عندما تفتح موقع النيفرار تشتم عبق التاريخ إن لم تكن مزكوما “تاريخيا”. يحملك الموقع في رحلة علمية، أدبية، سياحية قلّ لها نظير. تجد نفسك سابحا في بحر من الفتاوي والإخوانيات والطرائف والمضارب.
إنك – بحق- تلج قرية لا كالقرى، تدخل حيا قدم إسهامات جليلة وإن خذله الزهدُ المفرط في فن الدعاية.عندما تفتح موقع النيفرار تشتم عبق التاريخ إن لم تكن مزكوما “تاريخيا”. يحملك الموقع في رحلة علمية، أدبية، سياحية قلّ لها نظير. تجد نفسك سابحا في بحر من الفتاوي والإخوانيات والطرائف والمضارب.
إنك – بحق- تلج قرية لا كالقرى، تدخل حيا قدم إسهامات جليلة وإن خذله الزهدُ المفرط في فن الدعاية. لكن الأمل أصبح قائما.
فاليوم أضحى بإمكان موقع النيفرار تصحيح الخلل وإتحاف القراء بكل ما هو جميل وعميق وجزل وطريف من إسهاماتٍ ما كان لها أن تــُـدفن ظلما وهي القادرة على التدفق سيلا يطفئ حرقة الباحثين والدارسين والمهتمين.
لقد تصدق عليّ الأخ الوديع يعقوب ولد عبد الله ولد أبُـنْ حين أخبرني بوجود هذا الموقع الرائد؛ ربما لأنه يعرف أن الأديب الأريب، فقيد الكلمة الحرة، حبيب ولد محفوظ، حدثني مرات عن “احسي ميلود”، عن فضائل وخصوصيات قاطنيه، عن أعلامه وعلمائه المغيـبين، عن تراثه، عن ترابه، عن علكه، وعن “أعصاره”. حدثني الحِب الراحل، الساكن أبدا في مشاعري وخيالاتي، عن تهجيه للأحرف الفرنسية لأول مرة على يد المغفور له محمد ولد باكا، هناك في مدرسة النيفرار. كنت أعرف النيفرار فقط من خلال أحاديث شيقة للكاتب المبدع.. أحاديث “يحلو ذكرها”، تستهوي الفضوليين أمثالي، خاصة عندما تـترع الكأس الأولى بعد اجتماع التحرير، ويتحلق الزملاء حول تلك “الظاهرة” التي غادرتنا مأسوفا عليها.
بعد عشرين سنة من “أحاديث النيفرار”، قــُــدر لي أن أزور القرية المعطاء خريف 2011. كان صديقي “مختر” قد دعاني لقضاء يومين بين رعاة وأغنام في كبد إكيدي. وفي ضحى اليوم الثاني سألت عن أقرب قرية عساني أجد
حانوتا اشتري منه حاجة لي. فقيل لي بأننا لا نبعد كثيرا عن النيفرار. فتوجهت مع صديقي صوبه. كنت في الطريق استعيد ذكرياتي مع الراحل حبيب. فها أنا – لأول مرة- أزور القرية التي تعلم فيها أحرف لغة سيجيدها في ما بعد مثلما لم يجدها قبله أي موريتاني.. إنها أيضا قرية “سلّامي”: ذلك الكناش الديني والأدبي الذي لا أفوّت أية فرصة لفتحه عندما التقيه، ولو على عجل…
توقفت السيارة عند حانوت استوقفني رقم هاتف كبير جدا وغريب جدا مكتوب على واجهة جداره. أتذكر أنه مليء بتتابع الأرقام المثيرة المقلوبة شكلا (666999…).. ألقيت نظرة على القرية الصامدة، وأحسست بأنني أقف على كنز من التاريخ والتراث والعلم والأدب. لم أجد أي شخص أعرفه أو يعرفني. كان بودي أن أجالس أكابر قرية أنجبت الأديبين عبد الفتاح ولد سيدي ولد محفوظ (حبيب) ومحمد فال ولد عبد اللطيف. لكن الوقت لم يكن ليسمح بذلك. كان صديقي مشغولا بالحديث مع صاحب الحانوت الذي اتضح لي أنه ليس حانوتيا كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما هو مثقف مخفي في حانوت. قلت في نفسي: تلك أيضا إحدى مفارقات هذا الحي المليئ بالخصوصيات كما قال لي الحِب حبيب.. عندما هممنا بمغادرة القرية، رأيت وجها فيه ملامح شخص التقيته آخر مرة في المذرذرة سنة 1985. كنا نطلق عليه “أبْهس”. وكان يجد حرجا كبيرا في هذا اللقب الذي لا أعرف عنه إلا أنه كان يوقظ فينا شيطان المراهقة. ونتيجة لما كان
يتعرض له “أبهس” من إحراج أنذاك، حفظت اسمه.
لأنه كان ينهرنا، مكررا باستمرار أنه يدعى “أحمدُّ ولد محمذن”. صافحته وعرّفته على نفسي. وبسرعة تذكر تلك الليالي الصنكوية الضاحكة. قال لي بأنه يسكن أو يزور النيفرار منذ فترة.. أهم ما في “ولد محمذن”، مع براءة ما يذكــّــر به من سنوات “الغفلة”، أنه شكل جسرا كان ضروريا لدخول قراءة يعقوب في أدب أحمدُّ ولد الولايـَـه، ولو من النافذة. إذ أخال أن والدة “ولد محمذن” تدعى “تاتي”. أو هكذا أظن.
فهل هي أخت الشاعر أحمدّ ولد الولايه المذكورة في النص؟.. لا أريدها “فائدة غيرمفيدة”، وإنما يهمني أن أفهم علاقة صديق الطفولة أحمدُّ ولد محمذن بالشاعر أحمدُّ ولد الولاية، وما إذا كان سميّـه.
مهما يكن، فإن نفض الغبار عن شعر وشاعرية ولد الولاية أمر في غاية الأهمية لما للرجل من تميز وقدرة وظرافة. بل لقد جعلتنا قراءة يعقوب نفهم، للمرة الأولى، أن المحيط العائلي لولد الولاية كان عكاظيا، وأن النيفراريين كانوا يتزاحمون عنده للإمتاع والاستمتاع، للرواية والحكاية، للنقد والاستزادة. وإذا كنا نعرف أدب ولد الولايه في مرحلة المقام في المذرذره، فإننا نجهل إلى حد كبير أدبه في مرحلة النيفرار. خاصة أننا كنا نسمع شبه أساطير عن “غرامياته” وعن مرحلة “معينة” كان فيها يكتب غزلا رائعا على جذوع الأشجار. وهنا يسعدني أن يميط الباحث يعقوب لثام الحقيقة
عن هذا الأدب. فيسعفنا – في الحلقات القادمة- بما يؤكد أو ينفي ذلك. وهل فعلا تملــّـــك الوجدُ شاعرنا لهذه الدرجة؟
وأين ذلك الشعر؟ وهل ثمة من يحفظه؟ وفي من قيل؟.. وإن على الباحث أن لا يبخل علينا بالمحص؛ فالشعر الحساني يتطلب وضع الحركات على الأحرف تسهيلا لقراءته سالما من العيوب. وإني إذ أحيي في أخي يعقوب جديته ومجهوده، لا يسعني إلا أن أنبه إلى أن ما سطرتــُـه هنا ليس مقالا أو تحليلا، وإنما ردة فعل متواضعة وسريعة ومشتتة، أريد من ورائها تهنئة أصحاب موقع النيفرار على الجهد العظيم، و”إرغام” يعقوب على الغوص عميقا في إنتاج وحياة الشاعر
الإكيدي الكبير المرحوم أحمدُّ ولد الولايه.
محمد فال ولد سيدي ميله