الرئيسية / أدب المراثي / أحمد سالم بن محمّدن (سلاّمِ ) في رثاء الفقيد ببها (بب ) بن التاه رحمه الله

أحمد سالم بن محمّدن (سلاّمِ ) في رثاء الفقيد ببها (بب ) بن التاه رحمه الله

حضرت هذا المساء مجلس عزاء في منزل أهل بب بن اتاه ، وقد ألقى فيه الأديب الشاعر سلامي بن محمدن مرثية تليق بالحدث و بمقام الفقيد، أجاد سبكها وحبكها وانتقى ألفاظها و معانيها ووفق في بحرها و رويها . وما لفت انتباهي في المرثية هو كثرة الإشارات والتلميحات التى يقتضيها المقام من جهة ، – ولكل مقام مقال- ، ومن جهة أخرى لكونها تعكس خلفية الشاعر العلمية والأدبية ، وسأشير في هذه الأسطر إلى ما تنبهت له منها والله يعلم ما أراد الشاعر
.
ضمن الشاعر في البيت الثالث شطرا من أبيات العلامة امحمد بن أحمد يورة الشهيرة :

من العار أن يبقى بعينــــــيك مدمع *** وقد لاح من بين المنارين مربــع
وخبرت أن الرمل أقوت ربوعــــه *** وأن أضــاة الـــــــثور بيداء بلقـع
ولم تصـــــغر الآذان إلا لسمعــــها *** لما لم تـــــكن من قبل ذلك تسمع

أما البيت الرابع فقد نفى في صدره من خلال جملة اعتراضية معنى التخفيف عن كلمة جلل ، التي هي من الأضداد والمعنى المنفي هو ما ورد في كلمة امرأة من بنى دينار نعي لها زوجها وولدها و أبوها يوم أحد فقالت وما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا لها بخير فذهبت إليه وقالت كل مصيبة بعدك جلل.
كما أشار في البيت الثامن إلى معنى الآية : كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ والنزر القليل كما هو معروف
و بعدما ذكر أسماء شخصيات من عائلة الفقيد تصريحا أو تلميحا توقف عند الشيخ ببها بن محمذن بن أحمد العاقل حيث أشار إلى بعض أشعاره كقوله في أبيات كنا نتحصن بها في الصغر:

ألا يا شــــبا ريب الزمان عليكنى *** فكدنى و لا تسجح و أبرق و أرعد
فلــــست بفـــــــقع نــــابت بقرارة *** ولـــــست بيـــعر في الزبى متوحد
فكيف و طه المصطفى هو عدتى *** وحصـــنى من الأسواء كلا ومنجد

ثم أشار إلى مطلع داليته الشهيرة:

أدخلت نفسي ومن خاللت من أحد *** في الصاد و الميم من لفظ اسمك الصمد

كما لفت انتباهي أيضا إشارته إلى المثل الشهير الصيد كله في جوف الفرا ، وفي الحديث : أن أبا سفيان استأذن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فحجبه ثم أذن له ، فقال له : ما كدت تأذن حتى تأذن لحجارة الجلهتين . فقال : يا أبا سفيان ! أنت كما قال القائل : كل الصيد في جوف الفرإ
أما الشاعرية فقد طغت على أبيات القصيدة كلها لكنى اطربنى قوله :

ولكنّنا نرضَى بفعل إلــــــهِنـَـــــا *** ونخضعُ عند الأمر منه ونخنَـــــــعُ
ونسْكُــنُ للأقْدار لكِـن بقَـدْرمَــــا *** نخافُ فإنَّا مثْــــل ذلكَ نطْــمــــــــعُ
فإنْ يكُ ولَّى ببَّ فِينا مُخَلِّــــفـًـــا *** فُتُـوقًــا فإنَّ الْفتْـقَ بالرَّتْـقِ يُرْقَــــــعُ

 

و هذه هي القصيدة بعد ما حاولنا تقريب ما حوته من(آشنَاكِرْ) :

لكَ العُــذرُ يا مَن بالتّــوجُّع يصـدَعُ *** فَفي مثل هذا الخطب ساغَ التوجُّعُ

فغرِّدْ أهازِيجًا على قُرْحَــة الحشـــا *** كوُرْق على وَقْع المصيبة تسْجـــعُ

ولا تُبقِ فِي عيْـنيْــك دمعًــا فـإنــــهُ *** ” من العار أن يبقى بعينيك مدمعُ

” ألا جَلَلٌ –واللّبْسُ في الضِّدِّ مُنْتَفٍ – *** مُصـابٌ به الأكبادُ كادتْ تَصَــدَّعُ

مُصابك يا شمس الزّمان وبــدْرَه *** ويا طالع الأمجــاد أيَّــانَ تطلـــــعُ

ويا مَن ثوى فينا حبيبًا مُحَبَّبًـــــا *** ووَدّعنَــا نعْــمَ الحبيــبُ الْمُـــــودِّعُ

ويا من علوْتَ القومَ عِلْمًا وسُؤدَدًا *** فرأسُــك مرفوعٌ وقـــدرُك أرْفَـــــعُ

نهـارُك خيْـــرٌ كلُّــــه وإفــــــــادةٌ *** وليلُك نزْرٌ منه ما كُنت تَهْجَـــــــــعُ

وجاهُك مبذولٌ لكلِّ فـــضِيلـــــــةٍ *** وفي كشْفِ دَهْيَــا إن دَهانَا الْمُرَوِّعُ

فما كان من ضُرٍّ فلا ضرَّ نختشي *** وما كان من نفعٍ فإنّــك تنْفــــــــــعُ

مآثرُ من سيدِ انْتقَيْتَ لُبَــــابَــــهَــا *** ولِلتَّـــاهِ بـرْقٌ في سمائـكَ يلْمـــــــعُ

وكائنْ وكمْ من ببَّها نِلتَ مَفخـــرًا *** يَفُلُّ شبَــــا ريْــبِ الزَّمانِ ويقْــــرعُ

دخلْتَ بهِ فِي الصَّاد والمِيمِ وانْزَوَى*** لكَ الْعِزُّ في يافُــوخـــهِ تتطَــلَّــــــعُ

فيا ببَّ إن ترحلْ فقد كنتَ بينَنــــا *** كجوْفِ الْفَرَا صَيْدُ العُلا فِيكَ أجْمـــعُ

ولكنّنا نرضَى بفعل إلــــــهِنـَـــــا *** ونخضعُ عند الأمر منه ونخنَـــــــعُ

ونسْكُــنُ للأقْدار لكِـن بقَـدْرمَــــا *** نخافُ فإنَّا مثْــــل ذلكَ نطْــمــــــــعُ

فإنْ يكُ ولَّى ببَّ فِينا مُخَلِّــــفـًـــا *** فُتُـوقًــا فإنَّ الْفتْـقَ بالرَّتْـقِ يُرْقَــــــعُ

فنحْمَد للرّحْمن حمْـدًا وســــادةً *** إليهم لدى كلِّ النَّوائـب يُرجـــــــــــعُ

فيا سِيدِ بلْ يا أنتمُ يا جميعَـــكُــمْ *** فقُومُوا فعرْشُ الإرثِ لا يتَضَعْضَــعُ

وجادتْ على قبرِ الفقيدِ سحَـابـةٌ *** من الرَّوْحِ والرُّحْمَى شآبيبُ تهْمــــعُ

وصلِّ على طه الكريمِ شفيعِنَــا *** أ يا ربّـنا نعْــم الكــرِيمُ الْمُشَـفـَّــــــعُ

أحمد سالم بن محمّدن (سلاّمِ )

تقديم يعقوب بن عبدالله

تعليق واحد

  1. محمدن ولد باب ولد محمودا

    قصيدة رائعة من الرثاء الصادق السلس .. و تعليق ممتاز عودتنا عليه يا يعقوب

اترك رد