الرئيسية / تأملات / ديدى النجيب يكتب بعث مكان في إنسان…

ديدى النجيب يكتب بعث مكان في إنسان…

عرفته رجلا واحدا يسكن بين كثبان من رمل موحشة، بعيدا عن كل دلالات التعالي والكبر والرقي. لم يبتعد حين أراد أخذ العلم في صغره..أو قل أنه لم يذهب إلى غيره..

كان إذا ذكر اسمه في المحافل العلمية والفكرية نظر ذوو المكانة إلى بعضهم شزرا ،  وكادت قلوبهم تبلغ الحناجر، فله وقع في أفئدة من له وعي بتاريخ الثقافة، فبحضرته تلبس الناس دروعا سميكة من اليقظة والاحتراز.

ورغم ذلك كان يتقن كل فنون الترف، والهزل وله مواهب في ذلك متعددة، ويقرض الشعر ويحكي من الأدب الحساني أحسنه، و”اينزل”.

وامتزج في ذهنه أسلوب خليل حتى كان تعبيره مختصرا على نهجه المختصر، مفتونا بأسلوبه في حذف ما يعلم للاختصار، وكانت ألفية ابن مالك نهجه في التعبير ومعيار فهمه لكلام الناس.

سار أبناؤه الكبار على الدرب، وحصدوا ثمرة ذلك يوم حصاده، وكما غيره من أبناء الدنيا قد حطت بساحته رسل الحدثان، وكان له موعد من النسيان، حين غادرت بعض أجزائه بقعة ميلاده، والدهر عسر ويسر والناس كالناس والدنيا لمن ملكا.

وكان ضريحه يزار في حياته، ونسيم أرواحه يشفي من العلة المجهولة، وماؤه عين الصفاء والنقاء رحيق يشتهى وعبق كالشذا.

وكانت الصدمة القوية في ذلك العالم الذي بدأ بالهجرة نحو الحياة، وأرخى عنانه لكل جديد.

وبقيت في عمقه أصوات خافتة تمسك على الجمر حفاظا على بسمته النادرة، ثلة من الأبرار أولائك النفر الذين جلسوا بجانب ضريحه، يأكلون الخبز ويسقون الماء، ويزيحون المكان ليتجلى في خلدهم رغم الغياب.

أترى المكان إنه كالإنسان يعيش عمره الطبيعي في الزمن، وله دورة حياة، نعم إن مكان يغادر..ولا يسعفه الزمان، رغم أنها انتكاسة نمطية في البنية التصورية، وتحد عظيم للذهن البشري أن يشعر لغة بلا مكان، كل ذلك يحدث داخل الإنسان وفي شعوره فقط، فالحنين لغة تضيع من قاموس الناس في عصر انفصل فيه الزمان عن المكان وبقية اللغة بين الوعي والغياب.

اليوم وقد عدنا فتية من صغاره نبعث من رحم الاتحاد والصبر ولا نريده أن يرحل عنا ..

فليبلغه من بلغه أننا في حاجة إليه أكثر من ذي قبل، فليعد وليمكث بيننا، فله مكان ولنا زمان.

بقلم ديدى النجيب 

اترك رد