يشكل الجرد التحليلي المخطوط، الذي وضعه المستشرق الفرنسي، ذو الأصول اليهودية الهنغارية، جورج فايده .. للمخطوطات العربية بالمكتبة الفرنسية بباريس ..
والذي عنوانه .. جرد المخطوطات التي أرسلها أرشينار .. أداة مهمة لمعرفة بعض محتويات هذه المكتبة الغنية ..
وهو أشمل بكثير من الجرد الحديث والمطبوع، والذي وضعه الباحثان .. نور الدين غالي وسيدي محمد مهيبو .. والمعنون بـ جرد المكتبة العمرية بسيگو .. وصدر سنة 1985
حيث لا نجد لهذا الأخير، ذلك الطابع التحليلي، وتلك النزعة التفصيلية التي تميّز الجرد الأول.
وعلى العموم .. فإن المطّلع على الجردين، المخطوط منهما والمطبوع، يظل في أغلب الأحيان عاجزا عن الوصول إلى أغلب النصوص الموريتانية، التي تزخر بها هذه المكتبة.
فالمستشرق فايده مثلا، يسمي أي مجموع من المخطوطات المحشورة في مجلد ما، والمعروف محليا بالكنّاش بـمجموع وهمي Recueil factice
إلا أنه .. والحق يقال .. يقوم بتفحّص هذا المجموع وتحليله، مسمّيا أبرز مكوناته، ومبرزا ترتيبها، ومعنونا ما استطاع أن يتعرّف على عنوانه.
وإذا عزّ عليه العنوان، فإنه يكتب الجملة الأولى من النص المخطوط.
وأحيانا نجده يكتب، وكأنه شبه عاجز عن تحديد النص أو النصوص “وثائق بدون قيمة” Documents sans importance
إلى غير ذلك من معالم منهجية فايده ..
أما جرد الباحثيْن .. نور الدين ومهيبو ..
فكان مركّزا جدا، وموجزا جدا، بل إن تركيزه وإيجازه مخلان في الغالب؛ فالمؤلفان مثلا يكتفيان بعنوان أول نص في الملف، ويضيع غير ذلك من النصوص الكثيرة الموجودة بالملف.
والغالب على المكتبة العمرية، أن كل ملف يضم الكثير من المؤلفات والمخطوطات، ولا شك أن الاكتفاء بعنوان مخطوط واحد للتعبير عن ملف فيه مخطوطات عديدة، فيه تقصير مجحف، وتحَكم اعتباطي من طرف واضعيْ الفهرس، وفيه إقصاء متعسّف، وتجاهل غير مبرّر لكثير من النصوص.
وهكذا ضاعت “دماء” الكثير من النصوص الموريتانية “بين القبائل” .. لِما كان لهذا الجرد من انتقائية في وضع عناوين الملفات.
حاولت، وأنا أستغل أساسا جرد المستشرق فايده، أن أحصل على بعض المؤلفات الموريتانية، فنجحت أحيانا في الوصول إلى نصوص موريتانية، وفي بعض الأحيان لا أكتفي بتحديدات المستشرق وإشاراته ..
فأعمّق البحث في الملفات، وأحفر فيها حفرا، وأنقبّها تنقيبا .. فأجد نصوصا موريتانية نادرة في الغالب، بل غير متداولة إطلاقا، بل إنها كانت بعيدة من يد الباحثين، ولم يسمّها المستشرق في جرده، فأتحصّل عليها بعد جهد جهيد من البحث، واعتكاف طويل على التنقيب، فأقوم بالاطلاع على مضامينها، ومن ثم تصنيفها وتبويبها.
وقد جمعت من هذا الجهد نصوصا عديدة، وكتبا متنوعة، وإجازات مسلسلة، ونوازل فقهية، وتواريخ موريتانية قديمة، وأحكاما قضائية، وأشعارا نادرة، ونماذج من خطوط الموريتانيين، وتمليكاتهم، وتوثيقاتهم، وغير ذلك ..
نشرت مقالين سابقين ..
أحدهما عن كتاب “امروگ الحرف” ..
والثاني حول ترجمة نادرة للعالم اللغوي المختار بن بونا الجكني رحمه الله . .
وكلاهما من نصوص المكتبة الباريسية العتيدة، وكلاهما غاية في النفاسة في موضوعه، والطرافة في بابه.
وسأتعرّض هنا في هذا المقال، لبعض نتائج التنقيبات التي قمت بها، وربما أعود إن شاء الله بمزيد من التعريف والاستكشاف، لمضامين ونصوص أخرى، من نصوص هذه المكتبة.
سيدي عبد الله بن انبوجه التيشيتي والمكتبة العمرية
أشرت في مقالتي السابقة، عن المختار بن بونا وترجمته النادرة، إلى أننا تعرّفنا على المؤلف المتدفق، والباحث المنقب، سيدي عبد الله بن انبوجه، عن طريق الباحثين الجليلين، أستاذنا جمال ولد الحسن رحمه الله، وأخينا ددّود (عبد الودود) ولد عبد الله ..
وبعد هذين الباحثين .. أضاف الدكتور محمد المختار ولد اباه لبنة جديدة من لبنات التعريف بهذا العالم الضائع الأخبار والمؤلفات .. فعَرَّف في كتابه “تاريخ القراءات في المشرق والمغرب” بكتاب ابن انبوجه .. “إفادة الأقران بقواعد تجويد وكيفية أداء ورسم القرآن” وهو كتاب نفيس في جزأين.
ويبدو أن ما قام به هؤلاء الباحثون الثلاثة، إنما هو الخطوات الأولى من رحلة الألف ميل، فيما يتعلق بالتعريف بسيدي عبد الله بن انبوجه.
وما سأقوم به أنا هنا ليس سوى لبنة أخرى، وخُطوة تالية، ستواصل تذليل بعض الصعاب، واستكشاف بعض أخبار هذا الرجل، والوقوف على بعض مؤلفاته، التي كانت لحد الساعة طي النسيان.
وقد يكون لبعض الباحثين من بعدنا أدوار في مواصلة البحث وحلقات في الكشف عن المزيد مما نطمح هنا للكشف عنه.
حول تاريخ ميلاد ووفاة ابن انبوجه
طالعت العديد من مؤلفات ابن انبوجه ومخطوطاته، التي نسخها لنفسه أو لغيره، فأحسست أن تاريخ 1247هـ 1832م .. الذي أشار أستاذنا المرحوم جمال في مقدمته، لتحقيق ضالة الأديب، أنه تاريخ ميلاد سيدي عبد الله بن انبوجه، إنما هو تاريخ يثير إشكالا، ويدعو للتساؤل.
ذلك أننا نجد ابن انبوجه في نهاية مؤلفه .. “التحفة الوجيزة” وهي منظومة في البلاغة، وتبلغ 94 بيتا، وكان قد أتم تأليفها سنة 1260 هـ 1844م .. ونسخها بيده، حيث يقول في نهايتها ..
أبياتُها أربعة وتسعونْ ۞ وعامُهُ ألفٌ ورَا وستون
يشير بقوله “را” إلى حرف الراء وهو 200 في حساب الجمل، المعمول به في ذلك الزمن. وهذا يعني أننا إذا افترضنا أن ميلاده كان سنة 1247 فسيكون له عند إتمامه لمؤلفه هذا ثلاث عشرة سنة، ويخيّل إلي أن ابن ثلاث عشرة سنة يصعب أن يكون مؤلفا ومنتجا، وخصوصا أن هذا النظم البلاغي، يدل على تمكّن وإحاطة، قد لا تتأتّى إلا لمن هو في سن أكبر.
وقد رأينا في ثقافتنا الموريتانية، أن بعض صغار السن من المؤلفين، يذكرون سنيهم إذا كانوا صغارا جدا، وكأنهم يشعرون أنهم دون سن التأليف ..
فهذا الشيخ عبد الرحمن الأخضري رحمه الله، الذي قال في نهاية كتابه السلم المرونق في المنطق ..
[| [(
وقل لِمنْ لم ينتصِفْ لمقصدِي ۞ العذرُ حقٌّ واجب للمبتدي
ولبني إحدى و عشرين سنهْ ۞ معذرة مقبولة مستحسنة
)] |]
وها هو المختار بن حامدن رحمه الله .. اعتذر في نهاية احمراره وطرته، على السلم المرونق عن سنه الصغيرة فقال ..
[| [(
كذا لِمن سِنُوهُ تِسْعُ عَشَرَهْ ۞ معْذرة أخرَى كتلكَ المعْذرهْ
)] |]
فهذان المؤلفان، يستكثران إحدى وعشرين، وتسع عشرة، على سن التأليف، فكيف بابن ثلاث عشرة سنة ؟!
وفي اعتقادي أن ابن انبوجه، لم يولد سنة 1247هـ 1832م .. كما في ضالة الأديب وإنما ولد قبل ذلك بزمن، وأن من سنّه ثلاث عشرة سنة، يصعب، مع ما نعترف له به من النبوغ الباهر، والاطلاع الواسع، والتميّز الظاهر، أن يؤلف الكتب ويستنسخها بخط رائع رائق، في تلك السن المبكرة.
وكان أستاذنا المرحوم جمال بن الحسن قد اعتمد في تحديده لتاريخ ميلاد ابن انبوجه، على أساس متين، وعلى حجة واضحة، وعلى دليل مبين .. حين قال في الصفحة 55 من ضالة الأديب “ولد سيدي عبد الله بن سيدي محمد بن محمد الصغير سنة 1247هـ، على ما صرّح به في فتح الرب الغفور، إذ قال في عد أحداث هذا العام .. وفيه ولدتُ كما أخبرتني الوالدة”.
وهذا نص صريح وصحيح، وقد ورد في تاريخ فتح الرب الغفور المذكور، دون زيد أو نقصان، كما نقله الدكتور جمال.
غير أن المشكل في نظري، ليس في هذا النص نفسه، ولا في التاريخ الوارد فيه، بل في مؤلِّف كتاب فتح الرب الغفور نفسه من هو ؟
إن المطّلع على تراث أهل انبوجه المخطوط، وعلى ما تركوه من مؤلفات ونصوص مخطوطة، في مكتبة الحاج عمر، سيلاحظ أن كتاب فتح الرب الغفور، ليس منسوبا لسيدي عبد الله، خاصة وأن نسخته الوحيدة، موجودة في هذه المكتبة.
وقد أكد الدكتور جمال على خلو كتاب فتح الرب الغفور من نسبة لمؤلفه، وإنما هنالك تشابه بين خط هذا الكتاب التاريخي، وبين بعض النصوص التي خطّها سيدي عبد الله.
ومن هذه الحيثية، رجّح الباحثان ددّود، الذي له الفضل في الكشف عن هذا النص، وجمال، الذي وضع ترجمة ابن انبوجه .. أن يكون النص لسيدي عبد الله.
والواقع .. أن خط هذا الكتاب، أشبه بخط أحمد بن سيدي محمد بن محمد الصغير بن انبوجه منه بخط أخيه سيدي عبد الله، وقد اطّلعت على أكثر من نص، بخط أحمد المذكور، وعلى أكثر من نص، بخط سيدي عبد الله، وبالتالي ما دام تشابه الخط هو المعيار في نسبة هذا الكتاب عند الباحثيْن، فلماذا لا يكون مؤلف كتاب فتح الرب الغفور هو أحمد، الذي ربما كان أصغر من سيدي عبد الله، وكان ميلاده سنة 1247هـ كما في النص ؟
أما تاريخ وفاة سيدي عبد الله فقد ذكر أستاذنا الدكتور جمال أنه لم يجد نصا دقيقا على تاريخ وفاته، وخمَّن جمال رحمه الله، أن يكون قد توفي قريبا من نهاية سنة 1300هـ 1882م ..
وذلك لسببين .. وهما ..
أن الرحالة الفرنسي أجين ماج الذي لقي سيدي عبد الله بسيگو عاصمة دولة الأمير أحمدو بن الحاج عمر، سنة خروجه من هذه المدينة سنة 1282هـ 1866م
وأن الأمير أحمدو، خرج منها أمام جحافل الفرنسيين سنة 1302هـ 1885م
وعلى هذا الأساس .. افترض الدكتور جمال، كون تاريخ وفاة سيدي عبد الله، بين هذين التاريخين .. تاريخ ذهاب الرحّالة الفرنسي من مدينة سيگو، وتاريخ جلاء الأمير أحمدو منها.
وأنا أرجّح أن تكون وفاة سيدي عبد الله أكثر دقة، وأن تكون سنة 1284هـ 1867م
وهو تاريخ يتماشى مع ما افترضه الدكتور جمال بطبيعة الحال، واعتمادي في هذا الترجيح، ما ورد في مرثية لأحمد الشاذلي أحد مثقفي بلاط الأمير أحمدو بن الحاج عمر المذكورين في نصوص المكتبة العمرية.
فلهذا الرجل قطعة من اثني عشر بيتا، في رثاء من يسمّيه سيدي عبد الله، وفي تلك الأوصاف الواردة في تلك القطعة، ما يمكن أن نطمئن به، على أن المعني هو سيدي عبد الله بن انبوجه نفسه.
ومن العناصر المفيدة والجديدة في ترجمة سيدي عبد الله، أنه قد تزوّج بسيدة تسمّى اقنيبَه .. وذكرها في وثيقة من تمليكاته ووصاياه، وتاريخها أوائل صفر سنة 1280هـ .. منتصف يوليو 1863.
وفي وثيقة أخرى، تمليك لابنه سيدي محمد، وقد ذكر في هذه الوثيقة، أن ابنه هذا ولد في رجب سنة 1278هـ .. يناير 1862، وتاريخ الوثيقة صفر 1280 .. أي نفس تاريخ وثيقة الزوجة، فلعل اقنيبه هذه هي أم ابنه سيدي محمد، الذي لم نجد له ولا لها من ذكر، إلا ما ورد في هاتين الوثيقتين.
وقفة مع مؤلفات ابن انبوجه التيشيتي في المكتبة الباريسية
من أبرز كتب ابن انبوجه في السيرة النبوية كتابه “خزانة الأدب في شرح أنساب العرب”، وهو شرح شامل لكتاب عمود النسب لأحمد بن محمدا المجلسي، الشهير بالبدوي.
وقد اطلعت على بعض أجزاء هذا الكتاب الموسوعي، وهي الجزء الثالث وبعض الرابع، والجزء السادس، والجزء الثامن، وبعض الجزء التاسع.
وأغلب هذه الأجزاء يحتاج الحصول عليه إلى أناة وصبر .. فهي متناثرة هنا وهناك، في مجلدات عديدة من هذه المكتبة.
ومن مزايا هذا الكتاب .. أن ابن انبوجه ذكر فيه الكثير من مؤلفاته، ومن ذلك كتابه “صحيح الأخبار في شرح قرة الأبصار”، وكتابه الثاني: “الإعلام والأخبار بما أغفله صحيح الأخبار في شرح قرة الأبصار”، وقد ذكرهما في الجزء الثالث من الخزانة، عند ذكره للاختلاف في الذبيح، هل هو إسحاق أو أسماعيل عليهما السلام ..
فقال .. “وهذا البحث قد أطنبت فيه إطنابا حسنا في كتابي المسمى بالإعلام والأخبار بما أغفله صحيح الأخبار في شرح قرة الأبصار، وكلا الكتابين أمتع من الآخر، إلا أن الإعلام لم يتم.
وقد كان من قضاء الله وقدرته، أني كنت أقرئ بعض الطلاب منظومة قرة الأبصار، فأعرته إياه ثم سافر به، فتوفي رحمه الله .. فلم أره، فيما رأيت من كتبه، والله المسؤول أن يرده سبحانه”.
كما ذكر في الجزء الثالث من كتاب الخزانة، مؤلفا موجزا وهو “نظم آبار مكة ومن حفر بئر زمزم”.
وكذلك نظمه “أسماء بئر زمزم” في الجزء الثالث أيضا.
وقد أورد هذه الأنظام تامة كاملة في الخزانة.
ولابن انبوجه مؤلف اسمه “الدرة الصقيلة في الفرق في ما بين الشعب والقبيلة” مذكور في الجزء الثالث من الخزانة كذلك.
وكما أن كتاب الخزانة شرح لعمود النسب للبدوي، فإن لها شرحا على نظم الغزوات للمجلسي أيضا، وهو “الجواهر السنية في شرح المغازي البدوية”.
يقول ابن انبوجه في الجزء الثالث من الخزانة “وقد بسطنا الكلام عليها في شرحنا المسمى بالجواهر السنية في شرح المغازي البدوية”.
وله نظم “أسماء مكة”، ونظم “أبنية الكعبة” .. ذكرهما في الجزء الثالث من الخزانة أيضا.
ومن مؤلفات ابن انبوجه في السيرة النبوية “إزالة الخفا عن زوجات المصطفى” وهو موجود بتمامه .. وهو عبارة عن رسالة في زوجاته صلى الله عليه وسلم، ومن خطب ولم يدخل بها.
ولابن انبوجه رسالة صغيرة في “أهل الصفة” مرتبة على حروف الهجاء .. وهي موجودة.
وله في التاريخ .. “غزوات الحاج عمر” أو “تاريخ الحاج عمر” كما سمّاه الدكتور جمال في ضالة الأديب.
وهو نظم طويل جدا، ذكر فيه ما صار إليه حال إمارة أولاد امبارك وخصوصا أهل بهدل وقد قضت جيوش الحاج عمر على وجودهم في منطقة باغنة وذلك على يد الفاهم الملقب ألفَ وهو أحد قواد الجيش الفوتي.
يقول ابن انبوجه ..
[| [(
وبعدُ وجَّهَ الهمامَ ألفَا ۞ لأرض باغَنَةَ معْهُ الفَا
وأرضُ باغنةَ إذ ذاك على ۞ غاية دَوْلةٍ وفي انتِهَا العُلاَ
عامرةُ النواحي والأرجاءِ ۞ موتية الأكل لكل جاءِ
إلا إذا جاء إليهمُ فهمْ ۞ أعداؤهُ والجهلُ قد أتلفهُمْ
فسارَ كيْ ينقِذَ من سنبُورُ ۞ من كانَ في بيديَّ لا يحورُ
عنهم وإذ أتى سريرَ راسلاَ ۞ ولْ أعمرْ ولْ اعْلِ وقد تكاسلا
وزعموا أن البلادَ لهمُ ۞ وهكذا قال اعْلِ ذا قبلهمُ
وأظهروا من قوة العنادِ ۞ ما لم يَمِلْ لله باستنادِ
فرحلوا كلا إلى جنگَوْدِ ۞ فقطنوا وربهم ذو جوْد
فاجتمع الكفارَ من صبيدِ ۞ وراسلوا العربان من بعيد
وعلم الفاهمُ من بعيدِ ۞ ذلك ما قال بنو صبيد
وأرسلوا للشيخ والنهيَ كتبْ ۞ وأن أسهل المُضرين ارتكب
فهدموه عن قريبٍ واستوى ۞ على ذويه من صبيد اللوى
وقتلوهم جميعا وهم ۞ عددهم لم يحصه توهم
وكان فتح كبّث من عجيب ۞ ما كان من ألْفَ من العجيب
)] |]
والنص هنا .. يتحدّث عن انتزاع جيش الحاج عمر، أراضي باغنة من أولاد امبارك، وذلك في معركتين متتاليتين، تعرفان بوقعتي سنبورو كما في النظم، أو سمبني كما في بعض الحوليات الحوضية، وسنبورو هذا قائد فلاني، من إفلان كرطة، وقد صار من قواد الحاج عمر، ودخل في طاعته، عندما دخل كرطة، بل صار من أخلص قواده.
وأولى الوقعتين كانت سنة 1273هـ 1856م والثانية كانت في جمادى الثانية 1274هـ .. فبراير 1858م وتسمى أيضا وقعة تيمزين، وهي لجيش الحاج عمر الفوتي على أولاد امبارك.
وتقع تيمزين إلى الشمال الشرقي عن مدينة العيون، وممن مات ذلك اليوم، المختار الصغير بن سِيدِى أحمد بن المختار أمير فاته انغلي قائد أولاد امبارك، وكان مساندا لأهل بهدل بن امحمد الزناگي.
ومن مؤلفات ابن انبوجه في التاريخ “ترجمة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي” وهي ترجمة مفيدة ونادرة، وقد تحصّلت منها على ثلاث ورقات فقط، يقول ابن انبوجه في نهاية الثالثة منها .. “وبخط سيدي محمد (ابن سيدي عبد الله) ..
توفي والدنا عند غروب الشمس، ليلة الجمعة، لثلاث بقين من ربيع الثاني، عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف، ووافق ذلك الحادي والعشرين من فبراير .. وقلت في ذلك ..
[| [(
قضى أبي السيد عبد الله ۞ في سنة البشرا على انتباه
ليل حيي من ربيع الثاني ۞ عند غروب الشمس والأذان
وليلة الوفاة ليل الجمعه ۞ جمعنا الله على خير معه
)] |]
وتوفي ابنه محمد محمود، انصداعَ الفجر، يوم الجمعة، الثامن والعشرين من رجب الفرد، آخر يوم من إبريل، عام خمس وثلاثين و12، وانقضَّ عشاء ليلة الجمعة التي توفي في فجرها نجم عظيم، أضاء ما حولنا منه.
وأتيته يوم الأربعاء وهو قاعد .. وقال لي
أنا لست منكم .. وأوصاني ..
ومن علمه بذلك، أنه اغتسل هذه الليلة، أي ليلة الأربعاء، وقال لي .. أنا لا أعقب ليلة الجمعة.
وقال لي كثيرا ما يجري على لساني حين كنت أبني الدار .. أتبني بناء الخالدين، وإنما مقامك فيها لو عقلت قليل !
وكانت ولادته ليلة الاثنين، سابع رجب، عام اثنين وثمانين ومائتين وألف، كذا بخط الوالد”.
قال .. “ووجدت بخطه أنه -أي الوالد- ولد عام ثلاث وخمسين ومائة.
وقلت في ذلك ..
وكان في الثالث بعد الخمسين ۞ مولده فعاش للثمانين”
انتهى ما نقله ابن انبوجه في ترجمة سيدي عبد الله.
ومن مؤلفات سيدي عبد الله نظمه “تحفة المسترشد في ذكر ما للدين من مجدد ” وهي نظم موجود بخط المؤلف، وعليه حواش وشروح، على شكل طرة، ويقع النص في ثماني صفحات، وقد ذكره د جمال في ضالة الأديب، وعندي صورة من نسخة المؤلف.
ولابن انبوجه كتاب غير بعيد في موضوعه من تحفة المسترشد .. وهو “إرشاد المستمعين وتبصرة المعتنين بشرح تحفة المجتهدين في أسماء المجددين”، وقد شرح فيه نظم السيوطي، ونقل فيه عن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، وعن الشيخ سيدي محمد الخليفة الكنتي، وتوجد منه نسخة ناقصة قليلا في نهايتها .. وعندي صورة من نسخة المؤلف.
ومن مؤلفات ابن انبوجه كذلك “كتاب التراجيم والإعراب واللغات” ولم أجد منه سوى ورقاته الأولى، التي عدّد فيها مراجعه قائلا ..
“هذا عدد الكتب التي نقلتُ منها إليه، وطالعتها كلها عليه، ومجموعها جملةً ثلاثمائة وخمسين كتابا، في أربعة وسبعين جزءا.
وإلى الله أضرع في التوفيق، وليس لي فيه غير المداد، فمن رأى فيه خلافا، فليراجع هذه الأمهات المنقول منها، إذ لا تصرّف لي فيه إلا محض نقل كلامهم وجمعه، لأن دأبي التقاط درر العبارات، من حياض العلماء، وأخذ غرر الإشارات، من رياض الحكماء، فهو لسانهم لا لساني، وبيانهم لا بياني، والله الموفّق”.
وقد ذكر كل هذه الكتب، ومن بينها جملة من المراجع الموريتانية، كان قد اعتمدها في هذا الكتاب، منها ما هو معروف عندنا، ومنها ما لا أحسبه متداولا .. ككتاب نزهة الأخبار في سيرة المختار للطالب أحمد بن طوير الجنة الحاجي الوداني، ودرة الغواص في السيرة للعلامة محمد المبارك بن محمد بن الحاج حمى الله الغلاوي، والإعلام بالمواطن والأعلام لصالح بن عبد الوهاب الناصري.
كما أن له “التحفة الوجيزة وشرحها الدرة الوجيزة” والنص منظومة في البلاغة، تبلغ 94 بيتا، وتوجد منها نسخة تامة، بخط المؤلف، وتقع في ست صفحات.
وقد نظمها سنة 1260 هـ 1844م حيث يقول في نهايتها ..
أبياتُها أربعة وتسعونْ ۞ وعامُهُ ألفٌ ورَا وستون
يشير قوله “را” إلى حرف الراء وهو 200 في حساب الجمل المعمول به في ذلك الزمن.
أما شرحها .. الدرة الوجيزة، فالموجود منها 22 صفحة بخط المؤلف.
وهنالك نقص في نهاية الشرح، حيث ينتهي ما هو بين أيدينا منها عند البيت الرابع والستين، وفيه يتحدث المؤلف عن التوشيح، وهو من البديع.
وعندي صورة من نسخة المؤلف.
ومن مؤلفات ابن انبوجه التيشيتي “سداد العوز لمريد حل الرمز” أو “النبذة الكافية في حل الرموز الشاطبية” وهو مؤلف، شرح فيه منظومة غالي بن المختار فال البصادي.
قال سيدي عبد الله في كتابه إفادة الأقران الورقة 19 ..
“قد جمع جميع ما تقدم المختار غالي بن المختار، فألف منظومة مستقلة، وسماها كشف الرمز، وشرحتها بما سميته سداد العوز، لمريد حل الرمز”
وأضاف في الهامش “النبذة الكافية في حل الرموز الشاطبية”.
ومن بين مؤلفات ابن انبوجه الجزيلة، وتصانيفه الرائعة “شرح الوسيلة لابن بونه”
وقد شرح فيه وسيلة السعادة في معنى كلمة الشهادة وهي نظم في العقيدة، للعالم اللغوي المختار بن بونا شرحا مستفيضا شاملا.
وفي هذا الشرح، وفي مستهله، ترجمة مستوعبة لابن بونا، حرّرها ابن انبوجه، وجاء فيها بالمعلومات الغزيرة، والإشارات العديدة، التي تضيف عناصر ومعطيات كانت غائبة عن ساحتهنا الثقافية، وقد نشرتها في مقالة سابقة.
ومن تلك العناصر وتلك المعطيات، ما يتعلق بترجمة ابن انبوجه نفسه .. متى توفي، وكم عمره .. وهو موضوع طالما أرّق مترجمي نجل بونا، وطالما خمّنوه تخمينا، وضربوا فيه أخماسا لأسداس.
ومن تلك المعطيات الدالة، حديث ابن انبوجه عن طرة ابن بونا، وعن نسخها المتعددة، والفروق بين تلك النسخ، وأسباب تلك الفروق، وكون نسخة سيدي محمد بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم هي أصح نسخ طرة ابن بونا، لأنها ربما كانت من آخر ما صححه ابن بونا، ووضع عليه تعليقاته وتهميشاته.
ومن تلك المعطيات، ما يتعلّق بكون المختار بن بونا، أخذ عن السيدة العالمة المنطقية خديجة بنت العاقل، وأن من تلامذتها حرمة بن عبد الجليل وغيره، وأن الشيخ أحمد بن العاقل درَّس في مدينة شنقيط، وذكر ابن انبوجه بعض من أخذوا عنه هنالك.
كما استعرض ابن انبوجه جانبا من حياة النابغة الغلاوي ومتى جاء إلى منطقة الگبلة، وعلاقاته بابن بونا، وغير ذلك مما كان غائبا عنا.
وقد ذكر ابن انبوجه جانبا من الصراع الفكري، الذي حصل بين ابن بونه و المجيدري بن حب الله اليعقوبي وأورد شعرا للمجيدري لم يكن متداولا.
كما عرّج على صراع ابن بونه و الشيخ سيدي المختار الكنتي وأورد فيه عناصر مفيدة.
كما أورد جانبا من شعر عبد الله بن سيدي محمود الحاجي النادر، الذي خاطب به شيخه المختار بن بونا.
ومن أروع مؤلفاته وأكثرها إثارة “إفادة الأقران بقواعد تجويد وكيفية أداء ورسم القرآن” وهو في جزأين.
وهذا الكتاب ذكره الدكتور محمد المختار ولد اباه، في كتابه تاريخ القراءات في المشرق والمغرب .. من الصفحة 619 إلى الصفحة 633 .. وقد أثنى على هذا الكتاب، وهو جدير بالثناء، كما عرّف ببعض مضامينه تعريفا شاملا.
وقد ذكر ولد اباه، أنه لم يستطع أن يتبيّن بوضوح عنوان هذا الكتاب الفريد في نوعه، بسبب بتر في أوله؛ إذ يبدأ من اللوحة رقم 3 ولعل قبلها عدة صفحات يُفترض أنها تذكر اسم الكتاب كاملا وخطته.
وهذا صحيح ..
إلا أنني قد عثرت على اسمه في مؤلف آخر لابن انبوجه، وهو الجزء الثامن من كتاب .. خزانة الأدب في معرفة أنساب العرب
إذ نجده يقول ..
“ومن أراد بسط هذا النوع، فعليه بكتابنا المسمى .. إفادة الأقران بقواعد تجويد وكيفية أداء ورسم القرآن في جزأين”.
فهذا هو اسم هذا الكتاب، الذي أبان ابن انبوجه في فصوله العديدة، ومباحثه المتنوعة، عن معرفة بعلوم القرآن غزيرة، وعن اطلاع على المعارف القرآنية واسع ونادر.
ومن أبرز ما استوقفني في كتاب إفادة الأقران بقواعد تجويد وكيفية أداء ورسم القرآن، نقاش المؤلف لملاحن القراء في موريتانيا، التي يعبّر عنها تارة بالبلاد المغربية، وتارة أخرى بالتكرور، في بعض الحروف حين يقول ..
“اعلم رحمك الله، أني عقدت هذه الخاتمة بعد الباب المذكور وفصوله، لأبيّن فيها ما وقفت عليه مما يلحن فيه أهل البلاد المغربية وغيرهم، مما يتعلق بهذه الحروف؛ والوجه في ذلك أن ما تقدم قبل هذا الباب بيّنت فيه صفة التجويد، ثم بيّنت فيه كيفيته بالمخارج والصفات، وأتبعته بتفريق الصفات وتقسيمها على الحروف”.
إلى أن يقول ..
“ثم عقدت هذه الخاتمة في تبيين ما لحن فيه قراء القصر ومن قبلهم، مما يخالف ما تقدم.
فأقول .. اعلم أن أهل المغرب يلحنون في عدة أحرف في كتاب الله، منها الجيم يقرؤونها مشوبة بالشين .. وذلك خطأ ..”
ويضيف ابن انبوجه لاحقا ..
“ومنها السين الساكنة، إذا وليها تاء، نحو .. نستعين، والمستقيم، ويستحيون، فإنهم ينطقون فيها بلحن، تقصر العبارة عن التعبير عنه، وأقرب ما يقال فيه .. إنه ينقص من السين بعض همسها، ومن التاء بعض جهرها وشدتها، ويجعلونها من حروف الرخوة، وهي ليست منها، وهذا خاص بتكرورنا هذا.”
ومن سعة اطلاع ابن انبوجه، أنه عندما عقد بابا للحديث عن الحذف، أعطانا صورة متكاملة للمؤلفات الموريتانية في هذا المجال، قائلا ..
“اعلم وفّقنا الله وإياك، أن هذا الباب مما أفردت فيه المؤلفات، وصنّفت فيه التصانيف، فمن أجلّها وأيسرها حفظا، وأظهرها لفظا .. منظومة الإمام المختار بن علي بن الشواف الجكني المقرئ، وكانت هذه المنظومة مما اعتمد الأشياخ والتلاميذ، وأغنتهم عن غيرها من كتب الحذف، من نثر ونظم، لحسن نية مؤلفها .. أكملها سنة أربعين ومائة وألف.
وكان رحمه الله ذا علم، عارفا بكتاب الله، وتوحيده، مقرئا محققا مدرسا؛ يقرئ الرسالة قراءة بحث وتدقيق، ومختصر خليل .. له حظ من النحو، وله حظ من قيام الليل.
أخذ عن الفقيه أحمد بن السالم المسومي.
توفي رحمه الله في الخامس والتسعين بعد المائة والألف.
ثم رأيت منظومة مختصرة للشيخ محمد بن سعيد اليدالي المغربي رحمة الله عليه.
وكلا النظمين رجزية مختصرة، إلا أن الأول زاد على الثاني في آخره، فانظره.
ثم رأيت منظومة أصغر جرما من هذين النظمين، للإمام عبد الله بن أحمد بن الحاج حمى الله الغلاوي البكري في الحذف والإثبات أيضا، وهو رجزي أيضا.
ثم رأيت قصيدة فيه في بحر البسيط للشيخ عبد العزيز بن عبد الرحمن وهي نحو ما في تسهيل الحذف.
ثم رأيت في هذا الباب تلخيص إبراهيم بن المختار التمرقي الذي جعله على مذهب شيخه عبد الله بن عمر التونكلي رحمهما الله، وهو نثر حسن.
وفي هذا النص إشارات مفيدة إلى بعض أعيان وأعلام المقرأ في هذه البلاد الموريتانية في مختلف مناكبها ..
فهذا سيدي المختار بن الطالب اعْلِي بن الشواف الجكني: توفي 1781م وهو من علماء تجكانت، كان قارئا مدققا مدرسا يقرئ الرسالة قراءة بحث وتدقيق ومختصر خليل.
أخذ عن أحمد بن سالم المسومي.
وأخذ عنه الطالب أحمد بن محمد راره التنواجيوي.
وله نظم تسهيل حفظ الحذف المذكور هنا وفي فتح الشكور.
ونظم تسهيل الحذف هذا مما اعتمده الأشياخ والتلاميذ في هذه البلاد وأغناهم عن غيره من كتب الحذف من نثر ونظم لحسن نية مؤلفه سيدي المختار بن الطالب اعلي بن الشواف الجكني وقد ألفه عام 1140هـ 1728م.
وأشار ابن انبوجه إلى الشيخ الجليل محمد اليدالي وهو عالم منطقة الگبلة ومؤرخها وشاعرها.
“له مؤلفات غزيرة كثيرة .. من أبرزها تفسيره للقرآن الكريم “الذهب الإبريز في تفسير كتاب الله العزيز” و”خاتمة التصوف” وشرحها و”الحلة السيراء في أنساب العرب وسيرة خير الورى”، و”أمر الولي ناصر الدين” و”شيم الزوايا” وله ديوان شعر رائق من أشهره قصيدته المديحية “صلاة ربي” المشهورة المذكورة، وله غير ذلك .. نفع الله العباد والبلاد بعلمه .. ومؤلفاته مقبولة عند الناس”.
كما أشار ابن انبوجه إلى العالم الجليل الشيخ أحمد بن الطالب عبد الله بن الحاج حمى الله الغلاوي وهو عالم فقيه شاعر أديب، ولم يكن في منطقة الحوض مثله في زمنه، كما يقول صاحب الوسيط.
وله أكثر من خمسين مؤلفا، يوجد بعضها في هذه المكتبة العمرية.
وقد ذكر ابن انبوجه في هذا التأطير، إبراهيم بن المختار التمرقي .. ولعل التمرقي نسبة لقبيلة تِيمْرگيونْ، وهم قبيلة علم ومعرفة بالقرآن الكريم، وهم أخوال رئيس موريتانيا الأسبق المختار ولد داداه .. فوالدته، خديجة بنت محمود بن إبراهيم من قبيلة تِيمْرگيونْ.
وكان إبراهيم بن المختار التمرقي، من الآخذين عن أشفغ عبد الله بن عمر الديماني الذي يسميه ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران .. عبد الله بن عمر التونكلي، وأشفغ عبد الله فقيه تشمشه، وهو أول من ألف من زوايا الگبلة بعد حرب شرببه ..
من مؤلفاته المورد الصغير نظم رسم القرآن، وسمي الصغير، مقابلة للمورد الكبير للخراز، وعلى المورد الصغير اعتمد اليدالي أيضا في نظمه لما حذف من الألفاظ في القرآن، كما كان من مراجع ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران.
وقد أورد ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران، الكثير من أنظامه التعليمية، وتقييداته المفيدة.
كما أن له نظما مستقلا في “أسماء القرآن المذكورة في القرآن” وعليه طرة لطيفة.
ابن انبوجه الشاعر
لابن انبوجه نصوص شعرية ربما لو جمعت واستقصيت لكانت “ديوان شعر”، وتوجد بعض قصائده ومقطعاته في المكتبة العمرية، منها ميميته المطولة، التي تزيد على الستين بيتا، والتي قالها في رثاء الحجاج الشناقطة، الذين توفوا 1272هـ 1856م، مطلعها ..
[| [(
إني لأعلمُ والدنيا إلى العدم ۞ أن الحياة خيالٌ ريء في الحلم
والناس فيها ظماء واردون على ۞ حوض الردى وحياض الهم والهرم
وخيرهم من على مولاهم وردوا ۞ مهاجرين لأهليهم إلى الحرم
ثم يأتي على ذكرهم بعد أن أطال في مناقبهم قائلا ..
فاذكر عِدادَهمُ واذر الدموعَ وقلْ ۞ يا رحمة الله بالغفران فانسجم
همُ: المنير المنيب المستقيم الأريــ۞ــبُ بن الحبيب الكريم النفس والشيم
فكم تعالت على ريب الزمان به ۞ فِئَامُ عدمٍ فأضحى العُدمُ في عَدَم
صام الهواجر مرضاةً لخالقه ۞ وقام حالكَ ليلٍ ثابتَ القدم
ثم البخاري وما أتقى البخاري وما ۞ أرعى البخاري لحق الله والرحم
كان السري التقي المرتقي أبدا ۞ تراه من خشية الرحمن في سدم
عليه من رحمة الرحمن أكمَلَها ۞ مقرونة بنعيم غير محتدم
ثم ابنه أحمدُ الأتقى النقي فلا ۞ أتقى من احمدَ في عرب ولا عجم
حباه خالقه بالفتح مدته ۞ وقد سقاه من العرفان بالديم
والقدوة الصدر بدر الدين غرتنا ۞ أعني محمدُ سامي القدر والهِمم
الْعَالِمُ العَلَمُ بن الْعَالِمِ العَلَمِ بــ۞ـن الْعَالِمِ العَلَم بن الْعَالِمِ العَلَمِ
والطَّاهرُ الشِّيَمِ بن الطَّاهرِ الشِّيَمِ بــ۞ـن الطَّاهرِ الشِّيَمِ بن الطَّاهِرِ الشِّيَمِ
والحاذِقُ الفهِمُ بن الحاذِقِ الفهِمِ بــ۞ـن الحاذِقِ الفهِمِ بن الحاذِقِ الفهِمِ
أضحى ولا جزِعٌ يجدي لنازلة ۞ بنو عَليٍّ به من بعدُ في غمم
وأصبح العلم يبكيه وشارده ۞ كالفقه والشعر والإعراب والحكم
وكل مكرمة وكل منقبة ۞ بل كل مفخرة للجود والكرم
ثم الرضى عابد الرحمنِ بهجتنا ۞ مستحكم العهد وافي الوعدِ والذمم
أضحى به السؤدد المرضي مرتفعا ۞ حين ادلهمَّ سواد المجد بالظلم
فهذه خمسة غزّ جحاجحة ۞ أكارم قادة الأقوام في اللقم
)] |]
والخمسة المذكورون هم حسب ترتيبهم في القصيدة ..
المنير بن لِحبيب بن المأمون بن الأمين بن المختار بن هاشم بن احمين المختار بن أحمد بن أعمر يبني العلوي.
كان عالما غنيا منفقا في سبيل الله.
وكان ضمن الرفقة الحجية التي مات بعضها في الحجاز، وقد دفن المنير في مكة المكرمة.
أوصى لفقراء الشناقطة بثلث ماله.
وله ابنان هما .. محمد ومحمد الأمين.
والثاني هو البخاري بن مأمون، وهو عم المنير المذكور، وكان سيدا رئيسا جليلا من أعيان مدينة شنقيط في زمنه.
وقد حج وتوفي في الحجاز.
والثالث ابنه أحمد، وقد ورد في المرثية الكثير من فضله.
أما الرابع فهو الشاعر الشهير محمدو بن محمدي العلوي.
ترجم له صاحب الوسيط، وأورد له الكثير من الشعر الرائق.
وقد تاقت نفسه إلى الحج، وزيارة الرسول عليه الصلاة والسلام، فمر بالمغرب، والتقى بالسلطان المغربي، عبد الرحمن بن هشام، ومدحه بقصيدتين من غرر شعره، فأكرم وفادته.
وقد توفي ابن محمدي، بعدما أدى فريضة الحج، ومر بالينبوع الواقعة على ساحل البحر الأحمر، وذكر ذلك في شعره.
ثم ركب سفينة، وتوفي وهو في عرض البحر الأحمر، فرجعوا به، ودفن في حدة بين مكة المكرمة وجدة.
وقد رافق ابن محمدي في الحج رفقة . وممن عاد وحدّث بخبره، الشيخ بن السوداني السباعي، وهو فقيه جليل.
والخامس عبد الرحمن .. لم أظفر بترجمته في المراجع التي عندي.
وله مرثية في جده من الأم .. لمحمد بن عبد بن الطالب محمد أحمد الغلاوي الشنقيطي، وهي لامية من الطويل موجودة.
وله دالية طويلة من البسيط في الرثاء بخطه ..
قال ممهّدا لها ..
“هذه الأبيات بدت من حجا لهفان أضره تصرف الزمان، تسلى بها منشدها الفقير إلى رحمة مولاه الكبير، معيذا به من تقادير الوبال ونكبات الدهر .. عبد الله بن سيدي محمد بن محمد الصغير بن الطالب محمد بن محمد بن الحاج، وفقه الله لما يرضيه، عن حبيبه وخله ومعدن عَقده وحله ونُور حدقته ونَوْر حديقته، المرحوم حماد بن المرحوم الحاج سيدي أحمد بن الأمين بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن اعبيد امُّ الغلاوي رحم الله السلف”.
وفي نهايتها كتب ..
“انتهى والحمد لله على يد منشئها لسبع مضين من ذي حجة سبعين ومائتين وألف .. 31 أغشت 1854 .. عبد الله بن سيدي محمد بن محمد الصغير بن الطالب محمد بن محمد بن الحاج سامحه الله”.
وكان أديبا مستحضرا للشعر ونظمه، له بيتان كتبهما في نهاية نسخة من كتاب “بغية الآمل فى ترتيب الكامل” وقد كتبها أخوه أحمد كتابة في غاية الروعة، وعندي منها صورة تامة، تقع في 384 صفحة.
كتب سيدي عبد الله في نهاية الورقة الأخيرة ..
“كملت المقابلة بحمد الله، على قدر الطاقة، على يد مالكها، عبد الله بن سيدي محمد بن محمد الصغير، منتصف رمضان المعظّم، من عام 1274هـ () عرّفنا الله خيره ووقانا ضيره ..
قائلا ..
[| [(
من نعمة الله ربي بغية الآملْ ۞ فالحمد مني له سبحانه كاملْ
ما زلت من نعمٍ منه على نعم ۞ ومن أجل الأيادي بغية الآملْ
)] |]
وفي هذه الصفحة، من مخطوطة بغية الآمل، بالذات، يمكن للقارئ أن يطّلع على خط سيدي عبد الله، وعلى خط أخيه أحمد، ويقارنهما فيما بينهما، ويقارنهما مع خط تاريخ كتاب الرب الغفور ليتبيّن صحة الافتراض الذي ذهبت إليه، من إمكانية نسبة هذا الكتاب لأحمد، بدل سيدي عبد الله.
وله نصوص شعرية أخرى، منها ما هو في مدح الأمير أحمدو بن الحاج عمر، ومنها غير ذلك.
ومما ذكره له الدكتور جمال ولد الحسن من المؤلفات، سوى ما ذكرناه أعلاه ..
ضالة الأديب وهي ديوان شعر والده سيدي محمد، مع ترجمة وافية له.
ثم كتاب نزهة الأذهان في ضبط ورد الشيخ التجاني.
فهذه خمسة وعشرون مؤلفا، سبقني الأستاذ جمال إلى ذكر ستة منها، من بينها تاريخ فتح الرب الغفور، الذي لا أظن أنه له، كما ذكر الدكتور محمد المختار بن اباه، كتاب “إفادة الأقران بقواعد تجويد وكيفية أداء ورسم القرآن”، فأكون بذلك قد ذكرت تسعة عشرا مؤلفا جديدا لابن انبوجه، أغلبها عندي منه صورة.
وفضلا عن هذه الكتب المؤلفة، فبين يدي صورة من نسخة من الجزء الأول من معاهد التنصيص لعبد الرحيم العباسي، وقد وضع عليها سيدي عبد الله هوامش مفيدة، وطررا مركّزة، يمكن اعتبارها إسهاما مفيدا في تعاطي ابن انبوجه مع مراجع الأدب والبلاغة.
كما أن بين يدي، صور من بعض المخطوطات التي نسخها ابن انبوجه لنفسه، فازدانت مكتبته بتلك النفائس المخطوطة، بخط في غاية الروعة ..
من ذلك ..
سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون وقد انتهى من نسخه لنفسه يوم الخميس 19 رمضان 1268 8 يوليو 1852.
وبين يدي أيضا، صورة جميلة من الجزء الأول من كتاب الاكتفاء، ويبدو أنه انتهى من نسخها وهو بمنطقة أفلَّه، إذ كتب سيدي عبد الله في نهايته ..
“كمل الجزء الأول من الكلاعي، ويتلوه إن شاء الله في أول الثاني، ذكر المبعث، بحمد الله على يد كاتبه لنفسه فقير مولاه، عبد الله بن محمد بن محمد الصغير بن انبوجه سامحه الله.
ووافق الفرغ منه ضحى الثلاثاء لاثنتي عشرة خلت من شعبان، بمحل ازويرات من أرض الركيز، بجانبه الساحلي عام جيد لكم شقص، عرفنا الله خيره آمين”.
وتعني جيد لكم شقص 1267 بحساب الجمل مما يعني أنه أنهى نسخه بتاريخ الثلاثاء 12 شعبان 1267هـ أي 10 يونيو 1850م.
شيوخ ابن انبوجه
ذكر ابن انبوجه العديد من شيوخه، في كتبه .. وهم شيوخ يمكن أن يضافوا إلى ما ذكره المرحوم جمال، في مقدمته لضالة الأديب ..
ومن هؤلاء ..
المختار غالي بن المختار بن فال بن أحمد تلمود البوصادي رحمه الله.
ومن شيوخه كما ذكر في مقدمة شرحه لوسيلة ابن بونا ..
سيدي محمد بن سيدي أحمد بن حبت الغلاوي الشنقيطي.
وذكر فيها أن محمد البار بن شيخ شيوخنا، عبد الله بن أحمد بن الحاج حمى الله الغلاوي، وأن المبرك بن أعمر أخو النابغة الغلاوي كانا من شيوخه.
كما ذكر سيدي عبد الله بن محمد محمود بن سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي ..
فقد وصفه في مقدمة شرحه لوسيلة ابن بونا بقوله ..
“شيخنا الولي القائم بأعباء الولاية والجامع بين التحقيق والعناية ..”
وذكر محمد أحمد بن محمود بن الطالب أحمد الغلاوي ..
وقد وصفه في مقدمة شرحه لوسيلة ابن بونا بقوله ..
“أخي وشيخي”.
وهو من أعيان أخوال ابن انبوجه، أسرة أهل الطالب، من أغلال شنقيط.
وقد أشار إلى تلك الخؤولة في الورقة 52 من شرح الوسيلة، عندما قال ..
“كما حدّثني به الثقة، عن شيخ شيوخنا المعتبرين في العلم، أن جدنا الطالب محمد أحمد بن عبد الرحمن الغلاوي الشنجيطي ..”
ومن شيوخه .. جده من الأم .. محمد بن عبد بن الطالب محمد أحمد الغلاوي الشنقيطي، وقد رثاه بمرثية من جيد الشعر .. ذكرناها عند الحديث عن شعره.
ومن شيوخ المؤلف .. القاضي والفقيه، الشاعر المؤرخ، محمد صالح بن عبد الوهاب الناصري، وكثيرا ما سماه في مؤلفاته بشيخنا.
ففي الورقة 158 من الجزء الثالث من خزانة الأدب يقول ابن انبوجه ..
“وقد صنّف العلماء في دولة الترك الإسلامية التصانيف .. فمن أمتعها الكتاب المسمى بالتنبيهات الإلهية بخبر دولة الأتراك الإسلامية، وهو من أجلّ كتب الدول، صغير، رأيته في العام الماضي، عام تسع وستين ومائتين وألف، عند شيخنا صالح بن عبد الوهاب، وفقّه الله تعالى.
ونقل منه شيخنا المذكور، كثيرا في كتابه الإعلام بالأماكن والأعلام”.
وقد عاد المؤلف كثيرا إلى كتاب صالح بن عبد الوهاب .. الإعلام بالمواطن والأعلام، كما نقل عن كتاب آخر لابن عبد الوهاب يسميه .. زوائد صالح بن عبد الوهاب قائلا .. “قال شيخنا صالح في زوائده”.
كما أن من بين شيوخه .. الطالب أحمد بن طوير الجنة الحاجي الوداني، وقد ذكر له في الجزء الثالث من الخزانة، كتابا يسمّى .. نزهة الأخبار في سيرة المختار وهو من المؤلفات التي ليست متداولة.
وكذلك .. درة الغواص في السير، للعلامة محمد المبارك بن محمد بن الحاج حمى الله الغلاوي.
والإعلام بالمواطن والأعلام لصالح بن عبد الوهاب الناصري ..
وهي مراجع لكتب موريتانية غير متداولة عندنا، وكانت مراجع ابن انبوجه.
وفي الختام ..
فإن المكتبة العمرية، بكثرة ما فيها من الكتب الموريتانية، تؤكد على وثيق الصلة، ومتّصل العلاقات، بين موريتانيا وبين منطقة الساحل عموما، وإمارة الحاج عمر الفوتي بشكل خاص.
وقد أخذت هذه العلاقات مناحي متعددة، منها التحالف العسكري، ومنها الصدام والقتال، ومنها إهداء الكتب للحاج عمر، ولابنه أحمدو، أو بيعها، أو استنساخها لهما.
وهذا ما يؤكد ما ذهب إليه أستاذنا المرحوم جمال ولد الحسن، حين قال ..
“أما عدد الكتب الشنقيطية الأصل تأليفا أو نسخا في المكتبة العمرية، فهو أمر لافت للنظر جدا، ومحتاج إلى دراسة تفصيلية دقيقة، تبرز من خلاله درجة التواصل الثقافي بين سكان المنطقة عموما، وبين الحاج عمر وبلاد شنقيط خصوصا”.
سيدي أحمد ولد الأمير
باحث موريتاني مقيم في قطر
للاتصال بسيدي أحمد ولد الأمير:
ahmeds@aljazeera.net
ouldlemir63@gmail.com
وقد ذكر ابن انبوجه في هذا التأطير، إبراهيم بن المختار التمرقي .. ولعل التمرقي نسبة لقبيلة تِيمْرگيونْ، وهم قبيلة علم ومعرفة بالقرآن الكريم، وهم أخوال رئيس موريتانيا الأسبق المختار ولد داداه .. فوالدته، خديجة بنت محمود بن إبراهيم من قبيلة تِيمْرگيونْ.
وكان إبراهيم بن المختار التمرقي، من الآخذين عن أشفغ عبد الله بن عمر الديماني الذي يسميه ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران .. عبد الله بن عمر التونكلي، وأشفغ عبد الله فقيه تشمشه، وهو أول من ألف من زوايا الگبلة بعد حرب شرببه ..
من مؤلفاته المورد الصغير نظم رسم القرآن، وسمي الصغير، مقابلة للمورد الكبير للخراز، وعلى المورد الصغير اعتمد اليدالي أيضا في نظمه لما حذف من الألفاظ في القرآن، كما كان من مراجع ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران.
وقد أورد ابن انبوجه في كتابه إفادة الأقران، الكثير من أنظامه التعليمية، وتقييداته المفيدة.
كما أن له نظما مستقلا في “أسماء القرآن المذكورة في القرآن” وعليه طرة لطيفة.