الرئيسية / على الهامش / الوصف في الشعر العربي

الوصف في الشعر العربي

الوصف ليس موضوعا قائما بذاته لأنه يتناول في المدح والرثاء والهجاء وغيرها من أغراض الشعر كالغزل ووصف الخيل والصحراء والليل والمطر الخ وسنواصل اليوم في شعر الوصف ونبدأ بوصف الخمر التي هي أم الكبائر أعاذنا الله من جميع المكروهات فضلا عن غيرها.
فالخمر لغة الستر ومنه سمي الخمار لستره للرأس وبعض الوجه ، ومنه سميت الخمر لمخامرتها للعقل لأنها تغطيه وتغيبه كما يفعل الخمار والستر بمن لبسهما وقد استعير هذا الاسم لما تخمر من نقيع التمر أو العنب) ثمرة شجرة الكرم(لأن من شرب من هذا النقيع ذهب عن حسه وإدراكه فسموها خمرا وقد كانت كثيرة الأنواع وقد وصفها العرب وتغنوا بها في أشعارهم على سبيل الحقيقة والمجاز لأنها مظهرا من مظاهر الفتوة والكرم والميسرة عندهم ومن الترف وقد جاء الإسلام وبين أن للخمر أضرارا بالغة على كل شارب ،وأنها تفتك بجسمه بعد ذهابها بعقله وقد جاء تحريمها متدرجا لحكمة لا يعلمها إلا المشرع وكان آخرها آية التحريم الجازمة :
(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) 82، 83 من سورة المائدة.
وقبلها في الدرجة آية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) وقد وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أم الكبائر لأن من فقد عقله لا يبعد أن يفعل ما لا تحمد عقباه من الكبائر وغيرها أعاذنا الله ونبدأ وصف الخمر في الشعر الجاهلي ونبدأ بلبيد بن ربيعة العامري الصحابي المخضرم في وصفها زمن الجاهلية حيث يقول:

كِرامٌ إِذانابَ التِجـــــــــارُأَلِذَّةٌ *** مَخاريقُ لايَرجونَ للخَمرِواغِلا
إذاشَرِبواصَدّواالعَواذِلَ عَنهُمُ *** وَكانوا قَديماًيُسكِتــــونَ ا لعَواذِلا

وقال عنترة بن شداد العبسي من الشعراء الستة :

كَم لَيلَةٍ قد قَطَعــــــنافيك صالِح *** رَغيدَةٍ صَـــفوُها ما شابَهُ كَدَرُ
مَع فِتيَةٍ تَتَعاطى الكَأسَ مُترَعَةً *** مِن خَمرَةٍ كَلَهيبِ النارِتَزدَهِرُ
تُديرُها مِن بَناتِ العُربِ جارِيَةٌ *** رَشيقَةُ القَدِّ في أَجفــانِهاحَوَرُ 

وللبيد رضي الله عنه فيها:

وَإِن طَرِبَ الرِجالُ بِشُربِخَمر *** وَغَيَّبَ رُشدَهُم خَمرُالدِنانِ
فَرُشدي لايُغَيِّــــــُهُ مُدام *** وَلاأُ صـــغي لِقَهقَهَةِ القَناني 

فتراه يذكرها ويمتدحها ويذكر ساقيها في الأبيات الأولى في وصف قوم يغلون فيها ويبذلون أموالهم وفي هذه الأبيات نراه لا يهتم بشؤونها وحالاتها وأرهاصها التي تحدث لشاربها كما هو واضح.
يقول الملك الضليل المعروف بامرئ القيس بن حجر الكندي في الخمر يصفها:
وقال أيضاً:

أَحاراِبنُ عَمـــــروٍكَأَنّي خمر *** وَيَعدوعَلـــــى المَرءِ ما يأتَمِر
لاوَأَبيكَ اِبنَةَ العـــــــــــــامِرِ *** ِّ لايَدَّعي ا لقَـــــــومُ أَنّي أَفِر
تَميمُ ا بنُ مُرٍّوَأَشــــــــــياعُها *** وَكِنـــــدَةُ حَولي جَميعاً صُبُر
إِذارَكِبواالخَــــــيلَ وَاِستَلأَموا *** تَحَـــرَّقَتِ الأَرض وَاليَوم قَر

ويقول أيضا في قصيدته التي مطلعها:

لِمَنِ الدِيارُغَشِـــــــيتُهابِسُحام *** فعَمايَتَين فَهُضبُ ذي أَقدامِ 

الي أن يقول :

فَظَلِلتُ في دِمَنِ الدِيارِكَأَنَّني *** نَشوانُ باكِرَهٌ صَبوح مُدامِ
أنُفٍ كَلَون دَمِ ا لغَزال مُعَتَّقٍ *** مِن خَمرِعانَةَ أوكُرومِ شَبامِ
وَكَأَنَّ شارِبَهاأَصـــاب لسانه *** موم يُخــالِطُ جِسمَهُ بسَقامِ 

وقد أبدع في وصف نوعيتها وعتقها ووصف ما تفعله بشاربها وهو بها خبير.
وفي وصف الخمر يقول كعب بن زهير الشاعر المخضرم:

مايَجمَعُ الشَوقُ إِن دارٌبِناشَحَطَت *** وَمِثلُها في تَداني الدارِمَهجورُ
نَشفى بِهاوَهي داءٌ لَوتُصاقِبُنا *** كمااِشتَفى بِعِيادِالخَمرِمَخمورُ 

وهذا قريب من قول قيس بن الملوح صاحب بني عذرة حيث يقول وهو في العصر الأموي:

تداويت من ليلى بليلي من الهوى** كما يتداوى شارب الخمر بالخمر 

وهذه الخنساء بنت عمرو بن الشريد تصف الخمر في رثاء أخيها فتقول:

لَقَدصَوَّتَ الناعي بِفَقدِأَخي النَدى *** نِداءً لَعَمري لا أَبـــــــالَك يُسمَعُ
فقُمتُ وَقَدكادَت لِرَوعَةِهُلكـــــِهِ *** وَفَزعَتِهِ نَفسي مِنَ الحُزن تَـتبَعُ
الَيهِ كَأَنّي حَوبَةً وَتَخَشّـــــــــُعاً *** أخوالخَمرِيَسموتارَةً ثُمّ يُصرَعُ

وهذا وصف دقيق لصاحب الخمر إذا شربها من نشوته يكون كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ونشربها فتتركنا ملوكا *** وأسدا ما ينهنهنا اللــقاء 

لقد مررنا بنماذج من وصف الخمر عند الشعراء سواء من تشبيهها بحالة نفسية معينة ناتجة عن حدث معين كما في رثاء الخنساء لأخويها رضي الله عنها, أومن حيث هي خمر تشرب حقيقة أو ترتبط بزمن غض حلو كان الزمان فيه مساعدا لواصفها ,أو من حيث هي أمارة للفتوة عند الشعراء الجاهليين , أو من حيث هي أمارة للكرم وبذل المال عند الاثرياء الأجواد من فتيان العرب في الجاهلية وكهولهم فهم يذكرون لفظة قوم , واللتي تدل علي التذكير كما ورد في شعر زهير حيث يقول :

وما اخال وسوف اخال أدري *** أقوم آل حصن أم نساء

وقد استشهد أهل اللغة بشعره علي خصوصية اللفظ و القوم بالمذكر وحده كما سبق وأن أشرنا إليه في حلقة سابقة، وقد فاض بنا الحديث في خصوصية لفظ القوم في اللغة, ولنرجع الي ما كنا بصدده من وصف الخمر فهذا حسان بن ثابت الانصاري رضي الله عنه والمعرو ف بشاعر رسول الله صلي الله عليه وسلم في همزيته التي يرد فيها عن رسول الله وعن الصحابة ويهجو قريشا يصف الخمرفيقول :

كأن سبيئة من بيـــــت خمر *** يكون مزاجهاعـــسل وماء
علي أنيابهاأو طـــــعم غض *** من التفاح هـــصره الجناء
اذا ما الأشربات ذكرن يوما *** فهن لطيــــب الراح الفداء
نوليها الملامة ان ألـــــــمنا *** اذا ماكان معـــث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكــــــا *** وأسدا ما ينهــــنهنا اللقا ء

الي أن يقو ل فيها :

عدمنا خيلنا ان لم تروها *** تثير النقع مو عدها كداء

نتابع مع حسان بن ثابت رضي الله عنه مقطعا من همزيته يصف فيه الخمر , حيث قال نصا

اذا ماالأشربات ذكرن يوما *** فهن لطيب الراح الفداء

ففي هذا المقطع من قصيدته تعرض لوصف الخمر ووصفها فأحسن ،وفضلها علي غيرها من الشراب من حيث التحديد ،لأنها كانت قبل الاسلام كذلك ،لكن موضو ع وصفها بقي تقليدا كالوقوف علي الاطلال وذكر الأظعان والبين الخ… كما تعرض فيها لوصف محبوبته وطيب ثغرها وما الي ذلك مما هو غرض من أغراض الشعر المتعارف عليه في الجاهلية والاسلا م
وفي الخمر أيضا يقول حسان بن ثابت قبل الاسلام في لاميته اللتي يمدح بها عمرو الحارث الغساني وقصتها قد ذكرناها أو بعضا منها في حلقة سالفة ومطلع قصيدته هذه
أسألت رسم الدار أم لم تسأل الخ….ومنها في الخمر بعد مدحه لأبناء جفنة بقوله

لله در عصـــــــــــــابة نادمتهم *** يوما بجلق في الزمان الاول

الي أن يقول في الخمر

ولقد شربت الخمر في حاناتها *** صهباء صافية كطعم الفلفل
يسعي علي بكأســـــها متنطق *** فيعلـــــني منها ولو لم أنهل 

الي أن يقول في وصف نوعيتها

ان اللتي ناولتــــــــني فرددتها *** قتلت قتلت فهاتها لم تقــــتل
كلتاهما حلب العصير فعاطني *** بزجاجة أرخاهما للمفــــصل

وقد أحسن في وصفها كالمتخصص فيها رضي الله وذلك قبل الاسلام كما بينا من قبل.
ويقول حسان بن ثابت رضي الله عنه في لاميته السابقة في آلة الشراب

بزجاجة رقصت بها في قعرها *** رقص القلو ص براكب مستعجل 

فقد وصف تحرك الخمر في الزجاجة وكثرة تفاعلها بقلوص وهي الناقة الركوب عليها راكب يفعل ما بوسعه لتسرع لعجلته بالوصول الي هدفه او الخلاص من خطر يداهمه أو يخاف أن يدركه فهو يصوت ويحرك رجليه ويهددها بالضر ب بالسوط.
نواصل مع حسان بن ثابت رضي الله عنه في وصفه للخمر,لنعلق علي بعض ما جاء في همزيته من الناحية اللغوية بفك بعض مفرداتها وتوضيح أسماء جاءت في لاميته السابقة.
اللغة:
شحطت: بعدت. تصاقبنا: أي تدب في عروقنا فتخرجنا عن الوعي. العياد: العودة للشيء مرة بعد مرة والله أعلم.
أحار: منادى مرخم حذفت الثاء منه (حارث) مبني
والخمر: بكسرالميم: شارب الخمر. ويعدو على المرء ما يأتمر: وهو مثل أن المرء يكون هلاكه في فعله أو يكون بسبب رؤيته لشيء. استلأم: بد ء السير. القر: البرد. وقد كني بتحرق الارض عن شدة سير الخيل كأنما تحرق الأرض بالنارمن شدة ركض الخيل.
الناعي: المخبر والنعي مصدره. الندى: الكرم. لعمري: قسم كان شائعا عند العرب ومعناه بحياتي. لا أبا لك: كلمة توجع وتنبيه. قولها نداء مفعول ناب عن المطلق أي تصويتا يسمع أي هو أمر عظيم.
الروعة: الجزع . تتبع: أي تهلك كما هلك . الحوبة والتخشع كلاهما رقة في القلب وقلق ينتاب ذا الشجن فيتركه فاقد الوعي كشارب الخمر.
السبيئة : القديمة وهو كناية عن عتاقتها ورقي نوعيتها كما هو معروف عند أهل اللغة, والدن هو الوعاء الذي تخبأ فيه حتي تتخمر وتصبح عتيقة أو تصان فيه.
التعريف بالخنساء:
الخنساء هي تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية بضم السين المهملة ولقبت بالخنساء لطول ورقة في مارن أنفها وهي اشعر الشاعرات في كل العصور أسلمت ولها صحبة رضي الله عنها وهي من المخضرمين وقد أبدعت في رثاء أخويها معاوية وصخر وهي أم الشهداء كانت تلقب بذلك في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنشدها ويعجبه شعرها ويقول لها (هيه يا خناس ويومئ بيده) وكانت تحضر سوق عكاظ قبل الإسلام وقد أنشدت بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت رضي الله عنه بعض قصائدها في رثاء أخويها فقالا لها اذهبي فأنت اشعر من كل ذات ثديين ولولا أن هذا الأعمى (أعشى قيس) أنشدنا قبلك لفضلناك على شعراء هذا الموسم وقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومها بني سليم وأسلمت وأعلنت اعتناقها لعقيدة التوحيد وأصبحت رمزا من رموز البسالة وعزة النفس وعنوانا للأم المسلمة المشرفة وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت الجيوش ترسل تحت أعلام الاسلام وتحشد وتزحف, كل قبيلة مسارعة إلى الجهاد لفتح القادسية وكانت الخنساء مع أبنائها الأربعة لتلقي إليهم بوصيتها في منزل وحدها فقالت لهم يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنتم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت نسبكم ولا غيرت حسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في قتال الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) صدق الله العظيم وإذا أصبحتم إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم متبصرين بالله على أعدائكم ومنتصرين فلما أشرق الصبح واصطفت الصفوف وتلاقى الفريقان وطلع النهار أخذت تتلقى أخبار المجاهدين وقد جاءها نبأ استشهاد أبنائها جميعا فقالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته وتوفيت الخنساء في البادية في أول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنها سنة 24 هجرية للحديث بقية بإذن الله تعالى.
بيت رأس :مكان مشهور بخمره أو هو كما في بعض المصادر مكان صناعة الخمور حيث كانت. العسل ومن أسمائه الشهد.قال تعالي :
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)﴾
(سورة النحل)

وقد قال .الشاعر في العسل:
تقول هذا مجاج النحل تمدحه *** وان ذممت فقل قيئ الز نابير

6 تعليقات

  1. شكرا بس اني بدي موضوع الوصف تبع العاشر

  2. ج
    جميل جدا بارك الله فيك وزادك علما

  3. شكرا لكم أستاذنا على هذا الموضوع القيم الذى أبنتم فيه عن معرفة تامة بالأدب العربى فزيدونا من كنوزكم

اترك رد