الرئيسية / فيسبوكيات / من كلام أهل إكيدي

من كلام أهل إكيدي

تعد سرعة البديهة، من الملكات الذهنية النادرة، فلا يلقاها إلا ذو حظ عظيم. وقد وهب الله أهل إيكيد قسطا وافرا من تلك النعمة، تجلى في القرارات الصائبة، والعبارات البليغة، والأجوبة المسكتة..

 

وقد تقبل المجتمع الموريتاني ذلك النمط التعبيري، واستحسنته مختلف أطيافه وجهاته، حتى صارت كل كلمة بليغة “مِدَّيْمْنَ” سواء قيلت في كمبى صالح أو أوداغست أو أزوكي…

كما تعتبر الكلمة ثالثة الأثافي التي يقوم عليها “الدَّيْمِينَ”، وذلك لشدة تأثيرها، وسرعة انتشارها وتناقلها عبر الأجيال..

 

 

فلا تزال حكم الفاللِّ بن باب أحمد، وطرف باب فال، ونكت ألجد بن انديه مضبوطة محفوظة، تحيى بها ليالي السمر حتى الآن..

وسأحاول في هذه التدوينة، أن أشير إلى طرافة أسلوب التنكيت والتبكيت؛ من خلال سرد عدة مواقف استخدمت فيها بعض تلك العبارات السهلة الممتنعة ، وذلك بهدف إثراء الصفحة وإثارة متصفحيها، ودفعهم إلى التفاعل مع الموضوع، عن طريق استطراد بعض الطرف والملح فالحديث شجون كما يقولون..

 

ولا بد من الإشارة إلى أنني قد أورد بعض العبارات باللهجة التي قيلت بها؛ فذلك أبلغ من ترجمتها وأسلم والله تعالى أعلم.

بعد أحداث “التسفير” نهاية الثمانينات -التى صادفت وجود السيد أحمد سالم بن ابَّوْبَا في السنغال-، سافر الأخير نحو انواكشوط، فحضر مجلسا ضم بعض التجار الذين قضوا أعمارهم جنوب النهر، وكان موضوع الحديث يتعلق بالأحداث؛ حيث روى الحاضرون قصص نجاتهم، وتفاصيل طريق العودة الذي لم يكن مفروشا بالورود، وفجأة سأل أحدهم أحمد سالم عن الكيفية التي رجع بها إلى الوطن؟

 

فبادره رحمه الله قائلا ” آنَ يَخَيْ الاَّ انْشِلْتْ اشْوَيْ مِسْتَكْبَلْ وِنْشِلْتْ امَّلىِّ امْكَاِف”، وقد سئل أحدهم عن إعراب كلمة “انشلت” الأولى فأجاب بأنها فاعل و أن الأخرى مفعول.

 

كان الشيخ المختار بن حامد يقضي عطلة استجمام في “آمنيكير”، ومعه صديق له ، وقد صادف قدومهما عقد قران إحدى بنات الشيخ، لكن الضيف لم ينتبه لذلك، وبعدما أمضى أياما سأل المختار قائلا: لقد استيقظت البارحة على خباء مضروب على مقربة من الخيمة فلمن هو؟

 

فأجابه المختار قائلا: ذَاكْ حَدْ إسَوَّلْ عَنُّو مَرْيَمْ (والدة البنت)، وبعد مرور أيام ،سأل الضيف مريم عن خباء كلما تعار من الليل يلاحظ وجوده، وفي النهار يختفي أثره، فقالت له ذَاكْ اللاَّ سَوَّلْ عَنُّو تِنْدُومْ.

 

جاء الدور على الصحفي اللامع حمَّوْ بن أحمدُّ مامين رحمه الله، في مرافقة البعثة الموريتانية الرسمية المتجهة إلى الديار المقدسة، – وكانت دورية بين الصحفيين- فاستدعاه وزير الاتصال إلى مكتبه، وأخبره بأنه استبدله بزميل له، لكنه – بالمقابل- يدخر له مهمة أفضل، فأجابه حِمَّوْ بديهة: “السيد الوزير الحج أشبه مِنُّو الاَّ الزكاة”.

حل مؤخرا شاب مثقف ضيفا على عاصمة إحدى البلديات الإيكيدية، في إطار مسح تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية، وبدأ بالجانب الغربي من القرية، حيث أجرى حوارا مع سيدة؛ سألها أولا عما إذا كان رب البيت مقيما مع الأطفال؟

 

فأجابته بقولها : “مَانِشْكِرْلَكْ ذَاكْ”، ثم سألها عن اسم زوجها الكامل؟ فقالت له “اكْرَاعِ رَاكدْ”.

 

فخرج عنها واتصل بمقر عمله وطلب منهم نقله إلى بلدية أخرى، ليتسنى له القيام بعمله.

كان من عادة الجالية الموريتانية المقيمة في الخرطوم، أن تشتري لحم الإبل يوم الجمعة حيث يذهب بعض أفرادها فجرا إلى سوق ليبيا لإحضاره.

 

وقد لوحظ غياب المهندس محمذباب بن أحمد بن امَّين، عن تلك الطقوس، فسأله زميل له عن سبب ذلك؟ ، فأجابه بأن يوم الجمعة مخصص للراحة، وأن جلب اللحم يتطلب مشقة عظيمة، فقاطعه محاوره قائلا Ça vaut le coup ، فقال له محمذباب “سَافُو الفِلْكَ أَثْرُ”.

وفي نفس السياق تأتي كلمة المهندس محمد سالم بن عبد المومن الشهيرة، التي قالها عندما جاء إلى مكتبه أحد عمال شركة “اسنيم” -الذين يباشرون التنقيب عن المعادن-، واستفسر عن محتوى حسابه؟ فأجابه محمد سالم قائلا: Soixante dix milles et poussière.
——————————–

– عبارة Ça vaut le coût تعني “سَاوِ” بالحسانية ، وفيها تورية فنطق كلمة coût التى تعنى السعر هو نفسه نطف كلمة Cou التى تعني العنق ، فورى بالظهر عن العنق ولا يخفى ما في ذلك من البلاغة.

– كلمة poussière تعبر عن معنيين الأول هو الغبار، والثاني هو “الدكديك” بالحسانية فوري بالمبلغ الزهيد عن الغبار الذي يغطي لباس الرجل الذي يبدو أنه قدم مباشرة من مكان العمل.

 

 

يعقوب بن عبد الله بن أبُنْ

اترك رد