الرئيسية / قراءات أدبية / العيد وول الرومي وول الداهي… بقلم يعقوب بن عبدالله بن أبن

العيد وول الرومي وول الداهي… بقلم يعقوب بن عبدالله بن أبن

العيد وول الرومي وول الداهي…

شهد غرض التهنئة بالعيد، حضورا قويا في الشعر العباسي، على يد ابن الرومي (ت 283هـ) سواء من حيث الكم أو الكيف، ولعل تداخل جينات الشاعر، جعله يحتفل بالأعياد جميعا، فمن المعروف أن أباه من أصل رومي، وأمه فارسية مسلمة متدينة، وولاؤه لبني العباس، كما أن ممدوحه عبيد الله بن عبدالله بن طاهر ينحدر من خراسان.
وما يميز شعر ابن الرومي عن غيره، أنه كان دائما يتنبه إلى تصادف أو تقارب حلول الأعياد فيشير إلى ذلك بطريقة لطيفة، يوظفها في الإشادة بممدوحيه، وإليكم نماذج منها، قيلت كلها للأمير عبيد الله:

عيدٌ يطابق أولَ الأسبوع ** وقعتْ به الأقدارُ خيرَ وقوعِ
للفألِ بالإقـــبال فيه شاهدٌ ** عدلُ الشهادة ليس بالمدفوعِ

وقوله:

عيدان مجموعان في عيدِ ** دليلُ تأكيد وتأييدِ
ما جُمعَ الفطرُ إلى جُمعةٍ ** إلا لمُـــلك ولتخليدِ

وقوله

جَرَى الأضحى رَسِيل المِهرجانِ ** كأنهــــما مَعاً فرسا رِهانِ

ولــــــــم يتـــتابعِ العــــــيدانِ إلاَّ ** تنافُسَ رؤيةِ الملكِ الهِجان

كما أبدع أيضا في استخدام العيد في التشبيه وذلك حين يقول:

سأنظرُ نحو دارك حين أخشى ** على كبدي التُّفتتَ من بعيدِ
كما نظر الأســـير إلى طليقٍ ** يؤمُّ بلادَهُ لحـــــضور عيدِ

وإذا كنا قد أشرنا، إلى أن ول الرومى كان فارس غرض التهنئة بالعيد في العصر العباسي، فإن ول الدَّاهِ هو حامل لواء غرض “فيش الغيد يوم العيد” في موريتانيا، فقد شاعت امريم بنت اباه وعيشة، ولحبوس ولِخديدْ، بعدما ذاعت وأذيعت النصوص “المرفودة” التي شكل من خلالها الأديب أحمد سالم بن الداه رحمه الله (ت 2016 م) ، نواة صلبة لتأسيس غرض جديد من التشبيب، يتميز عن الغزل والنسيب، أنار فيه لاحبا سافه المتأخرون فقفوه، بعد ما رامه القدماء فأشووه، وقد أشار إلى ذلك في نص كتبه على لسان قرية”لعويج” فقال:

يَحْـــمَدُّ سَـــالِمْ لاَ اتْــــلَيْتْ *** اتْخَصَّرْ لِغْنَ لاَ ابْغَيْتْ
إِنْـــتَ مَهَـــللَّ مَا انْسَــيْتْ *** زَينْ أَعْـــيَادِ وَ فْـــطَارِ
وِغْناَكْ الزَّيْنْ اللِّي اسْمَيْتْ *** فِيهْ ابْــــيَاظِ وِاخْظَارِ
إِلَ شِــعْتْ إِلَ فُـــوكْ جَيْتْ *** أَنْـــظَارَاتِ وَ أَنــْظَارِ

وسنحاول تسليط الضوء على طريقة ول الداه في معالجة أدب “فيش الغيد”، من خلال قراءة سريعة لنصوص “امريم” الثلاثة، ومحاولة استنطاقها وترتيبها زمانيا.
أولا: نص الفطر

فَطْرِكْ يَــمْرَيَّمْ كِيفْ أَفْطَارْ *** أَصْحَــابْ الجَـــلاَلَ لِكْبَارْ
إخْلَــــطْتِ لِحْـمَارْ ابْلِخْظَاْر *** وِالمَــــعْنَ هُـــــوَّ وِالنَّصْرَ
جَــــيْتِ لِــــلاَّمَ لَــــصْفِرَارْ *** وِالْحَـــكْتِ كِدَّامِكْ حَصْرَ
وِاكْصَرْتِ لَيْنْ اكْدَاتْ النَّارْ *** فِالْحَصَر مَا خِلْكِتْ حَصْرَ
وِالْفَــطْرْ الزَّيْنْ ابْكَيتِ بِيهْ *** افْنَــــصْرَ تَعْـــــرَفْهَ نَصْرَ
وَأَمْــتَنْ ثَوْرِتْ جَمَالِكْ فِيهْ *** مِـــنْ ثَـوْرِةْ جَمَالْ افْمِصْرَ

عدد الأديب في نص “الفطر” المعايير الموضوعية، التي مكنت “مريم” من الفوز على منافستها ، فأشار إلى أناقتها من خلال تناغم ألوان لباسها وانسجامها، كما نبه إلى أن تأخرها في القدوم إلى الحفل لفت انتباه الجمهور إلى حضورها المتميز، وهو ما كان على حساب اللواتي حضرن وقت الحر. وقد أجاد “التلميح” في خاتمة النص، الذي مهد له ببراعة استهلال رائعة.
أما من حيث المبنى فقد اختار الأديب راوي الراء “الحار” التزم معه حرفا صفيريا هو الصاد وهو ما ميز موسيقى النص، كما فضل ضبط الراوي بالفتح لخفته، وقد يكون تفاؤلا لإلفه بالنصر والفتح.

ثانيا: نص الأضحى:

عِـــيدِكْ يَـــــمْرَيَّمْ مَاهُ فَاشْ *** وِتْكِـــدِّ زَادْ أُعَنْدِكْ بَاشْ
حَصْرولِكْ فِرْكَانُ وِحْرَاشْ *** فِيهْ الْفَـــيْشْ أُجَيْتِيهْ انْتِ
وِالِّ مِنْـهُمْ كَانْ ابْعَقْلُ طَاشْ *** وِاتْهَيْتِ مِنْ فَمْ أُتْسَنْتِ
وِاكْــــتِلْ لِعْلَيَاتْ التِّخْوَاشْ *** مِنِّـــكْ وِاسْكِتِّ وِاسْكِنْتِ
تَمَّيْـــــتِ بَاشْ اجْتَمْعُ بَاشْ *** ازْيِنْـــتِ فِي العَيْنْ أُبِنْتِ
يَا امْرَيَّمْ مَا شَطْنِكْ لِكْبَاحْ *** انْـــتِ كَـــاعْ امْرَيَّمْ كِنْتِ
وِامْنَيْنْ اخْلكْ لِكْبَاحْ أُبَاحْ *** مَا عَــادْ امْرَيَّمْ كُونْ انْتِ

يبدو لنا أن نص الأضحى متأخرٌ زمنيا عن الفطر، وقد ظهر ذلك جليا في قوة المنافسة واتساع دائرتها، والارتباك الذي ظهر على المتنافسات، وقد أكد الأديب أن إلفه استحقت اللقب بسبب اتصافها بمعايير خلقية نادرة. كما جعل من اسم امريم مرادفا لراص انعامة، فكأنه يشير بذلك إلى أن نسوة المدينة تأثرن بها وتقمصن شخصيتها من أجل الفوز باللقب.
أما من حيث الشكل فقد فضل التزام حرف النون والتاء، أو بعبارة أخرى ضمير المخاطب المؤنث “انتِ”، ولا يخفى ما في ذلك من التحديد و”اطريح اصبع”، كما أن اختيار الكسرة لضبط الروي، يتناغم مع تحطيم مريم للأرقام القياسية من خلال فوزين متاليين.

ثالثا: نص المولود:

ذَ عِـــيدْ المَوْلودْ الَّ عَادْ *** امْنْ أعْيَادْ امْرَيَّم وَأعْيَادْ
امْرَيَّـــمْ مَا كَــطـُّ لَــغْيَاْد *** حَـصْرُ مَا رَاحُ وِانْكَصْرُ
وادَّلَّاوْعْـــبَانِــــيهمُ زَادْ *** وَللَّ بِــــكْـــمُ وللَّ بِـــصْرُ
وامْرَيَّــــمْ يَوْمْ العِيدْ إلْهَ *** مِنْ سَعْـــتِنْ يُصَّلَّ عَصْرُ
مَا يَبْگَ شِ مَا طَاهْ الْهَ *** مُولانَ وِاعْـــطَاهَ نـَصرُ

أصدر الأديب حكمه على الطريقة “الديمانية”، عندما قال إن المولود ألَّ عاد مثل أعياد امريم، وهي براعة استهلال تشى بفوز “امريم في الفيش “، كما اختار عبارة “ادلاو اعبانيهم” التى تختزل في كلمتين حجم معاناة النسوة النفسية، ومستوى حسرتهن وخيبة أملهن، ومن المعروف أن تدلى البُخص يسببه البكاء والحزن المتواصل.
ضبط الأديب إيقاع النص من خلال التزامه لحرفي الصاد والراء، كما شكل الروي بالضم، وهو ما يشير ربما، إلى ضم إلفه للقب عيد المولود إلى ألقابها السابقة.

 

يعقوب بن عبدالله بن أبن

تعليق واحد

  1. إذا كان ابن الرومي قد أدمن الحديث عن الأعياد بسبب التداخل العرقي، فإن منطقة “اجاله” أدمنت الأعياد والاحتفالات لدرجة أن البيظان نسجوا حول “مجونها” الخرافات، فذكروا أن إبليس زارها مرة فوجد كل الساكنة يرقصون فقال لهم: “ذاك ذاكو” أي: “واصلوا فأنتم على الطريق القويم”. ورغم البعد الخرافي للقصة فإنها تعبر عن بعض ما كانت تتميز به اجاله من احتفالات لا تنقطع وأعياد مبالغ في تخليدها، الأمر الذي جذبت به الشاعر الشيخ ولد مكين في ثلاثينات القرن الماضي عندما حضر حفلا راقصا مع أخيه المصطفى عند حي من آزنافير كان في “فيش” مع أولاد عايد. كان ولد مكين مولعا بالرقص وخبيرا به نظريا وتطبيقيا، لذلك وجد أن تلك المنطقة، التي لا تغيب عنها شمس الاحتفالات وسباق الخيل ومنافسات “التود” والطبول في جو عارم من الفرح يشجعه وقوعها على مشارف شمامه حيث أنواع الحبوب والطيور والجداول، هي الأصلح لمقامه الطويل الذي سيتكلل بأشعار تأثرت بجمال وخصوصية الموقع. في هذه الرقعة إذن نما وترعرع وتطور شعر المرحوم أحمدو سالم فتأثر بجو الأعياد في حيزه الجغرافي كما تأثر شعر ابن الرومي بالتداخل العرقي بين شعوب تمجد الأعياد.. شكرا أستاذنا يعقوب على إطلاتلاتك المفيدة

اترك رد