الرئيسية / الأسبوع الثقافي لقرية انيفرار 2022 / {الأسبوع الثقافي لقرية انيفرار 2022} محاضرة بعنوان: التربية بين تحصيل المعارف وتكوين شخصية الطفل

{الأسبوع الثقافي لقرية انيفرار 2022} محاضرة بعنوان: التربية بين تحصيل المعارف وتكوين شخصية الطفل

شهدت الليلة الثالثة من ليالي الأسبوع الثقافي تقديم محاضرة المفتش التاه بن اليدالي بن أبُ، بعنوان التربية بين تحصيل المعارف وتكوين شخصية الطفل، وفيما نص المحاضرة في انتظار نشرها لاحقاً إن شاء الله:

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

هذا العنوان وإن كان جيداً ومتشعباً إلا أنه يقتصر على تكوين  شخصية الطفل بصورة خاصة  وقد لا يقود البحث فيه إلى تكوين الشخصية عموماً سواء كانت للمراهق او الراشد…

وإدراكاً منا لحاجة الجميع لكل ما من شأنه أن يساعد في تكوين شخصية الفرد عموما، وعملا بما تدعو إليه الحاجة من تبسيط المعروض سبيلاً  لتيسير الاستفادة منه فإننا ارتأينا أن لا يكون تناوله أكاديمياً بمعنى الكلمة حتى لا يقودنا ذلك الى ناحيته الفلسفية أو إلى التعريفات والاصطلاحات الكثيرة  وتحييداً له عن مجالات علم النفس من مراحل الطفولة  وأنواع الشخصية وغيرها من المجالات التي ربما كانت متوفرة في بحوث كثيرة ومنشورة عبر الشبكة العنكبوتية. وبدلاً من ذلك فاننا قد لا نذهب بعيداً لو غيرنا العنوان ليكون:

” التربية تحصيل للمعارف واكتساب للمهارات سبيلاً لتكوين الشخصية السوية”

 وهكذا فإننا سنحصر الموضوع في المحاور التالية:

  • تحصيل المعارف من حيث  الوسائل والعوائق 
  • اكتساب المهارات من حيث التخصص وتحديد المسار
  • الشخصية السوية من حيث الفاعلية التأثر والتأثير
  • أثر إدارة  الوقت  في تكوين الشخصية.
  • إرشادات عامة ..

 

تتعدد وسائل التحصيل بتعدد طرق التعلم ومعلوم ما للطرق المقصودة من أدوات ووسائل ومناهج لبلوغ الأهداف المنشودة من تحصيل للمعارف، واكتساب للمهارات، واستعداد للولوج والدخول من الباب الواسع للحياة الواقعية..

فها هي المحاظرو المدارس والمعاهد والجامعات وأنواع متعددة من المؤسسات التعليمية تسعى كلها لتحقيق هذا الهدف  والذي أنشئت غالبيتهم من أجله .. ولكن الطرق الغير مقصودة (ونعني بها التربية الغير مقصودة) ، يحصل بها من  التعلم الكثيرو الكثير..

فتأثير البيت والمجتمع والبيئة الواسعة من أصدقاء وزملاء في العمل ووسائل إعلام وحتى الشارع كلها مجالات للتعلم غير المقصود وغير الممنهج وهي تفرض نفسها وتعلمك دون أخذ الإذن أو الاستشارة..

ولكن أي أداة أو وسيلة لتحصيل المعارف تبقى منوطة بطريقه استخدامها .. وهنا تختلف الطرق باختلاف المستخدمين لهذه الوسيلة أو تلك وتتباين النتائج المترتبة على ذلك تبعاً لتعدد وتنوع القابليات الخاصة لدى الأفراد، ذلك أن الفروق الفردية لها الدور الأكبر في قابلية التحصيل ونسبته بل وحتى أحيانا في إمكانيته .

وليس هذا من قبيل المبالغة، ولكن استعدادات الذكي المدعومة بالطموح وعلو الهمة والجهد الذاتي لن تتساوى بحال من الأحوال مع استعدادات البليد ولو اقترنت هذه الأخيرة بهمة عالية ومثابرة كبيرة.

ولعل ما ذهب اليه العالم” كول”  بعد دراسة طويلة  للفروق الفردية يدعم ذلك . فهو يرى أن %2 من كافة الناس متميزون في كل شيء تقريبا..سواء كان ذلك تجارة أو تعلما أو رياضة… وأن 2% كذلك ذوو عاهات وبلداء لا يزدادون إلاًّ يسيراً مهما كان الجهد المبذول !  وأن 48%مائلة إلى الجانب الأيمن ومثلها 48 % إلى الجانب الأيسر من المخطط .. وحتى لا نذهب بعيداً نرجع فنقول إن ثمة أمرين لا ينكرهما أحد وهما:

أن الشخص وإن كان بليداً فإنه لا محالة  منتفع بالتعلم ذلك أننا نرى أشخاصاً ذوي عاهات جسدية وربما عقلية لا يتصور معها أي استزاده في أي تعليم، ولكننا نجدهم يأكلون بأيديهم ويذهبون إلى الحمام ويعملون أشياء لم يكونوا عرفوها منذ الولادة، بل اكتسبوها من البيئة والمجتمع فهذه مهارات تتطلب على الأقل تكراراً كثيراً وتمرناً طويلاً.

كذلك فإن الموهوب مثلاً يتميز في الغالب في كل ما يتعلم، بل ويبرع في بعض المجالات أحياناً لدرجات غريبة فلا يمكن أن ننكر دور الجهد الذاتي في التحصيل مهما كان نوع الشخص ..

ونحن هنا إذ لا ننكر صدق المثل ” من جد وجد ومن زرع حصد” إلا أننا نوضح  كون البون واسعاً  بين النتائج عند الجميع فلماذا يرجع كل ذلك ؟

ربما كان الجواب في الفروق الفردية والقابليات الخاصة والاستعدادات الفطرية كما ذكرنا سابقاً ولكن الحقيقة غير ذلك بل إن عوامل كثيرة  تتدخل في نوع وكم المخرجات والنتائج ..

فقد يكون شخص ما مقبلاً على التحصيل بشتى الطرق، وباذلاً الجهد بمثابرة منقطعة النظير ولكنه لا يوفق أحياناً لبلوغ الهدف أو تكون نتائج تحصيله ضعيفة لا تتناسب مع ما بذل من جهد وصرف من وقت وذلك راجع في الغالب إلى عدم التخطيط أو تحديد الأهداف مسبقاً أو إلى عدم اتباع المسارات الخاصة بكل حالة..

ربما لم يستشر أحداً او لم يجد من اتبع الطريقة الصحيحة فيرشده إليها..أو كان المحتوى المطلوب تحصيله كبيراً أو كانت المهارة المراد اكتسابها تتطلب وقتاً أكثر ..وليس بعيداً منا المثل الحساني:  “غلب حطب كام أوزادو”..

فان من لم يختصر على علم واحد او مجال معين في التحصيل وجمع بين هذا العلم وذاك ولم يتوقف عند هدف واحد محدد حتى يبلغه فإنه بذلك ينطبق عليه ما قيل:

تكاثرت الظباء على خداش         فما يدري خداش ما يصيد

وعندها تقل النتائج المرجوة وتهزل المخرجات ..وليس بعيدا عنا المثل الحساني:“اللقمة الممدوغة ما تغصص” !

ذلك أن  تحديد المسار نوعاً وكماً وكيفاً أسهل طريقة لتحقيق الأهداف و بلوغها وبالتالي الفوز بالمطلوب.

ثمة بعض الاكراهات التي تقف في سبيل المتعلم، ربما عرقلت مسيرته التحصيلية إن لم يكن منضبطاً،  قوياً لا تهزه التعثرات ولا توقفه السقوطات، حازماً في تصرفاته، جاعلاً هدفه الأسمى نصب عينيه وهو بذلك سريع النهوض بعد النكبة، دائم الوقوف بعد العثرة، ربما استقى ذلك من تجارب الزملاء أو من تربية المنزل أو كان بطبيعته طموحاً لا تهزمه الإخفاقات في البدايات لكونه قد عرف وعلم أن العبرة  بالخواتيم والنهايات .. ففي طريقه قد يخطئ مراراً لكنه يتعلم من أخطائه الكثير والكثير وخاصة عدم سلوك نفس الطريق المحبط لكونه متأكداً من أن النتائج مترتبة إيجاباً و سلباً على نوع الطريق المتبع ..

فمن كرر نفس الأنشطة والمسلكيات بغية الوصول إلى هدف منشود ولم يصل اليه فإن عليه أن يفكر في مسلكيات وأنشطة مخالفة لما سلك في الماضي حتى لا يصل إلى نفس النتائج . يقول اينشتاين :

“إن أكبر حماقة هي انتظار نتائج مغايرة مع انتهاج نفس المسلكيات الماضية” !

إن وسائل الاتصال الحديثة من هاتف جوال وغيرها ربما كانت عراقل ومطبات للبعض لما فيها من الإغراء والتنوع ولكنها مع ذلك سلاح ذو حدين فلا غرابة أن تستقطب الجميع وينجرف وراءها غالبية الناس، ولكنها مع ذلك وسيلة  فذة وفريدة لاكتساب المعارف والتطوير الذاتي..

ولكن لربما لم يوفق لذلك إلا ثلة محظوظة من المجتمع  ..ثلة  لم تستهويها تلك المغريات ولم يبتلعها سيرها الجارف، بل تشبثت بالعقلانية الفاحصة التي تزيل الشوائب وتحذر من ابتلاع سموم العروض الجذابة ، ضاربة عرض الحائط بكل ما من شأنه أن يغير مبادئها وقيمها أو يطمرها بعد إسقاطها في الهاوية..

إن أخطر ما يواجهه المتعلمون من عراقل ليست ماديه بالمرة .  بل هو ذلك السيل الجارف من الصور والفيديوهات والصوتيات ذات الصبغة الترفيهية الخداعة ..

ولهذا كان لابد في إدارة الوقت من الوقوف عند كل شاذة وفاذة ، وعرضها على معايير ثابتة رسمتها مبادئ سامية  مستوحاة من قيم راسخة  هي ما يوجه دفة المسلكيات وشراع سفينة النجاة..

مبادئ ضامنة تحقيق الأهداف لأنها تحقق الغايات السامية للشخصية السوية  وتوصلها بر الأمان..

مبادئ لا تهزها زوبعة  الاباحية ولا تغير اتجاهها رياح الشهوات مهما بلغت مغرياتها من الاستدراج..

وقد يظن البعض غلطاً أو جهلاً منه أن مجرد التعلم وتحصيل المعارف في حد ذاته كاف لتكوين الشخصية السوية ولكن الحقيقة غير ذلك  فان إدارة  الوقت بحسن استخدامه هي بمثابه الوصفة المناسبه لتحقيق أي نجاح أو بلوغ أي هدف وفي الحديث: “خصلتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”

وقد قيل : “خصص لكل شيء مكاناً وضع كل شيء في مكانه”.

إن مما يميز الموفقين والناجحين في أعمالهم هو في الحقيقة انضباطهم واستقامتهم وصبرهم على المثابرة  بعزم لا يعرف الملل أو السآمة،  ثم هم مع ذلك حريصون كل الحرص على بلوغ هدف واحد واضح قد رسموه لأنفسهم وجعلوه نصب العين حتى لا يشغلهم عنه أي شاغل ولا توقفهم أية عرقلة في سبيل تحقيقه والوصول إليه مهما كلف الثمن وسبيلهم إلى ذلك كله هو تقسيم الأهداف الكبيرة إلى أهداف وسيطة كتدرج منطقي هو بمثابة مدرج يسلكونه خطوة بخطوة حتى لا ينحرفوا عن جادة الطريق، وهكذا يحققون نجاحات صغيرة تقودهم الى نجاحات كبيرة..

وباختصار يمكن القول إن بناء الشخصية السوية لا ينحصر في تحصيل المعارف والذي ربما أعان على تمييز الغث من السمين بدرجة كبيرة، بل لا بد معه من اكتساب مهارات التكيف اجتماعية كانت أو فنية ، وخاصة منها مهارة  إدارة الوقت ..

إن كل شخص منا ينعم بأربع و عشرين ساعة يومياً.. يمر علينا الليل والنهاركلنا..وتمر علينا فصول السنة؛ الشتاء والصيف والخريف، ولكن ما يميز بعضنا عن بعض هو فقط استجاباتنا المتباينة والمختلفة تماماً في حكمنا على الأشياء وتصرفاتنا اتجاه أي حدث.!..

إن من بيننا من يصبون اللعنة على كل شيء …على الحكومة لأنها ولأنها..وعلى التجار لأن الأسعار.. …وحتى على الأساتذة والمعلمين..وعلى فشل التعليم في البلاد..

فهل انت من هؤلاء ؟ !..

هؤلاء هم الذين سلكوا طريق الفشل في الحياة ولم يجدوا إلا اختلاق الأعذار في كل شيء..

إنهم يكتفون بالتبرير وإلقاء اللوم على الظروف وعلى المجتمع ..

يظنون أنهم بذلك يسوغون للجميع الأسباب التي وراء ما هم فيه من ضعف الوسائل وضيق الحال..

وقد كان جديراً بهم غير ذلك ..وخاصة إذا كانوا شباباً ..ذلك أنهم ما زالوا في مقتبل العمر..وعليهم أن يعلموا أن الفرص لا تفوت كلها..فإذا كانت الفرص لاتتكرر كما يقال ..لكنها  تتعدد و تتنوع بحيث أنك إن لم توفق في بعضها فإن ثمة غيرها كثير ..

أو ليس بإمكان أي شخص  ترك هذه المسلكيات المريبة  وتلك التصورات الخاطئة عن الحياة ?!

استمع جيداً لما يلي وكرره مرات ومرات لتأخذ منه العبرة..

  • ألا ترى كيف أنك تعمد إلى غلق أبواب الغرفة وكل نوافذها  وقت الحر الشديد حتى إذا أحكمت إغلاق كل منفذ ..فتحت المكيف!

فتعال معي أيها السيد الموفق لنعمد إلى كل الأبواب  المخيبة للأمل فنوصدها قبل أي نشاط نريده..مهما كان بسيطاً، لنضمن بذلك أننا نسلك الطريق السليم الموصل الى الغايات والأهداف المنشودة..

ولنبدأ باشدها خطراً علينا ألا وهو:

  • الكسل: نعم الكسل ..لأنه مخيب للآمال  و مسبب للإهمال واللامبالاة..!

ولإغلاق بابه لا بد من أن نشمر عن ساعد الجد والاجتهاد ونترك التسويف ” لا تؤخر عمل اليوم للغد ” !

  • البطنة: لأنها تذهب الفطنة،  ومعلوم ما للسمنة من مخاطر خارجاً عن كونها المسبب الأكبر لاعطال الذاكرة ولسد بابها يكفينا تدبر الآية الكريمة: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا…) وفي الحديث الشريف (ما ملأ  آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم  اكلات  يقمن  صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)..
  • الارتجال:  قد يكون عدم التردد مفيداً ولكن اتخاذ القرار المناسب لكل حالة يتطلب على الأقل الإلمام باستجابات سابقة كانت مناسبة ..أو الاطلاع على التصرف المواتي لمن سبقوه لوضعيات مماثلة..وباختصار

( الِّ اجْبَرْ شَوَّايْ مَا تِنْحْرَكْ أيدُ) كما في المثل الحساني المعروف..

فالتعلم  من تجارب الآخرين يقلل غالباً من احتمال الوقوع في الأخطاء بل ويختصر كذلك الطريق مما يوفر عليك الوقت الكثير والجهد الكبير..

  • الإدمان: على الألعاب الإلكترونية : فقد أثبتت دراسات حديثة أن المدمن على هذه الألعاب وسواء كانت رسوما متحركة أو غيرها  يشحن ذاكرته بمعدل مساو لقراءة آلاف الكتب لو هو قضى فقط ربع الساعة وهو يمارس هذه الألعاب.. وهكذا فإنها لا تزيد من أعطال الذاكرة فحسب بل تؤدي وبصورة سريعة إلى اضعاف الذكاء والخفض من مستواه  عكساً لما يتصوره  البعض.. وأكثر من ذلك فانها تضعف قابلية التذكر لأنها تسبب النسيان وبالتالي تضعف مستوى  قابلية التحصيل..

ولسد هذا الباب لا بد من مغالبة مغريات العروض والترويجات،  مهما كان نوعها ووسائل ذلك بيناها في ما سبق وهى باختصار تتطلب عزيمة قوية وانضباطاً واستقامة لا تقاوم ! ..فهلا اختبرت نفسك وحاولت أن تكون من أولئك الأشخاص المرموقين الذين يتغلبون على كل ما يعترض طريقهم في سبيل تحقيق ما يصبون إليه  من فوز ونجاح في الحياة..

ليتنا ندرك جميعا ما وهبنا الله سبحانه وتعالى من قدرات … ونعي قوله في محكم كتابه العزيز: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ…) وعندها فقط نرى كيف أن ما نراه مستحيلاً أو مستعصياً لا يعدو كوننا لم نعمل بجد على تحقيقه ،فالهمة أقطع من السيف، وفي الأثر:( لو تعلقت همة ابن آدم بالثريا لنالها ) ..ألم يصل النسان الى القمر وها هو يستكشف الفضاء بحثاً عن  مكان  صالح للحياة ..

إن تكوين الشخصية السوية الفاعلة وتحقيق الشخص لانسانيته  هو الهدف من كل تعلم أو تحصيل للمعارف و اكتساب للمهارات وهو مترتب  بالدرجة الأولى والأخيرة على قابليته للتغير نحو الأفضل وذلك بحسن إدارة وقته والذي هو في الحقيقة عمره ..

اترك رد