الرئيسية / خصوصيات تاريخية / الحياة الاقتصادية “من كتاب أنساب بني أعمر إيديقب للأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف”

الحياة الاقتصادية “من كتاب أنساب بني أعمر إيديقب للأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف”

كان المجال الحيوي لأهل أعمر إيديقب كما رأيت قلب إيكيد و كانت بئرهم ذا المساجد هو العاصمة الأولى للزوايا أيام الجماعة و قبل خروج المغافرة و كان جل اعتماد الناس في معاشهم على تنمية البقر و الزراعة المطرية و ما عرفوا الإبل و الغنم إلا بعد الجيل الثاني بعد شربب و كانوا زمن شربب أهل خيل و كان لناصر الدين فرس حسب ما ذكره اليدالي . و كان الكثير من الزوايا يرى أن البقر أشد ملاءمة للاستقرار و طلب العلم و القيام بنواميس التزاويت و أما الإبل فصاحبها عندهم على خطر إذ ربما مال به طلب الطياش إلى نوع من الطيش و الجهل و التباعد عن خلق الزوايا بخلاف البقر فإنه لا يحتاج إلى رعاية ما دام الخصب موجودا أضف إلى ذلك أن الإبل عرضة للنهب من القبائل المغيرة التي قد تجيء من الشمال و البقر لا غرض لهم فيه لعدم صبره على العطش . و كان أول من تملك الإبل من أهل أعمر إيديقب سكم بن محمذن بن أعمر ثم أبناء المامون بن محمذن بن أعمر خصوصا آل شيبة و آل الشيخ أحمد بن الفاضل و كان من دأبهم أن رعاة البقر يقيمون معهم في الحي أما رعاة الإبل و الغنم فإنما يعاملونهم على بعض منافعها . وكان الزوايا يتفاخرون بطول المكث في الدار الواحدة حتى كان من علامات المجد و السؤدد أن تأكل الأرضة أوتاد البيت لطول مكثه و كان أهل أعمر إيديقب آخذين بهذا المنحى لا تزال حاضرة منهم مقيمة بالبئر و قد يلجئهم الجدب إلى التنقل لانتجاع المرعى في شكل ما يسمى بالعزيب و لكن سرعان ما يعودون إذا جاء الله بالحيا و غالبا ما يلجئون إلى أرض الخط شمال شرقي روصو قال أحمد سالم بن سيد محمد في إحدى استسقائياته :

غيث يحك ببركه أبلادنا *** ثمت يلقي بالخطوط الكلكلا
أرض متى ما أقحطت أبلادنا *** و نبت بنا فهي المعول أولا

و أما الزراعة فكان منها زراعة بشنه و تاغليت و هناك أحراث معروفة بكثرة المحصول و أدركنا أحراثا معروفة منها حرث الشيخ أحمد بن الفاضل بانياركن و حرث ابنه محمدن شمال انيفرار و حرث أحمذ بن زياد المسمى زرع المبجوج جنوب انيفرار الكبير و حرث للمبارك بن سكم عند لعظيميه اشتراه و نجد في الوثائق القديمة ذكرا لكثير من الأحراث منها حرث لآل ألف بن الزبير اشتروه بقطيع من البقر وهذا يدل على أنه كانت لهذه الأحراث مردودية . و كان لهم جزء كبير من مزارع الركيز يستغلونه مباشرة أو بواسطة الأجراء و لكن غالب الحراثة كانت حراثة اشركاش حتى إن هذا الحي كان يعير بذلك على سبيل المزاح كما أن لكل قبيلة من قبائل البلاد ما تعير به و هي عادة معروفة في العرب منذ الجاهلية فقريش تعير بالسخينة و تميم بأكل الضب و لكل بطن من بطون مهنض أمغر ما يعيرون به و ما كان لي أن أذكر ذلك و مما يعير به إيدابهم الدقيق و مما قيل لهم في هذا المعنى :

ذا ابهنض وَرَسِنَن لِهْنَ *** لِهْنَا رَشْنْ ماه بايح
وَرَاوَنْ إذْ ثْرَنْ بِشْنَ *** إذْ راشْ أذَ افِّ صالح

وترجمة هذا الكاف البربري من امريميده أن إيدابهم لا يقر لهم قرار و القرار عندهم غير مباح ( لشدة ثقتهم بأنفسهم ) و أحرى إذا وجدوا بشنه و وجدوا لها رمادا صالحا لقليها .
و مما قاله إيدابهم أو قيل على لسانهم في هذا الصدد من الشعر البربري :

تَمْكَكْ يَلَّ ايلّن اكْنُون *** اشَا دنَنَان كِيفْ اسكُظَنْ
…. ….                *** بزكر إذا نويش اثَظَنْ
أجَّجِنَّانْ آرَنْ اللونْ *** ورتا ني آجَج بَرَبْظن

و ترجمة هذا الكاف بالعربية نحمد الله على أن زرع السودان يصل إلينا فور خروجه من سنبله و أن نبات اشركاش قد بلغ سبع ورقات في حين أن أضاة بو زكري و أضاة انو يش مملوءتان ماء فهذا مؤذن بوفرة الحصاد وأن حميرنا خضر ليس فيها حمار أبقع و في هذا تلويح بالخروج على المذهب الديماني إذ كان من عادة بني ديمان استهجان الحمير غير الخضر و فيه إشارة أخرى أعرضنا عن ذكرها .
و كان من اقتصاديات الناس كذلك بيع العلك للنصارى و كانت تجارة تمارس منذ قرون و تتأثر بالصراعات الأوروبية و كان هذا الحي يمتارون من ادويره و هي أبو دور شرقي دكانه وكانت في طريقها محطات معروفة و كانوا يأتون بما يحتاجون إليه من لباس و زرع و حوائج أخرى و ازدهرت هذه التجارة حتى كانت العامة و أهل المجون يضربون مثلا فيقولون إني أفضل هذا الأمر على أبي قادما من ادويره و كانوا ربما اضطرهم الحال إلى الامتيار من ضواحي بوغى و كيهيدي و هذا في العصر المتأخر و أما في القديم فكانت تجارتهم إلى المراسي الأوروبية على المحيط إلا الزرع فكانوا يأتون به من شمام و كانت لـه رحلة معلومة زمن الربيع . و في أواسط القرن الرابع عشر للهجرة انتقل كثير منهم من ادويره إلى روصو ثم إلى السنغال و منهم من استقر في المذرذرة و كانت هذه التجارة هي أهم اقتصاد الحي إلى عهد قريب . و كانوا ربما ذهبوا إلى آدرار للامتيار من تمره و كان أول من سن هذه الرحلة سيد بن سكم حسبما بلغنا . و كان الذهاب في الميرة محكا تعرف به الرجال و تسبر مؤهلاتهم و كان لـه أد بياته و متطلباته من حكمة و حنكة و قوة بدنية و خبرة بالناس و الأرض و الممرات الصلبة و أماكن الخوف و غير ذلك و قد تقدم كلام والد بن خالنا في وصف ما يتعرض لـه المسافرون .
و من مصادر الرزق أيضا ما يسمى بالكبظ و هو وظيفة عرفية سنوية تؤخذ من اللحمة و من على شاكلتهم معروفة و معترف بها عند بدء الخريف .
ولما جاء المستعمر الفرنسي أجبر الناس على الالتحاق بمدارسه بهدف أن يكَوُّن منهم موظفين محليين فكان الأمر في أول الأمر قاصرا على أبناء الشيوخ و الأعيان فتخرج منهم المعلمون و الموظفون و المترجمون .
من كتاب أنساب بني أعمر إيديقب للأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف

تعليق واحد

  1. ” ايد منض” وتعنى بكلام الحسانية جميل جزاكم الله خيراوكفاكم ضيرا

اترك رد