الرئيسية / فيسبوكيات / أعلاب المذرذرة ..

أعلاب المذرذرة ..

نظمت شركة سوماسرت سنة 2000طاولة مستديرة تهدف إلى دعم السياحة في موريتانيا واستضافت لها بعض الإدرايين الذين عملوا في مختلف أنحاء الوطن إبان فترة الاستعمار الفرنسي .. وقد أثار أحد المتدخلين فضولي بقوله إنه عمل إداريا في مدينة المذرذرة في الأربعينات من القرن المنصرم، وأكد أثناء حديثه أنها من أجمل المدن التي زارها في حياته، وعلل ذلك بأنها تحتوي على بقعة يتغير لونها مرتين في اليوم، فالكثبان الرملية التي تحدُّ المدينة من الشرق يلمع بياضها الفضي في الضحى، بينما يحولها غروب الشمس إلى كثبان كميتية اللون، تعجبت من دقة ملاحظة الرجل وشعرت بالفخر والاعتزاز وأنا أستمع في ازويرات إلى أجنبي قد بلغ من الكبر عتيا يعدد بعض مزايا مسقط رأسي ويشيد به في محفل وطني كبير.
لاحظت وأنا أتأمل أعلاب المذرذرة من مكان مرتفع، أنها لم تزل كما عهدتها، فقد كنت أذهب صحبة صديقي محمد بن السلاخ إليها أيام العطل لممارسة هوايته المفضلة وهي اصطياد صغار الثعابين المعروفة محليا ب “بُنَيْنَ”، وقد كان ماهرا في تحديد أماكنها حيث ينتهز فرصة حركة حبيبات الحصى التي يحدثها تنفس الثعابين، فيبادر إلى إمساكها من رأسها ويجعلها في جراب من القماش، وبعد انتهاء رحلة الصيد يطلقها جميعا دون أن يؤذيها، وقد التقيت به مؤخراً وأخبرته أثناء حديث الذكريات أنه كان صديقا للبيئة قبل أن يكثر أصدقاؤها والمنظمات التي تدعو إلى حمايتها.
لا يساورني شك في أن عوامل التعرية وظاهرة الاحتباس الحراري عجزت عن تحريك أغراد الصنك من مكانها، فكأنها تشبعت بأخلاق سكانها فصبرت ولم تتأثر بمخلفات مختلف التغيرات المناخية وباتت عصية لا تزحزحها سورات غضب الرياح ولا موجات التصحر، في حين زحفت رمال المدن الأخرى وأصبحت هشيما تذروه الرياح، والمفارقة أن أعلاب المذرذرة لم يقف بها شاعر ولم يذكرها ذاكر رغم أنها بهية المنظر تحفها أشجار القتاد والطلح وتطل على غور الصنك ولا شك أن وجوها ناضرة قد أقامت بتلك الربوع ورمت حدقهن بسهام لا يسلم منها المستهام. في حين خلد شعراء الحسانية العديد من الكثبان الرملية كالأعلاب الِّ كان المرتاب اعليهم من عادت لحباب، وعلب لمتين وتنتكظظ وكثيبي انجبق و أحمدين بالإضافة إلى ريعة انتيذو وزيرات السياح وغيرها، وتجدر الإشارة إلى أن النَّايَ التي ورد ذكرها في نص ابن أحمديوره الشهير تقع إلى الشرق من أعلاب المذرذرة على بعد ثلاثة كيلومترات، ولم أجد تفسيراً منطقياً لعدم اهتمام الشعراء بأعلاب مدينتي الجميلة.
لاحظت أثناء ممارسة رياضة المشي حول تلك الكثبان الرملية أن جانبها الشمالي الشرقي بدأ يختفي تدريجياً نظراً لقرب المساكن وكثرة خطى الساكنة وهو ما يؤكد صحة المثل السائر “لِكْدِمْ يِهْدِمْ”، وقد خرجت من تلك الجولة التفقدية بملاحظتين حمدت الله عليهما، أولاهما أن أعلاب الصنك حفظها الله من مخططات الحكام فلم يحبوا بها وجيهاً نافذاً ولا تاجراً يلندداً يحيطها بسياج يمنع عباد الله من المرور بساحتها وهذه خصوصية لا يشاركها فيها نجد ولا غور ولا غار، أما الملاحظة الثانية فهي أنه لم يقع الاختيار عليها لتصبح مكبا للنفايات كما وقع مع مقبرة المذرذرة، فلا تزال رمالها نقية لا تؤذي عين المار حولها ولا أنفه ولا رجله ونرجوا أن يحفظ الله أعلاب الصنك من المخططات البشرية كما حرسها من التغيرات الطبيعية.

اترك رد