الرئيسية / الاخبار / ورقة تعريفية بفقيد موريتانيا الدكتور محمد بن محمد صالح رحمه الله

ورقة تعريفية بفقيد موريتانيا الدكتور محمد بن محمد صالح رحمه الله

وُلد الدكتور محمد بن محمد صالح سنة 1950 ، في بيت من بيوتات العز والشرف؛ والده هو الإداري المُمَدَّح محمد صالح بن محمد سيديا، وجده شيخ الشيوخ الشيخ أحمد بن الفاضل. أمَّا والدته فهي السيدة الحصان الرزان فيلَّحْ بنت الوجيه البارز بزيد.
عمل والده “انَّنَّ” مترجما مع السلطات الفرنسية، ثم حكم دائرة أطار بعد الاستقلال وكان الفرنسيون يحترمونه ويشفعونه، كما ورد ذكره مرارا في مذكرات الرئيس الراحل المختار بن داداه. نظرا للأدوار الهامة التي لعبها في سبيل قيام الدولة الحديثة. يقول الشيخ الأديب أوفي بن يحظيه في مدحه عام الْهَوْفَ:

أقول لنفسي حين حــــان ارتحالها***عن أكجوجت المعروفة اليوم حالها
رويدك إن انن فيها وكم فـــــــــــتى***بــــــــه شرفت أرض وراق جمالها
كريم السجايا فيه أنشد من مضى*** وما فضــــــــــــل الأرجاء إلا رجالها

تربى الفقيد محمد بن محمد صالح في وسط علمي بامتياز، فجمع بين فطنة بني ديمان وموسوعية اليعقوبيين، وقد ظهرت عليه مبكرا ملامح النجابة ، وختم تعليمه الثانوي بحصوله على شهادة الباكالوريا متفوقا، حيث كرَّمه الرئيس الراحل المختار بن داداه بنفسه.

عددنا له ستا وعشرين حجة * فلما توفاها استوى سيدا ضخما

المسار المهني :

درس الدكتور محمد بن محمد صالح الطب البشري في الإتحاد السوفيتى ، وحصل على شهادة الدكتوراه بامتياز واقتدار، وكان من الرعيل الأول من الأطباء الذين خدموا وطنهم وسدُّوا الفراغ الذي تركه رحيل الاستعمار بكوادره وموظفيه.
عمل الفقيد طبيبا رئيسا في مستشفى لعيون، ثم مديرا لمركز الإستطباب الوطني حتى أواخر الثمانينات، فمديرا للصحة العمومية، وأمينا عاما لوزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، ومديرا لمركز تنشيط الأعضاء وللمدرسة الوطنية للصحة، ورئيسا لمجلس إدارة مستشفى القلب، المنصب الذي ظل يشغله حتى استفاد من حقه في التقاعد منذ سنوات قليلة. وقد تخلل هذه الفترة عمله في القطاع الخاص كمدير لمصحة الصداقة.
تميز الدكتور محمد بن محمد صالح – طيلة مساره المهني- بالخبرة والذكاء وفهم العلة والتوفيق في تشخيص الداء وتحديد الداء، ومع تراكم خبراته أصبح طبيبا مجربا، يفهم نفسية المريض وظروفه الاقتصادية ويأخذها بعين الاعتبار قبل كتابة الوصفة الطبية، ولذلك يفضله ويقصده كل من يعرفه، ويفضلون فهمه وعلاجه على رأي الأخصائيين، و استشارة الأجانب.

 

المسار السياسي:

مع بداية المسلسل الديمقراطي في موريتانيا، برز الدكتور محمد كشخصية توافقية وازنة، باعتباره رقما صعبا في معادلات السياسة الوطنية، حيث مكنته سمعة والده في الشمال والجنوب ، وعلاقاته الشخصية في الشرق والغرب، من لعب دور محوري في جميع الاستحقاقات التي جرت سواء على مستوى العاصمة انواكشوط أوعواصم الولايات والمقاطعات والبلديات الريفية. كما مكنته حنكته السياسية أيضا من حجز مقعد له ،في أول برلمان موريتاني كنائب عن مقاطعة لكصر.

كُـــــلُولِ شِخـــــــــَصَّرْ * لاَ عَرْفُ هِلء لِكْصَرْ
فِي الزَّرْكْ انْ حَدْ انْصَرْ * وِلْ انَّـــنَّ مَنــــْصُورْ
ءُ حَدْ انْصــَرْ حَدْ أُوخَرْ * دَخَّــــلْ لِكْصَرْ لِغْرُورْ

المسار الاجتماعي :

ينتمي الدكتور محمد لبيت من بيوتات السؤدد والوجاهة في إيكيد، فقد كان معدودا من أعيان تشمش البارزين ومن شيوخ بني ديمان المحترمين ومن رؤساء حيه وكبراء عشيره إدابهم أهل أعمر إيدقب. حيث كان حضوره ضروريا في الأمور العامة، والسفارات ، ونسج العلاقات مع المجموعات، كما كان يحرص دائما على تنظيم زيارات دورية إلى انيفرار؛ يطوف خلالها على المرضى وذوى الاحتياجات الخاصة معالجا ومجاملا ومساعدا. أما الحالات التي يستطيع أهلها السفر إلى العاصمة، فالطريق إلي بيته ومكتبه معروفة لا تحيد عنها العامة ولا الخاصة.

الصفات الشخصية الكاشفة:

جمع الدكتور محمد بين إتقان الثقافة العصرية الغربية، و استيعاب العلوم المحظرية ، كما وافق بين حسن سمت ورفق وكياسة الرجل الإكيدي، و سرعة وفعالية وحصافة الدكتور الطبيب والسياسي المحنك. كما مكنته أخلاقه الراقية من أن يكون محط احترام وتقدير الجميع.
يعد الدكتور محمد بن انَّنَ من أكبر مثقفي بلاد المنارة والرباط، فهو قارئ نهم، ومفكر ومنظر في السياسة والاقتصاد وعلوم الاجتماع، ويمتلك مكتبة غنية، يدرك الجائل بنظره بين عناوين كتبها ومخطوطاتها أن الرجل جوهرة نفيسة طغى عليها الخمول والعزلة وكره ادعاء العلم والثقافة، وتلك شنشنة نعرفها من اخزم..
وقد ترك الدكتور خصاله وأخلاقه كلمة باقية في عقبه، فالمهندس الشيخ أحمد – حفظه الله – يعتبر اليوم من خيرة شباب البلد علما وثقافة ووعيا، وكذلك شقيقاته أدام الله عليهن نعمه ظاهرة وباطنة.
وبمفقد الدكتور محمد بن محمد صالح تطوى صفحة طبيب خفَّف الآلام عن المرضى الذين قصدوه في عيادته، وسياسي حققَّ آمال من انتخبوه وساروا معه في نهجه وتوجهه.
وفي ختام هذه الورقة الموجزة يتقدم فريق موقع أخبار انيفرار بأحر التعازي إلى الموريتانيين عموما وخاصة إلى سكان ولاية اترارزة وموظفي وزارة الصحة والشؤون العمومية وأهل انيفرار في هذا المصاب الجلل وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الدكتور محمد بن محمد صالح رحمه الله

اترك رد