مقالات مختارة – اخبار انيفرار https://niefrar.org Sun, 31 Jan 2021 13:07:31 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.4.3 91258333 نحتاج ألقابا لمراحل التدوين https://niefrar.org/?p=5558 https://niefrar.org/?p=5558#comments Sun, 31 Jan 2021 13:07:31 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=5558 قبل ظهور المواقع الإلكترونية، لم يكن باستطاعة مثلي من العوام أن يرى اسمه الكامل وصورته مرفقين مع مقال أو دراسة منشورة، فقد كانت الجرائد والمجلات حكرا على الإعلاميين والمثقفين، أما الكتب والمصنفات فهي من اختصاص العلماء والشيوخ، و من المستحيل عقلا – آنذاك- أن تحدثك نفسك بالتصنيف فمن ألف فقد استهدف.
وبعدما أصبح الإنترنت مشاعا، وظهرت المدونات والمواقع، وانتشرت منصات التواصل الاجتماعي، وعمت البلوى باستعمال الهواتف الذكية، بات فتح حساب في فيسبوك مثلا يمنحك فرصة التعبير عن رأيك بدون حسيب علمي أورقيب لغوي، وبمجرد نشرك لبضع تدوينات، تنهال عليك التعاليق والإعجابات المشيدة بك وبعلمك، فتميل نفسك إلى تصديق ذلك، اعتمادا على أن معظم المعلقين ليسوا من أقاربك الأدنين، ولا ينحدرون من مسقط رأسك، ولا يربطك بهم سابق ولا لاحق معرفة، ولا شك أن إعجابهم بما تكتب إنما جره تميز طرحك، وجودة أسلوبك، ورجاحة عقلك، وليس داخلا في باب المجاملة إطلاقا، وقديما قال سلفنا الصالح إن ألسنة الخلق أقلام الحق ، فلعل الله ألقى القبول على كتاباتك، فتلقفتها ألف حساب من أهل الفضاء الأزرق، وما النصر إلا من عند الله، ثم تتتابع السنوات وتتضاعف التدوينات، ويضيق الحساب عن استيعاب الأصدقاء الافتراضيين، ويكثر المتابعون، فتحدثك نفسك أنك أصبحت من كبار المدونين، وقادة الرأي الذين يؤثرون في المجتمع، وأن المخزن أصبح يحسب لحسابك ألف حساب، ونظرا إلى أن مواكبة الأحداث اليومية، تتطلب تفاعلا سريعا من المدونين الكبار، فسيدفعك ذلك إلى تسور علوم الفقه والتاريخ والجغرافيا و فلسفة العلوم، والطب التقليدي، وعلم الجفر والأوفاق، وقصص ماركيز، وكفاح اتشيغيفارا، ومذكرات كلينتون، وفكر علي عزت بيجوفيتش، و الفرق بين الحرب الهجينة والحرب بالوكالة، ونظرا لضيق الوقت ومتطلبات عصر السرعة، وتشعب الموضوعات فستلجأ إلى الطريق المختصر المعروف اصطلاحا ب “المعرفة فود” على وزن “فاست فود” فتتعلم تقنيات البحث في الشيخ غوغل وشقيقته المكتبة الشاملة، وتطور مهارة القص واللصق، وكلما كنت محترفا زاد معجبوك و تضاعف المشاركون لما تنشر، وانتشر المشيرون إليك، فتهدي من تشاء وتضل من تشاء.
ثم إن من سنن الله في خلقه أن كل نجاح يخلق عدوا، لا سيما في ظل انتشار أمراض القلوب وندرة شيوخ التربية، فتضطر إلى أن تغمس يمين حلف مع بعض التيارات ذات الخلفية الفكرية، على أساس أسلفني أسلفك، ولا شك أن طلب الشخص من غيره أن يمدحه، يدخل في باب النهي عن تزكية النفس، وقد يقود صاحبه إلى المداهنة والتضامن والتغابن والتلاسن، وقد يجرك الحلفاء الجدد – لا قدر الله – إلى أن تنشر تدوينة لا تلقي لها بالا فترميك في غياهب السجون، فتندم ندامة الكسعي، خاصة إذا تقاعس عنك المدونون وتنكر لك الحلفاء، وتشفى فيك المرجفون، وقد يعفو صاحب الدعوى ويصفح، فترجع إلى أصدقائك الافتراضيين بوجه غير الوجه الذي ذهبت به عنهم وذو الوجهين لا يكون وجيها عند الله.
من ناحية أخرى، فقد اتفق متذوقو الأدب في المفازة على أن “أمات لبتيت” تعد قمة أدب الحسانية، ويقابله “بوسوير” وبينهما مراتب يدخل فيهن إنتاج كثير من أهل اليوم، وقد اتفق النقاد على إطلاق مجموعة من الألقاب على مختلف المراحل التي يمر بها الشاعر الحساني، ابتداءً من بوسوير مرورا بلغن والبدع وانتهاءً بالأدب، فكيف يمكن الاستفادة من هذه التجربة في اختيار ألقاب تلائم مراحل التدوين عند الموريتانيين؟؟؟
سؤال موجه للمتابعين المحترمين

وهذا مقال صغته متدخلا ***به الملتقى من ذي سوير ملفق

يعقوب بن اليدالي

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=5558 1 5558
دردشة مشتتة (محمد فال ولد سيدي ميله) https://niefrar.org/?p=137 https://niefrar.org/?p=137#respond Fri, 16 Oct 2020 11:04:26 +0000 عندما تفتح موقع النيفرار تشتم عبق التاريخ إن لم تكن مزكوما “تاريخيا”. يحملك الموقع في رحلة علمية، أدبية، سياحية قلّ لها نظير. تجد نفسك سابحا في بحر من الفتاوي والإخوانيات والطرائف والمضارب.
إنك – بحق- تلج قرية لا كالقرى، تدخل حيا قدم إسهامات جليلة وإن خذله الزهدُ المفرط في فن الدعاية.عندما تفتح موقع النيفرار تشتم عبق التاريخ إن لم تكن مزكوما “تاريخيا”. يحملك الموقع في رحلة علمية، أدبية، سياحية قلّ لها نظير. تجد نفسك سابحا في بحر من الفتاوي والإخوانيات والطرائف والمضارب.
إنك – بحق- تلج قرية لا كالقرى، تدخل حيا قدم إسهامات جليلة وإن خذله الزهدُ المفرط في فن الدعاية. لكن الأمل أصبح قائما.
فاليوم أضحى بإمكان موقع النيفرار تصحيح الخلل وإتحاف القراء بكل ما هو جميل وعميق وجزل وطريف من إسهاماتٍ ما كان لها أن تــُـدفن ظلما وهي القادرة على التدفق سيلا يطفئ حرقة الباحثين والدارسين والمهتمين.
لقد تصدق عليّ الأخ الوديع يعقوب ولد عبد الله ولد أبُـنْ حين أخبرني بوجود هذا الموقع الرائد؛ ربما لأنه يعرف أن الأديب الأريب، فقيد الكلمة الحرة، حبيب ولد محفوظ، حدثني مرات عن “احسي ميلود”، عن فضائل وخصوصيات قاطنيه، عن أعلامه وعلمائه المغيـبين، عن تراثه، عن ترابه، عن علكه، وعن “أعصاره”. حدثني الحِب الراحل، الساكن أبدا في مشاعري وخيالاتي، عن تهجيه للأحرف الفرنسية لأول مرة على يد المغفور له محمد ولد باكا، هناك في مدرسة النيفرار. كنت أعرف النيفرار فقط من خلال أحاديث شيقة للكاتب المبدع.. أحاديث “يحلو ذكرها”، تستهوي الفضوليين أمثالي، خاصة عندما تـترع الكأس الأولى بعد اجتماع التحرير، ويتحلق الزملاء حول تلك “الظاهرة” التي غادرتنا مأسوفا عليها.
بعد عشرين سنة من “أحاديث النيفرار”، قــُــدر لي أن أزور القرية المعطاء خريف 2011. كان صديقي “مختر” قد دعاني لقضاء يومين بين رعاة وأغنام في كبد إكيدي. وفي ضحى اليوم الثاني سألت عن أقرب قرية عساني أجد
حانوتا اشتري منه حاجة لي. فقيل لي بأننا لا نبعد كثيرا عن النيفرار. فتوجهت مع صديقي صوبه. كنت في الطريق استعيد ذكرياتي مع الراحل حبيب. فها أنا – لأول مرة- أزور القرية التي تعلم فيها أحرف لغة سيجيدها في ما بعد مثلما لم يجدها قبله أي موريتاني.. إنها أيضا قرية “سلّامي”: ذلك الكناش الديني والأدبي الذي لا أفوّت أية فرصة لفتحه عندما التقيه، ولو على عجل…
توقفت السيارة عند حانوت استوقفني رقم هاتف كبير جدا وغريب جدا مكتوب على واجهة جداره. أتذكر أنه مليء بتتابع الأرقام المثيرة المقلوبة شكلا (666999…).. ألقيت نظرة على القرية الصامدة، وأحسست بأنني أقف على كنز من التاريخ والتراث والعلم والأدب. لم أجد أي شخص أعرفه أو يعرفني. كان بودي أن أجالس أكابر قرية أنجبت الأديبين عبد الفتاح ولد سيدي ولد محفوظ (حبيب) ومحمد فال ولد عبد اللطيف. لكن الوقت لم يكن ليسمح بذلك. كان صديقي مشغولا بالحديث مع صاحب الحانوت الذي اتضح لي أنه ليس حانوتيا كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما هو مثقف مخفي في حانوت. قلت في نفسي: تلك أيضا إحدى مفارقات هذا الحي المليئ بالخصوصيات كما قال لي الحِب حبيب.. عندما هممنا بمغادرة القرية، رأيت وجها فيه ملامح شخص التقيته آخر مرة في المذرذرة سنة 1985. كنا نطلق عليه “أبْهس”. وكان يجد حرجا كبيرا في هذا اللقب الذي لا أعرف عنه إلا أنه كان يوقظ فينا شيطان المراهقة. ونتيجة لما كان
يتعرض له “أبهس” من إحراج أنذاك، حفظت اسمه.
لأنه كان ينهرنا، مكررا باستمرار أنه يدعى “أحمدُّ ولد محمذن”. صافحته وعرّفته على نفسي. وبسرعة تذكر تلك الليالي الصنكوية الضاحكة. قال لي بأنه يسكن أو يزور النيفرار منذ فترة.. أهم ما في “ولد محمذن”، مع براءة ما يذكــّــر به من سنوات “الغفلة”، أنه شكل جسرا كان ضروريا لدخول قراءة يعقوب في أدب أحمدُّ ولد الولايـَـه، ولو من النافذة. إذ أخال أن والدة “ولد محمذن” تدعى “تاتي”. أو هكذا أظن.
فهل هي أخت الشاعر أحمدّ ولد الولايه المذكورة في النص؟.. لا أريدها “فائدة غيرمفيدة”، وإنما يهمني أن أفهم علاقة صديق الطفولة أحمدُّ ولد محمذن بالشاعر أحمدُّ ولد الولاية، وما إذا كان سميّـه.
مهما يكن، فإن نفض الغبار عن شعر وشاعرية ولد الولاية أمر في غاية الأهمية لما للرجل من تميز وقدرة وظرافة. بل لقد جعلتنا قراءة يعقوب نفهم، للمرة الأولى، أن المحيط العائلي لولد الولاية كان عكاظيا، وأن النيفراريين كانوا يتزاحمون عنده للإمتاع والاستمتاع، للرواية والحكاية، للنقد والاستزادة. وإذا كنا نعرف أدب ولد الولايه في مرحلة المقام في المذرذره، فإننا نجهل إلى حد كبير أدبه في مرحلة النيفرار. خاصة أننا كنا نسمع شبه أساطير عن “غرامياته” وعن مرحلة “معينة” كان فيها يكتب غزلا رائعا على جذوع الأشجار. وهنا يسعدني أن يميط الباحث يعقوب لثام الحقيقة
عن هذا الأدب. فيسعفنا – في الحلقات القادمة- بما يؤكد أو ينفي ذلك. وهل فعلا تملــّـــك الوجدُ شاعرنا لهذه الدرجة؟
وأين ذلك الشعر؟ وهل ثمة من يحفظه؟ وفي من قيل؟.. وإن على الباحث أن لا يبخل علينا بالمحص؛ فالشعر الحساني يتطلب وضع الحركات على الأحرف تسهيلا لقراءته سالما من العيوب. وإني إذ أحيي في أخي يعقوب جديته ومجهوده، لا يسعني إلا أن أنبه إلى أن ما سطرتــُـه هنا ليس مقالا أو تحليلا، وإنما ردة فعل متواضعة وسريعة ومشتتة، أريد من ورائها تهنئة أصحاب موقع النيفرار على الجهد العظيم، و”إرغام” يعقوب على الغوص عميقا في إنتاج وحياة الشاعر
الإكيدي الكبير المرحوم أحمدُّ ولد الولايه.
محمد فال ولد سيدي ميله

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=137 0 137
طلعة توعوية للأديب الشاب : عبداللطيف يعقوب الشيخ احمد https://niefrar.org/?p=5255 https://niefrar.org/?p=5255#respond Sun, 22 Mar 2020 15:57:12 +0000 http://niefrar.org/wordpress/?p=5255 طلعة توعوية للأديب الشاب : عبداللطيف يعقوب الشيخ احمد

حد إعس العام امصيف
و اللعب ابلخنيك إجيف
و الا حد إروغ إسيف

حال يهن بيه فالدار
أربعطعشر ما يتنيف
وسو كد استحفيه انهار

باش إسلك راص و أهل
من ذ من لمراض إلي جار
طرف و ألي مات جهل
معذورين أهل كد أغيار

و امنادم ج من فوك أ عاد
أهل متوحشهم و اولاد
عم و اخوال من لمكاد
أعليه إلا عاد ألي بار
يعطي وسو كثرو لمراد
أربعطعشر محجور أنهار

باش إسلك راص و أهلو
من ذ من لمراض ألي جار
طرف و ألي مات جهلو
معذورين أهلو كد أغيار

عس امن ادو بالزنجبيل
مذكور أ كيني كذب أ كيل
أمن الصلاح و اتباديل
ليدين أفلكذيب أ لطوار
و اللعب الساذج و التقليل
من خطورة شي فيه احتار
الطب لكبار التعويل
أعل فيه الطب لكبار

أيديك أصكلهم بالصابون
و احكمهم عن فمك و اجفون
عينيك أ خنفرتك يكون
لعدت العاكبلك بالبار
صاكلهم و اطلب مول العون
العون أ كثر الاستغفار
_____

الاديب : عبداللطيف يعقوب الشيخ احمد

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=5255 0 5255
معاناة المُعلمين ….. يعقوب بن عبدالله بن أبـُــن ْ https://niefrar.org/?p=2181 https://niefrar.org/?p=2181#comments Thu, 18 Apr 2019 13:13:28 +0000 http://niefrar.org/?p=2181 جمع عبد السلام بن سعيد الملقب بسحنون (طائر حديد البصر) بين دفتي كتاب جميع سماعاته من شيخه عبد الرحمان بن القاسم العتقي ، و أضاف إليها أجوبة نفيسة لنفس الشيخ أجاب بها تلميذًا له آخر يدعى أسد بن الفرات، و أطلق سحنون على ديوانه اسم المدونة الكبرى ، فأصبحت فيما بعد إحدى أهم أمهات المذهب المالكي يلقبونها بالأم، و قد اعتمد عليها خليل في مختصره مشيرًا إليها ب “فيها” .

أصبحت فيهم غريب الشكل منفردا *** كبيت حسان في ديوان سحنون

كما صنف ابنه محمد – منتصف القرن الثاني الهجري- رسالة تدعى ب آداب المعلمين ضمنها رؤية تربوية في غاية النضج، و مع أن الرسالة لا تتجاوز 26 صفحة إلا أن سطورها تشي بخبرة كاتبها في ممارسة التعليم. فقد ذكر ابن سحنون أن القرآن هو منبع العلوم، وحثّ المدرسين على البدء به، و أوضح أحكام المسائل المتعلقة بتدريسه كالأجرة والختمة.. كما حضّهم أيضًا على تعليم الفقه والنحو و الشعر و تحسين الخط والرسائل … واشترط في تعليم تلك المواد الأخذ بعامل التدرج؛ بحيث لا ينتقل المعلم من درس إلى آخر، إلا بعد أن يحفظه المتعلمون . ثم وضع ضوابط لعلاقة المعلم بالمتعلم فذكر مبدأ الثواب و العقاب، وأفتى بأنه لا يجوز للمدرس ضرب التلميذ فوق الثلاث إلا بإذن وليه، كما أكد على ضرورة تفرغ المعلم لأداء مهمة التعليم، و أسقط عنه حضور الجنائز وعيادة المريض ، و جعل عطلة الأسبوع من عشية الخميس إلى السبت و حدَّ عطل الأعياد بثلاثة أيام ، وشدّد أيضا على أهمية العدل بين الصبيان، و حثّ المدرسين في ختام الرسالة، على ضرورة إشراك الأسرة في تدبير شأن المتعلم.

قف للمعلم وفه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا

وقد ألف الجاحظ كتابًا في نوادر المعلمين ضمّنه العديد من القصص والمواقف الطريفة منها أنه قال : مررت بمعلم وقد كتب لغلام (” و إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه” ,,, ” يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا” ,,, ” فمهل الكفرين أمهلهم رويدا “) فقلت له : ويحك لقد أدخلت سورة في سورة، فقال نعم إذاكان أبوه يدخل شهرا في شهر، فأنا أيضا أدخل سورة في سورة.

شوقي يقول و ما درى بمصيبتى *** قم للمــــعلم وفه التبجيلا
اقعد فديتك هل يكون مبجلا *** من كان للنشء الصغار خليلا

كما تناول شيخنا الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف معاناة المعلمين في كتابه الموسوم ب حاكم مقامة حيث شخّص في خمس صفحات، الحالة المزرية التىي عاشها المدرسون في مقاطعته آنذاك، ومن أطرف ما ذكر فيه أن السيد المختار بن أوفى -رحمه الله- كان مديرًا لمدرسة بيلكة ليتامه، وقد أرسل إليه مرة رسالة بليغة قال فيها: “بعد تقديم السلام التام ، و ما يليق من التبجيل و الاحترام ، إلى مقام حاكم مقامه، أخبره أن الجدار الذي كان يهدد بالسقوط في مدرستنا قد سقط بالفعل، و لم يصب أحد بأي أذى والحمد لله”.

إن المـــعلـم والطبيب كليهما *** لا يـــنصحان إذا هــما لم يكرما

المعلم هو ثالث الأبوين، لذلك يتوجب وضعه في ظروف ملائمة؛ تمكنه من القيام بعمله على الوجه المطلوب، لكن مجموعة من العوامل – ليس هذا محل بسطها- تضافرت لتزيد من معاناته أثناء أدائه لمهمته النبيلة، و بما أن من بين المعلمين شعراء – والشعر شعور- فقد بات الأدب متنفسًا ينفثون من خلاله ما تكنه الجوانح.

وقد وقع اختيارنا على جملة مفيدة من أدب المُعلمين، حصلنا بعد استنطاقها على أوصاف مختلفة من المعاناة، جرى ترتيبها في عشرة عناوين. وقد أعرضنا عن بعض النصوص الشهيرة، اتكالا منا على شيوعها و خوفًا من الإطالة بالإخبار بالضروريات.

Capture

الإلتحاق بمقر العمل:

أول مشكلة تواجه المعلم الجديد هي استلام عمله ، فمسطرة القوانين الوطنية، تحظر على المتعلم حديث التخرج العمل في أول أرض مس جلده ترابها ،و لا تجيز له التدريس في المدن الكبرى، فليس أمامه خيار، إلا أن يلتحق بمقر عمله خالي الوفاض بادي الإنفاض.
وقد سجل لنا الشيخ المختار بن حامد -رحمه الله- رحلته لاستلام عمله في مدرسة النقلي، في إحدى مقاماته الجميلة؛ حيث جعلنا نرافقه خريف 1947 في رحلة من لكوارب إلى أطار مرورا بانواكشوط و إينشير واظبيعية وعين أهل الطايع… و أشار في عدة مقاطع منها إلى المشاق التى لا قاها؛ سواء منها ما يتعلق بتعطل السيارات، أو من صعوبة الطريق، خصوصًا عند قوله: “فلما أسحرنا قمنا * وعدنا إلى مراكبنا * فلما استقلت للظعن بنا * قلنا : بئس و الله السير * على بئس العير.”

تنـــوع لي نـــفع الجوار المبارك *** أمدرسة النقلي مذ كنت جارك

كما اصطحبنا الأديب الشاعر لمرابط بن دياه في رحلة التحاقه بمقر عمله في مدبوك، خريف سنة 1990؛ من خلال أرجوزة جيدة السبك والحبك يقول في أولها:

هـــذا و إن مــــــهنة المعلم *** تــــقوده لـــــعلم ما لم يعلم
تجعله يعرف أصناف البشر*** و يدمن التجوال فيها والسفر
خرجــــت من مدينة العيون *** أرنو إليــها نظر المحزون
إلى كُـــــبَنِّ ثم منها للحدود *** و الله أعلم متى سوف أعود

و قد ذكر المعلم الشاعر في أرجوزته، الأعطال التى طرأت على السيارة طيلة الرحلة و ما ترتب على ذلك من التشمير والتهجير و التأخير ، فقال:

أصــــابها بعد خـــروجنا عـــطب *** وجمعوا لها الحشيش و الحطب
بقـــرب ڮُنـْـــڮَـــلَ توقف الوقود *** عن الصعود فاستطاعوا أن يعود
وبــــدلوا بها الفـــــتيل المحترق *** و أنشــــأ الســــائق يحدو و طفق
واتـــــجه الـــــسائق نــحو شارا *** ثـــم أقـــــام عـــــــندها نـــــهارا
من عـــــــطب أصابه في العجله *** في حــــــفرة مــــــمطورة مبلله

وقد أتحفني الأستاذ محمد فال بن محمد محمود بقصيدة في غاية الروعة و رصانة الأسلوب، تشي بمعرفة صاحبها بالشعر وفقه اللغة، كتبها الأستاذ أحمد سالم بن بتاه سنة 1986، أيام كان يتولى تدريس مادة اللغة العربية في ثانوية روصو. وتدخل القصيدة في إطار نقد بعض التصرفات- التى تتنافى مع أخلاق مجتمعنا المحافظ – و اللتي ظهرت آنذاك في ساحة ثانوية اكزافييى كبلانى .
وقد بدأها بوصف دقيق لمعاناته اليومية مع الحافلة التى تقل الأساتذة إلى الثانوية، ثم ثنَّى بنقد سلوك التلاميذ الذكور، وثلث بالنكير على تصرفات التلميذات؛ ولعلهنَّ هنَّ المقصودات بالقصيدة التى جاءت في 54 بيتا من بحر البسيط، وسنختار منها مقطعا يعطينا فيه الشاعر فكرة عن معاناته اليومية مع حافلة الثانوية فقال:

أغدو لحـــافلة كالـــــرال جافلة *** للصبح تسبح في هاب من الترب
يصـــم أذني أزيز الريح أحسبه *** غارا تأجــــج فــيه النــار ذا لجب
في قارس من ندِىِّ البرد يرهبه *** قحـــم الكلاب فيدني الرأس للذنب
تشـــق حيزوم خرق قاذف قتم *** في راقص من بحار الآل مضطرب
و تنثني و أوار الشمس يرمضها *** بلــــفحة من أوار الـــحر كاللهب
إذا تعــــالج وعر الأرض راكبها *** يهـــتز فيها و ما يهتز من طرب

التأقلم مع الوسط الجديد:

يتوجب على المعلم أن يتأقلم بسرعة مع وسطه الجديد والذي عادة ما يكون مختلفا عما تعود عليه في السابق ، ودائما يلاقي المعلمون الأمرين في محاولة التأقلم مع البيئة الجديدة؛ خصوصا عندما يقومون بالاستدانة من تجار التجزئة، و يستخدمون غير المطلق من المال في العادات و العبادات، كما يجبرون أحيانا على تغيير أنماطهم الغذائية، وتحمل القيظ والقر الشديدين، وقد جمع الأديب الشاب باڮَا بن الب أغلب هذه النقاط في نص من “مرماد ” أحسن فيه و أجاد فقال:

ذِ لَرْضْ دَاحِــــــسْنِ مَاهَ *** مِنْ بِـــــيرْ جَ وللَّ حَاسِ
ألَخْـــــيَارْ يَانَ مَــــعْطَاهَ *** لِخْـــــيَامْنَ عَــــايِدْ ڮَاسِ
مَدْحُوسْ عِتْ اتْبَانْ انْتَ *** و الْحَرْ مِنْ كِيـــفِنْ سَنْتَ
مَدْحُوسْ حَتَّ مِنْ ڮِرْتَ *** أمَدْحُـــوسْ حَتَّ مِنْ بَاسِ
والْقِــــــسْمْ دَاحِسْنِ حَتَّ *** ألاَ تَـيْــتْ عَارِفْ شِنْوَاسِ

وقد أخبرني معلم من أهل إيكيد، أنه أرسل للتدريس في ريف الضفة منتصف الثمانينات و استضافته أسرة فاضلة، ولم تبخل عليه بالإكرام و الإدام طيلة الأشهر الأولى من السنة، لكنه لما مرَّ بصاحب الدكان كي يسدد إليه ديونه فاجأه حجمها ، فسأل التاجر مستفهمًا لا منكرًا عن سبب ذلك؟ فقال له أما إن أفراد الأسرة التي تسكن عندها ، ليأخذون جميع مستلزماتهم عندى بوثائق عليها توقيعك وقد احتفظت بها كلها ، فأحس المعلم بالحرج فلا هو قادر على مفاتحة الأسرة بالموضوع لشدة كرمهم و لا هو قادر على ضمان رد أمانات التاجر إليه، و بعد تفكير قال للتاجر هل لك أن تعاهدني على أن تكتم علي ما سأطلبه منك ، فقال له التاجر أي و الله فلن أحدث به إنسيا ، فقال له كل وثيقة تأتيك من عندي سيكون توقيعي في رأسيتها  بحرف الباء، فإذا كانت نقطته فوقه فتلك أمارة على أن الوثيقة مني فلتقم بإنفاذ ما فيها ، و أما إذا كانت نقطة الباء في  محلها المعهود، فعليك أن تجد عذرا مقبولاً ترد به صاحبها. فقال التاجر حبًا وكرامةً وكما يقولون في العبارة الشعبية “حِيلَ أُ لاَ عَارْ”

النِّعْمَ فِـتْشَوْعـِـيرْ *** رَيْتِ حَڮْ الرَّايَ
وجْبَرْتِ سِنْيَاتِيرْ *** مَجْمُـوعْ الڮَرَّايَ

وقد حدثني الأديب الراوية محمد بن جار الله – أطال الله عمره- بقصة طريفة وقعت للمعلم الأديب محمد يِلَّ التاكاطي – رحمه الله- عندما حول تعسفيًا إلى إحدى قرى ريف صانكراف، فتأخر في الالتحاق بمقر عمله، و أبلغت عنه السلطات الرسمية، فأرسلت إليه بعثة تفتيشية يترأسها الحاكم، فلم تجده في المدرسة، و لما علم بقدومهم، توجه مباشرة إلى القسم، فقدَّم له المفتش استفسارًا مكتوبًا عن سبب تغيبه الدائم عن  مقر عمله،  فأجابه بالكاف التالى:

حَدْ أوفكت لآدْوَابَ *** مَا تِنْشَافْ اعْلِيهْ
إلَ عَـــنْهَ لادْ و آبَ *** بـِــيهْ أبِــيهْ أبِيهْ

فتفهم الحاكم ظروفه و حوله إلى مدرسة حضرية ، و تجدر الإشارة إلى أن بعض الرواة ينسبون هذا الكاف إلى الطيب بن ديد رحمه الله.

وفي نفس السياق، رسم لنا معلم آخر همومه في لوحة فنية من ” لبتيت التام” ، ختمها بعبارة مفادها أن مهنة المعلم هي الأحق بلقب مهنة المتاعب:

ذَانَ نِسَدَّرْ فِرْڮُوڮَ *** لاَبِـــسْ دِخَّــــانَ مَشْڮُوڮَ
مَا عَنْدِ فِــبْلَيْدَ تَوْڮَ *** نِسْـــــتَنْشَقْ دِخَّــانْ أدَبَايْ
ونْڮَّرِ تِرْكَ مَغْلُوڮَ *** فِمْبَارْ امْلاَنْ امْنْ أحَــفَايْ
يَلاَّلِ مَــحَرْ الزَّوْڮَ *** أمَعِـــظْمْ اذْنُوبَكْ يَالْڮَرَايْ

ضعف مستوى تلاميذ القسم:

عهد في الثمانينات إلى الأديب اللامع أحمدُّ بن أبنو بتدريس قسم سادس؛ جُمع فيه بعض التلاميذ الذين لم يتمكنوا منذ سنوات من التجاوز إلى الإعدادية، فلم تعجبه أجسامهم و لا أخلاقهم ، وقد عبرعن ذلك صراحة في ڮَافه الشهير:

خَالِــــعْنِ ڮِـــلّتْ ذِلْكُمْ *** تِـخْرِيصَ فَمْ أزَيْمَ
وادُّرُوسْ اتْــــجِ تَلْكُمْ *** واتْرُدُّولِ في الْڮَيْمَ
واصْحَاحْ أعِتُّ كِلْكُمْ *** لاَحِڮْتُ ڮَاعْ الْخَيْمَ

أما الأديب ول ألما بن المختار بن دادا ، فكان طيلة مقامه في تيريس يدرس القسم الخامس ذكور، وفي بعض السنوات اضطر إلى استبدال نصف تلاميذه الذكور بالبنات خرقا لقاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، لكنه لا حظ أن تلميذاته لا تشاركن كثيرا في الحصص فقال:

شِــــمْنْ اتْلاَمِيدِ مَا انْزَادْ *** مِنْ يَــوْمْ الْجَانِ لاَجَ
ألاَ يِرْفِدْ صِبْعُ كُونْ زَادْ *** ساعت قـــَضَاءْ الْحَاجَ

و قد عانى الأستاذ الشيخ اليدالي بن الدين – أيام تدريسه في إحدى إعداديات العاصمة – من عدم اهتمام التلاميذ بدرس اللغة العربية، واطلع على ضعف مستوياتهم فيها، وقد عبر عن تلك المعاناة من خلال قطعته الشعرية الجميلة:

حنــــانيك للأســــتاذ أيام درسا *** لقـــسم به ركب الغــباوة عرسا
تحكم بغض الضاد فيه و جهله *** لها رافـــضا فاختار أن يتفرنسا
كتــــبت لهم نصـا كتابة ناصح *** يذلل فيـــه كل صعب ليدرسا
و ناديت منــهم للـــقراءة داعيا *** فلم أر فيـهم من لها قد تحمسا
كأني للصمت الرهيب دعوتهم *** و حـق الذي في ذاته قد تقدسا
جنـــحت لهم نحو التهجي لعله * يكون و هل تجدي هنا علَّ أو عسى
فــحاول بعض منهم نطق كلمة *** و أفسد إخراج الحروف و نكسا
فقلت له اكتب ما تــقول فخالني *** أقـــول له طــــلس فقام وطلسا
أظــــل بـــهم يومي أكابد هكذا *** كــــأني أنـــادي أو أكلم أخرسا

و من الطرف التى تتندر بها المجالس، ما يروى من أن معلما حول إلى مدرسة ريفية ، فبدأ حصته بسؤال وجهه إلى أحد التلاميذ قائلا: من الذي فتح الأندلس؟ فصاح الصبي و الله ياسيدي ما فتحت الأندلس و لا اقتربت منها ، فطرده المعلم من القسم، فراغ إلى أهله فسألته أمه عن السبب وراء قدومه المبكر ؟ فأخبرها بأن المعلم الجديد اتهمه بفتح الأندلس و طرده، فقالت له أما إنك لجاهل مشوش غبي و لا أستبعد أن تكون قد فتحتها وعبثت بمحتوياتها، و أخذت بيده و ذهبت به مسرعة إلى المدير فلما دخلت عليه و قصت عليه القصص ، قال لها ياسيدتي هذا معلم جديد و متشدد و أقترح أن يقر الصبي بفتحه للأندلس، لكنه سيلتزم أمامنا جميعا أنه لن يكرر ذلك أبدا، لعل المعلم يتقبل ذلك منه، فأقر الصبي على مضض بأنه من فتح الأندلس و ذهبوا به إلى الفصل، و أخبر المدير المعلم باعتراف الصبي و بضمانة أهله بعدم تكراره لفعلته، فقابل المعلم الشفاعة و أرجع طارق بن زياد إلى فصله.

الغربة والحنين إلى الأهل:

يحتل الحنين إلى الأهل، و تذكر الربوع والمعاهد حيزا هاما من نصوص أدباء المعلمين، و ربما يرجع ذلك إلى أن النفس بطبعها تحن للمحل الأول، وهذا الشعور اللا إرادي يتحد فيه الشعراء، لكنهم يختلفون في طريقة التعبير عنه، فنجد مثلا الشيخ الأديب زيدٌ بن حدَّمين -رحمه الله- يصرح بأن شدة الغربة أثرت على ملكاته الشعرية، وذلك عندما حول سنة 1957 إلى ولاية الحوض الغربي، و بدأ بالنوارة لاستكمال بعض الإجراءات الإدارية، وهناك كتب ڮَافه الشهير :

رَفِّتْ لِــــغْنَ مِنِّ طَارِتْ *** وْبعِتْ أهْلِ فِي النِّوَارَ
غَـيْرْ الْمَرْءُ حَيْثُ دَارَتْ *** بِــــيهِ الْـــمَقَـادِيـرُ دَارَ

أما الأديب الراحل الطيب ول ديد  – رحمه الله- فقد فكر بصوت مرتفع عندما كتب لنا في “لبير” حوارا جرى بين قلبه وعقله ، يذكره الأول بتعلقه بمن يحبهم، وشح الأخبار التي تصله عنهم، واستبعاد لقائهم المنتظر في الراحة المدرسية، أما عقله فيضعه أمام مسؤولياته الإدارية وشؤون تلامذته و مدرسته. وقد أجاد في الصناعات اللفظية المعروفة عند نقاد شعر الحسانية ب الإفلاق و “اتْرَوْسِ” حين قال:

الرَّاحَ تَـــرْجَ ڮَــالْ حَدْ *** مَارِسْ والنَّاسْ إلاَّ اتْرِدْ
وَانَ بِاللَّـــيْعَ نِــــــنْزْهِدْ *** مِنْ شِ جَــــدِيدْ أدَارِسْ
والْــهَمْ اعْــلِيَ زَادْ شَدْ *** والدَّارِسْ و اهْلِ مَارِسْـ
لُولِ لَخْــــبَارْ ألاَ انْڮِّدْ *** يَكُـــونْ انْتَــــمْ انْمَارِسْ
هَمْ الْمَــدَارِسْ مِنْ ابْلَدْ *** واتْـــلاَمـِـيدْ الْــمَدَارِسْ
يَغَــــيْرْ امْنَيْنْ إتَّمْ بَعْدْ *** الــرَّاحَ تَـــرْجَ مَــارِسْ
وَانَ بِا للَّــــيْعَ نِــــبْتْلَ *** والْــــهَمْ ألاَّ يِـــــدَّارِسْ
وَيْلْ الْهَـــمْ أوَيْـــلْ اتــْ *** لاَمِــيدْ أوَيْلْ الْمَدَارِسْ

طبيعة العلاقة بالمفتش :

لاحظ الشيخ الأديب أحمد ُّبن اتاه بن حمينَّ ،ملوحة زائدة في مياه قرية كان يدرس فيها سنة 1967 ، فكتب أبياتا جميلة، و أرسل بها إلى مفتش التعليم العربي آنذاك السيد تيرنو عمر ، فطرب المفتش للأبيات، و حوله في الحال إلى مكان ملائم، و الأبيات هاهي كما رويناها عن الشيخ :

فمني إلى ذي الطبع والخلق السمح *** مفــتش تــــعليم الـــعروبة بالنصح
ومن دأبه لـــين و حــــلم وســـؤدد *** و ميل إلى الإحسان والعدل والصلح
ســــلام كريا فــــارة الـمسك فتها *** أخو العطر في أنف الصبا فلق الصبح
فمـــوجــــبه إنا لنــــحمد ســــعيكم *** فســعيكمُ مســتوجب الحمد والمدح
و” بيدك ” قـــصر ليس يوجد مثله *** و ما إن علـــــمنا في أهـاليه من قدح
و لكن ماهُ صـــار ملـــحا وما لنا *** يــــدان على اســـــتعمال ذالكمُ الملح

أما الأديب ول ألما بن المختار بن دادا ، فيبدو أن علاقته بمفتشه لم تكن في أحسن حالاتها ، وذلك عندما زار الأخير مدرسته في شهر الصوم ، وبدا متسامحا جدا مع بعض المعلمين ، بيد أن أديبنا أحس باستهداف المفتش الشخصي له من خلال إصراره على الاطلاع على بعض الجزئيات، التى تغافل عنها أثناء تفتيشه لزملائه  فكتب ڮَافه التالى، وهو تحت تأثير شعور الإمتعاض من تصرفات المفتش:

الْمُفَــــتِّشْ جَـــانِ نَعْسَانْ *** وابْلاَ تَحْضِيرْ أسِجِلِّ
فَارِغْ وِ جَــازِيـهْ ابْلِحْسَانْ *** الِّ ما ڮَاعْ الْحَڮْ جِلِّ

ومن طرف التفتيش ما حدثني به السيد محمد بن أحمد بن الميداح أنه كان في مهمة تفتيشية في مدينة المذرذرة وبعد ما انتهى منها، دخل المكتب ليرتب أوراقه حيث كان على أهبة السفر إلى انواكشوط، في إطار مناسبة اجتماعية خاصة به، فلاحظ وجود ورقة على المكتب، فقرأها فإذا فيها الڮَاف التالى:

امْنــــَيْنْ أوفَ هَـــاذَ لَــــــوانْ *** التَّفْــتِيشْ و ذَاكْ إفَادَ
عَـنْـدِ عَنْ ظَرْكْ الْزِمْ ڮَـولانْ *** يالْمُفَتِّشْ بَعدْ : العَــادَ

فكتب في مقلوبها الكاف التالي:

ذَ الْڮَافْ الزَّيْنْ الْ مَشَّيْتُ *** شَدْ ابَانْ أخْبَارْ العَــــادَ
غَيْرْ آنَ بَــــاطِلْ مَا رَيْتُ *** شَــدْ اخْبَارْ المُسَاعَـــادَ

تسيير الكفالات المدرسية:

قدم برنامج الغذاء العالمي، بالتعاون مع البلديات دعمًا للتمدرس يتم من خلال الكفالات المدرسية؛ التي توفر بعض المواد كالأرز والسكر و الزيت و القمح و “افارين” والحوت والبيض المجففين أحيانا ، للتلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة. ويكلف مدير المدرسة بالإشراف على العملية، حيث يقوم بتعيين خازن – وعادة ما يكون أحد المعلمين- يشرف مباشرة على تنفيذ تغذية المكفولين. لكن المواد المخصصة للكفالة، قد تنقص خلال مختلف المحطات الإدارية التى تمر بها.
وقد عدد الأديب الأريب اشريف بن أبرهام فى نص جميل جميع المعوقات التي قد تحد من وصول الكفالات إلى المكفولين فقال:

مَاهُ فَالْ اتْشِكْ السُلْطَ *** وَ اهْلْ الْـكـفَالَ عَنْ يَخْطَ
مُسَيِرْ مِنْ يِنْڮِبْ بَطَّ *** وَللَّ ثِــنْتَــيْنْ الدَّهْرْ امْتِينْ
والْمُدِيرْ افْتَوْ الذَغْطَ *** يَڮْــــــــبَظْ يَدْمَ وَللَّ ثِنْتَيْنْ
والْمُفَتِّشْ خَوْفْ الْمَرْطَ *** مَا يَڮْلَعْ لَبْنُ مِتْنْ الدِّينْ
والْـــوِزَارَ مَا تُــــــخَطَّ *** بِالْڮَمْحْ أمَارُ مِجْتَمْعِينْ
وَشْمَرْ فُكْمَ وَمْتَنْ ظَبْطَ *** بِيـــــهَلِّ ڮِرْعتْهَ فَارِينْ
والْخَـــــازِنْ نَارُ مَا تَبْطَ *** بِالسِّكْرْ امْدَاوِ حِرْڮْ امْتِينْ
والْبَيْظْ اعْلِيهْ احْبَظْ وِسْطَ *** مَا ڮَـطْ انْشَافْ الَّيلُ اسْنِينْ
وِفْذَاكْ الْخِـــلْطَ مِرْتَبْطَ *** وتْسَـــيَّلْ مَالْ الْمَسَاكِينْ
وامْــــنَيْنْ اتَّـــــمْ الْكفّالَ *** وَنڮَالَ دُونْ الْمَكْفُولِينْ
مَا يَلْحَــــڮْهُمْ مِــــنْهَ فَآلَ *** كُونْ إلَعَادْ أسَخْ لَيْدِينْ

وفي نفس السياق نجد الأديب حامد بن ميلود -رحمه الله- يذكرنا بمعاناة المعلمين خلال ما يسمى بالملتقيات التكوينية، و ذلك حين شارك في أعمال ملتقى حول مقاربة الكفايات وتسيير الكفالات، فلم يعجبه محتوى التكوين و لا الظروف التى جرى فيها فقال:

أهْلْ الْمِلْتَاقَ فِيهْ سِيڮْ *** وِعْلِيهْ ألاَحِــظْ يَاسِرْ
نِظَامُ خَاسِرْ وِازْرِيڮْ *** خَاسِرْ وَ أتَايُ خَاسِرْ

رقابة الامتحانات و المسابقات:

تمثل رقابة الامتحانات و المسابقات، نوعا آخر من معاناة المدرسين؛ فدائما يجري تنظيمها أواخر السنة في حمَّارة القيظ، حيث يضطر المراقب إلى ترك مقر إقامته و يتوجه إلى قرية بعيدة في ظروف قد لا تكون ملائمة، ثم يقضي أياما في صراع مع التلاميذ و ذويهم، الذين يستخدمون أحدث وسائل الاختلاس يقول الأديب الشاعر محمد لمجد بن محمد لمين في هذا الصدد:

في حجرة مثل جحر الضب ناضحة *** بالــنـتـن ملأى بـأنـواع الـخـنـافــيـس
راقــــبـت أبوام نحس كـلهم نــــكـد *** تــبـدو على جــسـمـه آثـار تـفـلـيـس
لا شايَ لا خبزَ لا ماءٌ و لا لــــــبـنٌ *** و لا جــمــال لإنــعـاش الأحــاســيـس
و مــــا يسمى مجازا بالنسا خــشب *** مسندات كــــــأمثال الـجـــوامـيـس
يـبسمن عن سفن سود مــفـلـطـحة *** رست على العاج في بحر من السوس
وثـــــم أطــــلال فتيان مـمــــــزقـةٌ *** بالجوع كـلـــــهُـمُ يـــــبدو كــــدبـوس
كـــــم صولة لهُمُ في الاختلاس وكم *** تهامسوا خـفـيـة خـلـف الكـوالـيـس
يارب لا نـجـحوا فى الامـتـحان ولا *** نالوا سوى الشؤم و التـبخـيس والبوس

أما الأستاذ محمد فال بن محمد محمود فقد وجد نفسه في امتحان صعب ، حين أرسل ضمن فريق من الأساتذة للرقابة على الباكالوريا في إحدى الولايات الشمالية، لكنه استغرب من تغيير مفاجئ طرأ على الطاقم الذي كان يرافقه؛ حيث تم استبدال أغلب أعضائه بأساتذة جدد، وما إن مرت أول ساعات اليوم الأول، حتى فهم سر ذلك التغيير، حيث باشر الفريق الجديد بحل المواضيع لبعض المترشحين ، وهو ما أثار عند المراقب الأديب نوعا من الاشمئزاز، عبر عنه من خلال كافه التالي الذي كتبه بخط كبير على السبورة:

جَيْرِ بَكْ الْجَانِ خَسِيسْ *** لِلْكِشْفَ بَعْرَاضُ سَاخِ
النَّايِــبْ رَاخِ وِالرَّئِيسْ *** رَاخِ والْمُــرَاقِبْ رَاخِ

كما نجد نفس الأستاذ الشاعر، يعالج في نص آخر شائعة تسريب الباكالوريا التىي شاعت و ذاعت منذ سنوات فقال:

كم تلق في الناس من شاك ومن باك *** لم يرض عما يشاع اليوم عن “باك
هل قـد تــــسرب حـــقا بكـنا أســـفا *** أم أنــــه قـــــــــول نمـام و أفـاك
الأمـــر ملـتـبـس و الخـلـق مخـتلف *** والْبَـــكُّ كـالنـــاس شاك أمره باك

معاناة المرؤوس من الرئيس:

تحت هذا العنوان، جمعت بعض النصوص التى عبر فيها مدرسون عن معاناتهم من بعض أفراد الأسرة التربوية وفي مستويات مختلفة، فهاهو المفتش الأديب المختار بن محمدا يبدي استغرابه من عدم تعيينه، خصوصا أن زملائه – الذين تخرجوا معه في نفس السنة- قد تم تعيينهم، فعبر عن ذلك بطريقته الخاصة فقال:

قالوا و مالك لا تحظى بتعـيـيـن *** فـيمن يعـين من حين إلى حين
قلت المقاييس حتى الآن تمنعنى *** و ربما بعد حين سوف تعطينى
و للأمـــــور قوانين و تلزم في *** بعض الأمور مراعاة القوانـين
قالوا وما أسس التعيـين قـلت لهم *** عـفوا فــذلك أمر ليس يعنـيـني

وقد أشار السيد محمدن بن أحمد عالم في بيتين جميلين إلى عدم التزام المعلمين العاملين معه ببرنامج مداومة الأسبوع الذى أقروه معا، فصار صاحبنا هو الوحيد الذي يحضر كل يوم قبل الوقت، ليشرف على إدخال التلاميذ في أقسامهم، ودق الجرس فقال في ذلك المعنى:

مداومة الأسبوع حبر على ورق *** وسيان مسبوق إليها ومن سبق
ولكن هــــذا الجامد الصدء الذي *** يـرن إذا مــــا دق لابد أن يدق

أمَّا الأديب محمد بن الميداح فقد ذكر أن حرارة حفاوة استقبال المدير الجهوي له ، متعلقة بطبيعة المهمة التى قدم من أجلها ، فإذا كان قادما لاستلام مواد الكفالة يكون الاستقبال حارا و حميميا، أما إذا قدم للتزود ببعض المستلزمات المدرسية كالطباشير و الدفاتر فإن الاستقبال يكون جافا و جافيا. فقال:

اعْلَ لِڮَوَارِبْ هَــاكْ اعْيَيْتْ *** نِنْڮَـــَزْ الاَ ڮَـــدَّيْتْ اشْوَيْتْ
ءُ نِسْـــبِڮْ فِــدَارِتْنَ لاَ جَيْتْ *** ءُ ذَاكــــوَّ هـــوَ ڮَـاعْ أرَايْ
غيْرْ امْجِيَّاتِ ذُو الْ عَدَّيْتْ *** مَاهُمْ وَاحِدْ و اوْقَاتِ جَايْ
مَرَّ مـــُديرْ انْعــــــُودْ اكْبيرْ *** ءُ مَرَّ ڮَرَّايْ انْعُودْ ءُ رَايْ
قِيمــــِتْ ذَاكْ ءُ وَقْتِ مُدِيرْ*** مَاهُ كِيـــفِتْ وقْـــتِ ڮَــرَّايْ

وقد حدثني مؤخرا أحد المعلمين المتقاعدين، أن الدولة قررت في السبعينات، الاستعانة ببعض مرتادي المحاظر، لسد النقص المسجل في المدرسين ، و قد أرسل اثنان منهما إلى إحدى القرى النائية ولبثا بها سنينا عددًا، فقررا ذات يوم أن يشعرا الدولة بمعاناتهما، فعمدا إلى قصاصة صغيرة و كتبا فيها طلبا للتحويل موجها للوزير و أرسلاه عبر البريد . وهذا نص الطلب :
المعلمان اللذان يدرسان في انجڮُنان يطلبان التحويل في الأوان 
لم يرق طلب المعلمين وزيرَ التعليم آنذاك، نظرا لعدم التزام كاتبيه بأبسط قواعد التحرير الإداري، لأنه ببساطة ليس شخصيا و لم يحترم الشكل المعهود ، ولم يصل عبر السلم الإداري ، كما أن إرسال طلب إلى وزير في قصاصة عبر البريد قد لا يكون تصرفا لائقا ، فما كان منه إلا أن كتب على ظهر القصاصة ما يلى :
ليعلم المعلمان اللذان يدرسان في انجُڮُنان أنهما مفصولان في الأوان

كبت الشعور والأحاسيس :

هذا النوع من المعاناة يختلف عن الأصناف التي تعرضنا لها سابقا، لأنه يتعلق بالشعور والأحاسيس ،فقد تثير الصفات الخَلْقِيَة، والطباع الخُلُقية لبعض رواد الفصل، شعورًا خاصًا لدى بعض المعلمين، فمنهم من يكنه بين جوانحه، ومنهم من يبوح به من خلال لغة الجسد والإيحاء، و منهم من يكتفي بتخليد ذلك الشعور في شعر طريف.

وقد أخبرني الأديب الرَّاحل بلِّ بن دِيدِ – رحمه الله-، أن الدكتور جمال بن الحسن -طيب الله ثراه-، طلب منه بعد نهاية إحدى الحصص، أن يتبعه إلى مكتبه، في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة، وأسرّ إليه بأبيات جميلة، عالج فيها معاناته النفسية مع طويلب علم كان قد درسه وقال له ” حافظ على هذه الخاطرة لكي لا تضيع”، يقول محدثي فأوعيتها أذنا صاغبةً وحفظتها من حكاية واحدة، وهي:
بنفسى – وهون فيه أن أتلف النفسا- *** طـويـلب عــلم ما وجدت له جنسـا
أتـاحت لنا بعض اللــــيالى لـقــاءه *** فــلـقـنـتـه درســـا و لـقـنني درســــا
ألــقـنه درسـا فـيـنـسى وحـسنـه *** يـلـقـنـنى درســــا من الوجد لا ينسى
لئن حال صرف الدهر بـيني وبينه *** و أمسى محل الدرس في نفسه درسا
لقد ذكــرتــني أشـهــر الـبعد بــعــده *** دروس هـــيام لا أمـــر و لا أقــسى
بيد أن المديرين أيضا، ليسوا بمنأى عن معاناة الأحاسيس؛ فها هو الأديب محمد بن أحمد بن الميداح، يعبر بطريقته الخاصة، عن امتعاضه من الاحترام والتقدير، الذي يعامله به طويلب علم أثناء إدارته للمدرسة رقم 1 في المذرذرة، وقد اخترع لنا في خاتمة النص مسلمة تربوية طريفة فقال:

احْـتِـرَامِ خَـــلِـيـهْ *** رَانِ لِكْ مَـا نِــبْـغِـيهْ
ذَاكْ ألاَّ خِصِّ بِيهْ *** الْڮَـرَّايْ افْـلِـكْــلاَصْ
فَالدَّشْرَ لاَ رَيْـتِـيهْ *** احْـتَـرْمِيهْ ابْـلَرْهَاصْ
وَانَ مُدِيرْ الْهَــيْهْ *** مَانِ ڮَاعْ ابْشِ خَاصْ
وِالْقَـانُونْ أرَاعِيهْ *** يَـكَـــــانُ مَاهُ نَــاصْ
عَنْ لَحْتِرَامْ أخَيْرْ *** فِــلْڮَرَّايَ وِخْـــلاَصْ
وِاحْتِرَامْ الْمُـدِيـرْ *** إيڮَسِّ ڮَاعْ الـــرَّاصْ

أما الأديب الشهير عابدين بن التقي فقد عالج نفس الموضوع من زاوية أخرى أكثر تصريحا، و ذلك من خلال نص جميل صاغه على شكل رسالة لصديقه المدعو باب، وقد تصرفت قليلا في التافلويت الأخيرة :

لَـحَّــــڮْـلِ يَـحَدْ امْڮَافِ *** وَاعِدْ بَـابَ عَنِّ وَافِ
مِـنْ تَــــلْ أعَـنِّ مُعَافِ *** وِنِّ هَـــذَانَ فَــوْطَانِ
مَـزِلْتْ الَّ مَـــانِ حَافِ *** وِشْــمَـذَاكْ انْرَ بِظَانِ
أبِظَـانِ ذِيكْ أفْطَنْ كَافِ *** وِنِّ مَزِلْتْ اعْلَ مَـانِ
وَانَ ڮَـــاعْ اشْلاَهْ انْطَرِّ *** هَانَ هُوْنْ أحَالِ هَانِ
ألَـبَــاسْ اعْــلِيَّ وِ انْڮَرِّ *** فــُـلانَ مِنـْـت اْلفُلانِ

الإحالة إلى التقاعد :

يحق للموظف إذا أمضى المدة القانونية للخدمة، أن يستفيد من حقه في التقاعد المعروف شعبيا ب “رترت” ، ونظرا لضآلة التعويضات التى تقدمها الدولة، فإن الموظفين وخصوصا المعلمين لا يحبذون الإسراع بالاستفادة من هذا الحق. و إلى ذلك يشير الشيخ المختار بن حامد بقوله:

ما يفعل المرء إذا رترتا *** وجاءه رترته بغتتا

ويروى أن السيد التقى بن بلال – و كان من المتكلمين بالقرآن – لما وصله إشعار بإحالته إلى التقاعد تلا قوله تعالى: ( ذلِكَ تَخْفيفٌ مِنْ رَبكِّم) فصارت هذه الآية تعرف في ما بعد بآية رترت.

يعقوب بن عبد الله بن أبن

تنويه هام:

أتقدم بجزيل الشكر للشعراء الذين أتحفوني بنصوصهم بكل سهولة و أريحية ، كما أمدني بعضهم بالسياق الذى كتبت فيه بعض تلك النصوص، و قد حرصت على الاتصال بهم من أجل التثبت من النسبة وتصحيح النصوص، أما الشعراء الذين رحلوا عن عالمنا فقد اعتمدت في تصحيح نصوصهم على أقاربهم.

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=2181 13 2181
الجزء الثالث من القراءة الخاصة بشعر مجالس الشعار https://niefrar.org/?p=2558 https://niefrar.org/?p=2558#comments Mon, 07 Dec 2015 07:48:33 +0000 http://niefrar.org/?p=2558 قراءة عمودية في تقاريظ أعصار أهل انيفرار للشعار

استوطنت قبيلة أهل أعمر إيدقب وسط إيكيد منذ القدم ، فكانت تقيم الفترة الطويلة من السنة في المكان الواحد، لكنها قد تنتجع شمالا أوجنوبا حسب دواعى الكلإ والأمن فتسيم مواشيها في مسارح انيفـرار و لعبونات و آشكركط و بوحفر وابير حيبلل وغيرها من آبار و أمواه القبيلة الشهيرة. وإلى ذلك يشير الـقاضى أحمد سالم بن سيد محمد في قوله:

مرأى الـــمنازل أصبحت قفرا *** من آل مـــــية جنب بوحفرا

أورى بقــــــــلبك لوعة وجوى *** لايــــــبرحان بقلبك الدهرا

ومـــــنازل بربى الثـــمام عفت *** ومـــنازل من دونها أخرى

تتحد جميع  المناطق الموريتانية  في تعريف الفتوة ، لكنها تختلف في تحديد الشروط التى يجب أن تتوفر في الشخص لكي يصبح معدودا من الفتيان، وذلك راجع إلى تأثرها بالتلونات المحلية.  ومن شروط الفتوة في إيكيد أن يبتعد الشخص عن كل ما يزرى بالمروءة شرعا و عادة، كما تعد من شروط صحتها قدرة المرء على نظم الشعر فصيحه وشعبيه وأن يكون له إلمام بالفن ومتذوقا له “مفتوح فزوان”.

 وفتية صدق أكرمين دعوتهم *** إلى اللهو في بهو من اللهـو مترج

فبات لذاك الــقوم ما بين منشد *** فصـــــــيح غناء أو قريض مـدبج

و أشــــرطة مــــما يلذ سماعه *** تدور عـــلينا بالحماس و بالشجى

من آل بنى المداح طورا وتارة *** من آل أبى العـــليا و آل أنكــــيذج

كانت أغلب الأسر الفنية القاطنة في إيكيد على اتصال دائم مع أهل انيفرار ، أما  أسر أهل انكذي  فكانت تقيم فترات زمنية طويلة قرب مضارب الحي وأغلب أبنائهم مسترضعون فيه، يقول الأديب محمد بن أمو مرحبا بأسر من أهل انكذي:

مَرِحْبَ و ِاطْـلٌوعْ الدَّرْجَ *** وَالنَّصْـــرَ فِلْهَــــوْلْ أبَدِيهْ

بِعْيَالْ امْحَـــمَّدْ ذ َالِّ ج َ*** وِاعْيَالْ أَحْمَدُّو وَاهْلْ ابيِّهْ

يطلق ” العصر” على اللِّداَتِ أي مجموعة  الأشخاص الذين تشملهم نفس الفئة العمرية،- قد تصل الفوارق العمرية إلى عدة سنوات بين أفراد العصر الواحد-  و تهتم الأعصار بالأمور العامة حيث تتنافس في اكتساب مقومات المروءة كالتضحية والبذل و الإيثار، وتبتعد عن كل الأفعال التى تزرى بها. ونظرا لنبل الأهداف فهم في تنافس مستمر على الريادة ، فكل مناسبة تعن للعصر تكون مسرحا لهذا التنافس الإيجابي وربما خلد بأدب باق مثل أماسى التمرين عل الإعراب المعروفة محليا ب “الزرك” ومباريات “التود”  والمناسبات الإجتماعية . يقول الشيخ الأديب اسلام بن ألمين بن شيبة مخاطبا عصر” المفليكين” على هامش مناسبة اجتماعية:

لَحَّـــكْلِ لَحْـــمَدْ ول اَيَّـــاكْ *** وِالعَــصْرْ الْمِتْــفَلَّكْ تِفْلاَكْ

عَنْ هذي الرِيحْ اليُومْ ايَّاكْ *** الِّ وَاسـَــــــاهَ تِتـْـــعَاجِنْ

مَاهَــــــللَّ مَــاهُ عِزِّتْ ذَاكْ *** الِّ فِكـْــــعُــورِتْ لِـمْرَاجِن ْ

أما علاقة الأعصار بمجالس الشعار فيبدو أنها قديمة فكفان المرحوم عبد الله بن الشيخ أحمد الفاضل –  الذى ينتمى لعصر المفيلكين – لا تزال تردد في الأشوار حتى اليوم، ومن ذلك قوله مخاطبا الفنان القدير الداه بن انكذي وقد غنى به الأخير في سين آزوازيل :

لــَـــوَّدْنَ مَا رَيْنَ *** يَالـدَّاهْ الشَّعَارَ

وِطْرَحْنَ رَاعِينَ *** دَبُّـوسْ الــدَّيَارَ

ومن شبه المؤكد أن عصر”الوَسَطْ” يعتبر مُجليا في إنتاج شعر مجالس الشعار، حيث أن أفراده كانوا يحرصون في شبابهم على حضور تلك المجالس وعلى قرض الشعر فيها بشقيه الفصيح والشعبي. كما تشى القطع النادرة التى وجدت من شعرهم -في تلك الفترة- بجودة قرائحهم وفحولة شعرائهم وتميز شعرهم ولذلك ربما فضله الفنانون على غيره. و إلى ذلك يشير الفنان الشاعر أحمد بن اشويخ بقوله:

عَصْرْ الوَسَطْ عَصْـــــرْ الَّتْـنزِيهْ *** يِعْــــمِ عَيْنْ المِتْــعَيَّنْ فِيهْ

أمِنْ بَاسْ الـــــــحِسَّادْ اتْنَجِّيهْ *** خَـــالِطْ لَـــدَابْ أزَيْنْ الخَطْ

شـِـــــــكْرُ يِكــْــدِرْ يُــوَرَّطْ فَيهْ *** شِـــــــكْرْ الغـــِيرُ لاَ تِتْوَرَّط ْ

عَصْرْ الوَسَطْ يِــــــزْكِلْ طَشَّ *** إفْــسَــــمْعُ مُحَالْ اتْشَكْرَطْ

يَناَّسْ الوَسـَـــــط ْيَــــــرِمَشَّ *** يَنـَّــــــاسْ الوَسَطْ  بُـــَرفَّط ْ

( يَرِمَشَّ: كلمة صنهاجية بمعنى سخي ، و بُرَفَطْ: كلمة ولفية تعنى الشيء الجميل.)

 و قد ضاع الكثير من تقاريظ أعصار أهل انيفرار للشعار ، خصوصا في الفترة الممتدة من بداية القرن وحتى نهاية الستينات حيث لم نستطع العثور إلا على نص يتيم أو نصين لكل عصر من أعصار تلك الحقبة ، وسبب ذلك طبعا هو عدم التدوين وموت الرواة وندرة تسجيل مجالس الطرب في الأسطوانات ، أما الأعصار المتأخرة فقد وجدنا لشعرائها عدة نصوص جيدة اخترنا منها نماذج كالعنوان عليها.

هذا وأنبه القراء الكرام أنى لم أحط بجميع الأعصار الأعمرية و لا بجميع الأشعار التقريظية ، بل أعتبر هذه العجالة بمثابة دعوة صريحة للباحثين المتخصصين من أجل تدارك هذا النوع من الأدب الذى صار مهددا بالإنقراض .يقول الشيخ الأديب سـيد محمد بن النجيب :

كَانْ اكْبِرْن َوَللَّ شِبْنَ *** عَنْ يَمْ أزَوَانْ اسْمِيعُ

إتـَـــمْ الَّايـَـــوْقَعْ مِنَّ *** كَانْ اسْمَـعْناهَ امَّاقِيعُ

 حازت الفنانة عيش بنت محمد اعل بن الشويخ بن أعمر بن انكذي وزوجها الفنان محمد عبد الرحمان بن انكذي على إعجاب شعراء عصر الوسط،  فانتدبوا لنصرة هذه العائلة والدعاء لها يقول الشيخ سيد محمد بن النجيب مخاطبا عيش:

ما مثل عيش لعــمرو الله مــــن شاد *** إذا تــــعاقب إنـــــــــشادا بإنـشاد

فاقت جـــميع شــــداة الخلق قاطبة *** شدوا وفى الـعود فاقت كل عـواد

فـهي فى الشــدو فى واد ومـــرتبة *** وغـــيرها من شداة الناس فى واد

تسبــــي بطــــرف ملــيح  زانه حور *** ومبـــــــسم كأقـــــــاح الـرمل وقاد

والله يجعــــــل منها الصيت منتشرا *** فى حـــاضر الناس أيا كـان والبادى

وقد انتشرت هذه الأبيات على ألسن المغنين من هذه الأسرة، وبما أن اسم عيش متكرر في الأسر الفنية الأخرى فقد وقع التباس في المعنية بالأبيات فصارت كل تدعيها لنفسها،  وهو ما حدا بالقاضى أحمد سالم بن سيد محمد أن يذكر اسم عيش بنت محمد إعل كاملا في أبياته التالية  تمييزا لها عن غيرها من العوائش فقال:

ثلاث خصال ليس فيــــهن من مثل *** لعيش و أعنى عيش بنتُ محمد إعل

مـــــلاحة وجه فى مـلاحة مبسم *** تســــــليك عن ليلى وهند وعن جمل

و حـــــسن غـــــناء ما لعـزة مثله *** ولــيس لإســـحاق المغنى ولا الفضل 

وضرب يد لم تســـمع الأذن مثله *** له مـــــــوقع فى القلب يذهب بالعقل

كما خاطبها أيضا بقوله:

إن شدوا تشدوه عيش لشدو *** ما لها فيه في الغنا من شبيه

تسمع الأذن فيه ما تشـــتهيه *** وترى العـــين فيه ما تشتهيه

ويبدو أن عصر “الهمال” كانوا متذوقين للفن ومن المعجبين أيضا بصوت الفنانة عيش بنت محمد اعل حيث نجد الأديب وشاعر العصر محمد بن امو يخاطبها بقوله:

سبتنى بحسن الصوت والمبسم الألمى *** وبالبهجة الحسنى إذا خفت النغما

وبالنــــظرة النجــــلاء عـــــيش وغــــــيرها *** حــــرام علـــــينا أن نــقول له كـلما

بيد أن الاتصال بين الأعصار والشعار لم يكن يقتصر فقط على انيفرار، بل في مهجر العمل، وقد وجدنا أبياتا نادرة للشاعر ول ألما بن محمذباب بن داداه  يبدو أنه قالها في بداية شبابه مخاطبا بها الفنانة عيش بنت محمد إعل ، ومن المعروف أن الشاعر ينتمى إلى عصر لِمْغَيْسْلَ:

يا حسن هول به نهولت في الحال *** من كـــــان ذا أذن أو كــان ذا بال

ما إن يرى مـثله فى موريتـــان ولا *** في سـينكال يرى دهرا و لا مالى

لو كـــنت ذا مال أو جـاه و مـــرتبة *** لـــه اشتريت و لكن لست ذا مال

أما شاعر  عصر قريش الشيخ أحمد بن محمذباب فيبدو أن مطربته المفضلة هي آمنة بنت محمد اشويخ حيث غنت له بأبيات تقريظية  في ابياظ سنيمه يقول فيها:

قد برت وتر عــــــودها الممتاز *** وهــــــــدته فـجــاء بالإعجاز

و تغــــنت فمن مصــــيخ إليها *** مســـــتميت وناطق باهتزاز

فــــبدا أن من يقـــــسها بغير *** مثل من قـــاس بلدة بالحجاز

خلال عقد الستينات وفدت الفنانة الراحلة محجوبة بنت الميداح على الحي، ثلاث مرات في مناسبات اجتماعية مختلفة ، وقد قرظها شعراء عصر الحافظين بالعديد من القطع الشعرية الجيدة ولم أستطع مع الأسف الحصول عليها أيام إعدادى لهذه المقالة.

 وقد وجدت مؤخرا أبياتا جميلة للشاعر بباه بن اميه –وهو حافظ من عصر الحافظين- كان قد قرظ بها الفنانة عيش بنت محمد يحي بن الببان في إحدى زيارات أهل المختار بن الميداح للحي وقد غنت بها في سين كر:

إذا ما تغنت عيـــش بالمدح أو بكر *** تباعــــدت الأحزان والـــــهم والكدر

ســــريجــية الأوتار مــــيلية الغنا *** إذ ضــــربت وتـــــرا تنهول من حضر

تريك ابتــساما زانه حسن منطق *** تحاسد من أجليهما السمع والبصر

فتـــــاة إذا رام المــغنون شأوها *** شــأتهـم وأبقتهم حيارى على الأثر

وقاها إله العرش مــــــما تخافه*** و أيـــــدها بالنـــصر والعـــز والــظفر

كما وجدت أبياتا نادرة لشاعر عصر “العالمين”  أحمد سالم الملقب حدُّ بن امنِّ يخاطب بها المطرب القاضى بن انكذي:

أنت حظى من القــيون أقاضى *** وبـــــذا الــــحظ منهم أنا راض

أنت قاض على القيون جميعا *** دونك الهول فاقض ما أنت قاض

بلغ شعر مجالس الشعار أوجه مع شعراء عصر “الفتيان” حيث أتاحت لهم فرصة الدراسة في احسي المحصر و إعدادية روصو اللقاء بالعديد من الأسر الفنية، كما أن جو المنافسة الذى لا تخلو مجالس الشعار منه  جعلهم أكثر مراسا و أسرع بديهة.

حدثنى الثقة أنه حضر مجلسا فنيا في السطارة بداية السبعينات ضم منت أحمد بازيد بنت محمد عبدالرحمان ول انكذي و شعراء من عصر الفتيان منهم عبد الرحيم بن أحمدسالم و محمدسالم بن عبدالمؤمن و محمدفال بن عبداللطيف ، وقد ارتجلوا جميعا قطعا شعرية في غاية الجودة رغم صغر سنهم آنذاك .فمن ذلك قول الشاعرعبد الرحيم مخاطبا الفنانة منت أحمد بزيد:

غناك لي قد ســـــبا يا بنت أحمد با  *** زيد كما لي حسن الوجه منك سبا

حسن الغناء على الشادين فزت به ***  فمن يجـــاريك في ميــــدانه رسبا

وقرظها أيضا الشاعر محمد سالم بن عبد المؤمن في نفس المجلس بقوله :

أعن أخــــاك فقد ينـــــقاد بالرسن *** لبنت بازيد في إنشادها الحسن

أو فافته قبلُ عن خمر إذا شـــربت** بالعــــين أو شـــربت يا خل بالأذن

وقد أتحفنى الأستاذ بل بن ديد بثلاثة نصوص نادرة قرظ بها شعراء الفتيان الفنان القاضى بن انكذي. وتنضح القطع الثلاث بخلفية الفتيان العلمية والأدبية و من ذلك قول الأديب عبدالرحيم له:

كلنا اليوم عن غنا القاض راض ***  مذ سمعنا في الهول شدو القاض

فيه ســـلوى لنفس كل حزين  ***و شــفـــاء الأعــــراض و الأمــراض

وقول الأستاذ محمدفال بن عبداللطيف له أيضا :

غناؤك يا قاض يسر دواما *** وقولك في الشعار كان لزاما

وحكمك فيهم رافع لخلافهم *** وكاد لعمرى أن يحل حراما

وقول الشاعر محمد سالم بن عبد المؤمن له وقد أجاد في التلاعب باسمه:

أيا ناس هذا القاض يطرب فاعجبوا *** لــــــقاض يغـنى في الأنام ويـطرب

قـــــضاءا رواه عن أبـــــــــيه وجده *** فذا القـاض نجل القاض إيـان ينسب

فمهما رأى الزقاق أونــجل عــاصم *** فــــــتاويـه ذاقا ما يـــــــقر ويــطرب

وتبــــصرة الحــــــــكام قيــثارة له *** تساق إذا استعـصى خصـام وتضرب

فلا زال صدرا في مجالس حــكمه *** عـــــزيزا و لا زالت فـــتـاويه تـــطلب

كما خص الفتيان الفنانة تكيبر بنت محمد بن أحمد سالم بنصوص جميلة على هامش مناسبة اجتماعية في المذرذرة. حيث خاطبها الأستاذ محمدفال بن عبداللطيف بقوله:

غناء تكـــــيبر أحـــيى القلوبا *** وحرك جـــانبا مــــــنها طروبا

أرتنا من ضـــروب الــقول فنا *** أرانا مـــــن محـاسنها ضروبا

وكادت أن تـــتوب لـــها قلوب *** وهــذا القلب يابى أن يتوبا

كما خاطبها الشاعر عبد الرحيم بن أحمد سالم بأبياته الشهيرة:

 تكيبر صوتك المعسول في السحر ***به أثـــــرت شــــــعوري حـــين لم يثر

سقــــــيت آذاننا خـــــمرا و أعـيننا  ***  خمرا فصرنا سكارى السمع و البصر

فهـــــاك شــــــعري تقريظا أقدمه  ***  كأننــــي منه أهــــــــدي باقة الزهر.

IMG_8373

صورة نادرة تجمع أدباء من عصر لسياد 

 واصل شعراء عصر “الأسياد” -وخصوصا الشاعران القديران بلِّ بن ديد و محمدن بن عبد الله بن مناح -نفس الخط الذى انتهجه “الفتيان” من قبلهم ، فكتبوا أشعارا في غاية الجودة، وقرظوا أسرا فنية مختلفة، ، وقد انتشر السماع في عصرهم حيث عمت آليات التسجيل و ظهر التلفزيون.  وقد اقتصرنا هنا على ثلاثة نماذج من شعرهم كالعنوان على الباقى.

يقول الشاعر الأديب بل بن ديد مخاطبا الفنانة تكيبر بنت الميداح بعدما رآها على الشاشة:

على شاشــة التلــفاز مرت تكيبر *** أيا شــاعر أشعر إذا كنت تشعر

تراءت و مرت لحـــظة ثــم غادرت *** كما مــــر طـــــيف مــدلج متنكر

وقد تركت من شاهد البث صامتا *** يفــــــكر في مـــــــا قوله يتعذر

كما خاطب أيضا الفنانة المقتدرة لباب بنت أحمدو بن المياح وزوجها  الموسيقارعماد الدين الدبش بقوله:

لبابُ عمادُ قد عادوا فجادوا *** غناء في القلوب له اعتماد

يلـــــــــــحن ما تغنيه لباب *** فتشـــــــــدو ما يلحنه عماد

و قد خص الشاعر محمدن بن عبد الله بن مناح  الفنانة القديرة صباح بنت الميداح  بالأبيات الجميلة التالية وقدغنت بها في ابياظ سنيمه

غنى صباح و لاتنسي أخا طرب *** ألقــــاه شـــــدوك فــي نار من اللهب

أنســـاه حاضــــره حينا و ذكره *** ماضـــــيه يا عـجـــبا من أمـــره العجب

كل الشـــداة لهـم فن و مقدرة *** لكن في الخمر معنى ليس في العنب

وقد واصل شعراء عصر “الزركيين” ومن بعدهم  إنتاج تقاريظ الشعار حيث نجد الشاعر سلامى بن محمدن يخاطب الفنان سيد محمد ول أحمد لول بقوله :

ألا يـــــابن أحـــمد لول جدواك فائده *** ونفــــــسك للعـــلياء والمـجد رائده

عرفــــت بــــبر والــبرور مــــــــضنة *** فـــــلا بر إلا عـــــــن دوام مكــــابده

وطبـــــعك ســـهل ليس فيه حزونة*** إذا وافد يـــــدلى شــــــهيدا ووافده

كأنـــك يــــوم الجـــود حاتــــم طيء *** وفي الليلة النحساء معن بن زائده

وإن رمت ضرب العود أطربت سامعا *** وجمعت من شــمل السرور أوابده

وفـــــيك خصال غـــــــير هذا كثيرة *** ولا خير في التـطويل من غير فائده

ويعتبر صديقنا الشاعر عبد الفتاح بن محمد سالم  الدَّيْشِينِيُّ من منتجى تقاريظ الشعار في أعصار الشباب  المتأخرة، حيث غنت له القيان بعدة نصوص جيدة ، سنختار منها نصا خص به  الفنانتين سكت و الزهر ابنتي الموسيقار سيمال بن همدفال فقال:

إذا أنشدت سكـــت فقد دخل الوقت *** فيدخل إجماعا إذا أنشـدت سكت

فمختار وقت الشدو ما هي أنشدت *** ومهما شدت بالبيت زهرتها الأخت

فكلــــتاهما في عالم الفن نجـــمة *** فغنوا إذا غابت و إن حضرت سكت

وكنت أيها الكاتب لهذه الأسطر كتبت تقريظا للفنان الشاب المتألق رشيد بن الميداح  :

إذا شــدا في المجلس الحاشد *** ينســـــيك كل مـــطرب قـــــاعد

بصـــــوته الراقــــــى و ألحــانه *** والسبق في الشور مع الشاهد

حــــاز الفــــــنون من أب مبدع *** فصـــــار نســــــخـــة من الــوالد

لو ظـــــنه هــــارون في عهده *** لما تســـــمــى باســـمه الراشد

رشـــــيد يا نــــــجما بدا صاعدا *** فـــــــبــــذ كــل مـــــــطرب رائد

ذا كـــــــاظم من غيظه ساهر *** وذاك حــــــال الــــــراشد الماجد

بورك فـــي عمـــرك فانبغ لنا *** جنـــــبت شـــــر النــافث الحاسد

بقلم يعقوب بن عبدالله بن أبنْ

الجزء الأول من القراءة

الجزء الثانى من القراءة

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=2558 12 2558
تِـــنْــــدَوْكَــــرَظْ ….. يعقوب بن عبد الله بن أبــُــنْ https://niefrar.org/?p=464 https://niefrar.org/?p=464#comments Sat, 21 Mar 2015 22:06:18 +0000 كان المتنبى عالما باللغة حافظا للشعر، وقد قيل إن أبا علي الفارسي سأله يوما كم لنا من الجموع على وزن فعلى؟ فأجابه بديهة حجلى ( واحدة الحجال)و ظربى (حيوان قصير القوائم)، قال أبو علي فسهرت ثلاث ليال و أنا أقلب كتبى ودفاترى فلم أعثر على ثالث لهما. وقد و جد أحد الباحثين الشناقطة جمعا ثالثا هو معزى وذكره في بيت من الرجز، وما لفت انتباهي في بيت الشنقيطي ليس العثور على اللفظ – فالشناقطة من مضغ الشيح والقيصوم- بل أمانته العلمية النادرة حين عزا المعلومة لكتاب الدمامينى . المعروف,كان المتنبى عالما باللغة حافظا للشعر، وقد قيل إن أبا علي الفارسي سأله يوما كم لنا من الجموع على وزن فعلى؟ فأجابه بديهة حجلى ( واحدة الحجال) و ظربى (جمع حيوان قصير القوائم)، قال أبو علي فسهرت ثلاث ليال و أنا أقلب كتبى ودفاترى فلم أعثر على ثالث لهما. وقد و جد أحد الباحثين الشناقطة جمعا ثالثا هو معزى وذكره في بيت من الرجز، وما لفت انتباهي في بيت الشنقيطي ليس العثور على اللفظ – فالشناقطة من مضغ الشيح والقيصوم- بل أمانته العلمية النادرة حين عزا المعلومة لكتاب الدمامينى .المعروف.
تعطى ثقافة “البيظان” أهمية بالغة لما يسمى ب ” الثلاثيات” تجلت في أكثر من مجال فالأعياد وأيام الضيافة ثلاثة، و الأثافى والوجبات اليومية ثلاث و كذلك جيمات الشاي و عدة إدارة كؤوسه و طرق ” الهول ” و شواهد ” الكَرسْ” ورحلات الشرع و ضربات الرحيل …
[| [( ضربوا الطبل للرحيل ثلاثا *** و استمروا يقوضون الأثاثا
ثم شدوا رحالهم فــوق بزل *** من بنات الجديل لسن غراثا
قدَمـوا الخيل و العتاق تليها *** صوب تنواكديل تهوي حثاثا
فإذا ضـل أو تخــلف ركب*** ضربوا الطبل عند ذاك ثلاثا..
)] |]

و قد تناول الشيخ أحمدُّ بن احبيب رحمه الله خصائص العدد ثلاثة في كتابه المرقوم الموسوم بكتب الأعداد، كما اعتنى أيضا بموضوع الثلاثيات كل من الفكاهي البميجى ألجد بن انديه و الظريف الأبهمي انداه بن محمد الحص رحمة الله عليهما ، حيث وظفاها في نقد المسلكيات الإجتماعية المستهجنة، و منهجيتهما قائمة على أن تكون النكتة في المسألة الثالثة ، وتكون البواقي بمثابة التقديم لها.

ويكثر استخدام أسلوب “الثلاثيات” في جمع النظائر واللطائف النادرة، و قد سجلت خلال إقامتى في عدة مناطق من الوطن شيئا يسيرا من ذلك و سأتقاسمه اليوم مع المتصفحين الكرام بغية الاستزادة منهم من خلال تعاليقهم ، فالحديث شجون كما يقولون.

في ليلة من صيف 2010 كنت في ضيافة الرجل الشهم محمدُّ بن اظمين في قرية “المَدُّوبْ” الواقعة في سفح الجبل المعروف ب “اڮـْـليـْـبْ إنيميش” وهو أحد المواقع السياحية المعروفة في ولاية الحوض الغربي ، وقد زاده شهرة اطلاق اسمه على أحد أحسن الأشرطة التى أنتجها الثنائي الشهير سدوم وديم في الثمانينات. و خلال ذلك السمر الشيق ناقشنا أسباب اختلاف نطق حرف الجيم ، و كان من بين الحاضرين من يتعصب للجيم المتفشية و يؤكد على فصاحتها ويستشهد على ذلك بأنها تستخدم كثيرا في الخطاب العادي فقاطعه مضيفنا قائلا: أما سمعت مقولة السيد حمَّ بن اعبيدنَ الشهيرة إن الجيم المتفشية لم ترد في الحسانية إلا في ثلاث كلمات وكلها مذمومة وهي “اچَّفْ وچَّــنـْـكَ و اچَّنـْـڮُورْ” .. فضحك الجمع و انفض الساهرون و بدأنا نخلد للنوم.

كانت ليلة “المدوب” مقمرة وقد زينت فيها السماء الدنيا بمصابيح كثيرة، وكنت غارقا في تأمل تلك النجوم الهاوية الهادية في نفس الوقت ، وفجأة قطع تفكيرى كلام السيد ميلود بن يغلَ وهو شيخ كبير يقيم في “المدوب” منذ نعومة أظفاره، يعمل على تنمية حرثه ونسله. قال لي ميلود يا بنى لقد ارتحت لرؤيتك و تمنيت أن أقدم لك هدية من الزرع والضرع و حال المَحْلُ والسنة الشهباء دون ذلك، لكنى قررت أن أتحفك بثلاث حكم تفيدك في حياتك فأنت شاب لمَّا تر من الدنيا مثلما رأيت. فنهضت وجلست بجانبه و قلت له لا عليك يا شيخ فو الله لَحِكمك أحب إلي من حمر النعم. فأخذ بخنصر يدى اليمنى وقال: (..اعلم يا بني أن هنالك ثلاثة أمور مشينة يمكن للإنسان سترها من خلال ثلاثة أفعال بسيطة: فالجهل يمكن ستره بالصمت، والنسب الوضيع يستر بالحدَّ من النزاعات و الفتن ، والفقر ستره يكمن في قلة الدائنين.
واعلم كذلك أن ثلاثة لا تحيى إلا بثلاثة: فالعلم حياته بالعمل به و حياة الحديث في صدق القول وحياة القرابة بالمنفعة بين الأقارب.
وثلاثة آفتها في ثلاثة فالأنثى في “الخِفَّ” (كثرة الحركة) وآفة الدقيق “السَّفِّ” (تكرار التذوق) و آفة المراهق “الڮـُفَّ” (اللمة).) ثم ودعنى وانصرف وبت ليلتى أفكر في حكم ميلود النادرة التى لو جمعت كلها لصار حكيم المدوب هو ثالث الحكيمين الشهيرين لقمان وابن عطاء الله السكندري .

[| [( يَلاَّلِ مَـــبْعَدْ عَادْ قورْ *** وَ اللَّباَتْ أشَعْبَانَ
مِنْ عَظْمْ النُّورْ أبَيْبُّورْ *** وكْـدَيَّاتْ أرْدُبَّانَ
)] |]

بعد ذلك بمدة كنت في قرية “احسي الظل” التابعة لمقاطعة باركيول ، أحاول أن أقرب لبعض وجهائها تصورا عن إقامة محطة شمسية متعددة الخدمات وقودها الطاقة الشمسية وبذلت جهودا فى توصيل الفكرة، وبعد لأيٍ تفهم الملأُ المسألة، لكن أحد الحاضرين همس في أذنى قائلا هل أتيك حديث أصحاب الفيل؟ فأجبته بالنفي، فرواه لى مشكورا وملخصه أن ثلاثة رجال عُمْيٍ مِن مَنْ كانوا قبلنا سمعوا كثيرا عن وصف الفيل ، وفجأة علموا بقتل فيل بالقرب من قريتهم، فقرر الثلاثة أن يذهبوا إلى جثثه ليتأكدوا من وصغه بأنفسهم، فلما رجعوا إلى قومهم سألوهم كيف وجدتم الفيل؟ قال أصغرهم وجدناه أملس صغيرا بحيث يمكن أن تضم عليه يدك، وقال أوسطهم : الفيل ليِّن كبير يستطيع الإنسان أن يلتحف به، أما أكبرهم فقال: سبحان الله ما هكذا الفيل بل هو طويل وظهره به تشققات ،ففهم أهل الحي أن الأول لمس سنه والثانى أذنه والأخير وضع يده على ظهره. وقد قال المناطقة إن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره.

[| [( امْنَينْ انتـَّــمْ اعْڮـَابْ اللَّيلْ *** إِجـِــينِ سَــقْمْ إفذَ أنَوَالْ
وَيْلْ اجْمَلْ تَحْتِ وَللَّ وَيْلْ *** صَيْدَحْ وَللَّ وَيْلْ أزُزَالْ
)] |]

وغير بعيد من “احسي الظل” كنت مع السيد ديدِ عمدة بلدية “ارظيظيع” و قاضى جماعة أ ولاد إعل وكان ينظر في دعوى لقوم في فرسٍ و بعدما استفسر الشهود، التفت إلي وقال إن الشهادة على الخيل صعبة لتغير لونها في بداية عمرها،.

[| [( فإن الحق مقطعه ثلاث *** يمين أو نفار أو جلاء )] |]

كما أخبرنى أيضا ان عتاق الخيل في أرضنا تعرف بطول ثلاث وقصر ثلاثة : طول “الرڮبة” االعنق و” السَّفافَ” العذار و”التمغيليت” و هي الذيل، و قصر الأذن و الظهر والرسغ. وقد وجدت بعد ذلك أنها جمعت في ثلاثية عامية ( إلاَ اطْوَالُ اثلاثَ و اكْصَارُ أثلاثَ مَرِّتْ وَرَّاثَ)

[| [( تســـــائلنى بنو جشم ابن بكر *** أغــــراء العرادة أم بـهيمُ
هي الفرس التى كرت عليهم *** عليها الشيخ كالأسد الكليمُ
كميتٌ غـــير محلفة ولـكن *** كلون الصِّرف عُلَّ به الأديم
توالى من قـــوائمها ثـــلاث *** بتــــحجــــيل وقائــمة بهيم
)] |]

وكنت بعد ذلك ببرهة في مهمة تتعلق بالعمل في نواحى “مَالْ” مع السيد أحمد بن سيد أوبك في قرية “ابلخطاير” و أتحفنى بمسألة غريبة حدثت له فى شبابه، وهي أنه اشترى تبيعا مع شريك له بهدف ذبحه ، وكلف صديقه بالإشراف على تقسيم اللحم، لكنه فوجئ جدا بصغر الحصة التى أرسلت إليه، فهبَّ غضبانا أسفا يريد أن يستفسر زميله عن فعلته، فمرَّ في طريقه بشيخ يعمل في كيره ،فأمسك الأخير ثوبه وقال له ، لعلك يا أحمد لم تسمع المقولة الشهيرة التى تؤكد أن شركة الكريمين محمودة ، وشركة الكريم والبخيل تفضى إلى الغبن و شركة البخيلين قد تؤدى إلى ما لا تحمد عقباه. (إلا اشْتَرْكُ جِيْدَيْنْ احْلُوَّ وِابْنِينَ ، وِلاَ اشترَكْ جِيِّدْ وِاحْرِيصْ خِلْڮتْ لِغْبِينَ وِ الاَ اشْتَرْكُ احْرِيصَيْنْ انْكْفَاتْ السَّفِينَ)

[| [( فراحوا فريق في الإسار و مثله *** قتيل و مثل لاذ بالبحر هاربه )] |]

وكلنا يعلم قصة ذلك المعلم الطريف الذى حُول للتدريس في قرية العين الصَّفْرَ ، وهي إحدى قرى آدرار البعيدة نسبيا و المشهورة بالتباس مسالكها على قاصديها فربما ضل الذاهبون إليها ، فتلكأ في الذهاب إليها إلى أن استدعاه الوالى و أكد عليه في الذهاب فورا إلى مقر عمله وتوعده في حالة تأخره، فقال له المعلم أيها الوالى (مَالاهِ اتْلُوحْنِ العَيْنْ الحَمْرَ ، فاشْ انْڮيسْ العَيْنْ الصَّفْرَ، ايَّاكْ انْعُودْ عَيْنْ بِيظَ) .

و جاء في كتاب “الموسويين المتأيد” أن القاضى محمد موسى بن احميّد رحمه الله أوصى بنيه عند وفاته بثلاث مسائل: أولها أن لا يتتلمذوا على الأشياخ و الثانية أن لا ينخرطوا فى سلك “ڮُــومْيَاتْ” المعروف و الثالثة أن لا يستعملوا ذات الدخان “امانيج” ومن الطريف أنه قال لهم إن كان و لابد من انتهاك النهي فالثالثة أخف عندى من الثانية والثانية أخف من الأولى.
و حدثنى صديقى البكاي بن آدبَّ أن العلامة الشاعر محمد بن الطلب رحمه الله كان يقطع المنطقة المعروفة بتيرس في ليلة كاملة يختم فيها القرآن الكريم وهو ما يعنى أن الثلاثة متساوية : طول منطقة تيرس وتوقيت الختمة وطول الليلة.

[| [( سرى يخبط الظلماء من بطن تيريسٍ *** إليَّ لدى ابْرَيْبِيرَ لم يتعرج )] |]

وقد روينا عن العلامة لمرابط محمد سالم بن عدود رحمه الله أن اللهجة الصنهاجية المعروفة ب “اكلام ازناڮ” من أهم و أقدم اللهجات في المنطقة و أن الكثير من التاريخ موثق بها ، و أنه لا يثق باستنتاجات الباحثين الذين لا يتقنونها ، خصوصا أن تاريخ الصحراء عربي و جغرافيتها بربرية .
وختم حديثه بقوله إن هذه اللهجة تتميز بثلاث صفات نادرة هي أنها: (لا يتكلمها إلا علية الزوايا و إذا سمعها الخائف أمن. و لا تشتمل على كلمة فحش ) و لعل ذلك هو السبب في أن خطاب الصغير للكبير كان لا يتم إلا بها .

[| [( مَدَّ زِڮـْــــــلِتْ عَالِمْ وَجِـيهْ *** إلا َحِزنِْتْ باِلطَّبْع ْاعْليِهْ
و ِلاَ زِڮــْـــــلِتْ مَد َّنــزَيهْ *** وَجـِـــيهْ إلا َحِزْنِتْ عَالمِْ
مــُــــلاَنَ وِلاَ زاَدْ إرِيـــهْ *** زِڮـْـــلِتْ مُســَــــالِم ْيكالمْ
وََجـِـــيهْ إلَى حِزْنِتْ واليُوم ْ*** ال ِّمَزڮول ْاحْمَد ْسَالمِْ
وَ أَحْمدَ ساَلمِ ْمنْ شِ مَعْلوُم ْ*** عـَــالمِ ْنــَـزيِهْ أ مُـسَالمِْ
)] |]

أما استخدام أهل إيڮيد للثلاثيات فى جمع النظائر فشائع ذائع ، فقد روى الشيخ سيدأحمد بن اسمه في كتابه ذات ألواح ودسر أن الشيخ الفالل إنيان باب أحمد قال: إنه تعلم العلم لثلاثة أمور أولها ليكون عالما و ثانيها ليصاهر الشيخ أحمد أڮذ المختار و ثالثها لله، و أحمد أڮذ المختار الألفغى هو جد فخذ أولاد حبين . وهذا الشيخ هو أول من عرف تاريخ وفاته في منطقة الڮبلة، وكان ذلك سنة 1040 هجرية وقبره عند اند صج.

ولم نزل نسمع الحكماء ينهون عن تنازع ثلاث: (“نِوَاشْتْ لحِوارْ و نِوَاشِتْ ارْشَ و نِوَاشِتْ اشْيَاخَ )

و قد سجلت شخصيا في هذا الباب ثلاثية استوقفتنى وهي عبارة عن ثلاث كليات نادرة الوقوع حدثت في منطقة إيكيد أولها قول الشيخ باب أحمد بن يعقبنلل رحمه الله لصاحبيه في محنة سيد ابراهيم العروسي ( كل ما يخطه القلم فأنا أتولاه عنكم) والثانية جواب الشيخ الكورى بن سيد الفالل لرئيس انڮادس لما جاءه مستشفعا في بقر مغصوب (إن الزوايا كلهم عيالى) والثالثة قول الشيخ أحمد بن محمد العاقل لتلميذه محمد النابغة الغلاوى لما أخبره أنه قدم من بعيد للدرس (مَشَّ) وهي كلمة تعنى قدرته على تدريس كل فن يريده، والقصص الثلاث مبسوطة في شيم الزوايا و كرامات أولياء تشمش والوسيط …

وكان الإيڮيديون يستدلون على عدم تبحر الضيف فى علوم الفقه من خلال الأمور الثلاثة التالية: إذا ما استقبل أو استدبر القبلة وقت قضاء الحاجة، أو أسمع في صلاته وهو فذ أو أطال الجلسة الوسطى.

ومن الطرف الإيكيدية ما يروونه من أن سيدة فاضلة من أهل المحصر كانت مشهورة بالإنفاق والصدقة و الرفق بالمساكين رحمها الله ، وكانت ذات يوم في خيمتها، فأتتها امرأة زائرة وبعد السلام قدمت لها قدحا من اللبن كالعادة فلما شربت منه وضعته بجانبها وقالت منذ زمن و أنا أبحث عن قدح من ” يَط” على هذا النمط، فقالت لها المضيفة خذيه، فأجالت الزائرة بصرها في الخيمة فوقع على قطع من قديد اللحم “اسيور الحم” معلقة بين الركائز فأشارت بيدها إلي القديد وقالت بالله عليك إلا أعطيتنى منه، فما ذقنا لحما منذ أسبوع فقامت المحسنة مسرعة إلى القديد كله ووضعته في قطعة قماش وسلمتها إليها ، و عند ذلك رأت السائلة حصيرا منمقا كانت السيدة جالسة عليه فبادرتها قائلة لا بدّلى من هذا الحصير فمنزلنا خال من الفراش، فطوت السيدة الحصير وسلمته إليها ، وهنا همت الزائرة بالذهاب و طلبت من السيدة أن تسأل الله لها فأجابتها على الفور إن الله سميع مجيب و أنت أدرى منى بطرائق الطلب.

[| [( امْشَ يَامِسْ مَا عـَظَّمْناَه ْ*** اعْـــلَ الله الـــحَمْدُ للهْ
واليَومْ أرَ يَامِسْ شـِـفْناَه*** و الدَّهْرْ الاَّ ذَ كِيفُ تَامْ
ذوكْ الصُّبحْ اشْكيفُ شُرَاهْ*** و أجنابُ ذوكْ اشْفيهُمْ لاَمْ
أحَدْ اليـُـوم أُهَذا مَحْتومْ*** فالدَّهْرْ إلَى رَدْ التِّخْمَامْ
الدَّهْرْ الَّا يَامِسْ وِاليُومْ*** وِالصُّبْحْ الدَّهْرْ أثلِتْ أيَّامْ
)] |]

و روينا عن الأديب الشاعر لمرابط بن ديَّاه ، عن قريبة له، أنها كانت تتعالج من علة على يد الشيخ الطبيب محمد يحظيه بن أوفى رحمه الله فقال لها مرة:(… لتعلمى يا مريم إن يدى إن لم تكن شافية فذلك منى شخصيا وليس منها، وذلك لأننى كتبت بها ستين حزبا، و لمست بها الحجر الأسود و غسَّلتُ بها العلامة محمد سالم بن ألمَّا)

و مما سمعناه أيضا من مرويات الثلاثيات أن الشيخ سهل بن بتَّا اليدالي رحمه الله كان يعرض بقرة للبيع وقد لاحظ عليها ثلاثة عيوب فمولودها ذكر و لبنها قليل وليست ذلولا، فأتاه مشترٍ وتفاوضا في السعر و بعدما اتفقا على الثمن أراد سهل أن يطلع المشتري على عيوب البقرة انطلاقا من قول خليل (…ووجب تبيين ما يكره) ، فقال له سل عن ما بدا لك من أمر البقرة فلن أكتمك : فقال المشترى ما جنس ولدها؟ قال: عجل لكنك تعلم أن العجل أعجل نفعا من العجلة، فقال المشترى صدقت فهل هي حافل؟ قال سهل لا بل لبنها قليل ومن المسلم عند أهل البقر أن الحافل هي أول ما يتأثر بالمَحْلِ، قال المشترى صدقت فهل هي ذلول؟ قال سهل لا بل قد تنطح من يقترب منها ، و ذلك بإذن الله هو ما يمنع الأبقار من استضعافها و أكل طعامها. فساق المشترى بقرته على علاتها بعد ما حولها سهل بفطنته إلى صفات حميدة.

ومن هذا القبيل ما روي أن الخليفة معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه، مرَّ في طريقه إلى الحج بامرأة كثيرة اللحم تدعى درامية الحجونية وكانت من شيعة علي كرم الله وجهه ، فاستدعاها و سألها عنه وعن علي، فأثنت على بنى هاشم خيرا ، و بالغت في القول الشنيع في بنى أمية فقال لها معاوية ( فلذلك انتفخ بطنك ، وعظم ثدياك ، وربت عجيزتك) ، فقامت المرأة من مجلسها منزعجة و قالت بهند والله كان يضرب المثل لا بى فقال معاوية ، ياهذه اربعى فإنا لم نقل إلا خيرا إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خَلق ولدها و إذا عظم ثدياها تروى رضيعها و إذا عظمت عجيزتها رزُن مجلسها فرجعت المرأة وسكتت.

[| [( و لولا ثلاث هن من عيشة الفتى *** وجدك لم أحفل متى قام عودى
فمنهن سبقى العـــاذلات بشربة *** كميت متى ما تعـــل بالماء تزبد
وكرى إذا نـــاد المضاف محنبا *** كـــسيد الغـــضا نبه،ته المتورد
وتقصيرُ يوم الدَّجن والدجن معجب *** ببهــكنة تحت الخباء المعمد
)] |]

وتكثر الثلاثيات في المرويات الشفهية لأهل انيفرار ، ومن ذلك أن سيدة برزة كانت تقيم في أطراف الحي و طرق خيمتها ضيف، و أهلها خلوف، و بعد السلام والسؤال عن الأحوال ، خاطبته قائلة إنى لحائرة بين ثلاث مسائل لا أدرى أيهنَّ أصعب؟ فهل تستطيع مساعدتى فيهن؟ قال الضيف حبا وكرامة هات الأولى قالت قراءة الجذاذات القديمة التى أصابها بلل “تيدَّجِينْ” قال هذه صعبة فعلا ، فما هي الثانية؟ قالت فالفارس الذى يغذ سيره فيرى طائرا في علو شاهق فيرميه فلا يخطيه قال هذه أصعب من أختها فهات الثالثة، قالت رجل يدخل حظيرة في ليلة مظلمة فيخرج ولد نعجة معينة لم يكن حضر مولدها فصاح الضيف هذه الأخيرة سهلة فدائما توجد علامة يمكن للفطن أن يمايز من خلالها صغار قطيعه فقالت له دونك عدة الشاي. وبدأت في تجهيز القرى.

[| [( وما شر الثلاثة أم عمرو *** بصاحبك الذى لا تصبحينا )] |]

و من مروياتهم أيضا أن الناقد الظريف أحمدُّ بن سيد سالم رحمه الله كان يعجب بثلاثة و يقول إنه لم يبلغ أحد مبلغهم وهم إمام اللغة مجد الدين الفيروز أبادى صاحب القاموس، والعلامة اللغوي أبو محمد الحريري صاحب المقامات والفنان القدير محمد عبد الرحمان بن انڮذي صاحب الحنجرة الذهبية.

[| [( ثلاث خصال ليس فيهن من مثل *** لعيش و أعنى عيش بنتُ محمد إعل
ملاحة وجــه فى ملاحـــــة مبسم *** تســــليك عن لــيلى وهند وعن جمل
و حـــسن غناء ما لـــــــعزة مثله *** وليس لإســحاق المغــنى ولا الفــضل
وضرب يد لم تسمع الأذن مثله *** لموقـــعه فى الـقلب يذهــــب بالعــــقل
)] |]

ومن أظرف و أطرف الثلاثيات ما روي لنا عن الأديب محمد سالم بن عبد المؤمن حين قال إن كل شخص قد يعترف لغيره بالسبق في كل شيء إلا في ثلاث مسائل هي العقل و الخبرة في قيادة السيارات و لعب الورق المعروف بكرت.

وكلمة ” تِـنْدَوْكَرَظْ” التى اخترناها كعنوان لهذا المقال تطلق على الثلاثيات باللغة الصنهاجية ، كما يستخدمها نسابة الحي أيضا للدلالة على نكتة في الأنساب الأعمرية ، حيث تطلق ” تِـنْدَوْكَرَظْ” على ثلاث نسوة أخوات منجبات، اشتهرن بالرياسة و الحذق و العقل و بعضهن خالات لبعض و هن بنات الزبير بن حامدت (أيَّ، ابنتّ، عائشاً) فعائشا هي أم بنات أحمد بن المصطف بن خالنا (مريم، فاطمة، و بنت خويلد) و ابنتَ هي أم بنات عبدَ بن المامون (خيراً، بابيْ و أم النبى ) و أما عقب أي ّ فمعروف الحمد لله.

يعقوب بن عبد الله بن أبن

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=464 18 464
الشعر البارد له فوائد … الأستاذ محمد فال بن عبد اللطيف https://niefrar.org/?p=440 https://niefrar.org/?p=440#comments Thu, 19 Feb 2015 13:29:28 +0000 أنا لا أشاطر النقاد رأيهم في عدم اعتبار الشعر البارد إنتاجا أدبيا و تصنيفهم إياه في ما يرمى في سلة المهملات الأدبية باعتباره زبدا يذهب جفاء و لا ينفع الناس إلى غير ذلك مما يبررون به هذا التمييز القاسي التحكمي.
أنا لا أشاطرهم رأيهم – و إن كنت لست منهم – لأن للشعر البارد فوائد لا ينكرها إلا مكابر عن المحسوس، أو جاهل باختلاف نزعات النفوس ، ونحن ذاكرون لك هنا ما سنح لنا من هذه الفوائد، علما بأن الموضوع يستحق بحثا أعمق و تحريا أدق، ولعل الله أن يقيض له من أساتذتنا الأفاضل من هو أولى به و أقدر عليه،أنا لا أشاطر النقاد رأيهم في عدم اعتبار الشعر البارد إنتاجا أدبيا و تصنيفهم إياه في ما يرمى في سلة المهملات الأدبية باعتباره زبدا يذهب جفاء و لا ينفع الناس إلى غير ذلك مما يبررون به هذا التمييز القاسي التحكمي.
أنا لا أشاطرهم رأيهم – و إن كنت لست منهم – لأن للشعر البارد فوائد لا ينكرها إلا مكابر عن المحسوس، أو جاهل باختلاف نزعات النفوس ، ونحن ذاكرون لك هنا ما سنح لنا من هذه الفوائد، علما بأن الموضوع يستحق بحثا أعمق و تحريا أدق، ولعل الله أن يقيض له من أساتذتنا الأفاضل من هو أولى به و أقدر عليه، و لا بد قبل ذكر هذه الفوائد من تعريف ولو مبسط لمفهوم الشعر البارد فنقول: لقد عرفه ابن أحمد يوره بأنه الشعر الذى لم يشو شيا جيدا و لم يطبخ على النار بالقدر الكافي و أنزلت قدره الأثافي وهي ما زالت بحاجة إلى قدر لا بأس به من الملح و الأبزار.
هذا التعريف الأدبي جيد جدا و صحيح جدا لكن كثيرا من المستهلكين قد لا يفهمونه حق فهمه و لا يستوعبون أبعاده بالقدر الكافي فنحن نفضل عليه التعريف الذى يقول إن الشعر البارد هو الشعر السالم الوزن الصحيح المعنى الخالى من الأخطاء النحوية أو الصرفية وهو مع ذلك لا يثير فيك أي إحساس و لا يستثير منك أي استحسان بل انت ساعة استماعك إليه تشعر أنك تحت اختبار صعب تود لو خرجت منه لا لك ولا عليك، هذا ضابط موضوعي يضبط لك هذا النوع من الشعر، وبه تعلم أنه لا شيء من الشعر الحر ببارد لأن شرطه استقامة الوزن كما سمعت.و إذا تمهد لديك هذا فاعلم أن للشعر البارد مع ذلك فوائد جمة
أول هذه الفوائد: أن هذا الشعر هو جزء من الإنتاج القومي الخام لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاهله و لا إهماله، و إذا كان علماء الاقتصاد لم يدخلوا حتى الآن المنتوج الفكري و الثقافي في مكونات الناتج الكلي القومي فلعله سيأتى يوم يفعلون ذلك فسيصنفونه في قطاع رابع بعد قطاع الخدمات المسمى بالقطاع الثالث.
الفائدة الثانية: ان الشعر البارد ممتع في نفسه لكن لا من حيث الحيثية التى تكون بها النصوص الأدبية ممتعة، أعنى من حيث الدلالات و الإيحاءات ولكن من حيث الغرابة و الاعتبار، مثاله في ذلك الأجسام الغريبة و الحيوانات النادرة فإن فى النظر إليها والتفرج عليها متعة لا تنكر، فالناظر في الشعر البارد هو في مسرح كبير يقول سبحان الله ؟ كيف اهتدى هؤلاء إلى مثل هذا الشعر؟ كيف وفقوا إلى رص هذه الألفاظ؟ كيف زين لهم ذوقهم الإتيان بمثل هذا؟ أليس في كل هذا متعة؟ أليس الشعر البارد إبداعا من هذه الحيثية؟
الفائدة الثالثة: أنه لولا الشعر البارد لما عرف الشعر الحار أو الشعر الجيد إذ بضدها تتميز الأشياء و قديما قالوا : لا جديد لمن لا خلق له، ومن هذه الحيثية يمكن اعتبار الشعر البارد معيارا لتقييم الشعر على الإطلاق فما كان أقرب إليه أو مشابها له حكم عليه بالتفاهة و الركاكة و ما كان بعيدا عنه حكم له بضد تلك الصفات.
الفائدة الرابعة: إن للشعر البارد قيمة تاريخية لا تنكر حيث إنه يسجل الأحداث و الوقائع بصفة هي أقرب إلى الموضوعية بما يسجله الشعراء المبدعون و بمبالغاتهم و إطنابهم و هيمانهم في كل واد وقولهم ما لا يفعلون و لا تفعل الأمراء. فبإمكانك ان تحكم بأن ما ورد في الشعر البارد واقع بنسبة تسعين في المائة لا ريب في ذلك و أي فرصة أحلى عند المؤرخ من مثل هذه.
الفائدة الخامسة: الإسهام في معرفة التطور الثقافي للبلاد وهذه أم الفوائد إذ ستمكن الباحثين في هذا الميدان من معرفة درجة الإبداع في المنتوج الثقافي فكلما كانت ثروة الشعر البارد كبيرة كانت درجة الإبداع أخفض و لعل الباحثين سيحددون لنا في المستقبل النسبة الأدنى التى لا يجوز لشعب من الشعوب أن ينحط عنها في ميدان الإبداع و إلا وصف بالبلادة ووصم بالرقاعة.
الفائدة السادسة: إن الشعر البارد يساعد أصحابه في تحقيق ذواتهم إذ هم – وهذا من لطف الله تعالى- راضون عنه معجبون به فيتحقق لهم بذلك التوازن النفسي و الطمأنينة و راحة البال و هي أمور لا بد منها لتحقيق ذلك فأصحاب الشعر البارد هم في بحبوحة من لطف الله تعالى إذ زين لهم في أعينهم و أسماعهم ما يعملون من هذا المنتوج فتراهم يعرضونه على كل من مر بهم فإذا جاملهم المجامل حسبوا قوله صدق صادق وهو بادي الكذب و التكلف و خير مستمعيهم من ينصت إلى سردهم بأدب و سكون فإذا أنهوا ما هم ملقون حول الحديث إلى موضوع آخر.
الفائدة السابعة: ان لهذا الشعر لاقطا يعجب به من المستهلكين كما أن لكل ساقط لا قطا ، و لا يجوز لنا حرمانهم منه فلهم خلق و له خلقوا و للناس في ما يعشقون مذاهب.
أليست هذه الفوائد كافية لإعطاء الشعر البارد مكانته في الموروث الثقافي ؟ بلى و أخرى هي أحسن و أملح وهو أن مخزون هذا الشعر البارد ربما لجأ إليه الناس عند تعذر وجود الشعر الجيد كما يتراجع المستهلكون إلى البضاعة الدنيا عند تعذر البضاعة الجيدة وهي قاعدة تزعم العوران في بلاد العميان و في ذلك ما لا يخفى من لطف الله و الحمد لله.
بقلم الأستاذ: محمد فال بن عبد اللطيف

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=440 3 440
سواك جيج بن الزبير (الأستاذ عبد الرحيم بن أحمد سالم) https://niefrar.org/?p=261 https://niefrar.org/?p=261#comments Mon, 27 Jan 2014 16:23:34 +0000 استوقفتني وأنا أزور مقبرة آشكركط شجرة مسنة لا تزال صامدة تظهر عليها مخائل التعب وأمارات الشيخوخة , و لا غرابة فالشجرة كما يقال نبتت من سواك لأحد أكابرنا الأجلاء عاش في أواخر القرن الثاني عشر و أوائل القرن الثالث عشر.استوقفتني وأنا أزور مقبرة آشكركط شجرة مسنة لا تزال صامدة تظهر عليها مخائل التعب وأمارات الشيخوخة , و لا غرابة فالشجرة كما يقال نبتت من سواك لأحد أكابرنا الأجلاء عاش في أواخر القرن الثاني عشر و أوائل القرن الثالث عشر. يقدر عمرها بما يناهز مائة و عشرين سنة أو تزيد. لم نزل نسمع من أوائلنا و أهل الدراية منا خبر هذا السواك الذي غرسه جيج بن الزبير فيما يظهر غير بعيد من قبر والده تغمدهم الله برحمته الوافرة. لأن وضع الجريد و أغصان الشجر الرطبة وما شاكلهما على القبر وردت أحاديث في شأنها، و أنه يخفف عن صاحب القبر ما لم تيبس.
وخبر هذا السواك متواتر بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطئهم على الكذب.
وقد قدر المولي سبحانه و تعالي أن يظهر لشجرة “تَيْشَطْ” (و هي المسيم أو المسيح أو الهليج كما في وثائق الباحث الجليل سيد أحمد الأمير ) طالع سعد رفع من صيتها و أعلي من شأنها و هي التي كانت أذل من فقعة القاع، تترصدها حمالة الحطب و باعة الخشب و توسعها الرعاء بالعصي ضربا، و أهل المساويك قطعا و شجبا.
و ذلك بعد الدراسات التي قامت بها بعثة من الخبراء أبرزت خصائص ثمرتها حيث أثبتت أنها مرهم للتجميل و شفاء للعليل و صبغ للآ كلين تنفع في السكري تخفضه و الضغط الدموي تنظمه و الكولسترول تبعده.

و لهذه الأسباب لا أستبعد أن تسارع المجموعات وشيكا إلي تسييج الوهاد و مواقع العهاد و قيعان الأودية و مجاري الأربعاء، تملكا و حيازة لمنابتها ولتسويق منتوجها، و هي الشجرة التي تنبت دون إنبات و تنمو دون سقي و تثمر دون تأبير، و ثمرتها أنفع من التين و الزيتون و أرفع من الرمان و الياسمين.
تري من هو الأقعد المتملك اليوم لشجرة آشكركط ؟
أطرح هذا السؤال إذكاء للبحث و استنهاضا للهمم، عارفا أن من ناشئتنا من له المؤهلات التي تمكنه من حل اللغز و فك الرمز. و بالله التوفيق

عبد الرحيم بن أحمد سالم

]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=261 14 261
رسالة الفيـــــــــــــــــش (الجزء الثاني) https://niefrar.org/?p=160 https://niefrar.org/?p=160#comments Tue, 04 Jun 2013 12:43:33 +0000 قال أهل العيش: تفضيل العامة للحم على اللبن لا عبرة به فهو من أخطاء العامة وإنما الأفضل الأفضل عند الله والحسن ما حسنه الشرع وكون اللحم هو الذي يكون به القرى إنما هي عادة جاهلية مذمومة شرعا وقد قال صلى الله عليه وسلم من تعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا وقد كان عمل الأشراف في أقطار المعمورة قال أهل العيش:
تفضيل العامة للحم على اللبن لا عبرة به فهو من أخطاء العامة وإنما الأفضل الأفضل عند الله والحسن ما حسنه الشرع وكون اللحم هو الذي يكون به القرى إنما هي عادة جاهلية مذمومة شرعا وقد قال صلى الله عليه وسلم مَن تَعَزّى بعزاء الجاهلية فأعِضّوه ولا تَكْنُوا وقد كان عمل الأشراف في أقطار المعمورة أن يكون القرى باللبن واللحم كرما منهم فظن الجهلاء أن اللحم هو القرى أصالة والحق أنه زيادة على اللبن مع أنه من العرب من يقري ضيوفه اللبن ثم ألا ترون أن شاة أم معبد كانت المعجزة فيها في الحلب ولو كان اللحم أفضل لذبحت وكانت المعجزة في أن تكون سمينة. وأما ما ذكرتم من مزايا الكسكس وكون صاحبه لا يصاب بالمحور فهو شيء غير مسلم لأنهم صححوا في محور الأول الذي أبكاه في المسجد وهو أشد المحورات صححوا أنه أصابه على أثر كسكس غير تام النضج مع أن محور العيش لا يدوم طويلا وتعقبه راحة تنسي فيه.
[| [( فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا۞فأفعاله اللاتي سررن ألــــــــوف )] |] ثم هو دليل على اعتدال المزاج كما نص عليه الأطباء. وأما كون من تعشى منه “يتدشى” إذا نام فهذا غير خاص بالعيش والرواية الصحيحة المتداولة عند الناس لهذا البيت:
[| [( وكل من نام وقد تعشى۞وما تمشى هبه قد تدشى )] |]

وأما كون الكسكس يزيد في الذكاء فهو صحيح إلا أن العيش لا يورث البله كما ذكرتم بل يورث اعتدال الأعصاب وعدم الغضب ولا شك أن هذه الصفة هي مصدر كل خير ولا ينفع ذكاء بدونها وقد قال حكماء المسلمين إن الغضب هو مصدر كل شر وأصل كل خطيئة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية لا تغضب وفي الحكم المأثورة من لم يكن عقله أكمل ما فيه كان هلاكه بأكمل ما فيه فمرادهم بالعقل هنا ليس الذكاء لأن الذكاء قد يهلك صاحبه بل مرادهم العقل الذي يرادف الأناة والتبصر في الأمور وهما ينتجان عن عدم سرعة الغضب كما هو معروف وما حسبتموه بلها في صاحب العيش إنما هو أناة وتبصر ولا عجب في ذلك فقديما ما غرت المظاهر لاتحاد الصور في الظاهر وتباينها في الباطن فالسجود للصنم كالسجود لله ظاهرا والتحدث بالنعم كالافتخار إلى غير ذلك وقد كان العرب يمدحون الصبي الطويل الأعنق الذي يشب كأنه أحمق لبعد غضبه وقد وصفوا الكرماء بالبله كما وصفوهم بالعمى والبكم والصمم وقالوا الأجواد صم بكم عمي فهم لا يبصرون وقال الشاعر: إن الكريم إذا خادعته انخدعا وهذه كلها كنايات عن التثبت والأناة وعدم التسرع في الأمور والتدقيق فيها وبالجملة فصاحب العيش لا يكون كثير الغضب. ولم نزل نسمع من مشائخ أهل الشرق أن السبب في كون أهل القبلة قليلي الغضب هو كون جل معاشهم من العيش ومعلوم أن عيش البشنة أشد في ذلك من غيره.
وأما كون العيش يحدث صوتا يزعج الآخرين فلا ضرر فيه ولا عيب على العيش من وجوه منها أن هذا الصوت من تمام أكل العيش ومن آدابه وهو دليل على صلاح العيش قالوا ولا يكون إلا عن كثرة اللبن وكيف يكون أدب الشيء عيبا لذلك الشيء هذا خلف لا يمكن. ومنها أن كل آكل يحدث ذلك الصوت فكيف يتأذى منه وفي الحديث الشريف لم يضحك أحدكم مما يفعل . هذا مع العلم أن أصحابنا قسموا الأصوات إلى ثلاثة أنواع نوع اضطراري كالسعال والتجشؤ وهذا لا مناط للتكليف فيه ونوع اختياري وهذا الأخير إما فيه مفسدة فمحرم شرعا كالغيبة وبعض الغناء وأما لا مفسدة فيه كصوت صاحب العيش فهذا مباح ومن أراد منعه فقد أراد منع المباح وتحريم المباح ليس دون تحليل الحرام كما هو معلوم. بل ليس ببعيد أن يكون هذا الصوت من باب إظهار النعم والتحدث بها وقد ورد أن الله تعالى يحب إذا أنعم على عبد أن يرى عليه أثر تلك النعمة ويستأنس لهذا الصوت أيضا بقول الشاعر:
[| [(
لا تشرب الكأس بلا هدرة۞فإنما اللذة للهــــــــــادر
ومتع النفس بما تشتهـــــي۞فالعفو عند الملك القادر
)] |]

وإذا فرضنا أن هذا الصوت عيب فما هو دون تلك الحركات الدورانية التي يحدثها آكل الكسكس لصنع اللقمة وتدويرها وذلك أن الحركة تنافي السكينة والوقار وحسن السمت وقد قيل لو خشع هذا لسكنت جوارحه ولقد يبلغ ببعضهم الحرص على تدوير اللقمة من الكسكس إلى أن ينسى حرمة الطعام ويجعل يقلبها كالكرة حتى تظن أن اللقمة هي المعنية بقول الشاعر:
[| [( كرة طرحت بصوالجة۞فتلقفها رجل رجل )] |] وقد يلكم بعضهم جليسه من غير قصد ولكن العمد والخطأ في حقوق المسلمين سواء وقد قال صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار . وهذا الذي ذكرنا لا يتم الأكل إلا به فكأن إذاية المسلمين لازمة لأكل الكسكس والعياذ بالله والقاعدة أنه إذا كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى مفسدة حرم وقد نهى الشرع عن النظر إلى المسلم نظرة تؤذيه فكيف بضربه. وأما كون العيش يوسخ صاحبه فهذا صحيح لكن بالنسبة لمن أكله أكل الكسكس وليس أكل العيش كأكل الكسكس ومن رأى أئمة أهل العيش يأكلون عشرة على قصعة علم أن الأمور تجري على أنظف وجه وأحسنه بخلاف ما نشاهد عند العامة من أكلة الكسكس فإنهم يأكلون العيش فيحاول كل امرئ منهم أن يدور لقمة منه وتدوير المائع كالخط في الماء لا يمكن عادة فيؤدي لا محالة إلى تطاير اللبن وتوسيخ الجلساء.
قال أهل الكسكس:
سمعنا جعجعة ولم نر طحينا فتعالوا بالله يا أنصار العيش نتحاكم على الإنصاف فإنكم تسلمون أن الكسكس ثريد ولا تسلمون أنه المعني في الحديث وتدعون أن المعني هو الأرز أو الهريسة أو نحو ذلك ونحن نسلم لكم ذلك جدلا لكننا نقول عن أفضلية الأرز التي تسلمون بها تدل بدلالة الإشارة على أفضلية الكسكس من باب لا فارق لأن الكل طعام طبخ بأبزار ولحم وإن لم تسلموا بهذا فيلزمكم بيان الفرق بل قياس الكسكس على الأرز من القياس الجلي الذي لا يحتاج إلى إعمال فكر فهو مما علم من وضع اللغة أصلا فكأنه منطوق . ثم إن الأرز الذي تسلمون بأفضليته على العيش بدليل أنه الثريد المذكور في الحديث قد تقرر عند أهل الطب أنه لا ينبغي أن يؤكل عليه العيش وكفى بالعيش ضعة أن يكون محرما جمعه مع أشرف الأطعمة قال الشاعر:
ومن يرد تكثر أخبـــاره فليأكل العيش على ماره
وقال آخر:
[| [(
يا ابن المشائخ خلط العيش الأرز۞عند المشايخ أهل الطب لم يجـــــز
ومن يخلطهما أمسى يخالطــــــه۞خلط من الداء بين الصدر والعجز
)] |] وفي العيش عيوب كثيرة منها أنه إذا أكله الشيخ ذو اللحية تبقى منه بقايا على لحيته لا يزيلها إلا الغسل ولا يجزئ فيها المسح وفي هذا ما لا يخفى من إهانة ذي الشيبة في الإسلام. ومنها أنه في زمن الخريف قل أن يسلم من الجعلات والحرشات والحشرات. ومنها أنه في زمن الشتاء يكون باردا لا يستطيع الإنسان أن يقتات منه إلا مع المشقة العظيمة. ومنها أنه في زمن الربيع يورث تبيغ الدم ويضر بآكله ومنها أنه في زمن الصيف لا يوجد له إدام فما من فصل من فصول السنة إلا وللعيش فيه عيب يرد به. ومنها أنه لا يصلح بدون اللبن فشرطه يغني عنه. ومنها أنه كثيرا ما يكون خاسرا والعيش الخاسر يورث أمراضا خطيرة أدناها التخمة والمحور. ومنها أنه تعلوه إذا برد قشرة يصعب اختراقها وليس هذا من شأن المؤمنين فالمؤمن هين لين. ومنها أنه “نفكة العيش” لا جوانب لها والبركة تنزل في جوانب القصعة كما هو مذكور في الحديث فبما أن “نفكة” العيش لا جوانب لها فإن البركة لا تنزل فيها لأن الصفة ترتفع بارتفاع محلها . ومنها أنه يصنع من كل شيء حتى ثمرة “آز وإينيت والحميرا” قال الشاعر:
[| [(
بفضل الله جل ولا ســـواه۞وقانا الله في الأزمات ضيــــرا
نعول في الإدام على فلندا۞وشطر العيش من هذي الحميرا
)] |] وخير هذه الأشياء الحميرا وقد استعاذ منها العبد الصالح حيث يقول:

[| [( إنا استعذنا بجاه المصطفى وبكم۞من الحميرا بلا دهن ولا لبــــــن )] |]

وكون العيش يصنع من كل شيء دليل على تفاهته وابتذاله :

[| [( لقد هزلت حتى بدا من هزالها۞كلاها وحتى رامها كل مفلس )] |] فأنى يصح لمن هذه عيوبه أن يوصف بالطعامية فضلا أن يوصف بالشرف والفضل.
وأما ما ذكرتم من فضل اللبن على اللحم واستدلالكم بشاة أم معبد فهو استدلال كتفلة الأعمى فأين وجه الدليل في كون شاة أم معبد رضي الله عنها حلبت على كون اللبن أفضل من اللحم؟ وإذا كان الأمر كذلك فنحن نعارضه بكون الهدي لا يكون باللبن إجماعا وإنما يكون باللحم وإذا تعارض دليلان وتساويا سقطا . ثم إن من المكابرة أن نقول إن قرى الأضياف باللبن كقراهم باللحم إذ المدار في حسن القرى على ما يرضي الضيف ولو سألنا أي ضيف أيهما أحب إليك اللحم أم اللبن؟ لقال اللهم اللحم إن لم يكن ممن علق به شيء من هذه الشبه التي لا تعتمد على شيء يذكر. وأما كون محور الأول سببه كسكس فهذا شيء لم نسمعه إلا منكم ويأباه كون الناس كانوا لا يصنعون إلا العيش في الزمن القديم ويؤيده دعاؤهم المأثور اللهم سلم لنا معيزنا التي منها إدامنا وآبارنا التي منها شربنا ومزارعنا التي منها بشنتنا إذ من المعلوم أن “بشنة” لا يصنع منها إلا العيش. وأما ما ذكرتم من كون الأصوات ثلاثة وجعلتم صوت آكل العيش صوتا مباحا فهو كلام لا طائل تحته لأنه استدلال في غير محل النزاع فنحن لا ننكر إباحته وإنما ندعي أنه مخالف للأدب وهو كذلك قال الشاعر:
[| [(
وأبغض الضيف ما بي جل مأكله۞لكن تنفجه بالبيت إن قعـــــــدا
ما زال ينفخ جنبيه وحبوتــــــــه۞حتى أقول لعل الضيف قد ولدا
)] |]

ونحن لا ندعي حرمته وقد قال مالك بن أنس رضي الله عنه ما أدركت الناس يقولون هذا حرام وهذا حلال فالحرام بين والحلال بين ونحن نقول إن هذا الصوت مخالف للأولى والأكمل وأنتم تعلمون أن مقام المناظرة يقتضي الكمال ولذلك قالوا من ألف فقد استهدف وذلك أن المؤلف كالمناظر من حيث أنه ادعى لنفسه نوعا من الكمال. وأما قولكم أن هذا الصوت لا يبعد أن يكون تحدثا بالنعم فهو من التعسف والتكلف الذي لا يليق بالعقلاء فالتحدث الممدوح شرعا إنما يكون بقول أو فعل دال على ذلك فأما القول فبحمد الله وشكره وذكر نعمه بلفظ مركب مفيد وأما الفعل فبصرف النعمة في ما أمر الله أن تصرف فيه وبإظهارها في اللباس والرياش وبصرفها في وجوه البر كالتصدق على الفقراء والمساكين وليس هدير آكل العيش من هذا في شيء وليس الهدير من جنس العبادة حتى تكون النية تؤثر فيه فمن ادعى أنه قربة فقد أعظم الفرية بل هو أشبه بما اختلق العرب في الجاهلية من النهيق عند خيبر ليسلم الشخص من وبائها. وأما ما ذكرتم من حركات صاحب الكسكس فهو صحيح ولكن لا عيب فيه لأنه لا يمكن أكل الكسكس إلا به وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مع أن في الحركة بركة وتعين على هضم الطعام فمنعكم لآكل الكسكس شرعا محتجين بأنه لا يخلو من إذاية المسلمين لا يستقيم لأن هذا من الذرائع الملغاة شرعا كغرس العنب الذي قد يكون ذريعة لعصر الخمر والحق أنه لا بد للناس من معاشهم فمن حرج عليهم فيه فإنه لم يفهم من الشريعة شيئا. وإذا علمتم هذا وعلمتم أن ما أجبتم عن العيش لا ينهض حجة فاعلموا أن للكسكس مزايا لا يشاركه فيها صاحبكم هذا: منها أنه يدخل على جميع الأطعمة وتدخل عليه وفي هذا ما لا يخفى من التيسير على المسلمين بخلاف العيش فإنه لا يجتمع مع الأرز سواء تقدم أو تأخر ولا يشرب عليه لبن الإبل بتاتا. ومنها أن الأتاي يكون أطيب ما يكون بعده بخلاف العيش. ومنها أنه لا يطبخ إلا بالدسم والمرق وهما من أطيب الأطعمة. ومنها أنه يبرم والإبرام خير من كل شيء قال:
[| [( رجعا بأمرهما إلى ذي مرة۞حصد ونجع صريمة إبرامها )] |] ومنها أنه غير ثقيل في البطن يمكن للإنسان أن يأكل منه أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم من غير أن يشعر الآكل بأي ثقل والعيش ليس كذلك فمن أكل منه لقما قليلة أصبح يطلب النفس من السماء. وبالجملة فشرف الكسكس على العيش نار على علم والاستدلال عليه من باب الاستدلال على النهار.

يتبع بحول الله

[الجزء الأول ->http://www.niefrar.org/spip.php?article149] ]]>
https://niefrar.org/?feed=rss2&p=160 2 160