الرئيسية / مقالات / بحوث يعقوب بن عبد الله بن أبن / المشهور في ورود شهر أمام الشهور

المشهور في ورود شهر أمام الشهور

مدخل 

وصلت إلي اليوم -عبر “الواتساب”- معلومة تفيد بأن لفظة الشهر لا ترد إلا قبل شهري الربيع ورمضان، فأثارت لدي فضولا بحثيا، فطفقت أفتش بين ثنايا كتب النحو والأدب عن هذه النكتة النحوية المفيدة،  وقد تصفحت عدة كتب من أجل معرفة آراء النحاة حول المسألة، وسأضع بين أيديكم البضاعة المزجاة التي توصلت إليها، على أمل أن تحسنها وتكملها  تعاليقكم، فالفيس لا يخلو من صديق أو خليل أو سيبويه عادة.

أولا: علل من خص الشهور الثلاثة:

عَلَّلَ أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بثلاث علل هي: ورود حديث يؤكد أن رمضان من أسماء الله، فإضافة الشهر جاءت للتفريق بين اسم الجلالة وشهر الصوم، والعلة الثانية قائمة أيضا على التفريق بين فصل الربيع والشهرين الشهيرين، أما العلة الثالثة فمبنية على تخصيص الأشهر التي تبدأ بحرف الراء، التي أضافوا لها رجب. يقول الراعي النميري:

شهري ربيع لا يذوق لبونهم *** إلا حموضا وخمة ودويلا

   روى البيهقي في السنن والشعب وغيره من المحدثين الحديث التالي : (لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل، ولكن قولوا: شهر رمضان)، لكن أهل الجرح والتعديل ضعفوه، حيث قال الإمام المحدث أَبو معشر (ت 170 هـ)، أن من ضعَّفه أَكثرُ ممن وثَّقَهُ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

أما الأصل الاشتقاقي لكلمة رمضان، فقد جاء في “لسان العرب” أن الرمض: حرقة الغيظ، .يقال: رمض الراعي مواشيه وأرمضها؛ إذا رعاها في الرمضاء، ورمضان من أسماء الشهور معروف؛ قال الشاعر:

جارية في رمضانَ الماضي ***  تقطع الحديث بالإيماض

وقد أفرد الإمام البخاري في “صحيحه “ بابا أطلق عليه اسم ” هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعا”،  وقد أورد فيه الحديث الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة)، ونلاحظ أن كلمة شهر، لم ترد فيه قبل رمضان، وهو ما يوهن الحديث الأول.

تقوم العلة الثانية على التفريق بين شهر الربيع وفصله، وقد ذكر أبو علي أحمد المرزوقي الأصفهاني (ت 421هـ) في كتابه الشهير “الأزمنة والأمكنة ما نصه: (….إن الشهور كلها مذكرة سوى جماديين، ولا يذْكُرُونَ من شهر كذا إلا في ثلاثة أشهر: شهر رمضان وشهرا ربيع؛ لأن الربيع وقت من السنة، فخافوا إذا قالوا من ربيع، أن يظن أنه من الربيع الذي قبل الخريف..)

أما العلة الثالثة فهي قائمة على تصدر حرف الراء في أسماء الشهور، وقد صرح بها الشيخ أحمد بن عبد الوهاب النويرى    (ت 733 هـ)، في كتابه “نهاية الأرب في فنون الأدبعندما قال: (… إن أربعة أشهر لا تكاد العرب تنطق بها إلا مضافة، وهى: شهرا ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان…)

ونحا عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093هـ) نفس المنحى في كتابه الشهير ب “خزانة الأدب” عندما قال: (…لا يقال شهر جمادى؛ فإن لفظ شهر لا يضاف إلا لما في أوله راء؛ كشهر ربيع وشهر رجب وشهر رمضان كما هو المشهور..).

هذا في حين أننا نجد بيتا للشاعر الصحابي حميد بن ثور – رضي الله عنه- ذكر فيه “شهور” قبل جمادى وذلك حين يقول:

رعين المراز الجون من كل مذنب ***  شهورا جمادى كلها والمحرما

وفي البيت زيادة نكتة؛ وهي أنه جعل جمادى شهورا وهي شهران فقط، كما في قوله تعالي في سورة النساء: ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أي أخوين فصاعدا.

ثانيا: آراء النحاة حول المسألة:

اختلفت آراء النحاة حول هذه المسألة؛  فقد ذكر عمرو  بن عثمان بن قنبر الملقب سيبويه ( ت 180 هـ)  في “الكتاب” عبارة (…ولو قلت: شهر رمضان، أو شهر ذي القعدة، صار بمنزلة يوم الجمعة…)، وانطلاقا من إضافته لذي القعدة للشهر؛ أخذ جمهور النحويين بجواز إضافة شهر إلى سائر أعلام الشهور؛ بمن فيهم رئيس النحاة محمد بن مالك (ت 672هـ ) كما أكد ذلك شُراح كتابه “التسهيل”.

وقد تعرض أبوحيان الأندلسي (ت 745 هـ) إلى هذه النكتة في كتابين له؛  الأول “تذليله للتسهيل حيث قال: (….. وظاهر قول ابن مالك «إن كان اسم شهر» العموم في جميع أسماء الشهور الاثني عشر. وظاهر قوله «غير مضاف إليه شهر»؛ أنه يجوز أن يضاف شهر إلى جميعها، فتقول: شهر المحرم، وشهر صفر، إلى آخرها.

وليس الحكم كما يدل عليه ظاهر كلامه، ولم تستعمل العرب من أسماء الشهور مضافاً إليه شهر إلا رمضان وربيع الأول وربيع الآخر، وأما غير هذه الثلاثة من باقي أعلام الشهور فلا يضاف إليه شهر، لا يقال شهر المحرم، ولا شهر صفر، ولا شهر جمادى..)

أما كتابه الثاني فهو “ارتشاف الضرب من لسان العرب حيث قال في جزئه الثالث: (….وإذا أضفت إلى اسم الشهر؛ لفظة شهر جاز أن يكون العمل في جميعه، وأن يكون في بعضه تقول: صام زيد شهر رمضان، وكلام سيبويه يؤذن بجواز إضافة شهر إلى سائر أعلام الشهور، وخص بعضهم جواز إضافة (شهر) برمضان، وربيع الأول، وربيع الآخر، وما ذكرناه من التفرقة بين علم الشهور، وإضافة شهر إليه هو مذهب الجمهور…)

وقد تناول الشيخ محمد بن يوسف الحلبي المعروف بناظر الجيش (ت: 778 هـ)، هذه القضية في شرحه على  التسهيل المسمى “تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، وذلك حين قال: (…إن المشهور بين الناس أن شيئا من أسماء الشهور لا يضاف إليه لفظ شهر إلا ثلاثة وهي: شهر رمضان، وربيع الأول، وربيع الآخر، وصرح ابن عصفور  بذلك في شرح “المقرب”، والحق خلاف ذلك، ولهذا لم يقيد المصنف الإضافة بشيء دون شيء…)

كما ذكر جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) المسألة في الجزء الثاني من كتابه “همع الهوامع في شرح جمع الجوامع”  إلا أنه لم يزد فيها على ما جاء به أبو حيان في كتابه “التذليل والتكميل على التسهيل” الذي سبق وأن ذكرناه، فلا أرى ضرورة لتكراره.

أما الشيخ المختار بن بون الجكني (ت 1220 هـ)  فقد خالف قول ابن مالك في التسهيل، عندما قال في “احمراره على الألفية” في فصل المفعول فيه:

وإن يضف لعـــلم شــهر أبى *** ذا فيه نحو صمت شهر رجب

ولم يضف شهر لدى الجميع *** إلا لـــذي القــــرآن والربــــيع

وقد علق الشيخ أحمد بن كداه الكمليلي ( ت 1337 هـ) في “حاشيته على الطرة” على ما قاله الشيخ ابن بونه بقوله:

ولتضــــف الشـــــهر لـــــكــــل شهر *** من الشــــهور تقف قول عمرو

وفـــي الدمـــامـــيني الــرضـــيِّ آت *** وهـــو قـــول أكــــثر الــــنحاة

وفي السيوطي النقل عن عمرو ورد *** وانــظره في الصبان آخر العدد

ثالثا: الخلاصة

بعد جولة خاطفة في كتب النحو والأدب خرجت بالملاحظات الشكلية التالية:

  • ندرة الشواهد الشعرية التي تؤكد ورود لفظ الشهر أمام الأشهر جميعا، خصوصا جمادى مع كثرة ورودها؛ لأن الشعراء يعبرون بها عادة عن شدة البرد.
  • لم يناقش سيبويه في كتابه المسألة بصفة صريحة، وإنما وردت عبارة “شهر ذي القعدة” في كتابه، فتبعه جمهور النحاة، ويشهد له بيت الصحابي حميد بن ثور رضي الله عنه.
  • أكد ابن حيان وابن ناظر الجيش إتباع محمدابن مالك لمذهب الجمهور.
  • خالف الشيخان ابن حيان الأندلسي و المختار بن بون الشنقيطي محمد بن مالك، وأقرا إيراد لفظ الشهر قبل شهري ربيع ورمضان فقط.
  • تخصيص شهري الربيع ورمضان بهذه الميزة دون غيرهم من الشهور، وافق هوى في نفسي؛ فرمضان أنزل فيه الفرقان والربيع ولد فيه صاحب القرآن صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فقد نال الشهران بهذين الحدثين شهرة وميزة على جميع الشهور، ورحم الله الشيخ امحمد بن احمد يورَ حين يقول في مطلع مديحيته الجميلة:

إن الذي جاء بالوحي جبريل *** نال الربيع به فخرا وإبريل

الباحث: يعقوب بن عبدالله بن أبن

اترك رد