الرئيسية / الاخبار / كلمة الشيخ محمد فال بن عبداللطيف .. رئيس نادي حماية تراث المذرذرة

كلمة الشيخ محمد فال بن عبداللطيف .. رئيس نادي حماية تراث المذرذرة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه وسلم

السيد الوالي ـ السيد الحاكم ـ السيد العمدة

أصحاب السعادة السفراء السادة المنتخبون

أيها الحضور الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمحوا لي آثر ذي أثير ـ وأنا أشرف على افتتاح هذا المهرجان المبارك ـ أن أرحب بكم بين ظهرانينا في هذا الجزء العزيز من هذا الوطن العزيز: مدينة المذرذرة ذات الرمال البيض والماء الصافي والظل الوارف والأشجار الخضر والمناخ المعتدل والساكنة الطيبة المطمئنة الآمنة.

ثم لابد من شكركم وذكركم على ما تجشمتم من عناء لتشاركونا فرحة هذا المهرجان السعيد وتشرفوا بحضوركم وقائع افتتاحه وفعالياته وحفل اختتامه فلكم على ذلك جزيل الشكر وكامل الامتنان.

 

أيها السادة والسيدات

إن هذا المهرجان الذي يجمعنا اليوم جاء بمبادرة من نادي حماية تراث المذرذرة وهذا النادي هو عبارة عن رابطة ثقافية لا ربحية ولا حكومية، معترف بها رسميا وعلتها الغائية هي المساهمة في حفظ التراث الوطني من خلال المحافظة على التراث الثقافي للمذرذرة والتنويه به وانتشاله من عوادي الزمن.

وقد ارتأى هذا النادي بعد الاستخارة واستشارة أهل النادي بمعناه الكبير، أن يخصص هذا المهرجان لموضوع العلك وهو الصمغ العربي ويسمى أيضا بالكندر كقنفذ على مقتضى ما في القاموس ويسمى في الصنهاجية بتونيون فهي ألفاظ مترادفة. والسبب في اختيار هذا الموضوع هو قبل كل شيء المكانة التي تحتلها هذه المادة الطبيعية في الذاكرة الجماعية عندنا والدور الذي لعبته في هذه المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من سالف القرون، وأهميته الاستراتيجية على مستوى السوق العالمية.

حقا، لا يخفى ما للعلك من مكانة في هذا الصقع ولا شيء أدل على ذلك من قول القطب الشيخ أحمدو ولد اسليمان متوسلا إلى الله تعالى:

وأرجــــع إلـــــى أروار إكـــــيد علكه  ***   وربحه إن باعوه في الدور والفلك

وشركة أهل الشرك عجل فسادها   ***   فإن الــــــرباح لا يكون مع الشرك

إن تجارة العلك في هذه البلاد قديمة جدا فقد ذكر البكري أنه كان في زمنه ـ وهو القرن الخامس الهجري ـ يصدر منها إلى الأندلس ويستعمل في صناعة الديباج.

وقد ازدهرت تجارة العلك في القرون الخمسة الماضية، وأبرم أهل البلادبشأنها اتفاقيات مع مختلف الدول الأوروبية؛ التي كانت تتنافس على الاستئثار بهذه التجارة.

وقد كان أمراؤنا على وعي تام بما يمكن اجتناؤه سياسيا واقتصاديا من هذا التنافس، فكان من أبرع من استغله من أمرائنا الأمير اعل شنظوره رحمه الله كما استغلها بعد ذلك الأمير محمد لحبيب في حربه الشهيرة مع الفرنسيين التي كان العلك أحد أسلحتها ورهاناتها.

وفي العلك منافع للناس من أهمها؛ كونه كان بمثابة النقود تقوم به المتلفات وتشترى به المقتنيات وقد اختلف العلماء عندنا في طعاميته وما يترتب عليها من أبواب الربا وممن قال بطعامية العلك الشيخ محنض بابه وممن قال بعدمها العلامة محمد فال بن زياد والقاضي أحمد سالم بن سيد محمد وقد رأى القاضي محمذن بن محمد فال أن هذا خلاف في حال فقد كان العلك في الزمن الأول مقتاتا في الغالب وأما في العصر الحديث فلم يعد كذلك لكثرة ما بسط الله من الرزق، ومدار فتواه على أن الغلبيةالتي هي مناط الربوية نسبية فيدور معها الحكم.

ومن منافع العلك منافع صحية ذكر لمرابط أوفى رحمه الله منها كثيرا في عمدتهالمشهورة. وذكر الطبيب محمد المامي ولد آجه منها جملة صالحة في كتابه عن الأعشاب الموريتانية.

ولكن شأن العلك ليس مقتصرا على الجوانب المادية فلقد كان مجالا خصبا لعطاء أدبي وفير إذ كان شاطئ البحر في موسم العلك أشبه ما يكون بالمربد ينتابه الشعراء والأدباء من كل صوب وحدب يبتغون من فضل الله وتقع بينهم المناضلات والمساجلات ولو وجد هذا الأدب من يجمعه ويتتبعه من مظانه لجاء منه رافد كبير من روافد الأدب الموريتاني.

أجل،إن العلك هو الفضاء الذي يلتقي فيه تاريخ هذه المنطقة، واقتصادها وثقافتها وفقهها وطبها وأدبها وسيعرض عليكم السادة الدكاترة المتخصصون خلال هذا المهرجان محاضرات قيمة في شتى هذه الميادين معززة بعروض وثائقية وفنية ينعشها فلكلور غني وطيب وثري، مشهود له بذلك.

وثم مفاهيم ومصطلحات تخص أهل العلك لابد من جمعها وتفسيرها كالبضلانوالملقاطة والعمود والوخظةوالسيره والغار وأنواع العلك وأبكاك والفرشاشوالكامومة والخرص وجاه العلك والصرف والصرافة والبديلة ونحو ذلك.

وإياي أن تحسبوا هذه الأشياء من الأمور التافهة الهينة فإنها في ميزان الشخصية الثقافية عظيمة وإن الاعتناء بها هو من الأهمية بمكان لأنه في الحقيقة يؤسس للأرضية التي يكون منها الانطلاق الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي السياسي.

ثم ليعلم أهل نادينا حفظهم الله أنهم ليسوا بدعا في العناية بالعلك فلقد كان تثمينه هاجسا عند سلف أهل هذه المقاطعة الصالح. وأتذكر في هذا الصدد أنه في السبعينات من القرن الماضي عثرت صدفة في أحد كنانيشنا الفقهية على وثيقة كأنها شبه محضر اجتماع لوجهاء وأعيان من أهل هذه المدينة يرجع إلى أوائل الخمسينات من القرن الماضي وفيه مشروع متكامل يعطي تصورا عن اقتصاديات هذه المقاطعة وكيفية عقلنتها وأوجه التكامل بينها ونصوا على أن أهمها الثروة العلكية والثروة الحيوانية ومن بين موقعي هذه الوثيقة شخصيات من أهل هذه المقاطعة لها وزنها الاقتصادي والاجتماعي. فتدبروا هذه القصة واستفيدوا منها.

ولئن كانت خريطة العلك قد تغيرت اليوم عما كانت عليه في القديم بسبب عوامل الجفاف والتعرية فليس من المستبعد ـ إن شاء الله ـ أن ترجع منطقة إيكيدي كما كانت في القديم غابات من أيروار تعج علكا لا يكاد السائر يجد فيها ممرا.

وإلى أن يتم ذلك، فلا بد من التفكير الجدي في سد الفجوة التي خلفها غياب العلك في الميدان الاقتصادي والاجتماعي. ومن هذا المنطلق نغتنم هذه السانحة لاستنهاض همم الممولين الوطنيين وفي الدول الشقيقة والصديقة لتمويل مشاريع إنمائية تساهم في النهوض بهذه المقاطعة.

ونذكر هنا بالمقدرات الهائلة التي تزخر بها المقاطعة في كثير من المجالات الأخرى مثل المناظر السياحية والصناعات التقليدية والمناطق الأثرية والثروة الحيوانية والمكتبات العريقة الثرية وهي ميادين واعدة تنتظر من يستغلها ويثمنها ويثمرها في إطار السياسة العامة التي تنتهجها الدولة في ميدان التهيئة الترابية.

وإنه لمن حسن الطالع ويمن البخت أن يتزامن مهرجاننا هذا بحضور أهل رياضة الرماية في مدينتنا هذه، تلك الرياضة النبيلة العظيمة التي حض عليها وأمر بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فلننتهز الفرصة لنرحب بهم ونؤكد لهم أن الآصرة بين المذرذرة ورياضة “الشارة” عميقة وأصيلة ويشهد على ذلك النجد الشرقي الذي ترونه أمامكم فقد احتفظ من ذلك لساكنة المذرذرة بذكريات سعيدة.

وقبل ختام هذه الكلمة لابد من شكر خاص للوزارة الوصية وزارة الثقافة والصناعة التقليدية على رعايتها لهذا المهرجان ومن شكر عام لكل من قدموا له دعما ماديا أو معنويا ولا يتسع المقام هنا لسرد أسمائهم ـ بارك الله فيهم ـ على أن كل شيء من ذلك قد أحصيناه كتابا، فلهم جزيل الشكر.

ونسأل الله سبحانه النجاح في مقاصدنا كلها وإليه نلجأ وعليه نعول.

وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله.

اترك رد