الرئيسية / الاخبار / العلامة محمد والد بن خالنا (ت1212هـ) آثاره وتأثيره إعداد الدكتور/ التاه بن محمدن بن اجَّمد

العلامة محمد والد بن خالنا (ت1212هـ) آثاره وتأثيره إعداد الدكتور/ التاه بن محمدن بن اجَّمد

بحث مقدم في الندوة التي نظمها مركز الرشاد لترقية الثقافة والديمقراطية والحكامة الرشيدة في موريتانيا بالتعاون مع جامعة شنقيط العصرية، بمباني الجامعة، يوم 14 يناير 2018م تحت عنوان: العلامة محمد والد بن خالنا (ت1212هـ) آثاره وتأثيره

إعداد الدكتور/ التاه بن محمدن بن اجَّمد

تمنيت لو تنوعت المشارب والمعارف، واتسع المكان والزمان، حتى أكتب مقالا يتناسب مع حجم هذا الطود الشامج، وعن هذا الموضوع الطريف والشيق، لكن الوقت لا يرحم، والبضاعة مزجاة عموما، وبالأخص في هذا اللسان الذي كنت بصدد جمع ملامح حضوره وتجلياته في الشعر الشنقيطي، فالموضوع كان يدور حول: حضور اللسان الصنهاجي في الشعر الشنقيطي: العلامة محمد والد بن خالنا أنموذجا ومثالا، ولم أجد ما أعتمد عليه سوى بعض الروايات الشفهية في الغالب الأعم، بالإضافة إلى كتاب لأحد المستعمرين تحت عنوان:

(L ILOT BERBEROPHONE DE MAURITANIE)

أي مجال اللغة البربرية في موريتانيا، للمؤلف: (PAUL DUBIE) إداري مساعد للمستعمرات (ADMINISTRATEUR ADJOINT DES COLONIES).

فقد بين هذا الكاتب الفرنسي في مقدمة كتابه أن التقاليد الموريتانية المكتوبة والشفهية تظهر أن غالبة البيظان كانوا يتحدثون اللغة الصنهاجية حتى القرن العاشر، أما اليوم (1920م) فلا يتحدث هذه اللغة إلا حدود ثلاثة عشر ألف (13000) نسمة من البيضان تقريبا، وتتمركز غالبيتها في الناحية الغربية من ولاية اترارزة، كما أوضح أن انحسار هذه اللغة ناتج عن اختلاط هذه المجتمعات ببني حسان، فعند وصول بني حسان إلى هذه الجهات اضطروا في بداية أمرهم إلى أخذ مترجمين ليترجموا بينهم مع من وفدوا عليهم، ومع مرور الوقت تعلموا منهم الحسانية واختفت هذه اللغة تدريجيا، فلم يعد يتحدثها اليوم ولا يعرفها إلا القليل النادر.

وقد قسم المجموعات التي تتحدث الصنهاجية إلى أربعة مجموعات، هي:

  1. إيداب لحسن: وقدر عددهم آنذاك بأنهم كانوا حوالي 5000 شخص، وكانوا يتحدثون كلهم هذا الكلام.
  2. مجموعة تندغه: وقدر عددهم بأنهم كانوا حوالي حينها 8500 فيهم 3000 يتحدثون هذه اللغة، وهم موزعون على عدة أفخاذ كما هو معلوم.
  3. تشمش: وقدر أفرادهم آنذاك بأنهم كانو حوالي 12000 فيهم 4653 يتحدثون هذا الكلام ويتقنونه، وتشمشة بحد ذاتها كلمة من هذا الكلام وتعني الخمس، وهم مقسمون إلى قبائلهم المعروفة:
  • إيدابهم: وذكر أنهم كانوا حوالي، 2600 نسمة، ويتحدث الصنهاجية منهم 1900 شخص، أي أن أكثر من الثلثين منهم يتحدثون بهذا الكلام، وإذا علمنا ذلك فقد لا نستغرب أن يكون العلامة محمد والد بن خالنا كان يدرس النصوص المحظرية بهذا الكلام، وأن يكثر حضوره في شعره.
  • أهل الشيخ أحمدو اسليمان: وعددهم 950 ويتحدث منهم هذه اللغة 300 شخص.
  • أولاد سيد الفال: وعددهم آنذاك 1200 ويتحدث هذه اللغة نصفهم بالتمام حسب هذا الباحث، أي 600 شخص.
  • إيداتفاغ: وعددهم آنذاك 903 نسمه، ولم يحدد عدد المتحدثين منهم لهذه اللغة، ولا أعرف هل السبب يرجع إلى أنهم لا يتحدثون بها وهو مستبعد، لاشتراكهم مع سابقيهم في الزمان والمكان، أم أنه راجع إلى أنهم يتحدثونها جميعا، وهو الذي يتضح من خلال جمعه للأعداد الإجمالية للمتحدثين من تشمش بهذه اللغة.
  • أولاد بميج: وذكر أن عددهم آنذاك 750 شخص، ولم يحدد منهم عددا معينا يتحدثها، فلعلهم يتحدثونها جميعا هم الآخرون.
  • إيدوداي: وعددهم الإجمالي آنذاك 870 شخصا، ويتحدث منهم هذه اللغة أقل من الربع 200 شخص فقط حسبما قال هذا الباحث الفرنسي.

فالحاصل أن تشمش آنذاك في حدود 12000 يتحدث منهم الصنهاجية 4653 أي أكثر من الثلث والثلث كثير.

  1. إيدولحاج: وذكر أنهم كانوا حوالي 3500 شخصا، يتحدث هذه اللغة منهم حوالي 700 شخص.

أما عن مميزات هذا الكلام، فقد ذكر أن هذه المجموعات الأربعة التي تتحدث بهذا الكلام: تندغ، وايداب لحسن، وتشمش، وايدولحاج، تشترك في الحديث بهذه اللغة، إلا أن ثمة فروقا بينهم في كيفية نطقها وبعض استخداماتها، وضرب أمثلة على ذلك بكلمة “كورادي” فايداب لحسن ينطقونها هكذا، والآخرون ينطقونها “كورادو” وتعني أنا سمعته، كما ترجمها. (je l ai entendu).

كما ذكر أن هذه اللغة حافظت على كثير من التناسق، إلا أنها كغيرها من اللغات شهدت تطورا ملحوظا، فلو استمعنا إلى رجل مثلا من أولاد ديمان، يحفظ قصيدة لها قرن من الزمن، فهي الآن قد لا تفهم، وهو ينسب هذا التغيير الذي وقع لهذا الكلام، إلى تأثير اللهجة الحسانية عليه، كما أن النطق صار أبسط، وبنية الكلمات تغيرت كذلك، وصارت ثمة أمور لها مسميات عدة، اسم قديم وآخر حديث.

أما عن أدب هذا الكلام، فقد بين أن البيظان الذين يتحدثون هذا الكلام لم يكونوا يرسمونه بالحرف العربي، باستثناء بعض القصائد القليلة، إلا أن المثقفين منهم حاولوا رسمه بالحرف العربي، غير أنهم لم يوفقوا في ذلك لصعوبة مرامهم، والتراث المروي منه كان مليئا بالشعر الحساني الصنهاجي، كما أن فيه بعض الأبيات على شكل الشعر العربي.

وفي نفس الإطار فشعر ازناك كان كثيرا، وفيه الكثير من المقدمات الطللية، والأمثال والقصص التي تخص اللغة الصنهاجية، ومن الصعب ترجمتها إلى الحسانية، وهناك بعض القصص المشتركة بين الحسانية والصنهاجية، ضرب لها مثالا بقصة “ميرة” وهي مجموعة قصص تقدم للأطفال.

ويظهر أن أدب ازناك على كثرته وأهميته صار منسيا، ولم ينل حظه من العناية والحفاظ عليه، فهو يشتمل على كثير من الحكم والفوائد والقصص، سواء المحلي منه والدولي، وهنا أذكر بيتا منه لأحد الأعلام السوسيين نظم به حكمة جلية، يترجمها عندنا بالعربية قول القائل: (ولا بد دون الشهد من إبر النحل) قال:

إِيْفِلَّا انْتِيدِرْ ﮊَاﮕْنِينْ إِغِلَّا انْتِيدِمِّيمْنِينْ يَانِ رَانْ تِيدِمِّيمْنِينْ إِصِبْرِي تِيدِرْ ﮊَاﮕْنِينْ

وإذا ما وصلنا إلى حضور هذا الكلام في الأشعار الموريتانية المروية، فسنجد أنه كان حاضرا، فهناك بعض الكيفان والقصائد نظمت بهذا اللسان كلها، ولن ينصب تركيزي عليها؛ لعدم تمكني من النطق بها سليمة، بالأحرى أن أفهم معناه أو أن أنقلها لغيري، ففاقد الشيء لا يعطه كما هو معلوم، وهناك بعض الأشعار يتضمن كلمة أو كلمات، وسأذكر منه بعض النماذج القليلة، لأنه بالإمكان فهم تلك الكلمات من السياق العام، وأسوق من ذلك على سبيل التمثيل، كافا قديما مشهورا يقول صاحبه:

اكلام ازناك قصدي ذ
اكمشت الديذ وابذيذ
جيت اندور منو نكمش
واكفيذ واقل وارْمش

ومعنى هذه الكلمات: الديذ: هلم، ابذيذ: تقدم، اكفيذ: اعطني، اقل: انظر، ارمش: خذ

وشاهد هذه الأخيرة من الشعر الفصيح قول القائل في منظومة آداب بني ديمان:

قدم له الكضيم وافعل ما تشا ومذقا يرمش أو لا يرمشا

أي قدم له شَهابا، أي مذقا يشربه أو لا يشربه، ومن تضمين هذا الكلام في الشعر الفصيح قول الشيخ محمد بن حنبل الحسني في قصيدة له:

سلط عليه ذئاب الحي جائعة وما على الأرض من هر ومن إئذ

إيذ: السبع.

وللعلامة المختار بن أبو قصيدة مطلعها:

لقد ورط الغنامُ بالليل إيبظا وكَبت جميع الما فلم تبق إيوظا

إيبظ: اسم رجل، ومعناه الوديعة، وايوظ: معناه الوضوء.

ومنه كذلك البيتين المرويين قي قصة ذهاب العلامة زين العابدين بن اجمد مع أخته لأمه افيطمات بنت ﭼنك، وهو ما زال غلاما صغيرا في زيارة لبعض الأهل والإخوان، حيث خاطبته قائلة له:

فهرول أيا زين إذا كنت قادرا على المشي واتهرويل فالعرش “يبك”

ومعنى “يبك” باللسان الصنهاجي بعيد، فرد عليها قائلا:

لعمري لئن سرنا إلى العرش في ضحى وعدنا إلى “آن” فإنا لسبك

فمعنى “آن” الخيام، وسبك، تعني سراع، وهي مستخدمة في اللهجة الحسانية كما تعلمون.

وللعلامة عبد الله بن محمذن بن أحمد بن العاقل:

بلغ سلامي ولا يسمعك من بشر
اعليه بالمار ما قد كنت أكتبه
أﭼمر تكتد ما في الكتب من حكم
إلى التي حبها انتاش ذا اندرري
إش الغبار لها ضحى بأفﮕر
أذور تشر أبدا ما ليس يمجشر

اندر: الجهة، أي التي عزتها جهتي. الجهة عندي. ري: إضافة، اش: بمعنى الباء، أجمر: لعات، أي إذا كانت، تكتد: تتذكر، أذور: حرف نهي بمعنى لا،أي تخلط، وهي تشر:  يمجشر: يخلَط ويجمع.

أما شاعرنا ومثالنا وأنموذجنا، فقد كان شاعرا بالفصحى قبل أن يكون شاعرا باللسان الصنهاجي، وله بيتاه المشهوران اللذان قالها في تهنئة العلمين: محمذن ولد امحمد الامين ولد اشفع، وأيدوم بن أحمذو بن أشفغ، بمناسبة إحراز الثاني منهما لأم الفضل بنت مينحن، والأول لبنتها، مستخدما أساليب من المحسنات البديعة، كالاستخدام الوارد في صدر البيت الثاني، والذي يعني ذكر لفظ مشترك بين معنيين، يراد به أحدهما ثم يعاد عليه ضمير، والتضمين الوارد في عجزه، قال:

هنيئا لمن حاز الرشا أم هانئ
كما حاز أم الفضل من حاز أمه
فطوبى له إذ حاز من ربرب رشا
وذلك فضل الله يوتيه من يشا

وذكر له اليدالي في النصحية هذه الأبيات، وقال قبلها قال شاعرنا محمد بن خالنا:

انه السفيه ولا تتركه مزدهيا
وكن عن الغي والفحشاء مزدهيا
إن السفيه إذا لم ينه مأمور
فكل ناه عن الفحشاء مأجور

وله الكثير من الأشعار في هذا المجال، نذكر منه على سبيل المثال نونيته المشهورة، التي تصل إلى 1200 بيتا، وقد قالها سنة 1180هـ يقول في مطلعها:

وجد بقلب سليم نير نزه ومترع من فنون العلم ملآن

ويقول فيها أيضا:

أستغفر الله من قول ومن عمل
ومن جنون الشباب والمشيب ومن
ومن فضول وتاليف وكفران
عصا الصبا وملاقاة وإلفان

وهذه القصيدة تصل إلى 1200 بيتا، قال مبينا ذلك

ألف وعشرون بيتا شك عدتها من غير شك ولا ريب بحسبان

وقد نظمها سنة 1180 وكان الفراغ منها في الخامس والعشرين من شوال

تاريخها هك شوال وفي شفق في يوم آنتر من أيام حسبان

أما ميميته فقد كتبها هي الأخرى بعد هذه النونية بست سنوات، أي سنة 1186هـ

فرغت في ربيع أول أي تا ريخها شوق ثم ميم وميم

ويقول فيها:

قد توانيت بالمتاب شبابا
رب إنا بك استغثنا أغثنا
ومشيبا والجهل داء جسيم
أنت محي العظام وهي رميم

أما شعره الصنهاجي فهو كثير، له ابتهالات وإرشادات وإخبار عن بعض الغيبات بأشعار بالصنهاجية، يقول عنه العلامة المؤرخ المختار بن حامدن –رحمه الله- “وله أيضا قصائد في اللهجة الصنهاجية أخبر فيها عن غيبات ظهر ولا يزال يظهر صدقه فيها” ومن أهم  تلك القصائد قصيدتاه المعروفتان بالمكزوزة والمزروفة، يقول في الثانية منهما:

اترك نيكَ آر السبحان
أنت الديان المستعان
فلا أبغي به بديل
على ما نقول وكيل

ويقول في المكزوزة:

يَوُمَّلْ ازْمِيناً ذِكْ أَأَتُبْ
ازْهَدَناً مانَنْ ذِكْ أَأَتُبْ
يَئْذَناً أَﭽْﮕْذَ آشكْتِبْ
ابُّﭻْ مُذَ وَلْ اسْكِرْ كَارَ
ذَكْ ازْمِيناً النصَارَ
ابْرَيْبِيرَ وانْهُكَارَ

وختام القول إن هذا الكلام كان منتشرا في مناطق واسعة من البلاد الموريتانية، ويكثر في الناحية الجنوبية منها، وخلف آثارا بادية للعيان، يتجلى أغلبها الآن في مسميات الأماكن والبلدان، فولايات الوطن منها تكانت التي تعني الغابة في هذا اللسان، ومنها آدرار التي تعني الجبل، “أذرر” والمقاطعات منها شنقيط وتعني عيون الخيل، وتججـﮕـه: تطلق على بئر البقر، أما الآبار المسماة بمسيات صنهاجية فهي أكثر من أن تعد وتحصى.

ومن المصادفة أن نتحدث عن هذا الكلام في اليوم الرابع عشر من شهر يناير الذي يصادف فاتح سنة أصحاب هذا الكلام، (السنة الأمازيغية) فسنتهم يبدأ حسابها من الرابع  عشر من شهر يناير، ولعل ذلك من الآثار التي بقيت في المجتمع من أصحاب هذا الكلام، ولا يخفى أن أغلب الموريتانيين ما زال يتبادل الزيارات والهدايا في مثل هذا اليوم، وهو ما يسمى ب “حل اصرر” فكل هذا يدخل في مخلفات هؤلاء القوم الذين لا نكاد الآن نفقه لهم حديثا ولا نسمع لهم ركزا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اترك رد