علمت بخبر انتقال ابن عمتى ؛ – الشيخ الدكتور محمد بن الشيخ الإداري محمد صالح بن الشيخ القطب محمد سيديا بن الشيخ المربى أحمد الفاضل-، إلى الرفيق الأعلى ؛ وهو مصاب جلل وداهية دهيا، لكننى عبد ساكن تحت المقادير أنظر، مع أن العين تدمع والقلب يخشع ولا أقول إلا ما يرضى الرب إنا لله وإنا إليه راجعون.
طوى الجزيرة حتى جاءنى خبر *** فزعـــت فيـــــه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لـــى صدقه أملا *** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بى
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية الاليكترونية، الخبر، وتفاعل معه المدونون بعفوية وصدق عاطفة، قرأت معظم التدوينات التى كتبها الأصدقاء الافتراضيون، فلاحظت وجود خيط رفيع يجمع بينها كلها هو التزكية والشهادة بالخير للفقيد والدعاء الصالح له بالمغفرة والرحمة، مع ذكر نماذج من أياديه البيضاء، وبعض محطات سيرته الذاتية الناصعة والمشرفة، فما مات من أبقى ثناء مخلدا.
وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﺃَﻳُّﻤَﺎ ﻣُﺴْﻠِﻢٍ ﺷَﻬِﺪَ ﻟَﻪُ ﺃَﺭْﺑَﻌَﺔٌ ﺑِﺨَﻴْﺮٍ ﺃَﺩْﺧَﻠَﻪُ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﺍﻟْﺠَﻨَّﺔَ ﻓَﻘُﻠْﻨَﺎ ﻭ َﺛَﻠَﺎﺛَﺔٌ ﻗَﺎﻝَ ﻭَ ﺛَﻠَﺎﺛَﺔٌ ﻓَﻘُﻠْﻨَﺎ ﻭ َﺍﺛْﻨَﺎﻥِ ﻗَﺎﻝَ ﻭَ ﺍﺛْﻨَﺎﻥِ ﺛُﻢَّ ﻟَﻢْ ﻧَﺴْﺄَﻟْﻪُ ﻋَﻦْ ﺍﻟْﻮَﺍﺣِﺪِ). وقد قال الإمام النووى – في شرحه على صحيح البخاري- أن لفظ الحديث ﻋﻠَﻰ ﻋﻤﻮﻣﻪ ﻭ ﺇِطﻠَﺎﻗﻪ؛ ﻭ ﺃَّن كـﻞ ﻣﺴﻠم ﻣﺎﺕ ﻓَألهم ﺍﻟﻠَّﻪ ﺗَعـﺎﻟَﻰ النـﺎﺱ ﺃَﻭ ﻣﻌﻈَﻤﻬﻢ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠَﻴﻪ ﻛﺎﻥ ﺫَﻟﻚ ﺩﻟﻴﻠا ﻋﻠَﻰ ﺃَﻧﻪ ﻣﻦ ﺃَﻫﻞ ﺍﻟْﺠﻨﺔ، وقد ذهب القسطلاني في تعليقه على الحديث إلى قول النووى.
دخل العبد الصالح ظهر اليوم إلى الجامع محمولا، بعدما كان يحث الخطى إليه سعيا في ناشئة الليل وغسق الدجى ووقت الظهيرة، وقد أمَّ المصلين ابن عمه الشيخ الصالح محمدفال بن عبداللطيف وخلفه أهله ومحبوه وأقاربه وجيرانه ومعارفه.
امْشَ مُوَدَّعْ للصَّمَدْ *** مُحَمَّدْ وَاخْلَعَنَّ بَعْدَ
مُصِيبَ فِمِّتْ مُحَمَّدْ *** غِيرْ اللَّهْ اتْبَرَّدْ سِمُّ
مُحَمَّدْ مِثْلُ مَالُ لَعْدْ *** مَا كَطْ افْعَلْ فِعْلْ اذِمُّ
وَلاَكَطْ امَّلِّ سَمْعُ حَدْ *** سَادِرْ شِ خَاسِرْ مِنْ فُمُّ
دفن الفقيد في مقبرة بئر السعادة، – مع والديه وأقاربه- و هي دار كان على علم بها، وطالما زارها، وتجهز لها، وقد لفت انتباهي مرة شدة معرفته بنزلائها، فقد دلنى – في ليلة حالكة- على ضريح الولي العالم الصالح محمذٍ بن ألجد في جانبها الغربي.
ستبكيك يا هذا الحبيب المبارح *** وأنت إلى بير السعادة رائح
عشائر فيها كان فعلك صالحا *** كما اسمك فيها يا محمد صالح
كنت أحرص – خلال زيارتي النادرة للعاصمة- أن ألتقي به في منزله العامر، ورغم انشغالاته إلا أنه كان مهتما جدا بمجال عملى، ويوجهني إلى أهمية المشاريع التنموية الجادة في مكافحة الفقر وزيادة وعي المواطنين وتقريب الخدمات منهم، كما نبهني إلى أهمية التعرف على أهل الحل والعقد في مختلف المناطق التي أعمل فيها، والاستفادة من خبرتهم ومعلوماتهم، و لكن ضعف الهمة وظروف العمل منعاني من الاستفادة من معرفته الموسعة ، وتجربته الواسعة، وثقافته الموسوعية.
محمد صالح الأعمال من في *** محياه نرى سيم السعاده
وزان تشمش أن قد كان منها *** كما زانت يتيمتها القلاده
وعطر ذكرها في كل أرض *** وجـــــدده وحلاه وجاده
غياب الدكتور اليوم يعد خسارة للوطن؛ فقد كان شخصية وازنة متزنة؛ على قدر كبير من المسؤولية والوطنية والحنكة السياسية، كما يعتبر مفقده داهية عمت جميع قرى المجموعات الشمشوية، ومصيبة خصت بير المساجد وأهله حيث كان الشيخ “دَارُوكَت الحَيِّ ومِصْمَاْر كِلاَّبَتِهِ” ورمز كيانه وعنوان بنيانه.
وكعبة بيت هذا الحي كانت *** له منها السقاية والرفاده
هو إذن أسبوع الحزن في ربوع إكيد، بدأ في ابير التورس فالدوشلية فالتاكلالت وختم بانيفرار، ونرجوا من الله العلي القدير أن يرحم من انتقلوا إلى رحمته الواسعة، ويلطف بمن خلفوا وراءهم في هذه الدنيا الفانية . وبما أنه لابد في المصائب من تسلية وتقوية فقد منَّ الله على عباده المومنين بهبة ربانية هي: إنا لله وإنا إليه راجعون، حيث شكرهم بأنهم يتسلون عن المصيبة باعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون، ومن أصدق من الله حديثا.
إن الرزية لا رزية مثلها *** فقدان مثل محمد ومحمد
أقدم أحرَّ التعازي القلبية الصادقة إلى أسر أهل محمد صالح بن محمد سيديا (انّنَّ)، و أهل عبدالرحمان بن عبد الله بن الشيخ (دحمان)، وأهل أحمد سالم بن محمد سيديا (الشّاه) وإلى الشيخ محمدفال ببها بن اميي وإلى جميع الأهل في انواكشوط وانيفرار، وأرجو لهم ولنا الصبر والسلوان وللفقيد الرحمة والرضوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.