكرا لكم على نشرها وجزاكم الله خيرا