الرئيسية / سلسلة مقالات الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف / حول كتاب الطريقة الشاذلية في بلاد شنقيط ،أعلام ونصوص.

حول كتاب الطريقة الشاذلية في بلاد شنقيط ،أعلام ونصوص.

تمسك بحب الشاذلية تلق ما    تروم وحقق ذاك منهم وحـصل

ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم    شموس هدى في أعين المتأمل”

هذان البيتان لأبي العباس أحمد بن عطاء الله صاحب الحكم ذكرهما الفيروزابادي في كتابه القاموس في مادة “شدل” بالدال المهملة؛ وأوردناهما هنا براعة استهلال لما نحن بصدده من تقديم كتاب السيد أحمدو بن الأمير بن المختار بن الكاظم اليدالي (أحمدو ولد آكاه) الذي سماه: “الطريقة الشاذلية في بلاد شنقيط: أعلام ونصوص (خاتمة التصوف للشيخ محمد اليدالي نموذجا)”، والكتاب في الحقيقة كامل شامل يستحق اسم: “الموسوعة الجامعة لأقطاب الطائفة الشاذلية اللامعة في هذه البلاد الشاسعة”.

وقد طلب مني من لا تسعني مخالفته سلالة الأشياخ الطيبين السيد سيدي أعمر بن شيخنا مدير “دار قوافل للنشر” أن أكتب له هذا التقديم على رسم نشره من طرف هذه المؤسسة؛ فلم أجد بدا من أن ألبي طلبه، لاسيما وقد وافق هوى في الوداد، يغني عن جميع مقومات الاستعداد، فقلت وبالله أستعين:

هذا كتاب مبارك أخرجه الله لهذه الأمة في هذه الفترة بالذات في حين طغى تيار المادية، واشتغل الناس بالأرض وأخلدوا إليها، وكاد بقل المعارف الروحانية أن يصوح، ووشل منابع التربية الربانية أن يجف.

ولعل من أطرف ما في هذا الكتاب – ولعله من أمارات قبوله إن شاء الله – أن يؤلفه في الطريقة الشاذلية مؤلف من وسط تيجاني الطريقة، ويقوم بنشره ناشر من الطريقة القادرية، فهذا دليل واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد، على أن هذا الكتاب ـ هو إن شاء الله ـ مما أريد به وجه الله بعيدا عن الحظوظ النفسانية، والشهوات الخفية والتعصبات الجاهلية.

ولقد بذل المؤلف – حفظه الله – جهودا جبارة في إنجاز هذا العمل، وتجاوز صعوبات عدة ذكر بعضها في الكتاب وأعرض عن بعض، حتى أخرجه لنا جاهزا بارزا مدققا محققا يجد فيه الباحث، والطالب، والعالم، والأديب، والصوفي، والفقيه طِلْبته غير مغبون.

لقد اعتمد المؤلف في هذا الكتاب منهجية علمية صارمة، وأسلوبا تعبيريا دقيقا سلسا، وجاء فيه بحقائق تاريخية لا غبار عليها، ووفق فيه إلى أبعد حد في التعبير عن تلك الحقائق بطريقة لا حرج فيها، كما وفق في التعبير عن معاني لا يتأتى لكل أحد التعبير عنها بالرغم من أنه ادعى أن مجال بحثه لا يتعرض فيه للأمور الذوقية، وأنه مقتصر عل السرد الوصفي والتحليل العلمي البحت.

قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أبواب داخل كل باب فصلان، داخل كل فصل محوران، فخصص الباب الأول لما سماه “المهاد التاريخي والديني والصوفي للطريقة الشاذلية في بلاد شنقيط” فأتحفنا فيه بمسح تاريخي عن المراحل التي مرت بها هذه البلاد منذ دخول الإسلام إليها إلى يومنا هذا، ذاكرا أهم الطرق السائدة فيها، مستطردا ما واكبها من المعارف في هذه البلاد، كالعقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف الجنيدي، مؤطرا ذلك بمحيطه السياسي والاجتماعي.

ثم ركز على الطريقة الشاذلية في بلاد شنقيط متحدثا عن تاريخها، وأورادها، وفروعها، وخصائصها، وترجم لمؤسسها القطب أبي الحسن علي الشاذلي ـ رضي الله عنه ـ وذكر بمبادئ هذه الطريقة وهي: الإخلاص، والتوبة، والنية، وطريق القصد إلى الله تعالى، والخلوة، وجهاد الشيطان والنفس والدنيا، والتحقق بالعبودية، والتزام الطاعات، والذكر بأنواعه (ذكر اللسان، والقلب، والروح)، والورع، والزهد، والتوكل، والرضا، وهي المعبر عنها بمقامات اليقين.

ثم تكلم على أوراد الطريقة، وأذكارها، وأحزابها، كحزب البحر، وحزب الفتح، وحزب البر، وحزب الشيخ أبي الحسن، وحزب النصر، بالإضافة إلى الوظيفة، والورد العام.

ثم تطرق بعد ذلك إلى سند الطريقة، وذكر أنها تسمى سلسلة الأقطاب، وسلسلة الأنوار، وسلسلة الذهب، وسلسلة العارفين، وكلها مرفوعة إلى الجناب النبوي إما من طريق علي بن أبي طالب، أو أنس بن مالك، أو سلمان الفارسي ـ رضي الله عنهم ـ وقد ترجم لكل من ورد ذكرهم في هذه الشجرة.

ثم استعرض بعد ذلك مراحل تطور الشاذلية في الديار الشنقيطية حيث قسمها إلى أربع مراحل:

ـ المرحلة الأولى، مرحلة الرواد الأوائل: ويقصد بها الفترة التي دخلت فيها الشاذلية إلى البلاد الشنقيطية،  وبدايات نشأتها، وأعلامها الأوائل الذين كان لهم قصب السبق في إيفاد الطريقة وإدخالها إلى الساحة الصوفية الشنقيطية، وشملت هذه الفترة أواخر القرن الحادي عشر وبدايات القرن الثاني عشر.

ـ المرحلة الثانية، مرحلة النهضة والتطور: وهي المرحلة التي تمت فيها عملية ترسيخ الشاذلية في الربوع الشنقيطية فأسس بعض أعلامها فروعا أساسية مثل: “الشيخ محمد الأغظف” (مؤسس الغظفية – الفرع الغظفي ) و”محمذن فال بن متالي” (مؤسس الفرع المتالي) و”باب بن حمدي” (مؤسس الفرع الحمدي)، وذلك منذ أواخر القرن الثاني عشر ومعظم القرن الثالث عشر.

ـ المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الازدهار والذيوع:  حيث بلغت الشاذلية في هذه الفترة أوج ازدهارها بحيث كثر المنتمون لها؛ وذلك بفعل الفروع التي أسسها أصحاب الجيل السابق الذي سماه “جيل النهضة والتطور”، وقد بدأ هذا الجيل في التشكل منذ أواخر القرن الثالث عشر، ليشمل النصف الأول من القرن الرابع عشر.

4 – المرحلة الرابعة، مرحلة الصمود والمواصلة:  إذ يعتبر هذه المرحلة امتدادا لسابقتها غير أنه شهد مزاحمة شديدة من طرف الطرق الصوفية الأخرى، كما أن أنه شهد في نهايته بعض الفتور من حيث محدودية الانتشار، وهو ما سيزداد بعد هذا الجيل؛ لتصبح الشاذلية من أقل الطرق الصوفية انتشارا في البلاد.

وسبب هذا التقلص – حسب رأيه –  هو إعراض الناس عن طلب العلم واشتغالهم بتحصيل المال في حين أن هذه الطريقة لا تثق بالتصوف إلا إذا تقيد بالعلم الشرعي الظاهر فنتج عن ذلك أن مشايخ الشاذلية في شنقيط لم يعد بوسعهم أن يلقنوا الأوراد لمن يجهلون فرض العين، ومن هنا يقال إن الطريقة الشاذلية طريقة نخبوية عالمة وليست مبتذلة ولا بمتناول الجميع.

 ثم عقد المؤلف بابا لفروع الشاذلية في شنقيط محددا لها بالقبائل التي انتشرت فيها فذكر منها مركز قبيلة بارتيل، ومركز إدوداي، ومركز تندغه، ومركز إدولحاج، ومركز إدوعلي، ومركز الغظف، محددا الشجرات المتفرعة من هذه الفروع وغالبها يمر بالزاوية الناصرية بالمغرب.

ثم عقد المؤلف فصلا خاصا بخصائص الطريقة الشاذلية ويمكن تلخيصها في النقاط التالية: الجمع بين الفقه والتصوف، والملاءمة بين الزهد في الدنيا والتكسب، والتواضع والقوة في الحق، والنخبوية وعدم التعصب، والتمسك بأقانيم الفكر الديني الشنقيطي الثلاثة وهي: العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي.

أما الباب الثاني من الكتاب فقد خصصه المؤلف للتعريف بالأعلام الشاذليين الشناقطة مشتكيا من قلة المراجع، فقسمهم إلى أربعة أجيال تتناسب مع المراحل الأربع الآنفة الذكر مترجما لرجالاتها ذاكرا لمواليدهم ونشأتهم، ودراستهم وشيوخهم، وتصوفهم، وتلامذتهم، ومؤلفاتهم وآثارهم، ووفياتهم.

ولا بأس بذكر هذا الثبت هنا تبركا بمن ورد ذكره فيه وتدليلا على حجم الجهد الذي بذله المؤلف:

الجيل الأول: سماه جيل الرواد الأوائل، وذكر منهم: الحاج عبد الله بن بو المختار الحسني، ونختارو بن المصطفى اليدالي شقيق  ألما الشاعر المشهور، ومسكه بن بارك الله فيه الشمشوي، وسيدي محمد بن سيدي عثمان المحجوبي، وسيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي، وأبو بكر  بن الحاج عيسى الغلاوي الولاتي، وسيد أحمد بن محمذن التامكلاوي، والطالب محمد بن الطالب عمر البرتلي، والطالب الأمين بن الطالب الحبيب الولاتي، وألفغ الخطاط بن محمد البرتلي، والفقيه ابن عفان التندغي،والشيخ محمد اليدالي بن المختار بن محم سعيد، والطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي.

الجيل الثاني: سماه جيل النهضة والتطور، وذكر منهم: الشيخ محمد لغظف الداودي، وحمدي بن المختار بن الطالب أجود  الحاجي، وسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي، وابنه: محمد محمود، والطالب أحمد بن اطوير الجنة الحاجي، وزائد المسلمين بن المصطف التاشدبيتي، والشيخ المختار بن الطالب اعمر البوصادي، والمرابط محمذن فال بن متالي التندغي، وأوفى بن ألفغ مصر الطبيب الألفغي، ومحمد المجتبى بن الطالب مختار البوصادي، والشيخ سيد أحمد بن الناه البوصادي، والمختار بن ألما اليدالي، والشيخ محمد محمود بن بي المسومي، وباب بن محمذن بن حمدي الحاجي، والشيخ أحمد الحضرامي بن عبد الدائم التاكاطي.

والجيل الثالث : وهو جيل الازدهار والذيوع، ذكر منهم حيمد بن انجبنان التندغي، والشيخ محمد محمود بن الشيخ سيد أحمد  البوصادي، ومحمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل الأبهمي، ولكبيد بن جب اليحيوي، وآمنة بنت يوسف الإيدوعيشية، وأحمد بن اجمد اليدالي، ويحظيه بن عبد الودود الجكني، وزين بن اجمد اليدالي، والحسن بن زين العابدين اليدالي، ومم بن عبد الحميد الجكني، وعبد القادر بن محمد الكمليلي، ومحمد محمود بن الواثق المالكي.

والجيل الرابع : وسماه جيل الصمود والمواصلة، ذكر من أبرز أعلامه: الشيخ محمد سالم بن المختار بن ألما اليدالي، وأحمد طال  بن المرابط الحاجي، وأبوبا بن ماهي اليدالي، والشيخ الغزواني بن الشيخ محمد محمود البوصادي، ومحمد الشيخ بن الشيخ سيد محمد البوصادي، والمختار بن المحبوبي اليدالي، والشيخ المحفوظ بن بي الأمسمي، وأحمد بن يباه التندغي، وأحمد بن محمد محمود بن فتى الشقروي، ومحمذن باب بن داداه الأبهمي، ومحمدن بن محمد بن المحبوبي اليدالي، ومحمد عالي بن عبد الودود المباركي.

أما الباب الثالث فقد خصصه المؤلف للنصوص الصوفية الشاذلية في بلاد شنقيط، ورتبها حسب التسلسل الزمني بعد أن قسمها إلى نصوص نثرية ونصوص منظومة، واعتمد في ذلك منهجية تعتمد على العناصر التالية: وصف المخطوط، دواعي التأليف، المنهج المتبع، المصادر المعتمد عليها، المضمون، والقيمة الصوفية.

 وبخصوص النصوص النثرية اختار منها المؤلف أربعة كأنموذج لما سواها وهي:

1 ـ الوسيلة الكبرى في إصلاح الدين والدنيا والأخرى للشيخ محمد اليدالي

2 ـ اختصار شهية السماع في كشف القناع للمرابط محمذن فال بن متالي التندغي، وشهية السماع هي لعلي بن عبد الصادق العيادي المالكي في السلوك.

3 ـ الحميل بسعادة المحيى والممات المقتضي من الشيطان وحزبه النجاة للمرابط محمذن فال بن متالي التندغي

4 ـ نفحة الياسمين في الصلاة على النبي الهادي الأمين لمحمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل الأبهمي.

ثم شفع هذه النصوص الأربعة بنصوص أربعة أخرى من نوع الرسائل والردود منها:

1 ـ رسالة للرد على مبتدعة هذا الزمان للعلامة الطالب أحمد بن اطوير الجنة الحاجي،

2 ـ رسالة في الدفاع عن ادييج الكمليلي للعلامة عبد القادر بن الأمين الكمليلي

3 ـ كتاب الواردات للمرابط محمد سالم بن ألما اليدالي

4 ـ رسالة في شروط شيخ التربية للعلامة أحمدو بن محمد محمود بن فتى الشقروي.

وقد درس هذه النصوص بنفس المنهجية التي درس بها سابقاتها.

أما النصوص المنظومة فقد درس منها أربعة بنفس المنهجية وهي:

1 ـ “رشد الغافل” لسيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي

2 ـ “تبيين المدار” في التصوف للمرابط محمذن فال بن متالي التندغي

3 ـ “الروضة الغناء بشرح وصية الشيخ الحسناء” للعلامة حيمد بن انجبنان التندغي

4 ـ “الأمنية في تصحيح النية” للمرابط محمد سالم بن ألما اليدالي.

وفي الأخير درس المؤلف شروح بعض النصوص النثرية منها:

1 ـ شرح صلاة الشيخ عبد السلام بن مشيش المسمى “تحسين الكلام” لزين بن اجمد اليدالي.

2 ـ كتاب “النبذة المنيفة بشرح الوظيفة” للمرابط محمد سالم بن ألما وتلميذه الحسن بن زين العابدين اليدالي.

ثم ختم المؤلف كتابه بخاتمة خير هي خاتمة التصوف للشيخ محمد اليدالي والنصوص المحاذية لها، وحققها حسب قوانين التحقيق المعمول بها قال: “وهذا النص من أهم تلك النصوص لشموله معظم فقه التصوف بصورة موجزة، ولأنه شُرِح ونظم غير ما مرة من طرف الشناقطة وغيرهم من لدن شاذليين وغير شاذليين” وقد شرحها الشيخ اليدالي نفسه، وهي تعتبر خاتمة لكتابه فرائد الفوائد الذي شرح فيه عقيدته على مذهب المتكلمين.

قلت: مع أنه ـ رحمه الله ـ لم يغب عنه هاجس التوحيد التصوفي حتى في معمعان المباحث الكلامية حيث كان يقول دائما بعد كل بحث: “أما المحدث فيقول…وأما المتصوف فيقول…”.

أما مضمون خاتمة التصوف فهو الكلام على حقيقة التصوف، وهي العمل بمقتضى التوحيد، وفرق فيها بين التفقه والتصوف، وبين فيهما أن العلم والعبادة هما سبب السعادة، وبين فضل العلم، ثم ذكر أركان التصوف عند القوم وهي: العزلة، والتوبة، والجوع، والسهر، والصمت، والاستقامة، ثم تكلم في باب أول عن معاملة الخلق، بما فيه الهوى، والشيطان، والدنيا، والعمل، ثم تكلم في باب ثانٍ عن أمراض القلب والرذائل ما ظهر منها وما بطن، وعن دوائها وطبيبها، ثم تكلم في الباب الثالث عن الآداب والفضائل ما ظهر منها وما بطن كذلك، وما يندرج تحت كل واحدة منها، كالصبر، والدعاء، والشكر، والتواضع، والإخلاص، والرجاء، والخوف، إلى غير ذلك.

وذكر المؤلف النصوص الشاذلية المحاذية لخاتمة التصوف، فدرسها على نفس المنهجية السابقة ومنها:

1 ـ شرح المؤلف نفسه لها

2 ـ طرة على خاتمة التصوف للشيخ محمذن فال بن متالي.

3 ـ “قلائد اللئالي في نظم ما نثره اليدالي” لحيمد بن انجبنان.

4 ـ نظم “مسالك الجنان في جمع ما فرقه المنسوب إلى ديمان” للشيخ الخديم أحمدو بمب البكي السنغالي.

5 ـ “مرشد ذي التشوف إلى ما حوت خاتمة التصوف” للعلامة أباه بن محمد الأمين اللمتوني.

6 ـ “زواهر الولي جامعة جواهر الولي” للعلامة الشفيع بن المحبوبي اليدالي.

وخلص المؤلف في آخر كتابه إلى جملة من الآراء والاستنتاجات الشخصية غالبها حسب رأينا وجيه، إلا أننا قد لا نشاركه الرأي فيما ذهب إليه من المبالغة في انحسار الطريقة الشاذلية في الوقت الراهن، فلابد لإصدار هذا الحكم من إحصاء أو مسح علمي، وهو ما لم يقم به حسب علمنا، إلا أن يكون معتمده في ذلك رسميات الطرق وطقوسها ودعاياتها، فلا شك أن الطريقة الشاذلية لم تعتمد شيئا من ذلك بل كلنا يعلم أن الطريقة الشاذلية لا تحبذ الظهور بهذه الرسميات بل يصفون أنفسهم بأنهم “شياه ديات” على حسب تعبير أحد أكابرهم: العلامة الشهير نافع بن حبيب ابن الزائد التندغي، بل لا يستبعد أننا إذا قمنا بإحصاء شامل لمنتسبي  الشاذلية في شرق هذه البلاد وغربها أن نصل إلى نتائج مفاجئة لا تتماشى مع ما خلص إليه المؤلف.

 وثم مسألة أخرى كان ينبغي للمؤلف أن يتعرض لها وهي نجوم ذلك النوع من التفكير الذي يسمي نفسه سلفيا، ولا يعترف بالطرق الصوفية أصلا، بل يراها دخيلة على الدين كيف كان موقف الطريقة الشاذلية منه؟ وهل تأثر منتسبوها به بوجه ما، كما أنه لم يتحدث بما فيه الكفاية عن ميادين التقاطع بين مختلف الطرق، ولا سيما بين الطريقة القادرية والطريقة الشاذلية؛ فكلنا يعلم أن هناك تداخلا بين حلق سلاسل هاتين الطريقتين.

وباستثناء هذه الملاحظات الطفيفة التي لا تنقص من قيمة العمل شيئا، فإنني أعتبره عملا جبارا ينبغي ذكره وشكره وحمده ومدحه، وإن القارئ سيخرج منه بعد قراءته بفوائد نفيسة وأنا بذلك زعيم:

الفائدة الأولى: أنه سيتعرف بصفة أعمق على هذه الطريقة الأصيلة الباذخة الشامخة التي نص أقطابها على أنه لا ينتسب إليها إلا من اجتباه الله في الأزل.

الفائدة الثانية: أنه سيتعرف على جماعة من الأقطاب من أولياء الله الذين تتنزل الرحمة عند ذكرهم، ولا يشقى جليسهم، ومن حظي منهم بنظرة سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا.

الفائدة الثالثة: أنه سيخرج بفكرة صحيحة عن التصوف الصحيح عندما يتدبر خصائص الطريقة الشاذلية وبعدها عن الغلو والبدع والتعصب والاتكالية وشدة تمسكها بالسنة الغراء.

الفائدة الرابعة: أنه سيحمد الله على ما أتاح له من نعمة التعلق بهؤلاء القوم بوجه ما فإن التعلق بهم لا يستقل قليله، ولا يستكثر كثيره.

الفائدة الخامسة: أنه سيعلم أن المكتبة الموريتانية قد ازدادت بمصدر جديد موثوق به، يسد فجوة في التاريخ الفكري لهذه البلاد، ويعمر فراغا في الرفوف المخصصة لمراجع الحياة الروحية فيها.

الفائدة السادسة: أنه سيرتاح عندما يكتشف أن في شبابنا ـ أهل هذا القطر ـ من يستطيع أن يقوم بمثل هذا العمل الذي يفيد في الدنيا والآخرة، ويرفع من شأن البلاد وسمعتها، ويفت في عضد من يرون أنه لا شيء إلا النفع المادي، ولا معول عليه إلا الدنيا وما فيها مع أنها لا تزن عند الله جناح بعوضة.

الفائدة السابعة: أن يعلم الناظر إذا قرأ عن هؤلاء السادة وما تحلوا به من علم وورع وعمل، أنه مقصر فيحاول أن يتلافى ذلك حسب إمكانه، ويعول في ذلك على الله وحده.

وبعد، فهنيئا لمؤلف هذا الكتاب – حفظه الله – ولدار قوافل النشر – أيدها الله –  على ما تعاونا عليه من البر والتقوى، وما تواصيا به من الحق والصبر بإنجاز هذا المشروع المبارك، ثم هنيئا بعد ذلك للساحة الأدبية والثقافية والعلمية في البلاد على وجه العموم.

 والله من وراء القصد وبه التوفيق.

                                              محمد فال بن عبد اللطيف

نقلا عن موقع مراسلون

اترك رد