الرئيسية / الاخبار / مداخلة الأستاذ محمذن باب ولد اشفغ في الندوة حول العلامة محنض باب ولد اعبيد

مداخلة الأستاذ محمذن باب ولد اشفغ في الندوة حول العلامة محنض باب ولد اعبيد

تقام حاليا ندوة حول  العلامة  محنض باب ولد أعبيد رحمه الله حياته و آثاره بفندق الخاطر بانواكشوط وفيما يلي مداخلة الأستاذ محذن باب ولد اشفغ:

 

أيها السادة الكرام

يكفي محنض بابه ولد اعبيد فخرا أنه أنجب محنض بابه ولد امين. ولهذا سأعتاض عن الحديث عن محنض بابه الأول والأكبر، بالحديث عن  محنض بابه الآخر والأكبر أيضا.

لكنني لن أتحدث عن علم محنض بابه ولد امين وفقهه. فقد أغنتني عن ذلك مؤلفاته، وأقضيته وفتاواه، وتبريز العلماء له في مختلف أنحاء البلاد.

لن أتحدث كذلك عن صلاح محنض بابه وتصوفه: فقد كفاني ذلك ما بات  متداولا ومشهورا بين الناس عن سمته ودله، وعن ورعه وزهده.

ولن أتحدث أيضا عن حسن خلق محنض بابه وكرمه. فقد عوضني عن ذلك تقاطر الناس عليه من داخل الوطن وخارجه، عربا وعجما، ينشدون علما أو طبا أو يلتمسون دعوة أو بركة، فيُـحتفى بهم وتُـقضى حوائجهم، فيؤوبون راضين فرحين مطمئنين.

لن أتحدث عن كل هذا، أيها السادة الكرام…

فحديثي سينصب، وباختصار شديد، على نقطة من جانب آخرمن حياة الرجل أثارا فضولي الصحفي، وهو جدير بشد انتباه كل مشتغل بعلوم الإعلام والاتصال الحديثة وتقنياتها.

كان من مهامي الوظيفية في السنوات الأخيرة تقديم دورات تدريبية في مركز الجزيرة للتدريب والتطوير. وأتاح لي ذلك المشاركة في عدة دورات حول أحدث تقنيات التواصل بين الأستاذ وطلابه أثناء الدروس، وبينه وبين كل من جاء يسأله ويستشيره. قادتني الدورات إلى أروقة أكسفورد في بريطانيا والسوربون في فرنسا، وحضرت عروضا نظرية وتطبيقية قدمها أساتذة أمريكيون وأوروبيون كبار في علوم الاتصال.

وستُـبهرون وتَدهشون، كما بُـهرت ودهشت وأنا ألاحظ أن الكثير مما اكتشفه الباحثون الغربيون من تقنيات تواصلية في مجال التكوين، يطبقها اليوم المرابط محنض بابه حرفيا فيما يقدمه من دروس على علب الدوشلية، وفي جلساته ومقابلاته مع زواره.

ـ من هذه التقنيات أن الدرس يجب أن يقوم على التفاعل والإقناع، لا على التلقين والنقل الآلي للمعلومات.ولهذا ينبغي الإكثار من ضرب الأمثلة وسرد الحكايات أو الحالات التي تقرب الفكرة وتجسدها. وهذه يبرع فيها المرابط براعة مدهشة. فهو قاص من الدرجة الأولى. يتفنن في حبك القصة، وفي التشويق والإثارة، دون أن يبالغ أو يجافي الحقيقة. يوظف نبرات صوته تلحينا وتنغيما، دون تصنع أو تكلف، فيشد المستمع ويجعله يعيش القصة، فينفتح ذهنه لاستيعاب ما فيها من حكم، وينتعش قلبه لتمثل ما فيها من عبر.

ـ ومن هذه التقنيات إشراك الطلاب في الدرس بطرق مختلفة يبرع المرابط فيها كلها. منها أن الطالب ليس هو وحده من يسأل أثناء الدرس. الأستاذ أيضا يسأل الطالب، ويتأكد من فهمه واستيعابه لما يقال. ومنها مناداة الطالب باسمه عند الحديث إليه لإشعاره بالاهتمام به، ومداعبته أحيانا لتشجيعه على المشاركة أو التخفيف عليه عند شعوره ببطء في الاستيعاب أو صعوبة في الفهم.

ـ ومن هذه التقنيات أيضا أن مدة الدرس ينبغي ألا تزيد على ساعة واحدة. فأذهان الناس اليوم مشتتة وقدرتهم على التركيز محدودة، ولهذا فمدة الدرس المثلى هي خمس وأربعون دقيقة، وإن زادت فينبغي أن لا تتجاوز الساعة. والغريب أن درس المرابط اليوم يتقيد بهذا المعيار تقيدا يكاد يكون صارما.

ـ ومن هذه التقنيات ما يتعلق بجغرافية قاعة الدرس. فالوضعية التقليدية التي يجلس فيها الأستاذ أو يقف أمام الطلاب أو قبالة وجوههم هي وضعية تلقينية استعلائية. ووضعية التفاعل والإقناع هي التي يعتمدها المرابط حاليا. سبحان الله. تراه يجلس على الخط نفسه مع الطلاب: لا ترفع ولا استعلاء، ولا إملاء ولا تلقين.

ـ ومن هذه التقنيات ما يتعلق بالتعامل مع الضيوف أثناء اللقاءات أو المقابلات. لقد أتاحت لي تجربتي المهنية لقاء الكثير من العلماء والمثقفين، والوزراء و السفراء، والرؤساء والأمراء في أماكن مختلفة من العالم. وفي أغلب الدول يتلقى هؤلاء دورات تكوينية على تقنيات مقابلة الناس والحديث إليهم. يُـنصحون بالتظاهر بالعفوية والبشاشة وتقدير الضيوف والتفاعل معهم. ومن الغريب العجيب أن الشيخ محنض بابه يطبق جل هذه التقنيات، بشكل عفوي وطبيعي، في مقابلاته وأحاديثه اليومية مع ضيوفه، وهم من شتى صنوف الناس وأجناسهم ومستوياتهم. يُـقبل مرابط الدوشلية على المتكلم بجسمه كله. يحسن الاستماع إليه. يحيطه دائما بتقدير واحترام. وغالبا ما يذيب جليد دهشة أول من يزوره بسؤاله عن أمور حميمية: أهله أو مهنته أو اختصاصه…

ـ ومن هذه التقنيات التحلي بالتواضع. فآخر البحوث في مجال التواصل تنصح بتفادي الإكثار من الألقاب العلمية والشرفية مثل الدكتور والبروفسير، ومثل العالم والعلامة والفهامة. فهذه الأوصاف تنسج هالة من الأبهة تعيق انسياب التواصل بين الأستاذ والطالب وبين الطبيب والمريض. ومن الغريب أن محنض بابه  ينفر من هذه الألقاب فلا يقبل استخدامها في حقه. بل يذهب إلى أبعد من ذلك فيرفض أن يخاطب بضمير المخاطب الجمع.

سأكتفي بهذه الخواطر القليلة تفاديا للتطويل، خاتما بالصلاة والتسليم على القائل: من عمل بما علم  أورثه الله علم ما لم يعلم.

 

2 تعليقات

  1. مداخلة رائعة بارك الله جزى الله خيرا الأستاذ محمذ باب ، الشيخ محنض باب آية من آيات الله في الزهد والعلم والتربية …

  2. محمدسالم ولد عبدالمومن من نواذيبو

    جميل – محنض بابه ولد امين – أنصفته ووصفته ولم تطره…شكرا

اترك رد