الرئيسية / فيسبوكيات / أم ياسر.. قصتي مع قصيدة. محمدو سالم ابن جدو

أم ياسر.. قصتي مع قصيدة. محمدو سالم ابن جدو

أم ياسر.. قصتي مع قصيدة

يعجبني الشيخ محمد فال بن عبد اللطيف (حفظه الله) ويعجبني شعره، ويروق لي استخراج خباياه التي قل من ينتبه لها، وسبق أن قلت إن جانبا مهما من فهم ما يفيض به قلمه متوقف على معرفة شخصيته المتميزة.
بيد أن لقصيدته “أم ياسر” مكانة خاصة في نفسي، فقد كانت سبب التعارف بيننا قبل ما يزيد على ثلث قرن شمسي. ولذلك قصة أرجو أن لا أطيل فيها:
في صيف عام 1982 تعرض اللاجئون الفلسطينيون في مخيمي صبرا وشاتيلا ببيروت لمجزرة مروعة على أيد لبنانية إسرائيلية تحت رعاية إسرائيل الغازية، وفرض عليها تعتيم غربي صهيوني، لكن ما تسرب من فظائعها كان كافيا لتصور هول الجريمة. وكان من العرف أن تنظم الإذاعة من حين لآخر برنامجا فنيا وأدبيا يحضره الجمهور يسمى “لقاء الجمهور” وفي أول حلقة منه بعد المجزرة اختيرت مذبحة صبرا وشاتيلا موضوعا لمسابقة الشعر الفصيح، بينما اختيرت “هياكل تهذيب الجماهير” موضوعا لمسابقة الأدب الشعبي (هذا ما حدث).
في تلك الأيام كنت في العشرين من عمري الحقيقي (الأوراق تقول أكثر لأكون راشدا قانونا) ويربطني تعاون مع الإذاعة، وفور بث بلاغ بالمسابقة انهالت النصوص فصيحة وحسانية. كانت من النصوص الفصحى المتنافسة لامية خفيفية مطعمة بألوان بلاغية ليس أقلها الاقتباس، وتفيض أسى وامتعاضا مما حدث، وتدين المسؤولين العرب وتتهكم بالشرق والغرب، قدمها شاب يسمى محمد فال بن عبد اللطيف اتضح بعدُ أنه إداري من أهل إگيدي.
أعجبت لجنة التحكيم (برئاسة الشيخ محمد سالم ابن عبد الودود، وعضوية الشاعر أحمدُ بن عبد القادر والقاضي أحمد يورو حفظهما الله) بالقصيدة واستحْلَوها، وقال أحدهم: “لو لم يكن فيها إلا قوله:


كتب القتل والقتال عليكم ** وعلى الغير أن يجر الذيولا


لكفاها!”
فكان ذلك مناسبة لإثارة القصة المشار إليها.
على أن في القصيدة ذكرا لحاكم الولايات المتحدة الجديد آنذاك (رونالد ريغن) بلغ تسميته في قوله:


لم يملوا فكلما جد أمر ** جددوا نحو ريغن التأميلا.


وانسجاما مع خط الإذاعة المزمن تقرر حذف هذا البيت وحده، وإن دل عليه ما بعده:


ما يريد الجميع من ذلك الشيـ**ـخ؟ أما كان ظالما وجهولا؟! 


اختيرت القصيدة للرتبة الأولى وتلتها أخريان جيدتان لشاعرين مشهورين، ولا ترقيان إلى مستواها، وكانت إدارة الإذاعة موفقة حين قررت تعميم الجوائز على الثلاث بالتساوي.
مساء السبت 28 /7/ 1982 أقيم حفل بهيج في دار الشباب الوحيدة وقتها (القديمة الآن) وامتلأت المقاعد والممرات عن آخرها فأعلنت نتائج المسابقة. وألقيت القصائد الفائزة، وكانت “أم ياسر” تلقي نفسها على الناس دون تكلف أو تعسف من صاحبها. وألقى الشاعر أحمدُ بن عبد القادر ميميته “عرج بلبنان” على هامش المسابقة (لكونه عضوا في لجنة التحكيم) فكان ذاك المساء تاريخ مولد تلك القصيدة المشهورة.
من ذلك التاريخ نشأت معرفة ثم صداقة بيني وبين الأستاذ محمد فال عاشت كمونا أيام شغله المناصب العليا (اللوم فيه علي لابتعادي عن شاغليها) ثم تقاعد فتوطدت الصداقة وامدت أطنابها، وجمعتنا اهتمامات وأنشطة مشتركة آخرها – حتى الآن- مجلس اللسان العربي الذي يجمعنا، وتربطنا إحدى لجانه (لجنة الأساليب والإفتاء اللغوي).
اعترافا بمكانة هذه القصيدة طلبت من الشيخ محمد فال تسجيلها لي ففعل، كما يوضحه الفيديو المرفق الذي سجلته في شركة الكتب الإسلامية، ولا أضمن جودته الفنية، كما لا أعلم من سيدعي ملكيته.

اترك رد