وصلت بريد الموقع هذه المداخلة التر القاها الأستاذ و الباحث الحسين بن محنض في حفل تشمش الأخير
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم
أضواء على ما لتشمشه من المزايا من خلال ما ذكره كتاب “شيم الزوايا”
الحسين بن محنض
ألقيت هذه المداخلة في الدعوة الكريمة التي نظمها الأستاذ إسحاق بن حمين باسم قبيلته أهل باركلل لصالح مجموعة قبائل تشمشه عشية السبت الموافق ٢٥ مارس ٢٠١٧م بانواكشوط
الحمد لله وبعد
فمما لا شك فيه أن قبائل تشمشه كانت وما تزال تعد في طليعة قبائل الزوايا في هذه البلاد فضلا وعلما وأدبا. وكانت وما تزال تتمتع بعلاقات طيبة مع القبائل المجاورة لها، سواء كانت هذه القبائل أشرافا، أو عربا، أو زوايا. ولا سبب لذلك إلا شيمهم التي أقاموا على أساس التأسي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتماد وصايا خواتيم سورة الفرقان، وسارت بها الركبان وفي مقدمتها وصية الصبر دستورا لهم يتمسكون به، وهي قوله تعالى: ((وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما* والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما* والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما* إنها ساءت مستقرا ومقاما* والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما* والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا* إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فألئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما* ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا* والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما* والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا* والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما* ألئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما*)).
فاشتغلوا بأنفسهم عن غيرهم، وشغلوها بمصلحتي الدنيا والآخرة، وتركوا ما لا يعنيهم، فآتى غرس حلفهم أكله. فقامت لهم بفضل الله دولة دين ودنيا مشهورة في بلاد القبلة، أقامت أول إمامة بعد المرابطين في البلاد على يد الإمام ناصر الدين أبو بكر بن إبراهيم (أوبك بن أبهم) الديماني (المتوفى 1084 للهجرة)، نشرت الإسلام في أجزاء واسعة من السينغال وغينيا، وأوقفت تجارة العبيد التي كان يمارسها المستعمر.
وعندما انهزمت هذه الإمامة في حرب “شرببه” المشهورة على يد أمير الترارزة هدي بن أحمد بن دمان وحلفائه الآخرين من أمراء المغافرة، بسبب ضعف التقاليد العسكرية لدى مؤسسيها، تكيفوا بسرعة مع وضعهم الجديد، وأعادوا الوئام بينهم وبين المغافرة حتى كأن لم يكن بينهم شيء، فأصبحوا هم السند الأساسي لهم في إمارتهم للمغافرة الأمر والنهي والعدل وكانوا نعم الأمراء، ولألئك الحل والعقد والقضاء، فكان القاضي العلامة المختار بن أشفغ موسى اليعقوبي الذي هو ابن خالة الإمام ناصر الدين مفتي الأمير اعلي شنظوره بن هدي بن أحمد بن دمان، وقاضيه، وتسلسل القضاء والعلم في عقبه، وهو الذي انتصر بفضله اعلي شنظوره على العروسيين في المناظرة المشهورة بينهم، فارتحلوا عن بلاد الترارزة، فولاه اعلي شنظوره اعترافا له بفضله في ذلك إقطاع الأرض، فأقطع تشمشه مناطقها التي هي فيها اليوم. ولم يزل أمراء الترارزة يعترفون لعقبه بذلك الفضل، كما اعترفوا لأولاد ديمان بمكانتهم التي كانت عندهم في المنطقة قبل “شرببه”، فكان أولاد سيدي الفالي المعروف بسيد الأولياء هم أهل مشورة أمراء الترارزة في أمور دينهم ودنياهم، وكان أهل العاقل وأهل محنض بابه بن اعبيد في طليعة أسر الفتوى والقضاء في إمارتهم.
وكان تشمشه حيثما حلوا يتميزون عن غيرهم بكرمهم الذي تميز به أهل باركلل، ومجدهم الذي تميز به اليعقوبيون، وبركتهم التي تميز بها الألفغيون، وسعادتهم التي تميز بها اليداليون، وصلاحهم الذي تميز به البهناويون، وعقلهم الذي تميز به الديمانيون، مع ما أضافه لهم من عز ونخوة وعلم وصلاح من التحق من مجموعات مغفرية أو زاوية عريقة كإيدودن يعقب، وإيجكوجي، وأولاد أشفغ حيبلل، وأهل بوفلان، وأهل الشاهد، وأهل المبارك
فتجمع فيهم ولله الحمد فضل ظاهر كثير، وعلم باهر غزير بلغوا فيه الغاية، وهل في غيرهم مثل الشيخ محمد المامي الذي ملأ وحده البلاد علما وفهما وصلاحا، وما يزال الدارسون إلى اليوم تحيرون من تقدمه على أهل عصره في علوم كثيرة لم يسبق إليها، مع أنهم أينما حل منهم رجل اعترف له بالفضل أهل ناحيته فهذا أبنو بن سيدنّ الديماني اغترب في آدرار فأقامه الأمير بن أحمد بن عيده قاضيا لإمارة آدرار على ما فيها من علماء من مختلف القبائل والجهات، وهذا محمدو السالم بن الشين اليدوكي اغترب في الحوض فاتخذه أمراء إمارة مشظوف وعلماؤها وفي مقدمتهم أهل العلامة الشيخ المحفوظ بن بيه المسومي إماما لهم في علوم اللغة العربية وآدابها فأحيى دارسها في تلك الربوع. وهذا معي الأشفغ حيبللي الذي كان إمام القطر في النحو حيثما حل وارتحل، وهذا معروف عنهم، كثير فيهم، أمثلته عديدة، مع رغبتهم المعروفة عنهم بعدم إظهار ما هم عليه من العلم والدين للغير إلا إن دعت لذلك الحاجة.
ولم ينالوا هذه المرتبة إلا بفضل محافظتهم على شيمهم التي قال عنها الشيخ الولي العلامة محمد اليدالي في كتابه شيم الزوايا الذي هو أول كتاب يكتب في هذه البلاد في العلوم الاجتماعية إن شيمهم حقيقة هي “التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعض عليها بالنواجذ، فهذا ما تعاقدوا عليه”. مضيفا: “أما شيمهم فمنها الصبر بأنواعه، وتجاوزهم عن جفاة الطبع، وكثرة الحلم عن من جار عليهم، وكظم الغيظ، والعزوف عن الدنيا، وعدم المناقشة فيها، وعدم الرغبة في حطامها الفاني، وقلة الطمع في ما في أيدي الناس، وترك الخصومة في الدنيا في ما بينهم وبين غيرهم، فإن ادعى أحد عليهم شيئا أعطوه له، وإن كان لهم الحق على الغير ولم يساعدهم تركوه..
ومن شيمهم كثرة التزاور والتواصل في ما بينهم، وصفاء المودة بينهم، وعدم الغل والغش بينهم، ومحبة بعضهم لبعض، ونصحه له، وقبولهم النصح، وشكرهم الناصح، وأنهم لا يقومون بحق شكر من نصحهم ولو أحسنوا إليه مدى الدهر..
ومن شيمهم حسم مواد الفتن، وعدم مخالطة الناس، ورؤية محاسنهم، والتعامي عن مساوئهم، وعدم رضاهم عن أنفسهم، وأنهم لا يعادون أحدا لحظ أنفسهم، وإنما الناس هم الذين يعادونهم. ومداراتهم للناس، وتسوية الرفيع والوضيع في الضيافة، وعدم مقابلتهم أحدا بسوء، وقلة الطمع في ما في أيدي الناس، والتقليل من مداخلة غيرهم ما استطاعوا إلا من تحققوا أنه منخرط في سيرتهم، وتعظيمهم حرمة المسلمين، ومحبة الخير لهم، وتوقير أهل الله والعلماء، ومحبة المساكين”. انتهى الاستشهاد ملخصا من أقوال الشيخ محمد اليدالي التي بدأها واختتمها بما نحن أحوج إليه اليوم من أي وقت مضى، بدأها بالصبر واختتمها بتوقير أهل الله وتوقير أهل العلم، وحب المساكين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته