الرئيسية / مؤلفات / رسالة أدلة العجمة في المفردات العربية للشيخ عبد الرزاق بن الشيخ أحمد

رسالة أدلة العجمة في المفردات العربية للشيخ عبد الرزاق بن الشيخ أحمد

بينما كنت أطالع شرح شيخنا سيد محمد بن عبد الرزاق  حفظه الله للأجرومية ، من خلال قسم المؤلفات الذى يشرف عليه و يغذيه أستاذنا محمد الأزعر بن حامد، أثار فضولى إقحام المؤلف في بداية كتابه لرسالة في غاية الأهمية حول أدلة العجمة في مفردات اللغة العربية.

سئل العلامة شهاب الدين أحمد بن إسماعيل الحلواني عن لفظ الإجاج الذى يطلقه أهل مصر على السمك هل هو بالهمز أو هو القجاج بالقاف؟ و عن ما يعطيه النظر في وزنه و عربيته، فأجاب عن ذلك و أطال في  رسالته المسماة ” قطع اللجاج في مسألة الأجاج” حيث بسط  فيها الأدلة من خلال النظر فى اشتقاقه فحصل أنه بالهمز مكسورا و أن القاف لحن و أنه لا وجه لما عند أهل القاهرة من فتحه و أن ضمه محتمل غير مسموع.ثم إنه استطرد في ثنايا رسالته تلك  عشرين دليلا على عجمة بعض المفردات العربية.

فرغ الشيخ شهاب الدين من تبيض رسالته  المطولة في مصر سنة 1300 هجرية، ولم تمر بضعة عقود حتى اختصرها الشيخ عبد الرزاق بن سيد محمد في موريتانيا في خمس صفحات.

أما منهجية الاختصار فقد كتب الشيخ  عبد الرزاق نفسه عنها ما يلى : (وقد اختصرت هذه الرسالة كل الاختصار و حرفتها و غيرتها لكن بغير إخلال و لا اقتصار و ربما عدلت عنه أو زدت في أمر ذى اشتهار أو فى معنى ذى انتشار، وعن صاحب هذه الرسالة أعبر بصاحب الأصل فى عزو المقالة، وقد اتبعته فى شجون الحديث و الآن أقصرت عن ذلك بهذا).

والغريب أن مكتبة أهل سيد محمد بن الشيخ  أحمد الفاضل – رغم وجودها في انيفرار- كانت تحتضن أحدث الاصدارات المشرقية ، حيث أنها تحوى على الأقل كتابين لمؤلف حديث العهد بالدنيا آنذاك هما رسالة قطع اللجاج في مسألة الأجاج و كتاب القطر الشهدي  الذى يحوى قصيدة أوصاف المهدي التى شرحها محمد بن محمد بن أحمد المصري والبلبيسي الحسيني نسبا و سماها بالعطر الندي بشرح القطرالشهدى. حيث صرح الشيخ عبد الرزاق باعتماده عليهما في تأليفه المذكور.

وقد ألف الشيخ شهاب الدين الحلوانى الخليجى العديد من المؤلفات كشذا العطر في زكاة الفطر و الوسم في حكم الوشم في الفقه، و قطع اللجاج في الأجاج و حلاوة الرز في حل اللغز في اللغة ، و الإشارة الآصفية في البلاغة و البشرى بأخبار الإسراء و المعراج و الأسرى و العلم الأحمدى بالمولد المحمدى وغيرها…

في حين ترك الشيخ عبد الرزاق بن الشيخ أحمد الأبهمي مؤلفات مفيدة و تقاييد كثيرة منها شرحه الحافل على جوهرة اللقانى و اختصار جيد لشرح الإيدوعيشى لدرر ابن بري و شرح لطرة ابن بون و آخر لوسيلته لم يكتمل، و اختصار جيد لرسالة شهاب الدين الحلوانى في العجمة ولشدة تحريره ودقته كان يلقب “كلاع الشك”.

وبعد مقارنة بين التواريخ وجدت أن الشيخ شهاب الدين الحلواني توفي يوم عرفة سنة 1308 في حين  توفي الشيخ عبد الرزاق في محرم سنة 1362 وعمره 48 سنة، وهو ما يعنى أن ولادة الشيخ عبد الرزاق تأخرت سبع سنين عن وفاة الشيخ شهاب الدين الحلوانى.

توجد رسالة الشيخ عبد الرزاق على الموقع حاليا من خلال كتاب شرح الآجرموية ، حيث أثبتها الشيخ سيد محمد بعد انتهائه من سرده لموانع الصرف السبعة في الصفحة 43.

ونظرا للأهمية البالغة لهذه الرسالة فقد قررنا أن ننشرها على مراحل لكي يتمكن القارئ من مطالعتها دون تعب أو نصب.

يعقوب بن عبدالله بن أبُن

 

رسالة الشيخ عبد الرزاق بن سيد محمد حول دلائل العجمة في المفردات العربية

 الجزء الأول 

 

بسم الله الرحمن الرحيم  اللهم صل على سيدنا محمد و آله بالمعنى العميم

 يقول مقيده الذى هو عبد الرزاق بن سيد محمد بن الشيخ أحمد:

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وبعد فلما وقفت على رسالة الإمام شهاب الدين بن إسماعيل الحلوانى في الجواب عن الأجاج للسمك المعروف، فوجدته قد استطرد فيها فوائد جليلة و نفائس بين الناس قليلة من ذكر المعرَّب بفتح الراء مشددة و أدلته معددة ، فأردت اختصارها و جعل موضوعها مضمارها، و قد كنت اختصرته مبسوطا منثورا و الآن أختصره معدودا مقصورا فأقول:

عجمة اللفظ تعرف بوجوه ذكرها أئمة العربية:

منها: نقل أحد الأئمة لعجمته بالنص عليه كالمرهم لدواء الجراح، نقل الجوهري أنه معرب، و الطارمة لبيت الخشب نقله الجوالقى الخ، و للثعالبى في كتابه فقه اللغة فصل ساق فيه أسماء تفردت بها الفرس فاضطرت العرب لتعريبها و تركها كما هي كالجرة و الكوز و الإبريق و الطست و الخوان و الطبق و القصعة و الخز و الديباج و السندس و الكعك و البلور و المسك و القرنفل و العنبر و الياسمين و الصنبل و الكافور و الفيروزج و الفالوذج الخ… مما هو أغلب وجودا عند الأعاجم.

ومنها خروج اللفظ عن أوزان أسماء العربية، و لذا حكم بعجمة نحو إبراهيم و بلخْس بفتحتين فسكون لجواهر تجلب من بلخسان وهي بلد للترك لأن إفعاليل و فلعل ليسا في العربية ،و كإسكندر بفتح همزه و كسره لأن افعنلل ليس في أوزان الأسماء، و كإبرسيم بفتح همزه و رائه و بكسر همزه و فتح رائه لعدم افعليل الخ وهو معرب بريسم فارسي أي الذاهب صاعدا ، ابن الأعرابي : هو بكسر همزه و رائه و فتح سينه و ليس في الكلام مثله، وكإهليلج بكسر همزه و فتح لامه افعليل، وكخراسان بضم الخاء فارسي لعدم فعالان و كآمين عبراني لعدم فاعيل، وليس لفعلل كدرهم و هبلع و بلعم و ضفدع في لغية نظير و درهم معرب وهبلع و بلعم من البلع فلم يبق إلا ضفدع و سمع جدول لغية أيضا.

ومنها: كون الراء بعد نون متصلا في لفظ لخصوصه بالعجمة كالنرد المعروف، والنرز بوزنه للاستخفاء فزعا لتحقيق أنه معرب أو مصنوع ، و النرسيان لتمر بالكوفة واحده نرسيانة، و في المثل أطيب من النرسيان بالزبد، والنرجس بالكسر و ضم الجيم لزهر معروف  وهو العبهر و لا نظير لوزنه فإن جاء وزنه رد أو هو كنضرب، وفي شفاء الغليل: ليس في العربية نون بعدها راء فنرجس ونورج معربان الخ… و صريحه عدم شرط الاتصال ، و النورج ما يداس به أكداس العظام كالنيرج و النوجر، و يؤيد ذلك عدهم للمفصول في العجمية كالنبراس للمصباح أو هو من البرس كالقدر للقطن لأن فتيلته منه، والنسرين بالكسر و الفتح لورد معروف ، والنقرس كزبرج للهلاك والداهية والداء، و النارنج بفتح الراء لثمر، و النيرنج بالكسر لشبه السحر جمعه نيرنجات و النيرب للنميمة وغيرها قرية بدمشق، قال ياقوت: أنزه موضع رأيته قيل فيه مصلى الخضر عليه السلام وثناه من قال:

سقى الله أرض النيربين و أهلها*** فلى في جنوب الغوطتين شجون

فما ذكرتـــها النفس إلا استخفنى*** إلى برد ماء النيــــربين حـــنين

وقد كان شكــى للفراق يروعنى *** فكيـــــف يكون اليوم وهو يقين

والجمهور على شرط عدم الفصل فى المعجم،وهو الحق إذ لا شك في عربية النبر و النثر و النحر الخ

 

ومنها: كون آخره زاي بعد دال كمهندز و هنداز ، فلذا عربا بإبدال الزاي سينا.

 

ومنها: كون الذال بعد الدال إلا ما قل كبغداد فى لغة أباها أهل البصرة ، و أما الداذي لشراب ففارسي.

ومنها: كون الشين بعد لام، إذ ليس في العربية إلا العكس قاله ابن السيد، و أما تلاشى فغير عربي أو مركب من لا شيء، أو كون جيم وصاد في لفظ ك إجاص و صولجان و صهريج و جص و صمجة كقصبجة للقنديل، أو هذه عربية كقول الأزهري أن الصنج لضرب من الحديد عربي ، قال: وكذا جصص الجرو عينيه فتحهما و فلان إناءه ملأه لكن الذى للأكثر الإطلاق .

ومنها: اجتماع الجيم و الطاء كالطاجن و الطيجن للمقلي معرب يطابق الطباهجة واحدة الطباهج للحم المشوي الخ، أو الجيم و القاف فإنهما لا  يجتمعان إلا في حكاية صوت أو لفظ معرب نحو جلنبق، ففى الصحيح حكاية صوت باب ضخم في فتحه و في إصفاقه معلن بحدته للفتح و بلق للصفق أي الغلق و أنشد المازني :

ونفتحه حينا و حينا نجيفه***و تسمع فى الحالين و منه جلق بلق

و بوزنه جبطبطق في جري الخيل ، قال:

جرت الخيل فقالت *** جبطبق جبطبق

و كالطفطقة و الذفدقة لجريها أيضا ، و أما المعرب وهو كثير كجابلقى بالفتح و سكون اللام مقصورا بلد بأقصى المشرق، وبوزنه جابرصل و تبدل راؤه لاما و صاده سينا لبلد في أقصى المغرب و هما قديمتان تذكر في الكتب صفتهما بما يقضى منه العجب، ووقع ذكرهما و بعض شأنهما في الأحاديث الضعيفة قف على الأصل الخ،

وروى ابن قتيبة أن الحسن السبط لما قدم الشام على معاوية صعد المنبر فقال: (أيها الناس لو طلبتم ابنا لنبيكم من جابلص إلى جابلق لم تجدوا غيرى و غير أخى و إن أدرى لعله فتنة لكم ومتاعا إلى حين الخ).ويستفاد منه حذف ألفهما.

ومنجنيق كزنجبيل و تكسر الميم و المنحنيق بالحاء و المنجنوق بالواو لغات لآلة قديمة ترمى بها الحجارة ، بأن تشد سوارى الخشب مرتفعة جدا و توضع عليها الحجارة ثم يضرب بسارية أخرى فيذهب الحجر بعيدا و ما مر به هدمه، وضعه النصارى قبل البارود و المدافع كما لابن الطيب على القاموس. أول من وضعه قوم الخليل عليه الصلاة والسلام بإشارة من إبليس فهو أصله. و من العرب جذيمة الأبرش ، و أشار به سلمان في حصار الطائف فأمر به صلى الله عليه وسلم فنصب قبالة حصن الطائف الخ و الحديث شجون، وهل ميمه و نونه الأولان زائدان أو أصليان أو النون فقط زائد أقوال ،

وصوب ابن الطيب الأصالة قال: لأنه أعجمي ليس بمشتق و لا مرجح لادعاء زيادة بعض دون بعض ، و أما اشتقاقهم منه جنق يجنق كضرب و جنقوا تجنيقا و مجنقا  وجمعه منجنيقات و مجانيق و مناجيق و كنيته بأم فروة أو فرو الخ فذلك أن العرب كثيرا ما تشتق من الأعجمي و هو من قوة طلاقتهم و تصرفهم في الكلمات و فصاحتهم الخ و انظر المزهر .

ومن هذا جلق كبحد و تفتح لامه لدمشق أو غوطتها بالضم ، و هي بساتين و أنهار حولها و بها فسروا : (وَ أَوَيْناَهُمَا إلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَ مَعِينٍ) على قول وهي إحدى متنزهات الدنيا الأربع وهي نهر الأبلة بضمتين فشد لبلد حول البصرة و شعب بوان بشيراز و صغد سمرقند كقفل موضع بها عجيب و غوطة دمشق وهي أحسنها كما لأبى بكر الخوارزمي ، قال بعضهم و أطلق جلق على دمشق:

قل لـــــلذى قايس بين حلب  *** و جلق بمقتـضى عيانها

لا تلحق الشهباء في حليتها ***  تعثر الشقراء في ميدانها

و الشهباء لقب حلب و الشقراء لقب دمشق ، و أشار إلى ترجيحهما بما روي مرفوعا: لو أن الخيل جمعت في صعيد واحد ما سبقها إلا الأشقر الخ، و في ميدانها تورية بمكان بدمشق، وكفاها فضلا أنه دخلها عشرة آلاف عين رأت النبي صلى الله عليه و سلم.

يتبع إن شاء الله 

تعليق واحد

  1. لا غرو أن يتحفنا شيخنا الشيخ سيد محمد بن عبد الرزاق أطال الله عمره بمثل هذه الدرر المفيدة فزيدونا منها

اترك رد