الرئيسية / قراءات أدبية / اللغة في أثواب الحقيقة.. بقلم ديدي النجيب

اللغة في أثواب الحقيقة.. بقلم ديدي النجيب

قد اصطفى الله اللسان العربي على جميع لغات العالم، ليكون وعاءا لآخر شريعة يمنحها للبشرية، حيث نزل القرءان بلغة العرب، وجاءت السنة بلغتهم، وكان رسول الحق صلى الله عليه وسلم رجلا من صلبهم.

وجاء ذلك في محكم الكتاب أكثر من مرة، بمختلف الأساليب. إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ …إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ..قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.. وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ.

حين نتحدث عن اللغة الطبيعية فإننا نقصد اللغة كخاصية بشرية تميز الكائن البشري عن غيره من باقي مخلوقات العالم، أو كوسيلة تواصلية تؤلف بين مجموعة من الناس وتختزل لهم طريقة عيشهم بأقصر السبل، وهي خاصية متحققة في جميع لغات العالم. لكننا سنتجاوز “اللغة كمجموعة من الأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم”، ونتجاوزها ك “نظام من العلامات للتعبير عن الافكار”، وما يتناول ذلك من الدراسات الممتعة، وما يطرح خلاله من الأفكار التي تلهم الباحث والمحقق.ونتجاوزها ك”كتلة حية تتأثر بمسار الزمن تتشكل من السياقات التاريخية والثقافية والمعرفية والعقدية لمجموعة من البشر،”وما يثار حول ذلك من النقاشات وما يطرح من البحوث القيمة، من عهد بن جني والثعالبي والسيوطي إلى عصر دوسوسير وجاكبسون و تشومسكي.

فنقصد الحديث عن جملة من السياقات الثقافية والتاريخية والاعتبارية والعقدية التي رافقت اللغة منذ بداية تاريخها والتي كثيرا ما تختلط في أذهاننا عند الحديث عن اللغة، وقد يأتي الاختلاف والتميز للسان ما من خارج المألوف الوجودي والبنية المعرفية لدى الناطقين به، كما هو الحال مع اللغة العربية، فحين نتحدث عن اللغة العربية فإننا نصطدم بواقع وجودي نقل محور النظر إلى اللغة العربية من لسان قوم كأي لغة طبيعية إلى وسيلة خاصة لدين الاسلام، حيث ربطها الله تعالى بالحقيقة وخصها بالوحي وهو أمر من مشيأة الله أن يكون اللسان العربي حاوي الحقيقة المطلقة التي تعني البشر جميعا بمختلف ألوانهم ولغاتهم وأمكنتهم من الكرة الأرضية، من هنا جاءها الفضل وملكت القيمة والاعتبار ولم يعد هناك مجال لمقارنتها مع لغة أي أيا تكن، وجاز أن يكون لها يوم من أيام السنة التي توزع على الشجرة والبقرة و..

فقد شهدت اللغة العربية ثورة وجودية وانتقالا قيميا جذريا، نقلها من لغة تملك أدبا وثقافة وجمالا إلى وعاء حقيقي، أوجد لها ماهية جديدة معقدة وجميلة وشاملة، حيث ولدت بعد أن كادت تصل سن الرشد والكمال، حين نزلت معاني القراءن في دوالها الحسية، فبلغت بذلك عنان السماء من المجد والقيمة والقوة، وحين تحدث بها الوحي وكانت الوسيلة التي تصل رسول الحق بذويه وبغيرهم من الناس من مختلف بقاع العالم.

ولئن كان فضل اللغة العربية يصب في صالح قومية أو مجموعة بشرية أو طائفة دينية فإن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

اترك رد