مقالات – اخبار انيفرار https://niefrar.org Fri, 26 Aug 2022 15:59:32 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.4.3 91258333 تداعيات أمطار إكيد https://niefrar.org/?p=6368 https://niefrar.org/?p=6368#respond Fri, 26 Aug 2022 15:59:32 +0000 https://niefrar.org/?p=6368
كان من عادة السلف الصالح الاهتمام بالمطر، ويحرص أهل الخبرة به على نقل المعارف إلى الأجيال “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَاتُوعَدُونَ”. وقد أدركت شيوخاً وعجائز في انيفرار قد تراكمت لديهم خبرات كبيرة في تحليل أحوال الطقس، حيث يعتمدون على علامات وأمارات ودلائل مؤذنة بقرب هطول السحاب، ولديهم مؤشرات على حجم التساقطات المطرية.
من ذلك أن سيلان العرق من الساعدين منذر بنزول المطر ، وكذلك رعد الهجير ويسمونه “بَلاَّلْ اشْكَاوِ”،وتخافت البروق في الجهة الشمالية الشرقية “عَمْشِتْ تَلْ شَرْكْ” ، والبرق الصَّلواني وهو الذي يلمع من جهة باب السماء، إضافة إلى قرب السماء من الأرض، وهبوب رياح الجنوب، ومما يروون في هذا السياق أن فلانياً بدأ رحلة انتجاع بقطيعه فلما هبَّت الجنوب رجع إلى حيه لأنها مؤذنة باقتراب سقوط المطر فسماها الناس ريح الفلاني، ولهم إسوة في ذلك فقد سمت العرب رياح الصبا باسم الشاعر لبيد بن ربيعة فقد كان من عادته أن ينحر عند هبوبها، وقد أشارت إلى ذلك ابنته في أبيات تمدح بها الوليد بن عقبة منها:
إذا هبت رياح أبي عقيل …دعونا عند هبتها الوليدا
أشم الأنف أبيض عبشمياً…أعان على مروءته لبيدا
ومن المعروف أنا الصبا تثير المطر، والشمال تجمعه، والجنوب تدره، والدبور تفرقه.
ومن أمارات “طَمْعْ اسْحَابْ” أيضاً طلوع بحرية، ومدرك ذلك حديث ورد في بلاغات الإمام مالك ” إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين عذيقة”، ويروى أن الشيخ محمدن بن فالِ -رحمه الله- رأى بحريتان في سماء دكار، فغادرها في نفس اليوم، وباتت السواري تهمي على المدينة مما تسبب في حدوث فياضانات وسيول.
كما يعتبر ظهور الرباب “آمْريكْ” متجهاً إلى جهة الشرق إحدى علامات قرب فصل الخريف، وقد أوصى بنو دامان رباباً مرّ بهم وهم في محْل شديد بأن لا ينسى الحالة التي تركهم عليها،
وقد أدركنا العجائز يقلن إن الرباب “آمريكْ” إذا بدا قبل المطر فذلك دليل أمان وسلامة من الصواعق، وإلى ذلك يشير الشيخ الأديب امحمد بن أحمد يوره بقوله:
ونرى الرباب على السحائب ضمناً…أن لا نراع برعده وببرقه
وكان الناس زمن الفركان وسكن الخيم يفرحون “لِسْحَايِبْ آروادين” ويخافون “اسْحَايِبْ توْجِّ” لأنها قد تؤدي إلى تلاقي العواصف الرعدية، وهو ما يعبرون عنه محلياً ب” اتْلاَطِيمْ ارْشِكْ” وحدوثه يثير الرعب في قلوب العجائز فيجأرن بالدعاء والابتهال وقراءة المديح النبوي، وقد حفظت عدة مقطعات شعرية في تلك الأجواء المشحونة بالخوف والرجاء.
وسمعت من إحدى المتخصصات في طمع اسحاب، أن النوء أثناء التكاثف ينقسم أحياناً بصورة أفقية إلى قسمين، فالقسم الأول تكون بروقه خلباً ولا يمطر، بخلاف القسم الثاني الذي يمطر امْنَيْنْ إسَحِّ النَّوْ لَوَّلْ.
وكانوا يقولون إن بزوغ القمر يبدد السحاب “اخَصَّرْ التِّركَابْ”، وقد جرب قدماء العرب هذه الظاهرة يقول الشاعر:
أرجي من سعيد بني لؤي …. أخي الأعياص أمطاراً غزارا
يلاقي نوؤها سرار شهر …. وخير النوء ما لاقى السرارا
من ناحية أخرى، فقد كانت لدى السلف مقاييس المطر الخاصة بهم، كأرشراش وهو الطَّل الذي يعني المطر الخفيف، والدَّزَّ وهي السحاب المتوسط، واسْحَابْ الكَاطْعَ الصَّيْفَ وهي الوسمي، وتعتمد مقاييس المطر على أعضاء الإنسان والحيوان، فالحافر مثلاً يعني المطر الخفيف لأن أظلاف الحيوانات تثير أثر المطر عن الأرض، أما “ارسِغْ” فيدل على أن ندى المطر بلغ طول اليد، والطريف أن هذا المقياس كان مستعملاً لدى قدماء العرب، فقد كانوا يقولون أسَّل المطر تأسيلاً إذا بلغ نداه أسَلَةَ اليد، والأسلة مستدق الساعد مما يلي الكف.
ومنها كذلك “المرفك” و ‘العظلَ” و”المنكب” وهذا الأخير مؤشر على غزارة المطر، ولعله يساوي مائة ملمتر بالمقاييس الحديثة، كما أدركنا الأكابر يقولون غِبَّ المطر الغزير “الكَوْدْ اصْبَحْ اطْبَلْ”
ويوم الطل -وهي عبارة فصيحة- يكون الجو فيه غائماً حيث تمنع المزن أشعة الشمس من الوصول إلى الأرض، وهو ما يثير إشكالاً فقهياً يتعلق بتحديد أوقات الصلوات، فكان السلف يستدلون على دخول وقت صلاة الظهر بخروج “أنَمْرَايْ” إلى البئر حاملاً حبل السانية على عاتقه، وأما وقت العصر فيستأنسون لدخوله بعودة العجول من المراعي.
]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=6368 0 6368
حضور العيد في أدب الشاعر ابن الرومي و الأديب أحمدُّسالم بن الداهي. https://niefrar.org/?p=5905 https://niefrar.org/?p=5905#respond Sat, 15 May 2021 16:33:46 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=5905
شهد غرض التهنئة بالعيد، حضوراً قوياً في الشعر العباسي، على يد ابن الرومي (ت 283هـ) سواء من حيث الكم أو الكيف، ولعل تداخل جينات الشاعر، جعله يحتفل بالأعياد جميعاً، فمن المعروف أن أباه رومي، وأمه فارسية مسلمة متدينة، وولاؤه لبني العباس، كما أن ممدوحه عبيد الله بن عبدالله بن طاهر ينحدر من خراسان.
وما يميز شعر ابن الرومي عن غيره، أنه كان دائماً يتنبه إلى تصادف أو تقارب حلول الأعياد فيشير إلى ذلك بطريقة لطيفة، يوظفها في الإشادة بممدوحيه، وإليكم نماذج منها، قيلت كلها للأمير عبيد الله:
عيدٌ يطابق أولَ الأســــبوع**وقــــــعتْ به الأقدارُ خيرَ وقوعِ
للفألِ بالإقـــبال فيه شاهدٌ**عدلُ الشهادة ليس بالمدفوعِ
وقوله:
عيدان مجموعان في عيدِ**دلـــيلُ تأكيد وتأييدِ
ما جُمعَ الفطرُ إلى جُمعةٍ**إلا لمُـــلك ولتخليدِ
وقوله:
جَرَى الأضحى رَسِيل المِهرجــانِ**كأنهــــما مَعاً فرسا رِهانِ
ولــــــــم يتـــتابعِ العــــــيدانِ إلاَّ **تنافُسَ رؤيةِ الملكِ الهِجان
كما أبدع أيضا في استخدام العيد في التشبيه وذلك حين يقول:
سأنظرُ نحو دارك حين أخشى**على كبدي التُّفتتَ من بعيدِ
كما نظر الأســـير إلى طلــيقٍ**يــــــؤمُّ بلادَهُ لحـــــضور عيدِ
وإذا كان الشاعر ابن الرومى هو فارس غرض التهنئة بالعيد في العصر العباسي، فإن الأديب أحمدُّسالم بن الدَّاهِ هو حامل لواء غرض “فيش الغيد يوم العيد” في أرض المفازة، فقد شاعت امريم بنت اباه وعيشة، ولحبوس ولِخديدْ، بعدما ذاعت وأذيعت النصوص “المرفودة” التي شكل من خلالها الأديب الأريب أحمدُّ سالم بن الداه رحمه الله (ت 2016 م) ، نواة صلبة لتأسيس غرض جديد من التشبيب، يتميز عن الغزل والنسيب، سلك فيه لاحباً سافه المتأخرون فقفوه، بعد ما رامه القدماء فأشووه، وقد أشار إلى ذلك في نص كتبه على لسان قرية”لعويج” فقال:
يَحْـــمَدُّ سَـــالِمْ لاَ اتْــــلَيْتْ***اتْخَصَّرْ لِـغْنَ لاَ ابْغَيْتْ
إِنْـــتَ مَهَـــللَّ مَا انْسَــيْتْ***زَينْ أَعْـــيَادِ وَ فْـــطَارِ
وِغْناَكْ الزَّيْنْ اللِّي اسْمَيْتْ***فِيهْ ابْـــــــيَاظِ وِاخْظَارِ
إِلَ شِــعْتْ إِلَ فُـــوكْ جَيْتْ***أَنْـــــــظَارَاتِ وَ أَنــْظَارِ
الأديب الأريب أحمدُّ سالم بن الداه الفاضلي رحمه الله (ت 2016 م)
وسنحاول تسليط الضوء على طريقة الأديب أحمدُّ سالم في معالجة أدب “فيش الغيد”، من خلال قراءة سريعة لنصوص “امريم” الثلاثة، ومحاولة استنطاقها وترتيبها زمانياً.
أولاً: نص الفطر
فَطْرِكْ يَــمْرَيَّمْ كِيفْ أَفْطَـارْ***أَصْــحَــابْ الجَـــلاَلَ لِكْبَارْ
إخْلَــــطْتِ لِحْـمَارْ ابْلِخْظَاْر***وِالمَــــعْنَ هُـــــوَّ وِالنَّصْرَ
جَــــيْتِ لِــــلاَّمَ لَــــصْفِرَارْ***وِالْحَــــــكْتِ كِدَّامِكْ حَصْرَ
وِاكْصَرْتِ لَيْنْ اكْدَاتْ النَّــارْ***فِالْحَصَـــر مَا خِلْكِتْ حَصْرَ
ألاَ خَلَّيْتِ رَدَّادْ أَخْبَــــــــارْ***فِـــالحَصْـــرَ مَا طَاكْ الكَصْرَ
وِالْفَــطْرْ الزَّيْنْ ابْكَيتِ بِيهْ*** افْنَــــصْرَ تَــــعْـــــرَفْهَ نَصْرَ
وَأَمْــتَنْ ثَوْرِتْ جَمَالِكْ فِيهْ***مِـــنْ ثَـوْرِةْ جَــمَالْ افْمِصْرَ
عدد الأديب في نص “الفطر” المعايير الموضوعية، التي مكنت “مريم” من الفوز على منافستها ، فأشار إلى أناقتها من خلال تناغم ألوان لباسها وانسجامها، كما نبه إلى أن قدومها إلى الحفل جاء في الوقت المناسب، وهو ما لفت انتباه الجمهور إلى حضورها المتميز، وكان ذلك على حساب اللواتي حضرن وقت الحر. كما نبه إلى اتفاق “ردادت لخبار” على تميز مريم في تلك الأمسية الفيشية، وقد وفق في توظيف مراعاة النظير “التلميح” في خاتمة النص، الذي مهد له ببراعة استهلال رائعة.
أما من حيث المبنى فقد اختار الأديب رويَّ الراء “الحار” التزم معه حرفا صفيرياً هو الصاد فزاد من عذوبة موسيقى النص، كما فضل ضبط الروي بالفتح لخفته، وقد يكون تفاؤلا لإلفه بالنصر والفتح.
ثانياً: نص الأضحى:
عِـــيدِكْ يَـــــمْرَيَّمْ مَاهُ فَاشْ***وِتْــــكِـــدِّ زَادْ أُعَنْدِكْ بَاشْ
حَصْرولِكْ فِرْكَانُ وِحْــــــرَاشْ***فِيهْ الْفَـــيْشْ أُجَيْتِيهْ انْتِ
وِالْمِنْـهُمْ كَانْ ابْعَقْلُ طَــاشْ***وِاتْهَيْـــتِ مِنْ فَمْ أُتْسَنْتِ
وِاكْــــتِلْ لِعْلَيَاتْ التِّخْـــوَاشْ***مِنِّـــكْ وِاسْكِتِّ وِاسْكِنْتِ
تَمَّيْـــــتِ بَاشْ اجْتَمْعُ بَاشْ***ازْيِنْــــــتِ فِي العَيْنْ أُبِنْتِ
يَا امْرَيَّمْ مَا شَطْنِكْ لِكْبَـــاحْ***انْـــتِ كَــــــاعْ امْرَيَّمْ كِنْتِ
وِامْنَيْنْ اخْلكْ لِكْبَاحْ أُبَـــــاحْ***مَا عَــادْ امْــــرَيَّمْ كُونْ انْتِ
يبدو لنا أن نص الأضحى متأخرٌ زمنياً عن طلعة الفطر، وقد ظهر ذلك جلياً في قوة المنافسة واتساع دائرتها، والارتباك الذي ظهر على المتنافسات، وقد أكد الأديب أن إلفه استحقت اللقب بسبب اتصافها بمعايير خلقية نادرة. كما جعل من اسم امريم مرادفاً لراص انعامة، فكأنه يشير بذلك إلى أن نسوة المدينة تأثرن بها وتقمصن شخصيتها من أجل الفوز باللقب.
أما من حيث الشكل فقد فضل التزام حرف النون والتاء، أو بعبارة أخرى ضمير المخاطب المؤنث “انتِ”، ولا يخفى ما في ذلك من التحديد و”اطريح اصبع”، كما أن اختيار الكسرة لضبط الروي، يتناغم مع تحطيم مريم للأرقام القياسية من خلال فوزين متاليين.
ثالثاً: نص المولود:
ذَ عِـــيدْ المَوْلودْ الَّ عَادْ***امْنْ أعْيَــادْ امْرَيَّم وَأعْيَادْ
امْرَيَّـــمْ مَا كَــطـُّ لَــغْيَاْد***حَـــــــصْرُ مَا رَاحُ وِانْكَصْرُ
وادَّلَّاوْعْـــبَانِــــيهـمُ زَادْ***وَللَّ بِــــكْـــمُ وللَّ بِـــصْرُ
وامْرَيَّــــمْ يَوْمْ العِيدْ إلْهَ***مِنْ سَعْـــتِنْ يُصَّلَّ عَصْرُ
مَا يَبْگَ شِ مَا طَاهْ الْهَ***مُولانَ وِاعْــــــــطَاهَ نـَصرُ
أصدر الأديب حكمه على الطريقة “الإكيدية”، عندما قال إن المولود ألَّ عاد مثل أعياد امريم، وهي براعة استهلال تشي بفوز “امريم في الفيش “، كما اختار عبارة “ادلاو اعبانيهم” التى تختزل في كلمتين حجم معاناة النسوة النفسية، ومستوى حسرتهن وخيبة أملهن، ومن المعروف أن تدلي البُخص يسببه البكاء والحزن المتواصل.
ضبط الأديب إيقاع النص من خلال التزامه لحرفي الصاد والراء، كما شكل الروي بالضم، وهو ما يشير ربما، إلى ضم إلفه للقب عيد المولود إلى ألقابها السابقة.
عيدكم مبارك سعيد وكل عام وأنتم بخير.
الأستاذ يعقوب بن عبدالله بن أبن 
]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=5905 0 5905
اللحية الرمضانية https://niefrar.org/?p=12 https://niefrar.org/?p=12#comments Tue, 13 Apr 2021 07:44:42 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=12 فاعلم أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة أن للناس في لحاهم مذاهب شتى فمنهم الحالق المنْهِكُ الذي لا يبقي ولا يذر ما عرفه الناس بلحيته ولا شارب ولا رآه كاذب ولا صادق كذلك. عود الشارب وأخته المؤسى منذ وليدا إلى أن قوس الظهر للحيته وشاربه كل يوم نصف ساعة من وقته الثمين، يمضيه لإزالة ما أنبته الله بالليل.

ومنهم المعفي المرسل، ألقى للحيته الحبل على الغارب فطالت واسْبَكَرََّتْ وتمددت عرضا وطولا ما شاء الله لها أن تتمدد ثم تجعدت كأنها حلق الماذي، فملأت بين السحر إلى النحر فكست صاحبها هيبة ووقارا ما عرفت مدية ولا موسى طول دهرها. ومثل هذه اللحية نادر الوجود وقد تندر حولها الأدباء فشبهها ابن الرومي بمخلاة الشعير وأنشد فيها ابن مفرغ الحميري رحمه الله بيته الشهير:

أيا ليت اللحى صارت حشيشا***فتأكله حمير المسلمينا

ومن الناس من يشذب لحيته فيصير لا حالقا ولا معفيا منزلة بين المنزلتين يأتيها من هنا ومن هنالك حتى لم يغادر منها إلا الشيء القليل أشبه ما يكون بهذه الأعشاب القصيرة التي تنبت في حمل السيل حين يمر بالقيعة الأجادب. ومنهم من يدع من لحيته قدر الهلال يتكاذب الناس هل هو ابن ليلة أو ليلتين، وربما غيم هذا الهلال في تجاعيد الجسد أو النباتات الفطرية.

ومنهم من يمعن في حلق عارضيه تاركا شبه الحربة من الشعر على ذقنه محتجا بقول البديع الهمذاني:

ما يفعل الله باليهود***ولا بعاد ولا ثمود
ولا بفرعون إذ عصاه***ما يفعل الشعر بالخدود

ومنهم من يحلق لحيته على حرف فإذا عرضت له رغبة في الدنيا وزخرفها أخذ من لحيته أخذا صالحا، وإذا اعتراه فيها زهد أعفى منها، فهو الحليق إذا صلحت الحال وأثمرت الأموال وحصل الجاه، وهو الملتحي إذا حصل في المال أو الأنفس شيء من نوائب هذا الدهر مؤذن بزوال هذه الفانية.

ومنهم من يتكسب بلحيته ويأكل بها الخبز فليس من الإنصاف في شيء أن تطالبه بقص مصدر رزقه.

وغالب الناس لا يفرق بين اللحية والشارب إما يعفيهما معا أو يجعل موساهما واحدة كما يقال، والنادر منهم من ينحو نحو خَرْخَرَةَ وبابويه.

وكل هذه المذاهب مقبولة إلا مذهبا واحدا هو مذهب من يحدث لحية يصبر عليها السنة والسنتين فيعرفه الناس بها ويألفونه بحيث تكون جزءا لا يتجزأ من شخصيته المحترمة ثم يصبح يوما من الأيام وقد أطعمها الشفرة، فيظهر للناس بغتة فيفرون منه أول وهلة قبل أن يعرفوا من هو وأين يمضي.

وكذلك الرجل يعرفه الناس حليقا طليقا ويشتهر بذلك في أسواق المسلمين ويعامله الناس على ذلك الأساس ثم يغيب عن الأعين برهة من الزمن ثم يظهر لهم بغتة بلحية من لحى ابن الرومي إليها تشير كف المشير، فلا يكادون يعرفونه إلا بعد التوسم والتوهم، يقولون أما اللمة فلمة فلان وأما هذه اللحية وهذا الشارب فلا نعرفهما، وربما قالوا: والله لقد جُنّ الأعور بعدنا.

وليست اللحية الرمضانية من هذا القبيل في شيء. لقد بحثت عنها فأدركت كنهها. إنها لحية مؤقتة لم تأت للتلبيس ولا للتدليس، تنبت في سرار شهر شعبان وتنمو مع أيام رمضان وتحصد ضحوة أول يوم من شوال.

إنها لحية موسمية مؤقتة أطلقت تماشيا مع قدسية الشهر المعظم أطلقها صاحبها برسم ذلك كما يقلع المترفون في هذا الشهر المبارك عن الربا والزنى والرشى والكشى والإثم والعدوان ومعصية الرسول، حتى إذا ولى شهر رمضان وطارت ملائكة ليلة القدر وروحها إلى حيث شاء الله طارت اللحية كذلك إلى حيث شاء الله ورجع المترفون والمخلطون إلى ما عودوا عليه أنفسهم قبل رمضان ثم استأنفوا العمل، ثم إن ربك من بعدها لغفور رحيم.
الاستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=12 2 12
المساجلات الشعرية. بقلم الأستاذ أحمد سالم بن أشفغ عبد الله https://niefrar.org/?p=5550 https://niefrar.org/?p=5550#respond Tue, 26 Jan 2021 10:08:07 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=5550 عُرفت المساجلات الشعرية قديما في الأدب العربي ، وهي جمع “مساجلة” وهي المناظرة والمفاخرة، والمساجلة أخذا من السَّجْلِ، والسَّجْلُ هو الدلوُ الكبيرة، أو الدلو مملوءة أو ملؤُها.
ومن خلال هذا الاشتقاق يتّضح ما قُصد في هذا المصطلح من إرادة ذكر ووفرة وغزارة ما يصدر عن كل واحد من أطراف المساجلة ، وكل يروم أن يكون سجله أكبر من سجل ندّه ،ومن هنا قيل: ” الحرب بين القوم سِجال، أي يتبادلون سجالها “.
المساجلة في الأدب هي ضرب من ” المصاولة الشعرية” يجري بين طرفين تعددت أفراد أحدهما أم لا ، وبهذا المعنى تكون المساجلات أعمَّ وأشملَ مما يُعرف بـ”النقائض” و”المعارضات” فكل واحد من المصطلحين “النقائض” و”المعارضات” تدخل في المساجلات لغويا ، إلا أنّ الاستعمال حصَر النقائض فيما يجري بين طرفين منصرفا من التعيير وذكر المثالب ..، فهي أي النقائض تقع بغرض الهجاء ونحوه ، مع اختلاف الطرفين على المعايير وقد تنحو منحًى آخر أكثر أدبا وأقلّ مباشرةً كما حدث مع العلاّمتيْن : الشيخ محمد عبدالله بن أحمذية الحسني ( 1390-1292هـ 1970-1875م ) وابن عمِّه الشيخ : محمد حامد بن آلا ( 1379-1288هـ 1959-1871م) ، حيثُ أرسل محمد عبدالله بن أحمذية قصيدته التي مطلعها :

مَغْنَى الرّباب مُربُّ جَوْنِ ربابِهِ
أودَى به من بَعْد بُعْد ربابِهِ

فردَّ عليه محمد حامد ولد آَلاَّ بقصيدته التي مطلعها :

رَبْعُ الربابِ بواسطِ الألْوَى بِهِ
آيٌ تَـــكَــوَّن بعــدما ألوَى به

وتعتبر قصائدهما من أجمل ما قيل في النقائض شعراً وأسلوباً وأدباً ، لذلك سُميتا بــ ” العَاگْرَاتْ ” .

أما المعارضات فهي في أصلها محاذاة لنموذج فني يراه اللاحق أسمى من السابق ، وهي إقرار للأول بالتفوق والتقدم من أول وهلة مثل معارضات محمد بن الطلبة اليعقوبي ( 1774 – 1856 م ) لحميد بن ثور الهلالي ، قال حُميد في مطلع قصيدته :

ألاَ هيَّما مما لقِيتُ وهيما
وويحاً لمن لم يلقَ منهن ويْحَمَا

فعارضه محمد ولد الطلبه بقصيدته التي مطلعها :

تأوبَهُ طيفُ الخيال بمَرْيَما
فبات مُعَنًّى مستَجنًا مُتَيَّمَـــا

ومعارضته للشماخ بن ضرار الغطفاني (ت: 22 هـ /643 م) ، في قصيدته التي مطلعها :

ألا ناديا إظعان ليلَى تُعـرّج
فقد هِجْن شوقًا ليته لم يُهيـجِ

فعارضه محمد بن الطلبة بقوله :

تَطاوَلَ ليلُ النَّازعِ المُتَهَيِّـج
أمَا لضِيَاءِ الصُّبْحِ مِن مُتَبلّـجِ ؟

ومعارضة العلامةِ حُرمة ولد عبد الجليل : ( 1150-1243هـ/1737-1828م) ، للخنساء ” تماضر ” بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُّلَمية ، ومطلع قصيدتها :

أعيْنَيَّ هلاَّ تَبكيان على صَخْرِ
بَدمْعٍ حَثيثٍ لا بكيء ولا نزْرِ

فعارضها العلامةُ حُرمة ولد عبد الجليل بقصيدته التي مطلعها :

ألا فامسكوا عنّا حديثَكُمُ المرّا
قذفتمْ به لا كان في كبدي جَمْرا

وقد عُرفت المساجلات عند أوائل الشعراء الموريتانيين الكبار وكانت بداياتها مع ابن رازكة ومحمد اليدالي ، كما كثُرت هذه المساجلات بين العلماء والفقهاء خصوصا في المسائل الفقهية واللغوية تمثّل في إرسال أسئلة إلى محاضر العلم بحثاً عن أجوبةٍ أو تفصيل لها ..
وأحياناً تكون المساجلة هدفها الظرافة والطرافة ومن ذلك مساجلة دارت بين العلَميْن الشيخ : حمداً ولد التَّاه أطال اللهُ بقاءه ، والشيخ محمدسالم ولد عدُّود – رحمه الله – تميزت بموضوعها ورِقَّة شعرها وانسيابيتها ، فكانت المساجلةُ الأولى آخر تسعينات القرن الماضي فاختارت عنوانَها من مسلسل ” الزنكلوني ” المعروف بتقلبّه وظرافته ، فعُرفت ” بالزَّنْكَلونِيَات ” ، ومكانَها من السجل الذهبي بالسهرة الرمضانية على التلفزة الموريتانية ، وبدايتَها مع الشيخ حمداً :

النَّاسُ ذاتُ هُمــــومٍ
كثِـــيــرةٍ وشُــــؤونِ
البَعْضُ منهم سَلِيـــمٌ
وبعـضُـهم ” زَنْكَلُونِي “

فردَّ الشيخ محمد سالم ولد عدُّود رحمه اللهُ :

بالشّيخِ حَمْداً صِلونِي
وعنْهُ لا تَفصِــــلونِي
وفي سِجِلِّ اللَّيَـــالي
إِزَّاءَه سَجِّـــــــــلُوني
إِنِّي على العَـهْدِ مِنْهُ
وَإِنْ هُمُ عَـــــــذَلونِي
فَلِي ثَبَاتٌ ، فَمَـــالي
تَحَــوُّلُ ” الزَنْكَلُونِي “

فردَّ حمداً :

الدَّهْرُ كالمِنْجَنُـــونِ
يجري بِنا في سُكونِ
فقَد قضَيْنا زَمَــاناً
في غَفْلَةٍ وَمُـــجُـــونِ
فقَدْ سَعِدنا زَمَـانـاً
بصَوْمِ شَهْرٍ مَـصُـــونِ
والشَّيْخُ عدُّودُ يروي
نَوادِراً من فُـــــنــــــونِ
وتَـــــــــــارةً نتَسَلَّى
في عالَمِ ” الزَنْكَلُونِي “

فاحتفظت مساجلتُهما الثانية بمكانها وهو السجل الذهبي للسهرة الرمضانية بالتلفزة الموريتانية عام 2004، واختارت موضوعها من الواقع ، وهو غَزوُ الجَراد لمناطق واسعة من البلاد آنذاك ، فعُرفت بـ ” الْــجَـــرَادِيَاتْ” ، وبدايتها مع الشيخ حمداً ، فكتَب :

مرَّ الجَرادُ على حَرْثي فقُلتُ لَهُ
لا تأكلنَّ ولا تهـمَمْ بإفسَـــادِ
فقال منْه خَطِيبٌ فوْقَ سُنْبُلَــةٍ
إِنَّـا علَى سَفَـرٍ لا بُـدَّ مِنْ زَادِ

فـردَّ الشيخُ محمد سالم ولد عدود رحمه اللهُ :

ومَرَّ أيضاً بِمَرعَانا فقُلتُ لَــــه
مَا ذا أمَالكَ مَرْعًى غَيْرُ مُـرْتَادِ
فقَال مَالي مَـرَادٌ غيْرُ تُربتِكُمْ
فَأكْرمُوا نُزْلَ هذا الرَّائِح الغَــادِي

تحيـــاتي
أحمد سالم بن أشفغ عبد الله

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=5550 0 5550
السخاء والجود https://niefrar.org/?p=54 https://niefrar.org/?p=54#comments Thu, 10 Dec 2020 09:09:34 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=54 العطاء والكرم والسخاء والجود ألفاظ تستخدم كلها للتعبير عن الإنفاق وبذل المال بطيب النفس، إلا أن بينها عموما وخصوصا، فالكرم أعم من العطاء والجود أعم من السخاء وذلك راجع إلى أن الكرم والجود من صفات الله ، فالله هو الكريم المطلق وهو الجواد المعطى الذى لا ينفد عطاؤه.
وقد ورد الحث على الإنفاق في القرآن الكريم (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران: 92 ) كما ورد الترغيب فيه فى حديث حكيم بن حزام الذى رواه البخاري ومسلم وفى غيره من الأحاديث التى رواها أصحاب السنن.
وقد حث عليه السلف الصالح فقد قال سلمان الفارسي رضي الله عنه : إذا مات السخي قالت الأرض والحفظة : رب تجاوز عن عبدك فى الدنيا بسخائه.وقال محمد بن عباد للمأمون عندما عاتبه على كثرة عطائه: يا أمير المؤمنين منع الموجود سوء ظن المعبود.
وقال سفيان بن عيينة : السخاء: البر بالإخوان والجود بالمال . أما الإمام الشافعي فقد أكد أن كل صفة تنفى ضدها إلا السخاء فهو ينفى جميع الصفات غير المستحسنة عن صاحبه عندما قال:

و إن كثرت عيوبك فى البرايا***وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكـــــــــل عيب *** يغطيه كما قيـــل السخاء. 

من خلال هذا التقديم المختصر، يتضح للمتصفحين الكرام أن موضوع الحلقة الثالثة من قسم الطرائف و التلائد هو السخاء وقد كان صفة سائدة في مجموعة أهل أعمر اديقب وفي بني ديمان بصفة عامة وقد عرف كل من عبيدي بن محمذن بن ألفغ عبدالله وممد بن سيد الامين من حي أهل أعمر اديقب بالسخاء كما أشار إلى ذلك الشيخ والد بن خالنا رحمه الله.
أما الجد المختار فيها فهو : محمذن بن أعمر إديقب و أمه تنغوس بنت باب أحمد
والحفيد المختار هو : أحمد بن المنجى بن حنبل بن محمذن بن أعمر إديقب و أمه هي: ديد بكسر الدالين بنت ممد بن سيد الأمين بن أعمر .
كان محمذن بن أعمر متوسطا بين أخويه أشفغ عبد الله وسيد الأمين، وقد تحلى بصفات نادرة حيث كان رجلا عالي الهمة عصامي النفس على قدر كبير من العلم والصلاح. و قد كان المدبر لشؤون الأسرة و القائم عليها.
وقد حفظ لنا التاريخ له عدة كرامات غريبة ، أشار القاضي أحمد سالم بن سيد محمد رحمه الله لبعضها بقوله :

ولمحمـــذن خـــــــــوارق تعد*** منها له غنمه التـى وجد
إذ عز مرفد على حين التزم*** للنادي مرفدا لجمع قدألم 

وهذه الأبيات تشير إلى كرامة متواترة لمحمذن هذا وسأرويها باختصار وتصرف نقلا عن الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف:
(… نزل فى إحدى الليالى كثير من الضيفان على الحي الذى تقيم معه أسرة أهل أعمر إديقب، وكان في الحال ضيق،و من عادة الزوايا تحمل أعباء الضيوف بالتناوب، وكان الضيوف في ذلك الزمن ينزلون في المسجد فيقتسمهم الناس بعد ذلك.
وكانت تلك النوبة على أسرة أهل أعمر إديقب، وبالتالى فقد بادر محمذن بدعوة الضيوف إلى بيته رغم أنه ليس لديه صامت ولا ناطق، ولعل ذلك ما دعا أحد الحاضرين إلى اقتراح أن تتولى أسرة أخرى أعباء تلك الضيافة. لكن محمذن امتنع عن ذلك أيما امتناع، وذهب بالضيوف كلا متكلا حقا على الله فستره الله بستره الجميل.
فراحت عليه من حيث لا يحتسب ثلة من الغنم ، فذبح وحلب لضيوفه منها و بات يطوف عليهم باللحم المشوي واللبن الشهي، هذا مع استغراب أهل الحي ، لكن الله آخذ بيد السخي).
أما أحمد بن المنجى فقد كان رجلا كامل المروءة وافر العرض سخي الكف ، حدث عن كرمه ولا حرج يتفق القاصي والداني من محيطه الجغرافي على أنه كان أجود الناس في زمنه، فلذلك أطلقوا عليه لقب حاتم بنى ديمان.
ولكننا قد لا نكون مبالغين إذا قلنا إنه كان زاد ركبها و زاد مشاتها. و ذلك من شدة اجتهاده في التلقي للضيوف فى مظان تواجدهم، سواء في المسجد أو عند البئر أو فى ممر القوافل ومبالغته فى تفقد خلاتهم وحرصه على سدها.
ومن أغرب ما روي عنه أنه كان يوما راكبا جملا متجها إلى بلدة تدعى بوتيشطاية وهي قريبة جدا من محل إقامته، فاستوقفته امرأة ضعيفة وسألته عن وجهته فقال: لها إني في طريقى إلى بوتيشطاية، فقالت له: أما أنا فذاهبة إلى كنار فأناخ جمله وقال لها قولته الشهيرة (بوتيشطاي ماه كلب الكنار) أي غير مناف له ، فأردفها و حملها إلى أهلها عند كنار.
ولايخفى ما في مضامين هذه القصة من الجود بالوقت والجهد والمال و قوة التحمل و شدة الحرص على مكارم الأخلاق ونفع المسلمين.
ويروى له الشيخ سيد احمد بن إسمه قصة غريبة، وضعها فى عداد الكرامات فى كتابه ذات ألواح ودسر وسنوردها منه بتصرف قال:
(….ومن ما ينبغي أن يذكر هنا جود أحمد بن المنجى الأبهمي، الذي هو حاتم دهره و له حكايات فى الجود غريبة منها أن قافلة من بني ديمان و أظن أنها من أولاد يعقب نلل عزموا على السفر فقالوا : إن أحمد بن المنجى فى وجهتنا وسيبحث بحثا شديدا عن جميع الحوائج التي نسيناها ليوفرها لنا، ففوتوا عليه هذه الفرصة، وخذوا أهبتكم للسفر وخصوصا كل ما يحتاج إليه المسافر من ظهر و زاد ومزادات الماء، و لا تتركوا شيئا إلا أخذتم منه ما يكفيكم، فاجتهدوا فى ذلك جدا حتى ظنوا أنه لا يجد عندهم أي نقص.
ثم بعد ذلك مروا بالحي الذي يقيم فيه، فلما أتاهم وسلم عليهم بدأ بأوعيتهم يتفقدها عله يجد خلة يسدها ، فكان كلما سألهم هل عندكم كذا؟ أجابوه نعم حتى يئس من وجود أي نقص فذهب عنهم، وظنوا أن هدفهم تحقق، لكنه لما كان فى بعض الطريق كر راجعا إليهم وسألهم هل عندكم سكين؟ فتفقدوا الأوعية فإذاهم لم يجلبوا معهم أي آلة للقطع فزودهم سكينا وتعجبوا من اجتهاده في طلب الأضياف ومن تيسير الله له لذلك.
ومن أغرب نوادره في السخاء ما روينا متواترا وهو أنه كان جالسا تحت شجرة بخلاء بعيدا عن حيه إذ قدم عليه ركب من بني ديمان وبعد السلام بادروه على وجه المزاح والتعجيز إيه يا ابن المنجي نحن ضيوفك فأين نزلنا؟. أكمل معهم مراسيم السلام ثم استأذنهم لبعض شأنه. وبعد جولة مضنية بحثا عن قرى لأضيافه صعد ربوة فأبصر عن بعد راعي غنم فقصده وتمكن – بعد أن تحمل له ثمنا مغريا – أن يشترى منه سقاءه المملوء لبنا وشاة من غنمه آجره على ذبحها وإعدادها ثم عاد إلى ضيوفه حاملا لهم اللبن ليسقط في أيديهم كيف حصل ابن المنجي على هذا الشراب في هذه المفازة إلا أن المفاجأة اكتملت عندما جاء الراعي حاملا معه شاة ناضجة.
وهذا النوع من الموافقات كثيرا ما يقع لأهل السخاء. وقد قال الإمام الحسن أن من ضعف يقين العبد أن يكون أوثق بما فى يده مما فى يد الله.
كان رحمه الله حيا فى أوائل القرن الثالث عشر ودفن إلى جنب عمه سيذن فى ابير حيبل وإلى ذلك يشير العلامة بباه بن اميه رحمه الله بقوله:

زيارة البدرين نجل المنجى***احمد وسيذن مِ المخوف تنجى
إليهما انم دونـــــــما تكلف*** ذكــــــــاء إياس وحلم الأحنف
وجود حاتم وكل ما صفــة***حميدة تعلى المقـــــــــام كاشفة 

وقد روى الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف فى كتاب الأنساب أن الشيخ محمدن بن الشيخ أحمد لما بلغه نعي المرحوم بدى بن حامدت بن محمدفال بن أحمد بن المنجى – وهو فى ريعان شبابه- أجهش بالبكاء قائلا لقد انقطع اليوم فخذ هو خير من طلعت عليه الشمس من أهل أعمر إديقب علما وصلاحا ودينا ومروءة وسخاء.
رحمة الله عليهم أجمعين

يعقوب بن عبد الله بن أب

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=54 7 54
مساجلات شعرية ماتعة .. من صفحة الإداري محمدن بن سيد “بدن” https://niefrar.org/?p=4985 https://niefrar.org/?p=4985#respond Wed, 10 Jul 2019 09:24:59 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=4985 ظل الطلاب الثلاثة : محمد فال ولد عبد اللطيف و عبد الرحيم ولد أحمد سالم و محمد سالم ولد عبد المؤمن رفقاءَ في الدراسة الابتدائية و الاعدادية و الثانوية حتى فرقتهم شهادة البكالوريا فاختار الأول شعبة الآداب و درس الادارة العامة ثم المالية في المدرسة الوطنية للادارة و عمد الثاني نحو الرياضيات و اتجه نحو دراسة الهندسة المعمارية في كندا و مالَ الثالث إلى العلوم الطبيعية و درَسها في مدرسة تكوين الأساتذة ثم درَّسها في ما بعد في بعض مؤسسات التعليم الثانوي قبل أن ينتقل إلى شركة اسنيم ليتحول فيها بالتدريب و الممارسة الى خبير في مجال البرمجة المعلوماتية .
و بعد الفراق حن اثنان من الطلاب الجدد إلى سابق العهد بينهم و جاء التعبير عن ذلك شعرا طريفا يعبر القارات و يختزل المسافات ..
و ختم كل منهما شعره بنكتة من فن من علوم المحظرة ..
قال الطالب الاداري محمد فال بن عبد اللطيف يخاطب الطالب المهندس عبد الرحيم ولد أحمد سالم:

منا إليكم سلام من صبا بردى
أرقَّ وافاكمُ منا و ما بردا
وافى فلا برَدٌ أفنى حرارته
بذَّ الرياح و بذَّ البرْد و البرَدَا
وافى و نحن هناكمْ في دراستنا
و الكلُّ مجتهدٌ في ما له اجتهدا
مدى الدراسة ما زلنا به و لقد
كنَّا طرائقَ في ذاك المدى قِدَدَا
هذا سيصبح أستاذا فتسمعَ ما
يقوله نجباءُ القوم و البُلَدَا
أما أنا فهنا في معشر درسوا
فنَّ الادارة راضوا منه ما شردا
و إننا الآن لا ندري يُرادُ بنا
ماذا، أشرًّا أراد القومُ أم رَشَدَا
نحن الذين بقينا ها هنا و يَرى
كلُّ البرية أنا معشرٌ سُعَدَا
كأننا ما وُجِدْنا كيف يوجد مَن
في الذهن يوجد ما في خارجٍ وُجِدَا !

و أجاب الطالب المهندس عبد الرحيم بن أحمد سالم من كندا يقول :

كتابُك العذبُ في هذا المسا وردا
يَشفي من الداء مهما كان سا و ردا
وافى و نحن بعيدٌ رهنَ غُربتنا
لو كان يثنيه أنَّا أبعدُ البُعَدَا
وافى و كلٌّ يراه من غباوته
غدا يؤمِّلُ شوقا ما يجيء غدا
هذا يراه وزيرَ الاقتصاد غدًا
من أجل ذاك غدا في البيت مقتصدا
و ذاك عن عجلٍ يبني شريكته
و ليس متخِذا فيها له عَضُدَا
أمانيُ النفس لا تعبأْ بزخرفها
إني لأخشى عليها أن تضيع سدى
فكيف و القوم قد كفُّوا أكفَّهُمُ
عن الدروس و مدُّوا للفراغ يدا
فالبعض منهم لنشر ” اشْرَيْبَ ” مستمعٌ
و البعض مضغ لشعر ” ابَّابُلُونُرُدَا “
و البعضُ في عجلات الرقص محتمل
كأنَّ عجلا بها للسامري جسدا
أما أنا فلقد قال المدير ضحى:
قال الأمين و ما في قوله فندا
إن الوزير قضى وفقا لرؤيته
أن الرئيس قضى و استحضر الشهَدا 
أني أتابع في الأشغال معرفتي
وفقَ القرار و أني قاصدٌ “كَنَدَا “
فغبتُ منفردا كيْ لا أخالفهم
هل ثمَّ راثٍ لمن في الغيْبة انفردا ؟
و غائبٌ مُفردٌ قد بان منفصلاً
فذاك يُلغى و لو في خارجٍ وُجِدَا !

رحم الله السلف و بارك في الخلف .

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=4985 0 4985
معاناة المُعلمين ….. يعقوب بن عبدالله بن أبـُــن ْ https://niefrar.org/?p=2181 https://niefrar.org/?p=2181#comments Thu, 18 Apr 2019 13:13:28 +0000 http://niefrar.org/?p=2181 جمع عبد السلام بن سعيد الملقب بسحنون (طائر حديد البصر) بين دفتي كتاب جميع سماعاته من شيخه عبد الرحمان بن القاسم العتقي ، و أضاف إليها أجوبة نفيسة لنفس الشيخ أجاب بها تلميذًا له آخر يدعى أسد بن الفرات، و أطلق سحنون على ديوانه اسم المدونة الكبرى ، فأصبحت فيما بعد إحدى أهم أمهات المذهب المالكي يلقبونها بالأم، و قد اعتمد عليها خليل في مختصره مشيرًا إليها ب “فيها” .

أصبحت فيهم غريب الشكل منفردا *** كبيت حسان في ديوان سحنون

كما صنف ابنه محمد – منتصف القرن الثاني الهجري- رسالة تدعى ب آداب المعلمين ضمنها رؤية تربوية في غاية النضج، و مع أن الرسالة لا تتجاوز 26 صفحة إلا أن سطورها تشي بخبرة كاتبها في ممارسة التعليم. فقد ذكر ابن سحنون أن القرآن هو منبع العلوم، وحثّ المدرسين على البدء به، و أوضح أحكام المسائل المتعلقة بتدريسه كالأجرة والختمة.. كما حضّهم أيضًا على تعليم الفقه والنحو و الشعر و تحسين الخط والرسائل … واشترط في تعليم تلك المواد الأخذ بعامل التدرج؛ بحيث لا ينتقل المعلم من درس إلى آخر، إلا بعد أن يحفظه المتعلمون . ثم وضع ضوابط لعلاقة المعلم بالمتعلم فذكر مبدأ الثواب و العقاب، وأفتى بأنه لا يجوز للمدرس ضرب التلميذ فوق الثلاث إلا بإذن وليه، كما أكد على ضرورة تفرغ المعلم لأداء مهمة التعليم، و أسقط عنه حضور الجنائز وعيادة المريض ، و جعل عطلة الأسبوع من عشية الخميس إلى السبت و حدَّ عطل الأعياد بثلاثة أيام ، وشدّد أيضا على أهمية العدل بين الصبيان، و حثّ المدرسين في ختام الرسالة، على ضرورة إشراك الأسرة في تدبير شأن المتعلم.

قف للمعلم وفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا

وقد ألف الجاحظ كتابًا في نوادر المعلمين ضمّنه العديد من القصص والمواقف الطريفة منها أنه قال : مررت بمعلم وقد كتب لغلام (” و إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه” ,,, ” يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا” ,,, ” فمهل الكفرين أمهلهم رويدا “) فقلت له : ويحك لقد أدخلت سورة في سورة، فقال نعم إذاكان أبوه يدخل شهرا في شهر، فأنا أيضا أدخل سورة في سورة.

شوقي يقول و ما درى بمصيبتى *** قم للمــــعلم وفه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلا *** من كان للنشء الصغار خليلا

كما تناول شيخنا الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف معاناة المعلمين في كتابه الموسوم ب حاكم مقامة حيث شخّص في خمس صفحات، الحالة المزرية التىي عاشها المدرسون في مقاطعته آنذاك، ومن أطرف ما ذكر فيه أن السيد المختار بن أوفى -رحمه الله- كان مديرًا لمدرسة بيلكة ليتامه، وقد أرسل إليه مرة رسالة بليغة قال فيها: “بعد تقديم السلام التام ، و ما يليق من التبجيل و الاحترام ، إلى مقام حاكم مقامه، أخبره أن الجدار الذي كان يهدد بالسقوط في مدرستنا قد سقط بالفعل، و لم يصب أحد بأي أذى والحمد لله”.

إن المـــعلـم والطبيب كليهما *** لا يـــنصحان إذا هــما لم يكرما

المعلم هو ثالث الأبوين، لذلك يتوجب وضعه في ظروف ملائمة؛ تمكنه من القيام بعمله على الوجه المطلوب، لكن مجموعة من العوامل – ليس هذا محل بسطها- تضافرت لتزيد من معاناته أثناء أدائه لمهمته النبيلة، و بما أن من بين المعلمين شعراء – والشعر شعور- فقد بات الأدب متنفسًا ينفثون من خلاله ما تكنه الجوانح.

وقد وقع اختيارنا على جملة مفيدة من أدب المُعلمين، حصلنا بعد استنطاقها على أوصاف مختلفة من المعاناة، جرى ترتيبها في عشرة عناوين. وقد أعرضنا عن بعض النصوص الشهيرة، اتكالا منا على شيوعها و خوفًا من الإطالة بالإخبار بالضروريات.

Capture

الإلتحاق بمقر العمل:

أول مشكلة تواجه المعلم الجديد هي استلام عمله ، فمسطرة القوانين الوطنية، تحظر على المتعلم حديث التخرج العمل في أول أرض مس جلده ترابها ،و لا تجيز له التدريس في المدن الكبرى، فليس أمامه خيار، إلا أن يلتحق بمقر عمله خالي الوفاض بادي الإنفاض.
وقد سجل لنا الشيخ المختار بن حامد -رحمه الله- رحلته لاستلام عمله في مدرسة النقلي، في إحدى مقاماته الجميلة؛ حيث جعلنا نرافقه خريف 1947 في رحلة من لكوارب إلى أطار مرورا بانواكشوط و إينشير واظبيعية وعين أهل الطايع… و أشار في عدة مقاطع منها إلى المشاق التى لا قاها؛ سواء منها ما يتعلق بتعطل السيارات، أو من صعوبة الطريق، خصوصًا عند قوله: “فلما أسحرنا قمنا * وعدنا إلى مراكبنا * فلما استقلت للظعن بنا * قلنا : بئس و الله السير * على بئس العير.”

تنـــوع لي نـــفع الجوار المبارك *** أمدرسة النقلي مذ كنت جارك

كما اصطحبنا الأديب الشاعر لمرابط بن دياه في رحلة التحاقه بمقر عمله في مدبوك، خريف سنة 1990؛ من خلال أرجوزة جيدة السبك والحبك يقول في أولها:

هـــذا و إن مــــــهنة المعلم *** تــــقوده لـــــعلم ما لم يعلم
تجعله يعرف أصناف البشر*** و يدمن التجوال فيها والسفر
خرجــــت من مدينة العيون *** أرنو إليــها نظر المحزون
إلى كُـــــبَنِّ ثم منها للحدود *** و الله أعلم متى سوف أعود

و قد ذكر المعلم الشاعر في أرجوزته، الأعطال التى طرأت على السيارة طيلة الرحلة و ما ترتب على ذلك من التشمير والتهجير و التأخير ، فقال:

أصــــابها بعد خـــروجنا عـــطب *** وجمعوا لها الحشيش و الحطب
بقـــرب ڮُنـْـــڮَـــلَ توقف الوقود *** عن الصعود فاستطاعوا أن يعود
وبــــدلوا بها الفـــــتيل المحترق *** و أنشــــأ الســــائق يحدو و طفق
واتـــــجه الـــــسائق نــحو شارا *** ثـــم أقـــــام عـــــــندها نـــــهارا
من عـــــــطب أصابه في العجله *** في حــــــفرة مــــــمطورة مبلله

وقد أتحفني الأستاذ محمد فال بن محمد محمود بقصيدة في غاية الروعة و رصانة الأسلوب، تشي بمعرفة صاحبها بالشعر وفقه اللغة، كتبها الأستاذ أحمد سالم بن بتاه سنة 1986، أيام كان يتولى تدريس مادة اللغة العربية في ثانوية روصو. وتدخل القصيدة في إطار نقد بعض التصرفات- التى تتنافى مع أخلاق مجتمعنا المحافظ – و اللتي ظهرت آنذاك في ساحة ثانوية اكزافييى كبلانى .
وقد بدأها بوصف دقيق لمعاناته اليومية مع الحافلة التى تقل الأساتذة إلى الثانوية، ثم ثنَّى بنقد سلوك التلاميذ الذكور، وثلث بالنكير على تصرفات التلميذات؛ ولعلهنَّ هنَّ المقصودات بالقصيدة التى جاءت في 54 بيتا من بحر البسيط، وسنختار منها مقطعا يعطينا فيه الشاعر فكرة عن معاناته اليومية مع حافلة الثانوية فقال:

أغدو لحـــافلة كالـــــرال جافلة *** للصبح تسبح في هاب من الترب
يصـــم أذني أزيز الريح أحسبه *** غارا تأجــــج فــيه النــار ذا لجب
في قارس من ندِىِّ البرد يرهبه *** قحـــم الكلاب فيدني الرأس للذنب
تشـــق حيزوم خرق قاذف قتم *** في راقص من بحار الآل مضطرب
و تنثني و أوار الشمس يرمضها *** بلــــفحة من أوار الـــحر كاللهب
إذا تعــــالج وعر الأرض راكبها *** يهـــتز فيها و ما يهتز من طرب

التأقلم مع الوسط الجديد:

يتوجب على المعلم أن يتأقلم بسرعة مع وسطه الجديد والذي عادة ما يكون مختلفا عما تعود عليه في السابق ، ودائما يلاقي المعلمون الأمرين في محاولة التأقلم مع البيئة الجديدة؛ خصوصا عندما يقومون بالاستدانة من تجار التجزئة، و يستخدمون غير المطلق من المال في العادات و العبادات، كما يجبرون أحيانا على تغيير أنماطهم الغذائية، وتحمل القيظ والقر الشديدين، وقد جمع الأديب الشاب باڮَا بن الب أغلب هذه النقاط في نص من “مرماد ” أحسن فيه و أجاد فقال:

ذِ لَرْضْ دَاحِــــــسْنِ مَاهَ *** مِنْ بِـــــيرْ جَ وللَّ حَاسِ
ألَخْـــــيَارْ يَانَ مَــــعْطَاهَ *** لِخْـــــيَامْنَ عَــــايِدْ ڮَاسِ
مَدْحُوسْ عِتْ اتْبَانْ انْتَ *** و الْحَرْ مِنْ كِيـــفِنْ سَنْتَ
مَدْحُوسْ حَتَّ مِنْ ڮِرْتَ *** أمَدْحُـــوسْ حَتَّ مِنْ بَاسِ
والْقِــــــسْمْ دَاحِسْنِ حَتَّ *** ألاَ تَـيْــتْ عَارِفْ شِنْوَاسِ

وقد أخبرني معلم من أهل إيكيد، أنه أرسل للتدريس في ريف الضفة منتصف الثمانينات و استضافته أسرة فاضلة، ولم تبخل عليه بالإكرام و الإدام طيلة الأشهر الأولى من السنة، لكنه لما مرَّ بصاحب الدكان كي يسدد إليه ديونه فاجأه حجمها ، فسأل التاجر مستفهمًا لا منكرًا عن سبب ذلك؟ فقال له أما إن أفراد الأسرة التي تسكن عندها ، ليأخذون جميع مستلزماتهم عندى بوثائق عليها توقيعك وقد احتفظت بها كلها ، فأحس المعلم بالحرج فلا هو قادر على مفاتحة الأسرة بالموضوع لشدة كرمهم و لا هو قادر على ضمان رد أمانات التاجر إليه، و بعد تفكير قال للتاجر هل لك أن تعاهدني على أن تكتم علي ما سأطلبه منك ، فقال له التاجر أي و الله فلن أحدث به إنسيا ، فقال له كل وثيقة تأتيك من عندي سيكون توقيعي في رأسيتها  بحرف الباء، فإذا كانت نقطته فوقه فتلك أمارة على أن الوثيقة مني فلتقم بإنفاذ ما فيها ، و أما إذا كانت نقطة الباء في  محلها المعهود، فعليك أن تجد عذرا مقبولاً ترد به صاحبها. فقال التاجر حبًا وكرامةً وكما يقولون في العبارة الشعبية “حِيلَ أُ لاَ عَارْ”

النِّعْمَ فِـتْشَوْعـِـيرْ *** رَيْتِ حَڮْ الرَّايَ
وجْبَرْتِ سِنْيَاتِيرْ *** مَجْمُـوعْ الڮَرَّايَ

وقد حدثني الأديب الراوية محمد بن جار الله – أطال الله عمره- بقصة طريفة وقعت للمعلم الأديب محمد يِلَّ التاكاطي – رحمه الله- عندما حول تعسفيًا إلى إحدى قرى ريف صانكراف، فتأخر في الالتحاق بمقر عمله، و أبلغت عنه السلطات الرسمية، فأرسلت إليه بعثة تفتيشية يترأسها الحاكم، فلم تجده في المدرسة، و لما علم بقدومهم، توجه مباشرة إلى القسم، فقدَّم له المفتش استفسارًا مكتوبًا عن سبب تغيبه الدائم عن  مقر عمله،  فأجابه بالكاف التالى:

حَدْ أوفكت لآدْوَابَ *** مَا تِنْشَافْ اعْلِيهْ
إلَ عَـــنْهَ لادْ و آبَ *** بـِــيهْ أبِــيهْ أبِيهْ

فتفهم الحاكم ظروفه و حوله إلى مدرسة حضرية ، و تجدر الإشارة إلى أن بعض الرواة ينسبون هذا الكاف إلى الطيب بن ديد رحمه الله.

وفي نفس السياق، رسم لنا معلم آخر همومه في لوحة فنية من ” لبتيت التام” ، ختمها بعبارة مفادها أن مهنة المعلم هي الأحق بلقب مهنة المتاعب:

ذَانَ نِسَدَّرْ فِرْڮُوڮَ *** لاَبِـــسْ دِخَّــــانَ مَشْڮُوڮَ
مَا عَنْدِ فِــبْلَيْدَ تَوْڮَ *** نِسْـــــتَنْشَقْ دِخَّــانْ أدَبَايْ
ونْڮَّرِ تِرْكَ مَغْلُوڮَ *** فِمْبَارْ امْلاَنْ امْنْ أحَــفَايْ
يَلاَّلِ مَــحَرْ الزَّوْڮَ *** أمَعِـــظْمْ اذْنُوبَكْ يَالْڮَرَايْ

ضعف مستوى تلاميذ القسم:

عهد في الثمانينات إلى الأديب اللامع أحمدُّ بن أبنو بتدريس قسم سادس؛ جُمع فيه بعض التلاميذ الذين لم يتمكنوا منذ سنوات من التجاوز إلى الإعدادية، فلم تعجبه أجسامهم و لا أخلاقهم ، وقد عبرعن ذلك صراحة في ڮَافه الشهير:

خَالِــــعْنِ ڮِـــلّتْ ذِلْكُمْ *** تِـخْرِيصَ فَمْ أزَيْمَ
وادُّرُوسْ اتْــــجِ تَلْكُمْ *** واتْرُدُّولِ في الْڮَيْمَ
واصْحَاحْ أعِتُّ كِلْكُمْ *** لاَحِڮْتُ ڮَاعْ الْخَيْمَ

أما الأديب ول ألما بن المختار بن دادا ، فكان طيلة مقامه في تيريس يدرس القسم الخامس ذكور، وفي بعض السنوات اضطر إلى استبدال نصف تلاميذه الذكور بالبنات خرقا لقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، لكنه لا حظ أن تلميذاته لا تشاركن كثيرا في الحصص فقال:

شِــــمْنْ اتْلاَمِيدِ مَا انْزَادْ *** مِنْ يَــوْمْ الْجَانِ لاَجَ
ألاَ يِرْفِدْ صِبْعُ كُونْ زَادْ *** ساعت قـــَضَاءْ الْحَاجَ

و قد عانى الأستاذ الشيخ اليدالي بن الدين – أيام تدريسه في إحدى إعداديات العاصمة – من عدم اهتمام التلاميذ بدرس اللغة العربية، واطلع على ضعف مستوياتهم فيها، وقد عبر عن تلك المعاناة من خلال قطعته الشعرية الجميلة:

حنــــانيك للأســــتاذ أيام درسا *** لقـــسم به ركب الغــباوة عرسا
تحكم بغض الضاد فيه و جهله *** لها رافـــضا فاختار أن يتفرنسا
كتــــبت لهم نصـا كتابة ناصح *** يذلل فيـــه كل صعب ليدرسا
و ناديت منــهم للـــقراءة داعيا *** فلم أر فيـهم من لها قد تحمسا
كأني للصمت الرهيب دعوتهم *** و حـق الذي في ذاته قد تقدسا
جنـــحت لهم نحو التهجي لعله * يكون و هل تجدي هنا علَّ أو عسى
فــحاول بعض منهم نطق كلمة *** و أفسد إخراج الحروف و نكسا
فقلت له اكتب ما تــقول فخالني *** أقـــول له طــــلس فقام وطلسا
أظــــل بـــهم يومي أكابد هكذا *** كــــأني أنـــادي أو أكلم أخرسا

و من الطرف التى تتندر بها المجالس، ما يروى من أن معلما حول إلى مدرسة ريفية ، فبدأ حصته بسؤال وجهه إلى أحد التلاميذ قائلا: من الذي فتح الأندلس؟ فصاح الصبي و الله ياسيدي ما فتحت الأندلس و لا اقتربت منها ، فطرده المعلم من القسم، فراغ إلى أهله فسألته أمه عن السبب وراء قدومه المبكر ؟ فأخبرها بأن المعلم الجديد اتهمه بفتح الأندلس و طرده، فقالت له أما إنك لجاهل مشوش غبي و لا أستبعد أن تكون قد فتحتها وعبثت بمحتوياتها، و أخذت بيده و ذهبت به مسرعة إلى المدير فلما دخلت عليه و قصت عليه القصص ، قال لها ياسيدتي هذا معلم جديد و متشدد و أقترح أن يقر الصبي بفتحه للأندلس، لكنه سيلتزم أمامنا جميعا أنه لن يكرر ذلك أبدا، لعل المعلم يتقبل ذلك منه، فأقر الصبي على مضض بأنه من فتح الأندلس و ذهبوا به إلى الفصل، و أخبر المدير المعلم باعتراف الصبي و بضمانة أهله بعدم تكراره لفعلته، فقابل المعلم الشفاعة و أرجع طارق بن زياد إلى فصله.

الغربة والحنين إلى الأهل:

يحتل الحنين إلى الأهل، و تذكر الربوع والمعاهد حيزا هاما من نصوص أدباء المعلمين، و ربما يرجع ذلك إلى أن النفس بطبعها تحن للمحل الأول، وهذا الشعور اللا إرادي يتحد فيه الشعراء، لكنهم يختلفون في طريقة التعبير عنه، فنجد مثلا الشيخ الأديب زيدٌ بن حدَّمين -رحمه الله- يصرح بأن شدة الغربة أثرت على ملكاته الشعرية، وذلك عندما حول سنة 1957 إلى ولاية الحوض الغربي، و بدأ بالنوارة لاستكمال بعض الإجراءات الإدارية، وهناك كتب ڮَافه الشهير :

رَفِّتْ لِــــغْنَ مِنِّ طَارِتْ *** وْبعِتْ أهْلِ فِي النِّوَارَ
غَـيْرْ الْمَرْءُ حَيْثُ دَارَتْ *** بِــــيهِ الْـــمَقَـادِيـرُ دَارَ

أما الأديب الراحل الطيب ول ديد  – رحمه الله- فقد فكر بصوت مرتفع عندما كتب لنا في “لبير” حوارا جرى بين قلبه وعقله ، يذكره الأول بتعلقه بمن يحبهم، وشح الأخبار التي تصله عنهم، واستبعاد لقائهم المنتظر في الراحة المدرسية، أما عقله فيضعه أمام مسؤولياته الإدارية وشؤون تلامذته و مدرسته. وقد أجاد في الصناعات اللفظية المعروفة عند نقاد شعر الحسانية ب الإفلاق و “اتْرَوْسِ” حين قال:

الرَّاحَ تَـــرْجَ ڮَــالْ حَدْ *** مَارِسْ والنَّاسْ إلاَّ اتْرِدْ
وَانَ بِاللَّـــيْعَ نِــــــنْزْهِدْ *** مِنْ شِ جَــــدِيدْ أدَارِسْ
والْــهَمْ اعْــلِيَ زَادْ شَدْ *** والدَّارِسْ و اهْلِ مَارِسْـ
لُولِ لَخْــــبَارْ ألاَ انْڮِّدْ *** يَكُـــونْ انْتَــــمْ انْمَارِسْ
هَمْ الْمَــدَارِسْ مِنْ ابْلَدْ *** واتْـــلاَمـِـيدْ الْــمَدَارِسْ
يَغَــــيْرْ امْنَيْنْ إتَّمْ بَعْدْ *** الــرَّاحَ تَـــرْجَ مَــارِسْ
وَانَ بِا للَّــــيْعَ نِــــبْتْلَ *** والْــــهَمْ ألاَّ يِـــــدَّارِسْ
وَيْلْ الْهَـــمْ أوَيْـــلْ اتــْ *** لاَمِــيدْ أوَيْلْ الْمَدَارِسْ

طبيعة العلاقة بالمفتش :

لاحظ الشيخ الأديب أحمد ُّبن اتاه بن حمينَّ ،ملوحة زائدة في مياه قرية كان يدرس فيها سنة 1967 ، فكتب أبياتا جميلة، و أرسل بها إلى مفتش التعليم العربي آنذاك السيد تيرنو عمر ، فطرب المفتش للأبيات، و حوله في الحال إلى مكان ملائم، و الأبيات هاهي كما رويناها عن الشيخ :

فمني إلى ذي الطبع والخلق السمح *** مفــتش تــــعليم الـــعروبة بالنصح
ومن دأبه لـــين و حــــلم وســـؤدد *** و ميل إلى الإحسان والعدل والصلح
ســــلام كريا فــــارة الـمسك فتها *** أخو العطر في أنف الصبا فلق الصبح
فمـــوجــــبه إنا لنــــحمد ســــعيكم *** فســعيكمُ مســتوجب الحمد والمدح
و” بيدك ” قـــصر ليس يوجد مثله *** و ما إن علـــــمنا في أهـاليه من قدح
و لكن ماهُ صـــار ملـــحا وما لنا *** يــــدان على اســـــتعمال ذالكمُ الملح

أما الأديب ول ألما بن المختار بن دادا ، فيبدو أن علاقته بمفتشه لم تكن في أحسن حالاتها ، وذلك عندما زار الأخير مدرسته في شهر الصوم ، وبدا متسامحا جدا مع بعض المعلمين ، بيد أن أديبنا أحس باستهداف المفتش الشخصي له من خلال إصراره على الاطلاع على بعض الجزئيات، التى تغافل عنها أثناء تفتيشه لزملائه  فكتب ڮَافه التالى، وهو تحت تأثير شعور الإمتعاض من تصرفات المفتش:

الْمُفَــــتِّشْ جَـــانِ نَعْسَانْ *** وابْلاَ تَحْضِيرْ أسِجِلِّ
فَارِغْ وِ جَــازِيـهْ ابْلِحْسَانْ *** الِّ ما ڮَاعْ الْحَڮْ جِلِّ

ومن طرف التفتيش ما حدثني به السيد محمد بن أحمد بن الميداح أنه كان في مهمة تفتيشية في مدينة المذرذرة وبعد ما انتهى منها، دخل المكتب ليرتب أوراقه حيث كان على أهبة السفر إلى انواكشوط، في إطار مناسبة اجتماعية خاصة به، فلاحظ وجود ورقة على المكتب، فقرأها فإذا فيها الڮَاف التالى:

امْنــــَيْنْ أوفَ هَـــاذَ لَــــــوانْ *** التَّفْــتِيشْ و ذَاكْ إفَادَ
عَـنْـدِ عَنْ ظَرْكْ الْزِمْ ڮَـولانْ *** يالْمُفَتِّشْ بَعدْ : العَــادَ

فكتب في مقلوبها الكاف التالي:

ذَ الْڮَافْ الزَّيْنْ الْ مَشَّيْتُ *** شَدْ ابَانْ أخْبَارْ العَــــادَ
غَيْرْ آنَ بَــــاطِلْ مَا رَيْتُ *** شَــدْ اخْبَارْ المُسَاعَـــادَ

تسيير الكفالات المدرسية:

قدم برنامج الغذاء العالمي، بالتعاون مع البلديات دعمًا للتمدرس يتم من خلال الكفالات المدرسية؛ التي توفر بعض المواد كالأرز والسكر و الزيت و القمح و “افارين” والحوت والبيض المجففين أحيانا ، للتلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة. ويكلف مدير المدرسة بالإشراف على العملية، حيث يقوم بتعيين خازن – وعادة ما يكون أحد المعلمين- يشرف مباشرة على تنفيذ تغذية المكفولين. لكن المواد المخصصة للكفالة، قد تنقص خلال مختلف المحطات الإدارية التى تمر بها.
وقد عدد الأديب الأريب اشريف بن أبرهام فى نص جميل جميع المعوقات التي قد تحد من وصول الكفالات إلى المكفولين فقال:

مَاهُ فَالْ اتْشِكْ السُلْطَ *** وَ اهْلْ الْـكـفَالَ عَنْ يَخْطَ
مُسَيِرْ مِنْ يِنْڮِبْ بَطَّ *** وَللَّ ثِــنْتَــيْنْ الدَّهْرْ امْتِينْ
والْمُدِيرْ افْتَوْ الذَغْطَ *** يَڮْــــــــبَظْ يَدْمَ وَللَّ ثِنْتَيْنْ
والْمُفَتِّشْ خَوْفْ الْمَرْطَ *** مَا يَڮْلَعْ لَبْنُ مِتْنْ الدِّينْ
والْـــوِزَارَ مَا تُــــــخَطَّ *** بِالْڮَمْحْ أمَارُ مِجْتَمْعِينْ
وَشْمَرْ فُكْمَ وَمْتَنْ ظَبْطَ *** بِيـــــهَلِّ ڮِرْعتْهَ فَارِينْ
والْخَـــــازِنْ نَارُ مَا تَبْطَ *** بِالسِّكْرْ امْدَاوِ حِرْڮْ امْتِينْ
والْبَيْظْ اعْلِيهْ احْبَظْ وِسْطَ *** مَا ڮَـطْ انْشَافْ الَّيلُ اسْنِينْ
وِفْذَاكْ الْخِـــلْطَ مِرْتَبْطَ *** وتْسَـــيَّلْ مَالْ الْمَسَاكِينْ
وامْــــنَيْنْ اتَّـــــمْ الْكفّالَ *** وَنڮَالَ دُونْ الْمَكْفُولِينْ
مَا يَلْحَــــڮْهُمْ مِــــنْهَ فَآلَ *** كُونْ إلَعَادْ أسَخْ لَيْدِينْ

وفي نفس السياق نجد الأديب حامد بن ميلود -رحمه الله- يذكرنا بمعاناة المعلمين خلال ما يسمى بالملتقيات التكوينية، و ذلك حين شارك في أعمال ملتقى حول مقاربة الكفايات وتسيير الكفالات، فلم يعجبه محتوى التكوين و لا الظروف التى جرى فيها فقال:

أهْلْ الْمِلْتَاقَ فِيهْ سِيڮْ *** وِعْلِيهْ ألاَحِــظْ يَاسِرْ
نِظَامُ خَاسِرْ وِازْرِيڮْ *** خَاسِرْ وَ أتَايُ خَاسِرْ

رقابة الامتحانات و المسابقات:

تمثل رقابة الامتحانات و المسابقات، نوعا آخر من معاناة المدرسين؛ فدائما يجري تنظيمها أواخر السنة في حمَّارة القيظ، حيث يضطر المراقب إلى ترك مقر إقامته و يتوجه إلى قرية بعيدة في ظروف قد لا تكون ملائمة، ثم يقضي أياما في صراع مع التلاميذ و ذويهم، الذين يستخدمون أحدث وسائل الاختلاس يقول الأديب الشاعر محمد لمجد بن محمد لمين في هذا الصدد:

في حجرة مثل جحر الضب ناضحة *** بالــنـتـن ملأى بـأنـواع الـخـنـافــيـس
راقــــبـت أبوام نحس كـلهم نــــكـد *** تــبـدو على جــسـمـه آثـار تـفـلـيـس
لا شايَ لا خبزَ لا ماءٌ و لا لــــــبـنٌ *** و لا جــمــال لإنــعـاش الأحــاســيـس
و مــــا يسمى مجازا بالنسا خــشب *** مسندات كــــــأمثال الـجـــوامـيـس
يـبسمن عن سفن سود مــفـلـطـحة *** رست على العاج في بحر من السوس
وثـــــم أطــــلال فتيان مـمــــــزقـةٌ *** بالجوع كـلـــــهُـمُ يـــــبدو كــــدبـوس
كـــــم صولة لهُمُ في الاختلاس وكم *** تهامسوا خـفـيـة خـلـف الكـوالـيـس
يارب لا نـجـحوا فى الامـتـحان ولا *** نالوا سوى الشؤم و التـبخـيس والبوس

أما الأستاذ محمد فال بن محمد محمود فقد وجد نفسه في امتحان صعب ، حين أرسل ضمن فريق من الأساتذة للرقابة على الباكالوريا في إحدى الولايات الشمالية، لكنه استغرب من تغيير مفاجئ طرأ على الطاقم الذي كان يرافقه؛ حيث تم استبدال أغلب أعضائه بأساتذة جدد، وما إن مرت أول ساعات اليوم الأول، حتى فهم سر ذلك التغيير، حيث باشر الفريق الجديد بحل المواضيع لبعض المترشحين ، وهو ما أثار عند المراقب الأديب نوعا من الاشمئزاز، عبر عنه من خلال كافه التالي الذي كتبه بخط كبير على السبورة:

جَيْرِ بَكْ الْجَانِ خَسِيسْ *** لِلْكِشْفَ بَعْرَاضُ سَاخِ
النَّايِــبْ رَاخِ وِالرَّئِيسْ *** رَاخِ والْمُــرَاقِبْ رَاخِ

كما نجد نفس الأستاذ الشاعر، يعالج في نص آخر شائعة تسريب الباكالوريا التىي شاعت و ذاعت منذ سنوات فقال:

كم تلق في الناس من شاك ومن باك *** لم يرض عما يشاع اليوم عن “باك
هل قـد تــــسرب حـــقا بكـنا أســـفا *** أم أنــــه قـــــــــول نمـام و أفـاك
الأمـــر ملـتـبـس و الخـلـق مخـتلف *** والْبَـــكُّ كـالنـــاس شاك أمره باك

معاناة المرؤوس من الرئيس:

تحت هذا العنوان، جمعت بعض النصوص التى عبر فيها مدرسون عن معاناتهم من بعض أفراد الأسرة التربوية وفي مستويات مختلفة، فهاهو المفتش الأديب المختار بن محمدا يبدي استغرابه من عدم تعيينه، خصوصا أن زملائه – الذين تخرجوا معه في نفس السنة- قد تم تعيينهم، فعبر عن ذلك بطريقته الخاصة فقال:

قالوا و مالك لا تحظى بتعـيـيـن *** فـيمن يعـين من حين إلى حين
قلت المقاييس حتى الآن تمنعنى *** و ربما بعد حين سوف تعطينى
و للأمـــــور قوانين و تلزم في *** بعض الأمور مراعاة القوانـين
قالوا وما أسس التعيـين قـلت لهم *** عـفوا فــذلك أمر ليس يعنـيـني

وقد أشار السيد محمدن بن أحمد عالم في بيتين جميلين إلى عدم التزام المعلمين العاملين معه ببرنامج مداومة الأسبوع الذى أقروه معا، فصار صاحبنا هو الوحيد الذي يحضر كل يوم قبل الوقت، ليشرف على إدخال التلاميذ في أقسامهم، ودق الجرس فقال في ذلك المعنى:

مداومة الأسبوع حبر على ورق *** وسيان مسبوق إليها ومن سبق
ولكن هــــذا الجامد الصدء الذي *** يـرن إذا مــــا دق لابد أن يدق

أمَّا الأديب محمد بن الميداح فقد ذكر أن حرارة حفاوة استقبال المدير الجهوي له ، متعلقة بطبيعة المهمة التى قدم من أجلها ، فإذا كان قادما لاستلام مواد الكفالة يكون الاستقبال حارا و حميميا، أما إذا قدم للتزود ببعض المستلزمات المدرسية كالطباشير و الدفاتر فإن الاستقبال يكون جافا و جافيا. فقال:

اعْلَ لِڮَوَارِبْ هَــاكْ اعْيَيْتْ *** نِنْڮَـــَزْ الاَ ڮَـــدَّيْتْ اشْوَيْتْ
ءُ نِسْـــبِڮْ فِــدَارِتْنَ لاَ جَيْتْ *** ءُ ذَاكــــوَّ هـــوَ ڮَـاعْ أرَايْ
غيْرْ امْجِيَّاتِ ذُو الْ عَدَّيْتْ *** مَاهُمْ وَاحِدْ و اوْقَاتِ جَايْ
مَرَّ مـــُديرْ انْعــــــُودْ اكْبيرْ *** ءُ مَرَّ ڮَرَّايْ انْعُودْ ءُ رَايْ
قِيمــــِتْ ذَاكْ ءُ وَقْتِ مُدِيرْ*** مَاهُ كِيـــفِتْ وقْـــتِ ڮَــرَّايْ

وقد حدثني مؤخرا أحد المعلمين المتقاعدين، أن الدولة قررت في السبعينات، الاستعانة ببعض مرتادي المحاظر، لسد النقص المسجل في المدرسين ، و قد أرسل اثنان منهما إلى إحدى القرى النائية ولبثا بها سنينا عددًا، فقررا ذات يوم أن يشعرا الدولة بمعاناتهما، فعمدا إلى قصاصة صغيرة و كتبا فيها طلبا للتحويل موجها للوزير و أرسلاه عبر البريد . وهذا نص الطلب :
المعلمان اللذان يدرسان في انجڮُنان يطلبان التحويل في الأوان 
لم يرق طلب المعلمين وزيرَ التعليم آنذاك، نظرا لعدم التزام كاتبيه بأبسط قواعد التحرير الإداري، لأنه ببساطة ليس شخصيا و لم يحترم الشكل المعهود ، ولم يصل عبر السلم الإداري ، كما أن إرسال طلب إلى وزير في قصاصة عبر البريد قد لا يكون تصرفا لائقا ، فما كان منه إلا أن كتب على ظهر القصاصة ما يلى :
ليعلم المعلمان اللذان يدرسان في انجُڮُنان أنهما مفصولان في الأوان

كبت الشعور والأحاسيس :

هذا النوع من المعاناة يختلف عن الأصناف التي تعرضنا لها سابقا، لأنه يتعلق بالشعور والأحاسيس ،فقد تثير الصفات الخَلْقِيَة، والطباع الخُلُقية لبعض رواد الفصل، شعورًا خاصًا لدى بعض المعلمين، فمنهم من يكنه بين جوانحه، ومنهم من يبوح به من خلال لغة الجسد والإيحاء، و منهم من يكتفي بتخليد ذلك الشعور في شعر طريف.

وقد أخبرني الأديب الرَّاحل بلِّ بن دِيدِ – رحمه الله-، أن الدكتور جمال بن الحسن -طيب الله ثراه-، طلب منه بعد نهاية إحدى الحصص، أن يتبعه إلى مكتبه، في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة، وأسرّ إليه بأبيات جميلة، عالج فيها معاناته النفسية مع طويلب علم كان قد درسه وقال له ” حافظ على هذه الخاطرة لكي لا تضيع”، يقول محدثي فأوعيتها أذنا صاغبةً وحفظتها من حكاية واحدة، وهي:
بنفسى – وهون فيه أن أتلف النفسا- *** طـويـلب عــلم ما وجدت له جنسـا
أتـاحت لنا بعض اللــــيالى لـقــاءه *** فــلـقـنـتـه درســـا و لـقـنني درســــا
ألــقـنه درسـا فـيـنـسى وحـسنـه *** يـلـقـنـنى درســــا من الوجد لا ينسى
لئن حال صرف الدهر بـيني وبينه *** و أمسى محل الدرس في نفسه درسا
لقد ذكــرتــني أشـهــر الـبعد بــعــده *** دروس هـــيام لا أمـــر و لا أقــسى
بيد أن المديرين أيضا، ليسوا بمنأى عن معاناة الأحاسيس؛ فها هو الأديب محمد بن أحمد بن الميداح، يعبر بطريقته الخاصة، عن امتعاضه من الاحترام والتقدير، الذي يعامله به طويلب علم أثناء إدارته للمدرسة رقم 1 في المذرذرة، وقد اخترع لنا في خاتمة النص مسلمة تربوية طريفة فقال:

احْـتِـرَامِ خَـــلِـيـهْ *** رَانِ لِكْ مَـا نِــبْـغِـيهْ
ذَاكْ ألاَّ خِصِّ بِيهْ *** الْڮَـرَّايْ افْـلِـكْــلاَصْ
فَالدَّشْرَ لاَ رَيْـتِـيهْ *** احْـتَـرْمِيهْ ابْـلَرْهَاصْ
وَانَ مُدِيرْ الْهَــيْهْ *** مَانِ ڮَاعْ ابْشِ خَاصْ
وِالْقَـانُونْ أرَاعِيهْ *** يَـكَـــــانُ مَاهُ نَــاصْ
عَنْ لَحْتِرَامْ أخَيْرْ *** فِــلْڮَرَّايَ وِخْـــلاَصْ
وِاحْتِرَامْ الْمُـدِيـرْ *** إيڮَسِّ ڮَاعْ الـــرَّاصْ

أما الأديب الشهير عابدين بن التقي فقد عالج نفس الموضوع من زاوية أخرى أكثر تصريحا، و ذلك من خلال نص جميل صاغه على شكل رسالة لصديقه المدعو باب، وقد تصرفت قليلا في التافلويت الأخيرة :

لَـحَّــــڮْـلِ يَـحَدْ امْڮَافِ *** وَاعِدْ بَـابَ عَنِّ وَافِ
مِـنْ تَــــلْ أعَـنِّ مُعَافِ *** وِنِّ هَـــذَانَ فَــوْطَانِ
مَـزِلْتْ الَّ مَـــانِ حَافِ *** وِشْــمَـذَاكْ انْرَ بِظَانِ
أبِظَـانِ ذِيكْ أفْطَنْ كَافِ *** وِنِّ مَزِلْتْ اعْلَ مَـانِ
وَانَ ڮَـــاعْ اشْلاَهْ انْطَرِّ *** هَانَ هُوْنْ أحَالِ هَانِ
ألَـبَــاسْ اعْــلِيَّ وِ انْڮَرِّ *** فــُـلانَ مِنـْـت اْلفُلانِ

الإحالة إلى التقاعد :

يحق للموظف إذا أمضى المدة القانونية للخدمة، أن يستفيد من حقه في التقاعد المعروف شعبيا ب “رترت” ، ونظرا لضآلة التعويضات التى تقدمها الدولة، فإن الموظفين وخصوصا المعلمين لا يحبذون الإسراع بالاستفادة من هذا الحق. و إلى ذلك يشير الشيخ المختار بن حامد بقوله:

ما يفعل المرء إذا رترتا *** وجاءه رترته بغتتا

ويروى أن السيد التقى بن بلال – و كان من المتكلمين بالقرآن – لما وصله إشعار بإحالته إلى التقاعد تلا قوله تعالى: ( ذلِكَ تَخْفيفٌ مِنْ رَبكِّم) فصارت هذه الآية تعرف في ما بعد بآية رترت.

يعقوب بن عبد الله بن أبن

تنويه هام:

أتقدم بجزيل الشكر للشعراء الذين أتحفوني بنصوصهم بكل سهولة و أريحية ، كما أمدني بعضهم بالسياق الذى كتبت فيه بعض تلك النصوص، و قد حرصت على الاتصال بهم من أجل التثبت من النسبة وتصحيح النصوص، أما الشعراء الذين رحلوا عن عالمنا فقد اعتمدت في تصحيح نصوصهم على أقاربهم.

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=2181 13 2181
محاضرة عن ظاهرة العصر في ولاية اترارزة https://niefrar.org/?p=4753 https://niefrar.org/?p=4753#respond Wed, 27 Feb 2019 14:33:02 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=4753 وصلت بريد الموقع محاضرة ألقاها الأستاذ الأديب سيد محمود بن الهلال ضمن فعاليات النسخة الثانية من مهرجان المذرذرة الثقافي، وتتقدم أسرة الموقع بالشكر الجزيل للأستاذ سيد محمود على اختياره لموقع أخبار انيفرار لنشر محتوى هذه المحاضرة.

ظاهرة العصر في ولاية اترارزة

العصر أو الأتراب هو عبارة عن مجموعة من الأشخاص تربطهم صداقة تأسست بالدرجة الأولى على تقاربهم السني، وهي موجودة في المنطقة الجنوبية الغربية من موريتانيا ولكنها ليست شاملة لجميع القبائل. ومن خلال البحث يبدو أن هذه الظاهرة عبرت إلى البلاد من الضفة الأخرى حيث هي معروفة، وترتبط بمراحل الترقي الاجتماعي عند قبائل ما وراء النهر، ولم نجد لها أثرا يذكر في الثقافة العربية القديمة.

ومن المعلوم أن المجموعات التي تسكن الحيِّزَ الجغرافي المعروف ب إكيد، قد عرفت هذه الظاهرة منذ قرون خلت، والمتتبع للأعصار في تلك المجموعات يلاحظ تشابهًا بينها يكاد يصل إلى حد التماهي من حيث الشكل و المضمون، خصوصًا في التسمية فالحافظين والعالمين وقريش وأبناء فلان أو علان تكاد تكون حاضرة في أغلب المجموعات، كما أن الأدوار الاجتماعية للعصر  تحكمها نفس الأعراف المتقاسمة بين المجموعات، أما العلاقات بين الأعصار ، فيطبعها التنافس خصوصا إذا كانت متقاربة في السن.

ومن الغريب أن الولاء “للعصر” يكون أشدّ من أي دافع آخر حيث تجد الإخوة الأشقاء يتعصبون لأعصارهم أكثر من أقاربهم خلال مباريات كرة القدم، أو المساجلات الشعرية التي تحدث على هامش الأمور الاجتماعية.

وقبل أن ندخل في دور هذه المؤسسة، نشير إلى أن العصر قد يشمل أفرادا مختلفين في السن، وفي الفئة الاجتماعية، وحتى في القبيلة، إذ ظهر بعض الأعصار من حين لآخر لا تربط منتسبيه رابطة القبيلة، بل تقوم على التآلف والتقارب في الثقافة ونمط الحياة. كمثال “أولاد هيمة” و”الطيور” و”الباكية”

التكون والنشأة

يتكون العصر عادة داخل الحي من أطفال تشاركوا اللعب وأنيطت بهم أعمال مشتركة في الصغر مما يخلق الألفة ويرفع الكلفة بينهم، خاصة أن نظام حياة البدو الرحل والأحياء شبه المستقرة (آسكر) يضطر الأطفال – في سن مبكرة- إلى الخروج من بيت العائلة المكون عادة من خيمة ليست فيها فواصل بين الأبوين والإخوة، وهو ما يجعل العصر مؤسسة مفيدة لتلقف الخارجين من بيوت أسرهم.

وبالتالي يتحمل العصر إيواء الأفراد والتعاون لتحصيل معاش مشترك بينهم، والقيام على مهام عائلاتهم، بالتعاون أو بالتناوب لمساعدة آبائهم في الأعمال اليومية والموسمية، بل ومساعدة من ليس لديهم آباء ولا أبناء من أرامل الحي وعجزته.

تدبير السكن

يملأ العصر عادة أي مكان شاغر في الحي، أي أنه يقيم في أي بيت ليس فيه رجل أكبر سنا أو لا يحتله عصر آخر، وقد يقيم في خيمة يبنيها عند الضرورة إذا لم يتوفر أي مكان في الحي. وفي الأحياء القليلة عددا قد يضطر العصر للخروج إلى ظل شجرة في النهار وإلى العراء ليلا، أو يتفرق أفراده ليذوبوا في أسرهم وأقربائهم في الأوقات التي يضطرون فيها إلى ذلك.

والحقيقة أن هذا المشكل لم يعد أمرا مطروحا اليوم؛ إذ أن أغلب الأسر أصبحت لديهم منازل تزيد عن حاجتهم، وبالتالي أصبح العصر غير مضطر للسكن في مكان محدد بل لديه الخيار بين بيوتات الأصدقاء والأهل.

مهام العصر

تبدأ مهام العصر بمواساة عناصره وتدريبهم وتكوينهم النفسي والاجتماعي، وهي مهمة تربوية بالغة الخطورة يتعلم فيها الفرد التكيف مع الظروف الطارئة ويمتلك روح المبادرة، ويتلقى فيها أفراد العصر كثيرا من الأزمات الصغيرة والمشاكل المصطنعة، التي تنشئ بين أفراده تماسكا وتعاطفا قويا.

وتعتبر “لعيارة” من أهم وسائل تأديب العصر وتدريبه لأفراده، سواء كانت قولا موزونا أو غير موزون أو فعلا، لأنها تضع المرء في ظروف خاصة وتشعره أحيانا بحقيقة وضعه وتنبهه إلى أخطائه… إلى غير ذلك، ففي “لعيارة” يجر المرء عمدا إلى أخطاءٍ فادحةٍ ، قد تسعفه الحيلة في تفاديها أو يتعلم درسا من الوقع فيها، وفي كل الأحوال تعلمه الحذر والتأني والحزم.

وفي البوادي، كان العصر مسؤولا عن البحث عن الضالة، و المشاركة في المهمات الصعبة كحفر الآبار وسقي المواشي وترحيل الحي من مكان إلى مكان، ومن مهام العصر أيضًا الدفاع عن القبيلة وعن الضعفاء عموما، سواء تعلق الأمر بالدفاع المعنوي بالكلمة أو المادي بالبدن. وبالعصر تناط السترة أي رعاية مجد وكرامة القبيلة، وهي مهمة لا تخصه ولكنه مسؤول عنها ككثير من المهام الأخرى،

أيام العصر

للعصر أيام يكون فيها محط أنظار العامة، ولا بد أن يثبت فيها تميزه بين الأعصار وجدارته بما يناط به من مهمات، ومن هذه الأيام أيام الأزمات عموما، وأيام الأفراح كذلك.

يوم الرحيل: تتنافس الأعصار في خدمة العائلات وجلب الظهر لمن لا يملكه ومساعدة العجزة والضعاف وتحمل الأثقال، وجلب الماء بعد النزول.

يوم العيد: في يوم العيد يتعين على العصر أن يظهر أريحيته وكرمه وأن يَبُذَّ غيره في حسن الملبس وكبر الأضحية، وربما حسن الشعر وسرعة البديهة إذا ضرب الطبل أو أنشد المغني، وقد يكون السباق إلى سرعة إطلاق النار والتماسك على الجواد أو الفرس وغير ذلك من قيم ذلك الزمان.

يوم الوليمة: في هذا اليوم يكون العصر إما صاحب الوليمة أو منافسا لصاحبها، فإذا كان صاحب الوليمة لا بد له أن يرفع تحدي المنافسين، بدنيا وماديا ومعنويا، حسب الفئة الاجتماعية، أما إذا كان منافسا فعليه أن ينتزع حقه بقوة البدن أو قوة الكلمة.

وإذا استعدنا جميع هذه الأدوار التي يقوم بها العصر، يمكننا القول إن العصر مؤسسة اجتماعية، واعية أو غير واعية تسد الثغرات التي يتركها عدم وجود سلطة مركزية قادرة على تنظيم حياة المجتمع ومسؤولة عن رعاية كافة شرائحه.

وقبل أن نتجاوز دور العصر، نتساءل عن حال العصر في ظل الدولة المركزية، حيث لم تعد القبيلة ولا الجهة الضيقة هي المسؤولة عن حماية نفسها ولا رعاية أفرادها، هل ما زالت له دلالة؟

والإجابة على هذا السؤال ليست من صميم هذه المسامرة، ولكن يمكن ملاحظة أن العناصر التي يقوم عليها اجتماع العصر تكاد تكون كلها انتفت في الواقع، ولم يبق إلا الناحية الفلكلورية والتقليد.

العصر ظاهرة أدبية

يلاحظ المتتبع لأدب الأعصار أنه ذو نكهة خاصة قائمة في أغلب الأحيان على المنافسة أو المزاح بين الأقران بدون تحفظ، وهذا يجعله خاليا من المجاملة، كما أنه في الغالب لا يخلو من الطرافة خصوصا إذا عرف السياق الذي كتب فيه، لأن البيئة السائدة تمج التطويل والشرح والتوضيح المفضيان إلى إطالة الأشعار، ولذلك يكتفون بالتلميح دون التصريح، إذ من المعروف أن معرفة أسباب النص معينة على تأويله، وهو ما يتعارض مع المقولة النقدية القائلة بموت الشاعر وخلود الشعر.

في كل المناسبات والأحوال تدور بين الأعصار كثير من المعارك، نختار منها المعارك الأدبية التي تبدأ بمناسبة ومن دون مناسبة، إما بين عصرين متنافسين أو بين أفراد عصر واحد، أو حتى بين عصر وفرد ما، وتكون غالبا نوعا من الفخر والتعريض بالخصم أو هما معا.

عينات من أدب الأعصار

في مدح أحد الأعصار: عينة من انيفرار

قال الشيخ الأديب المختار الملقب التاه بن محمد بن أحمد سالم رحمه الله في مدح “عصر الوسط”

يا ذا الجلال والإكرام انصر الوَسَطَا * واخذل بعدلك منْ عَادَاهُمْ وَسَطَا

قَوْمٌ عَلَى البــــــــَذْلِ مَجْبُولُونَ نَادِبُهُمْ * عَلَى المكَـارِم قَدْ أَغْرَاهمُ وَسَطا

كما مدحهم الأديب الكبير امحمد ول هدار بعد زيارة قام بها إلى انيفرار فقال:

عَصْر الوَسَطْ هَحْ أسَكِ بِيهْ ** مَا فِالوَسَــــــــطْ حَدْ امْوَسَّطْ

مَا حَـــاظِيهْ أَسْــــمُ لمْسَمِّيهْ ** مَكــــْذَبْ لمْـــــسَمِيهْ الوَسَطْ

عَــــصْرْ الوَسَـــطْ مَا يِثَّاثَ ** عَــــنْ مَدَ اكْــــــبِيرَ عَثْعَاثَ

كِـــــلُّو لِلطــــــَّامِعْ غَــيَّاثَ ** مِنْ يَوْمْ افْ لِحْرُوفْ اتْبَسَّطْ

اللُّــــفْ ابَّ آتَ آثَ            **  اجَّــــــمْ آحَ آخَ اسَّــــــطْ

الوَسَـــــطْ مَـــــا رَيْنَ مِثْلُ ** مِنْ لَعْصـــَارْ أَسْكِ مُخْلْ أَهْلُ

المَـــــالْ إيبُـــــجُّ مِنْ بَذْلُ ** سَـــــطْ إيتَــــمْ اكْـــــطَارُ سَطْ

كِــــبْرْ المَـــــــعْنَ يِنْتَبَهْلُ ** ءُسِغْــــــرْ المــــعْنَ مِنُّ يَنْسَطْ

عَصْرْ الوَسَطْ كَامِلْ مِتْكَادْ ** فِالجَـــــــــوْدَ وِالكِــــرْمْ التِّلاَدْ

جَاتُ من لًبًّـــــاتْ ءُ لَجْدَادْ ** مِنْ عَــــــوْدَانُ وَسَــــطْ يَشْرَطْ

وَلَّ لَعـــــــــَادْ الوَسَطْ زَادْ ** أَخِــــــــيرُ الأمُــــورٍ الوَسَطْ

مزاح فرد لعصر

قال الشيخ محمد بن الشاه رحمه الله ممازحا بعض أعصار أهل انيفرار:

كَوْمْ الفِــــــتْيَانْ امْغَنْيِينْ ** وِالخُـــــلَفَا جَبَّابَ

والِّ هُومَ كَوْمْ العَالمْينْ ** دَعْوُتْهُمْ مِسْتَجَابَ

لعيارة

لكطاع بين عصر وعصر

من عصر البارين إلى لمنيصر في التاكلالت

سول من خوف النفش ** ذا العصر ال جاب أضحيتُ

كان امنادم لازمتُ شَ **  فالعــــــيد أضحيتُ جازيتُ

جواب لمنيصر

جازيــــتُ ما فـــــيهَ ترش  **  ذيك الشَّ عن شاة أضحيتُ

وعن شَ لازمت ذيك الشّ   ** جــــــازيتُ ذيـــــك فقهيتُ

اكطاع بين أفراد عصر

سبب هذه المساجلة باختصار هو أن أحد الأصدقاء كان يكرر الزيارة لحي صديق له بسبب جيران له، ثم ارتحل الجيران فلما زاره قال البيات التالية

تزور لهذا الـحي فعل المفتش     مرارا ففــــــتش ويك أو لا تفتش

فثم إذا ما زرت للجار منزل      يذكرك  الأحباب ما كنت تختشي

ولكنـــــما قرب الديار لعشق      من البعد خير عل قلبك ينتشي

وإن بقرب الدار منك لأهلها      وفاء وقرب الدار أفضل منعش

وترجو به منهم وصالا كأنما     نسيت خليلي جاور الماء تعطش

وشاقك نوء بالركيز تشيمه        تراءى ببرق آخر الليل أعمش

ألا أيها الخل الحبيب نصيحة     إليك فلا تدلغ وكيس وغرش

ولجأ الصديق إلى مجموعة من الأصدقاء وتعاونوا على الأبيات التالية ردا على الأبيات:

تروم قريض الشعر عنه تنــبش     جلال فما قول كقول المغرش

وتنـــسى زمانا بالأبيتر عشــته      تغر به طورا وطورا تطرش

وترضـــى به ما لا تريد كـأنما      تحــــملت أعـــــباء كدية ببش

أتذكر أيــــــــاما ركابك بوصه      وتخلــط ما بين البكا والتبشش

وأزمان لوح حينما الكأس شاهد      تنـــشي بها يوما ويوما تعيش

ألا أيها الــــخل الحــــبيب تحية      تزف إليــكم من خليل المفتش

وجاءت هذه الأبيات ردًا على المجموعة

عليـــــكم ســـــلام الله فـــتية شمش        سلام صديق أمــــلس غير أحرش

وموجـــــبه أني ذكــــــرت زماننا         ومن ذا الذي ينسى زمان التحرش

فيا لـــــيت أيــــام الحمــام رواجع         يصاد لدى امــــــيحيم غير مطيش

فيجتمع الأصحاب من حول شايهم         ومن شرك الأهلين هـم في تخوش

فتـــــلك لنا أيــــــام لهــــو وغبطة         نَرُوغُ عـــــن الألواح فعل المُفلفش

وصِـــــرنا رجــــالا ذلك ابَّيُّ عائدٌ        يمرُّ عــــلى شاكــــار غــير مُرَيش

وذَا يحــي بالـمَرسَى استقرَّ سَفينُه        وذلك وُلْ ابَّــــاهُ كالـــكلب الاطرش

وذاك الفــــتى بَيْـــدِلِّ يَجْلِبُ شِعره        إليـــــنا فلم يغــــنم ولــــمَّا يُشَرْكِشِ

وخامسهم عمـــــدا يذكرني الصبا         فسُقيــــا لأيَّـــــام الصــبا حين تنبش

أحد الأصدقاء يلمح لصديقه إلى حاجته لهاتف بالإشارة إلى وجاه وهو تاجر يبيع الهواتف.

سيد نخـــيترانتم اعـليه      اتلــــــفن واتم انبــبيه

وانرد اعـــليه ال يلهيه      سيد لعـــيار يـــــتراه

وان مستحف ومواسيه      هو مسكــــين اسحفاه

غير اتلفين اعليه البيه       ما فات اخلك لا ينساه

وجاه ســابك حد اجيه       لا بـــــدالُ مــن وجاهَ

الجواب

مستحف ما فــيه خلاف      حت واعل لعيار راف

ءُ نبغيها  ماه بالتـكصاف      ء نبغي كد البعد انراه

وِتلفنل صاحب ما خاف       رصــــــيدُ ولا وساه

لا ينساه وآن بانــصاف        مـــــــان لُ لاه ننساه

غير امنادم مــــاه تلفان        لعـــــاد الشرطُ وجاه

يمش شورُ وجـــاه كان       ما يحتـــاج اعل وجاه

وقفة لعصر الهولُ عند تغير الزمن

عاكب كن شبان مرد       وكفــفن كحل طوال كرد

وبســــنين زينات سد       مــــاه شكـــــــو للباري

عدن وحمدن ذاك بعد      لله الحــــمد الجــــــاري

الحـــــــيان بويخ طل      وشـــيب نواظرن واري

بل كفـــفن عاد اسطل      ءُ بل الســـــــنين فراري

توبة البارين

تزود لـــــــدار أنت نـــــازلها غدا         فقـــــد حـــــان عصر ادرير أن تتزودا

ثلاثــــــون حـــولا أو تزيد ببضعة        مـــــضت كلــــــــها ملئى ددا متــــمددا

وطوفت في طول البلاد وعرضها        وأعـــــرق منـــــك المــكر فيها وأنجدا

فــــــــجزت إلى شاكار آلاك مثلما        سلكــــت إلى المــبروك والدخن موردا

وكنـــت إلى شنقيط صاحب صولة       وكبـــــــة منـــــــديز وبـــــير مـــحمدا

وعـــدت إلى البتراء من بعد هجرة       لتقـــــرع بابــــا كـــان من قبل موصدا

فكــــــنت بها في الطبل أول راقص      ومن مــــــد للكــــــدحان فــي حفلة يدا

ولم تشـــــتغل بالعلم إذ كنت فارغا        لتظــــــفر منه بالمــــــــــــراد وتحمدا

ولم تحـــــفر الآبار وســــط مــفازة       ولم تـــزرع الأرض الخراب فتحصدا

ومــــا كـــــنت ذا شــعر ولا فـــتوة       ولـــــست بمقــــــــبول النوادر أصيدا

ولم تر يــــــوما في المصالح ساعيا       لتحـــــسب من بـــــــين العشيرة سيدا

ولا أنت قد قاومـت يوم وليمة فسادا       ولا زودت بــــــالتمــــــر مـــــــسجدا

ولم تـــسع في إصـــــــلاح بين قبيلة      ولا بـــــــين أفــــــراد وإن بعد المدى

ولم تحك في الأعصار أسلافك الألى      أعانوا ومدوا للفـــــقير يـــــــــد الجدا

فقد خلـــــــفوا إرثا من المجد طارفا       كما خلفوا إرثا من المــــــــــــجد أتلدا

فلم تحـــــك سادات كــــــراما أعزة       ذوي المجد والعــــــــلياء أولاد أحمدا

ولم تـــــك كـــــالدفار مـــــجد فتوة        ولا العالمين الصيد فـــــخرا وسؤددا

ولم تـــك كالأســـياد فقــــها ورفعة        وبالفاهمين الشــــــــــم لم تك ذا اقتدا

ولم تك مـــــثل الغالــــبين فإنـــــهم        هم غلبوا الشيطان والنـــفس بالهدى

ولم تــــك ذا مــــــجد ولا ذا مروءة        فما أنت لامغــــــــــاسيل كنت مقلدا

ولم تــــك في بـــــذل وحـــلم خليفة        لأولاد اخلــــيف الألى دوخوا العدى

ولســــت بمــــكي فتكسب شهرة            وينشأ فيـــــــك الشعر يوما وينشدا

ولا كــــالألى فازوا بنصر إلههم            وما النــــصر إلا نصره جل أوحدا

وما أنـــــت كالهمال هيهات إنهم           هم العصر هيهات المدى كان أبعدا

أولئك قـــوم إن بنوا أحسنوا البنا            بهــــم ختـــــم الله المــــكارم والندا

ملاحظة أغلبية النصوص غير المعزوة هي من إنتاج المحاضر الأديب سيد محمود بن الهلال

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=4753 0 4753
عادات الموريتانيين في الأعياد بعيون شعرائهم https://niefrar.org/?p=3395 https://niefrar.org/?p=3395#comments Tue, 20 Nov 2018 07:00:13 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=3395 حاولنا في الجزء الثاني من البحث المتعلق بحضور العيد في الأدب العربي، استنطاق جملة مفيدة من النصوص الشعرية الشنقيطية، من أجل التعرف على عادات الموريتانيين في الأعياد، فـمنذ دخول الإسلام إلى هذه الربوع ، وأهلها يحتفلون بالأعياد الشرعية؛ كالفطر، والأضحى، وعيد المولد النبوي الشريف. وهي أيام فرح وسرور تلبس فيها الزينة، وتقام لها الولائم، ويتبادل الأصهار الإكرام والاحترام، ويحضر الأزواج، ويعد تخلفهم -إلا لعذر- استهانة بالزوجات. وقد أنشد أحد الأدباء في ذلك:

يَلاَّلك يَـحدْ فَـــطْرَكْ  *** راهُ شرگْ افْمالْ

وفْبوتلميتْ حَصرَكْ *** تِـــــتـــگارأرحَّــال

وقد أشار أيضا  إلي ذلك التأخر الشاعر الإيجيجبي محمد باب بن سعيد في أبياته التالية:

أهلا بشـــهر ربيع الخــــير من عيد *** شهر الضياء و إنجاز المواعيد

عسى به الشيخ أن يلفى يقربني *** قربا يصيرني أقصى الأباعيد

كما يحتفل الشناقطة بعيد المولد الشريف، أو يوم سابعه، فيكثرون فيهما من الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم، ويتدارسون سيرته وشمائله، كما يقرؤون المدائح، ومن أشهرها قصيدة الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا (ت 1869 م)

أهلا بصاحب هذا المولد النبوى***مُقَابَلِ الطرف الأمي والأبوي

   ينتهز الموريتانيون فرصة الأعياد، للتزاور والتواصل والتسامح، فيدخل الرجل بيت الجار الجُنُبِ والصاحب بالجنب، مهنئا وطالبا التحلل من حقوق الجار الكثيرة، ورغم أهمية هذه العادات في نشر روح التسامح بين أفراد المجتمع، إلا أن الشيخ سيد أحمد بن سيد عثمان  الغلاوي، أفتى بعدم حليتها عملا بقاعدة: “درء المفاسد أولى من جلب المصالح” فقال:

يا طـــالبا بالوصل نيل الأجر *** ليـس بوصل العيد غير الوزر

أما دخـول الدور يوم الفطر *** فلـيس ممـدوحا بــهذا القطر

لأنـــــه يــــوم تـبرج النسا ***ومــــن يــبحه لــلورا فقد أسا

    ومن تعظيم الشناقطة للأعياد الشرعية، أنهم كثيرا ما يبرمجون مناسباتهم الاجتماعية بالتزامن معها، وقد يطلقون أسماءها على مواليدهم المزدادين فيها، وكذلك حال الأشهر القمرية التي تحل فيها؛ فشوال وذو القعدة يسميان “لفطار” وذو الحجة العيد، أما ربيع الأول فهو المولود، يقول الشريف الأديب الشيخ الولي بن الشيخ يب  في نصه الشهير:

لَـــفْطَارْ اعْليَّ جاوْ دونْ***أهلِ هُومَ والعِيدْ هَوْنْ
وَ آنَ مَـاعَــزْمِ كِنْتِ كُونْ***تـــلْ انــــــــعــــيَّدْ لُلالِ
ذ العام الِّ مـــافيهْ هونْ ***خـصّر هـــمِّ مــن تالِ

 ومن باب التورية بألفاظ العموم من الفقه، تأتى أبيات الشيخ محمد عالى بن زياد الأبهمي (ت 1359هـ) ، التي ورى فيها بحرمة صوم يوم العيد، وندبية صوم النصف من شعبان، من خلال استخدامه لاسمي رجلين أكرمه الأول وهو “العيد” وقصر الثاني “شعبان” في حقه فقال:

لله حـــــكم عــــلى الأيام مختلف*** فـمنه مـاهو ممنوع ومطلوب

فحرمة الصوم يوم العيد لازمة *** ويوم شعبان فيه الصوم مندوب

ومن ذلك الباب أيضا، قول القاضي الأديب محمذن بن محمدفال (اميي) ، وقد أجاد في مراعاة النظير:

كِنْتْ أَمْنَادِمْ مُفِيدْ *** غِيـــرْ أثْرَكْ عِــتْ اتْزِيدْ

أيَّامْ الفِـطْرْ ابْعِيْد  *** يَـــخَيْ امْـــنَيْنْ أُفَــاوْ

وُفَاوْ أَيَّـامْ العِــيدْ  *** وَ الْـــعِيدْ أهْــلُ مَاجَاوْ

كما أجاد الأديب المختار بن ملاي إعل، في “التلميح” بلفظ العيد بقوله:

فِـنْوَيْ أُبُجَدْعَاتْ *** تِخْــلاَطْ انْـــزَيْلاَتْ

فيهُمْ وَحْدَ غّلاَّتْ *** إِعْلِيَّ جَـمْعْ الْغيدْ

وِالْعِـيدْ أَرَاهُ فَاتْ *** اعْلِيَّ هَوْنْ ابْعِيدْ

وِمْـــعَاهَ يَلْجَلِيلْ *** مِتْــمَنِّ كِنْتْ الْعِيدْ

يَكْبَـظْنِ وِابَّيْلِيلْ *** وِمْبَارِكْ وِمْسِيعِيدْ

دائما يكون العيد مناسبة لرفع قيمة الاستهلاك والصرف، ومن الطريف أن هذا التلازم لم يخص التقاليد الموريتانية فحسب، بل تعداها إلى المتون المحظرية، فها هو شيخ النحاة محمد بن مالك (ت 672 هـ) يجمع بين الصرف والقيمة والعيد في ألفيته الشهيرة ، حين يقول في باب التصغير:

واردد لأصل ثـــانيا لينا قلب *** فقــــيمة صير قــويمة تصب

وشذ في عيد عــييد وحتم *** للجمع من ذا ما لتصغير علم

تتحد مختلف المناطق الموريتانية في مظاهر الاحتفال بالأعياد، فبعد الصلاة يخرج الرجال لصلة الأرحام والتزاور، كما يبدأ الأطفال التسكع في الشوارع، مرتدين ألبستهم الجديدة الجميلة، وربما  قضوا اليوم في مكان واحد، حيث يمولون وليمة العيد، بما طالهم من هدايا الكبار المعروفة  محليا ب “انْديونَه”، وهي كلمة ولفية تطلق على الدعاء الذي يعقب صلاة العيد. يقول صديقنا الأديب المبدع باركلل بن دداه:

امْبَارِكْ الْعِيدْ وَ السْمَاحْ لَعَادْ *** مَطْـــــلُوبْ رَانَّ سَـامْحِينْ

وِ انْدَيونِــتْنَ عَاطْــــييِنْهَ زَادْ *** مَانَّ بَاخْلِينْ لِلنَّاسْ كَامْلِينْ

  أما الفتيات فيخرجن غالبا في حلل من “النيلة”، خاضبات أطرافهن بالحَنَّاء، متضمخات غير متبرجات، يقول الشيخ امحمد بن احمد يورَ (ت 1340 هـ) في مقدمة غزلية:

لم أصب للظعن إذ يحدو بها الحادى *** كلا ولا العود عند الشادن الشادى

ولا إلـــــى الغــــيد يوم العيد بارزة *** وقـــد تضـــــمخن بالهندي والجادى

   و من المعهود في بعض مناطق الوطن، تنظيم حفل فلكلوري بمناسبة العيد، يطلق عليه “طبل العيد”،  يقول أحد أدباء لبراكنة متعجبا من تقدمه في العمر:

سُبْــــحَانكْ يَالحَيْ المَجِيدْ  *** مَانِ لَكْ مِنْ فِعْلكْ شَاكِ

عِتْ آنَ نَسْمَعْ طَبلْ العِيْد *** تــَــاكِ وِ انــْــتَـــــمْ الاَّ تاَكِ 

 تبدأ تحضيرات الحفل بعد العصر ويبلغ أوجه مع غروب الشمس، حيث تتعالى أهازيج الفرق الفنية، ورقصاتها الشعبية… وتصور لنا الأبيات التالية للشيخ الأديب أحمدُّ بن اتاه بن حمينَّ ، التناغم الجميل بين الراقصات:

غــوان بيـــوم العــيد تضرب بالدف *** و تضــــــرب في تَفنانها الكف بالكف

و ترقص في الميدان في ميلانها *** لذا العـــــطف في آن و آن لذا العطف

و يضربها الحلي الذي في قرونها *** على الخد في ذاك التثني على لطف

يغنـــــــــــين وَفقا في رخاء و شدة *** لضــــــاربة الطـــبل الرئيسة للصف

أما الشاعرمحمد محمود بن المصطفى العلوي (ت 1363هـ)، فقد صوب عدسته نحو الجمهور وصور لنا مشهدا حيا عاشه على هامش “اللام” فقال:

و غانية حســـــــناء في جـــانب الدف *** تتـــوق لها الفـتيان من فرج الصف

فلا هي ممن يحسن الرقص و الغنى *** و لا هي ممـــن يضرب الكف بالكف

كشفت حــــجاب الستر بيني و بينها *** و لا عيب في شيخ إذا كان ذا كشف

كما صور لنا الأديب أحمدُّ بن منوا اليدالي، مشهدا نادرا، اغتنم فيه فرصة تركيز الحضور على فقرات الفلكلور، من أجل استلام تذكار من يد إلفه، دون أن يشعر أحد الحاضرين بذلك فقال:

عَنْدْ الْلَامَ فَيــــَّامْ الْـــعِيدْ *** مَلْكَـانَ فِــمْراجِعْ سَعِيدْ

مَا نَنْسَاهُم دَهراً وِالصّيْدْ *** عَنْدِ عَــــنُّ مَا يَنْسَ ذَاكْ

لَعَادْ إلِّ كِـــيفِ وِالْكَــــيْدْ *** إِلِّ بِيهْ اكْبَظْتْ الْمِسْوَاكْ

مَا نَنْــسَاهْ أُمَــدِّتْ لُ لَيْدْ *** مَا نَنــــْسَاهَ كِيفِتْ مَلْكَاكْ

    عادة ما يكون يوم الزينة موعدا لاختيار المرأة التي “ستشيل رأس النعامة”، وهي عبارة ذات دلالة جمالية؛ وتعنى حياز قصب السبق في الأناقة والأنوثة، أما أصل اشتقاقها؛ فيرى البعض أنه متعلق؛ إما بسرعة النعامة، أو في علو رأسها لطول رقبتها، وقد قيل فيه غير ذلك… ويلعب الأدباء البارزون دور المحكمين، ويعلنون اسم خاطفة رأس النعامة، من خلال نص شعري، تتلقفه القيان وتسير به الركبان، وتوجد نتف جيدة في ذلك اللون الأدبي، لدى بعض الثقافات العالمة. يقول الشيخ محمذ بن أحمد العاقل رحمه الله (ت 1281هـ) في ذلك المعنى:

رأس النعامة في أحياء ديمانا *** يمش الهوينا على أحقاف بلشانا

ويقول الشاعر المجاهد سيدن بن أحمد الشيخ الوافي الكنتي  – حفظه الله- في إحدى قصائده يذكر بطحاء “تَلْمَدِ” الموجودة في مدينة الرشيد:

وشالت نـــــعام الغيد بالثغر والخد *** من النســـوة اللائي أقمن بتلمد

ويقول شاعر آخر وقد أجاد في حسن التعليل:

لقيت في الواد يوم العيد غانية *** شـــــــالت لرأس نعام الغيد والرقبه

وقد رمتني بسهم لا مرد لــــه *** والرمي في العيد قد خصوه بالعـقبه

ولأحد الشعراء الفاضليين رأي في عيد التاكلالت عبر عنه بقوله :

رأيت فتاة الغيد في العيد شالت *** على ربرب البتراء رأس النعامة

وقد عبر الأديب الأريب امحمد بن شماد، على طريقته الإيگيدية عن وجهة نظره فقال:

امج للامَ عِـــــــمْرانَ *** وگفِـــتهَا هِي لگصيَّ

كِيفْ الْفاتْ عليَّ وَانَ  *** وَ لله مَـــافَاتْ إعْليَّ

ينتهز التجار فرصة الأعياد، فينزلون إلى الأسواق موضات جديدة من الألبسة ، تتلون أسماؤها حسب مستجدات الساحة الإعلامية و الأدبية، وقد شاعت موضة “الشارع” الشفافة، في الشوارع مطلع السبعينات، فلم يفوت الأدباء العلماء اقتناص  فرصة التسمية، فأبدوا  وجهات نظرهم حولها، يقول الشيخ المختار بن حامد رحمه الله:

تجـــول الغـــادة في الشارع *** يذهــب من جمـــــالها البارع

إذ تـــذرع الشـارع مـــــختالة *** في مشيها كالفارس الفارع

لا هي بالمروءة استمسكت *** و لــم تـــراع أدب الـــشــارع

وفي نفس السياق، كتب القاضي الأديب محمدن بن شماد رحمه الله، النص التالي وقد أجاد في الجناس التام والمتمعن للنصين يرى أنهما في غاية الانسجام.

الشَّارِعْ حَــرَّم فَاتْ البَاسْ  *** الشَّفَافْ إعلَ بَعْضْ النَّاسْ

وَانَ بـَـــعْــدْ ولانِ قِــيَّاسْ  *** بـِـيَّ گـــاعْ الْ مَـانِ بَـــارِعْ

فالحُـــكْمْ أُ لاهُ مَـاهِـباَّسْ *** مَخْبـَــــرْنِ فَحـْكَامْ الشَّارِعْ

گِدْ اللِّي نَعْرَفْ عَنْ لَرْيَامْ  *** اللٍّي تِسَّــدّرْ فِالـــشّـــَارِعْ

فالشـَّــارِعْ تَحَدِّي لَحْكَامْ  *** الشَّارِعْ وَ آدَابْ الشــــَّارِعْ

وفي موضة حلي قادمة من السنغال تعرف بالمقداد،  يقول الأديب الأريب ول محمد العبد:

كِثْرُ لِمْــــــقادِيدْ افْذ العِيدْ *** افرَگـــــبتْ كِلْ امْرَ مِقدَاد

أكْحَلْ غِيرْ أكحَلْ لِمْقاديدْ *** مِقدادْ افرَگبتْ مِنتْ أجْدَاْد

بقلم الباحث: يعقوب بن عبدالله بن أبُن

يتواصل إن شاء الله

في الجزء الثالث من هذا البحث سأعالج  حضور العيد في كنانيش شعراء الشناقطة

]]> https://niefrar.org/?feed=rss2&p=3395 1 3395 المشهور في ورود شهر أمام الشهور https://niefrar.org/?p=3976 https://niefrar.org/?p=3976#respond Mon, 12 Feb 2018 01:33:19 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=3976 مدخل 

وصلت إلي اليوم -عبر “الواتساب”- معلومة تفيد بأن لفظة الشهر لا ترد إلا قبل شهري الربيع ورمضان، فأثارت لدي فضولا بحثيا، فطفقت أفتش بين ثنايا كتب النحو والأدب عن هذه النكتة النحوية المفيدة،  وقد تصفحت عدة كتب من أجل معرفة آراء النحاة حول المسألة، وسأضع بين أيديكم البضاعة المزجاة التي توصلت إليها، على أمل أن تحسنها وتكملها  تعاليقكم، فالفيس لا يخلو من صديق أو خليل أو سيبويه عادة.

أولا: علل من خص الشهور الثلاثة:

عَلَّلَ أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم بثلاث علل هي: ورود حديث يؤكد أن رمضان من أسماء الله، فإضافة الشهر جاءت للتفريق بين اسم الجلالة وشهر الصوم، والعلة الثانية قائمة أيضا على التفريق بين فصل الربيع والشهرين الشهيرين، أما العلة الثالثة فمبنية على تخصيص الأشهر التي تبدأ بحرف الراء، التي أضافوا لها رجب. يقول الراعي النميري:

شهري ربيع لا يذوق لبونهم *** إلا حموضا وخمة ودويلا

   روى البيهقي في السنن والشعب وغيره من المحدثين الحديث التالي : (لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل، ولكن قولوا: شهر رمضان)، لكن أهل الجرح والتعديل ضعفوه، حيث قال الإمام المحدث أَبو معشر (ت 170 هـ)، أن من ضعَّفه أَكثرُ ممن وثَّقَهُ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

أما الأصل الاشتقاقي لكلمة رمضان، فقد جاء في “لسان العرب” أن الرمض: حرقة الغيظ، .يقال: رمض الراعي مواشيه وأرمضها؛ إذا رعاها في الرمضاء، ورمضان من أسماء الشهور معروف؛ قال الشاعر:

جارية في رمضانَ الماضي ***  تقطع الحديث بالإيماض

وقد أفرد الإمام البخاري في “صحيحه “ بابا أطلق عليه اسم ” هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعا”،  وقد أورد فيه الحديث الصحيح الذي اتفق عليه الشيخان (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة)، ونلاحظ أن كلمة شهر، لم ترد فيه قبل رمضان، وهو ما يوهن الحديث الأول.

تقوم العلة الثانية على التفريق بين شهر الربيع وفصله، وقد ذكر أبو علي أحمد المرزوقي الأصفهاني (ت 421هـ) في كتابه الشهير “الأزمنة والأمكنة ما نصه: (….إن الشهور كلها مذكرة سوى جماديين، ولا يذْكُرُونَ من شهر كذا إلا في ثلاثة أشهر: شهر رمضان وشهرا ربيع؛ لأن الربيع وقت من السنة، فخافوا إذا قالوا من ربيع، أن يظن أنه من الربيع الذي قبل الخريف..)

أما العلة الثالثة فهي قائمة على تصدر حرف الراء في أسماء الشهور، وقد صرح بها الشيخ أحمد بن عبد الوهاب النويرى    (ت 733 هـ)، في كتابه “نهاية الأرب في فنون الأدبعندما قال: (… إن أربعة أشهر لا تكاد العرب تنطق بها إلا مضافة، وهى: شهرا ربيع، وشهر رجب، وشهر رمضان…)

ونحا عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093هـ) نفس المنحى في كتابه الشهير ب “خزانة الأدب” عندما قال: (…لا يقال شهر جمادى؛ فإن لفظ شهر لا يضاف إلا لما في أوله راء؛ كشهر ربيع وشهر رجب وشهر رمضان كما هو المشهور..).

هذا في حين أننا نجد بيتا للشاعر الصحابي حميد بن ثور – رضي الله عنه- ذكر فيه “شهور” قبل جمادى وذلك حين يقول:

رعين المراز الجون من كل مذنب ***  شهورا جمادى كلها والمحرما

وفي البيت زيادة نكتة؛ وهي أنه جعل جمادى شهورا وهي شهران فقط، كما في قوله تعالي في سورة النساء: ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أي أخوين فصاعدا.

ثانيا: آراء النحاة حول المسألة:

اختلفت آراء النحاة حول هذه المسألة؛  فقد ذكر عمرو  بن عثمان بن قنبر الملقب سيبويه ( ت 180 هـ)  في “الكتاب” عبارة (…ولو قلت: شهر رمضان، أو شهر ذي القعدة، صار بمنزلة يوم الجمعة…)، وانطلاقا من إضافته لذي القعدة للشهر؛ أخذ جمهور النحويين بجواز إضافة شهر إلى سائر أعلام الشهور؛ بمن فيهم رئيس النحاة محمد بن مالك (ت 672هـ ) كما أكد ذلك شُراح كتابه “التسهيل”.

وقد تعرض أبوحيان الأندلسي (ت 745 هـ) إلى هذه النكتة في كتابين له؛  الأول “تذليله للتسهيل حيث قال: (….. وظاهر قول ابن مالك «إن كان اسم شهر» العموم في جميع أسماء الشهور الاثني عشر. وظاهر قوله «غير مضاف إليه شهر»؛ أنه يجوز أن يضاف شهر إلى جميعها، فتقول: شهر المحرم، وشهر صفر، إلى آخرها.

وليس الحكم كما يدل عليه ظاهر كلامه، ولم تستعمل العرب من أسماء الشهور مضافاً إليه شهر إلا رمضان وربيع الأول وربيع الآخر، وأما غير هذه الثلاثة من باقي أعلام الشهور فلا يضاف إليه شهر، لا يقال شهر المحرم، ولا شهر صفر، ولا شهر جمادى..)

أما كتابه الثاني فهو “ارتشاف الضرب من لسان العرب حيث قال في جزئه الثالث: (….وإذا أضفت إلى اسم الشهر؛ لفظة شهر جاز أن يكون العمل في جميعه، وأن يكون في بعضه تقول: صام زيد شهر رمضان، وكلام سيبويه يؤذن بجواز إضافة شهر إلى سائر أعلام الشهور، وخص بعضهم جواز إضافة (شهر) برمضان، وربيع الأول، وربيع الآخر، وما ذكرناه من التفرقة بين علم الشهور، وإضافة شهر إليه هو مذهب الجمهور…)

وقد تناول الشيخ محمد بن يوسف الحلبي المعروف بناظر الجيش (ت: 778 هـ)، هذه القضية في شرحه على  التسهيل المسمى “تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد، وذلك حين قال: (…إن المشهور بين الناس أن شيئا من أسماء الشهور لا يضاف إليه لفظ شهر إلا ثلاثة وهي: شهر رمضان، وربيع الأول، وربيع الآخر، وصرح ابن عصفور  بذلك في شرح “المقرب”، والحق خلاف ذلك، ولهذا لم يقيد المصنف الإضافة بشيء دون شيء…)

كما ذكر جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) المسألة في الجزء الثاني من كتابه “همع الهوامع في شرح جمع الجوامع”  إلا أنه لم يزد فيها على ما جاء به أبو حيان في كتابه “التذليل والتكميل على التسهيل” الذي سبق وأن ذكرناه، فلا أرى ضرورة لتكراره.

أما الشيخ المختار بن بون الجكني (ت 1220 هـ)  فقد خالف قول ابن مالك في التسهيل، عندما قال في “احمراره على الألفية” في فصل المفعول فيه:

وإن يضف لعـــلم شــهر أبى *** ذا فيه نحو صمت شهر رجب

ولم يضف شهر لدى الجميع *** إلا لـــذي القــــرآن والربــــيع

وقد علق الشيخ أحمد بن كداه الكمليلي ( ت 1337 هـ) في “حاشيته على الطرة” على ما قاله الشيخ ابن بونه بقوله:

ولتضــــف الشـــــهر لـــــكــــل شهر *** من الشــــهور تقف قول عمرو

وفـــي الدمـــامـــيني الــرضـــيِّ آت *** وهـــو قـــول أكــــثر الــــنحاة

وفي السيوطي النقل عن عمرو ورد *** وانــظره في الصبان آخر العدد

ثالثا: الخلاصة

بعد جولة خاطفة في كتب النحو والأدب خرجت بالملاحظات الشكلية التالية:

  • ندرة الشواهد الشعرية التي تؤكد ورود لفظ الشهر أمام الأشهر جميعا، خصوصا جمادى مع كثرة ورودها؛ لأن الشعراء يعبرون بها عادة عن شدة البرد.
  • لم يناقش سيبويه في كتابه المسألة بصفة صريحة، وإنما وردت عبارة “شهر ذي القعدة” في كتابه، فتبعه جمهور النحاة، ويشهد له بيت الصحابي حميد بن ثور رضي الله عنه.
  • أكد ابن حيان وابن ناظر الجيش إتباع محمدابن مالك لمذهب الجمهور.
  • خالف الشيخان ابن حيان الأندلسي و المختار بن بون الشنقيطي محمد بن مالك، وأقرا إيراد لفظ الشهر قبل شهري ربيع ورمضان فقط.
  • تخصيص شهري الربيع ورمضان بهذه الميزة دون غيرهم من الشهور، وافق هوى في نفسي؛ فرمضان أنزل فيه الفرقان والربيع ولد فيه صاحب القرآن صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فقد نال الشهران بهذين الحدثين شهرة وميزة على جميع الشهور، ورحم الله الشيخ امحمد بن احمد يورَ حين يقول في مطلع مديحيته الجميلة:

إن الذي جاء بالوحي جبريل *** نال الربيع به فخرا وإبريل

الباحث: يعقوب بن عبدالله بن أبن

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=3976 0 3976