الرئيسية / تأبين المرحومة امبيريكه بنت محمد عال "بيك" / تأبين المرحومة امبريك بنت محمد عال بن زيَّاد

تأبين المرحومة امبريك بنت محمد عال بن زيَّاد

“الغُربَ شِدَّ” كلمة طالما سمعتها، ولم أُعْمِل الفكر في تأمل معناها، فلم يكتب الله علي الجلاءَ والنأي عن الوطن إلا منذ عامٍ ونيف، لكني فهمت معناها اليوم وأنا أستمع إلى رسالة صوتية قصيرة وصلتني عبر “الواتساب” أخبرني فيها الشيخ بن احمادَ – شفاه الله- بانتقال الوالدة الحنون بيكَ إلى الرفيق الأعلى فإنا لله وإنا إليه راجعون.

يا أخت خيرِ أخ يا بنتَ خيرِ أبٍ *** كنايةً بهما عن أشرف النسب
أجِــــلُّ قدرك أن تُســـــْمَيْ مُؤبَّنةً *** ومن يصفك فقد سَمَّاك للعرب
طــوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ *** فزعتُ فيه بآمالي إلى الكذب
كأنَّ “بِيكَةَ لم تمـــلأ مواهــــبها *** دِيَّارَ عَمْرٍ” ولم تخلعْ ولم تهَبِ

ولدت بيكَ في انيفرار في العقد الثالث من القرن العشرين، وأطلق عليها تيمُّنًا اسم جدتها امبيريك بنت محمذن بن عمِّ بن سكم، ونشأت في دولة أهل زيَّاد، حيث درست مبادئ العلوم الشرعية على عمها العلامة محمد فال بن أحمذُ بن زيّاد (ت1352هـ) ، وسرت إليها منه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدَّوام على قراءة كتابيْ دلائل الخيرات وأفضل الصلوات، كما تأثرت بعمها محمد محمود (ت 1345 هـ) فأخذت عنه قيامه باستقبال زوَّار الحي ورعاية المرملين والأرامل، وتعلمت على يديه علوم الطب والصيدلة، كما تضلعت من علوم السيَّر وأنساب عدنان وقحطان وبني دامان و ديمان على يد والدها العالم النسابة محمدعالى بن زَيَّاد (ت 1395هـ)،

الفاضل النبه النبيه المرتضى *** العـــالم العــــلامة المــــفضال

الفـــائق النـــظراء في الآداب والـــ أخلــــاق والأقـــوال والأفعال
ورثت “بيكَ” الصلاح والمجد والسؤدد وعلوُّ الهمَّة من أخوالها آل الشيخ أحمد الفاضل فأمُّها آمنة بنت الشيخ محمدن بن الشيخ أحمد الفاضل.

تلك المكارم لا قعبان من لبن *** شيبا بماء فعَادا بعدُ أبوالا

تميزت بنات محمد عال بن زياد الثلاث: حَبيبَ وبيكَ وأمُّ الخير – شفاها الله- بالرئاسة والحذق والعقل، وهو ما جعل منهنَّ “تِنْدَوْكَرَظًا” مُتَمَيِّزًا ينضاف إلى الثلاثيات المنجبات الشهيرات في إيكيدِ: وهنّ بنات الزبير بت حامدتُ، وبنات أحمدْ بن المصطف بن خالنا، وبنات عبدَ بن المَامُون.

آل بيوتٍ ثلاثة خرجوا *** من مكَّةٍ هجرةً إلى الدِّين
هاجَر آل البكير كُلُّهمُ *** وآل جحش وآل مظعون

بنَتْ بيكَ مجدها الطارف في بيت زوجها الشيخ احْمادَ بن محمدُّ بن ابَّا؛ البحر الحبر الصوفي المُربي؛ حيث كانت ساعده الأيمن وعيبة سره، وخير مُعين له في تنفيذ مشروعه الإصلاحي، القائم على تغذية الأرواح والأشباح، ومساعدة المجتمع على مكافحة النفس و الشيطان ومظاهر التَّصحر، وكان بيت الشيخ كعبةَ يرتادها الزوار من كل حدبٍ وصوبٍ، وكانت قعيدة البيت هي المضيفة والمجاملة والجنديُّ الخفي الذي يشرف على تدبير وتسيير برنامج الشيخ المشحون بالنوافل والآذكار وأعمال الخير.

كَانتْ مكرمة العشير ولم يكن *** يخشى غوائلَ أمِّ حزرة جارُ
والريح طيبة إذا اســـــتقبلتها *** والعرض لا دنسٌ ولا خَوَّارُ
صلى الملائكة الذين تخيروا *** والصــالحونَ عليكِ والأبْرَارُ

وَهَبَ الله “بيكَ” ذريةَ صالحةَ، ربَّتهُم تربيَّةً خاصَّة، فصاروا مورد الظمآن، وقرة العينين، والمنهج المنتخب، وهالة البدر، و نظم النقباء وشرح الغزوات والمبشرات… حفظهم الله ورعاهم و رحم من قضى منهم نحبه وأسكنه فسيح جناته، وقد ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار.
عاشت “بيكَ” في انيفرار – بعد وفاة الشيخ احماد (1990م)، وحافظت على تركته حيث ظلت “دار أهل احمادَ” ملجأ المخوف، وغوث المُعْتَرِّ، وقِبْلة المُعْتفي، وشفاء العليل.. وكانت – رغم تقدمها في السن – تحرص على استقبال الزوار وتلبية احتياجاتهم، وقد منحها الله بصيرة ثاقبة وعقلا راجحًا وخبرة واسعة بأدب الزمان وأحاديث وقصص بني ديمان،واطِّلاعًا مُوَسَّعًا على الأنساب والأخبار والحوادث والنوادر والنكت ؛ إضافةً إلى إتقانها للغة الصنهاجية، فضلاً عن أدب جمٍّ وخلق عال ودبلوماسية راقية، هذا مع العبادة الدائمة الخاصة لله عزَّ وجلَّ، الخالصة من الرياء والعُجب.
نامت بيكَ زوال الخميس وفاضت روحها الطيبة الطاهرة إلى بارئها، عن عمر زاد قليلا على التسعين، تغمدَّها الله برحمته وجزاها عناَّ خير الجزاء.
رددت على الرسالة الصوتية، بعبارات تقطعها الحسرة، الناتجة عن فراق الوالدة والبعد عن الأحبة، وقلت للشيخ إن جسمي معي لكن روحي عند أهل احمادَ.
نسأل المولى عزَّ وجلَّ أن يشفي الشيخ ويردَّه إلينا سالمًا غانمًا من رحلته العلاجية في دولة المغرب، كما أعزي الأستاذ المحترم عبد الله بن احمادَ وخليلي محمد فال، أمَّا خالاتي الطيبات الطاهرات فأقول لهنَّ ما قاله قبلي الأديب أحمدُّ بن الولايَ

صَابِتْكُمْ ذِيكْ المُصِيبَ *** يَمْنَاتْ انْتُمَاتِ عَمُّ
لِكْـــبَارَاتْ ءُ يَحَـــــبِيبَ *** ءُ يَبِيكَ صِبرُوهْ ءَ يَمُّ

تعليق واحد

  1. رحم الله بيك بنت آلاّ رحمة واسعة.. كامل العزاء للشيخ واعبيد في المغرب ، هكذا فلتكن الحرَّةُ وهكذا فليكن التأبين فتبارك الله أحسن الخالقين

اترك رد