الرئيسية / الاخبار / انطباعاتي قبل المغادرة حول ما حققته المبادرة. باباه الحافظ

انطباعاتي قبل المغادرة حول ما حققته المبادرة. باباه الحافظ

حضرت مساء السبت 26 جمادى الثاني 1438 للهجرة، الموافق 25/03/2017 ميلادية، في فندق “لامباسادور”، حفل العشاء الفاخر الذي نظمته جماعة أهل باركلل بمبادرة كريمة ..

 

من السيد الفاضل/إسحاق ولد أحمد ولد حمين، وذلك تحت عنوان “مبادرة لإحياء حلف تاشمشه”.

 

ولئن حضرت هذا الحفل الرائع بصفتي عضوا من جماعة أولاد بازيد الذين وجهت إليهم الدعوة، والذين تحالفوا مع “تاشمشه” أواخر القرن الحادي عشر الهجري علي الأرجح، فإنني كنت استحضر هذه الثقافة الشمشوية من حين لآخر، وأقدر عاليا روادها وأقطابها الأفاضل أهل الحفظ والرواية والفهم والدراية، الذين ساقهم الله تبارك وتعالي إلي هذه الربوع النائية من المنكب القصي من الوطن العربي الكبير، لينشروا فيه من العلم والمعارف ما حير العلماء المغاربة و”الشرق أوسطيين” والخليجيين الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم..، بل حير غيرهم وجعل الجميع ينظر إلي الشناقطة نظرة تقدير وإعجاب واحترام. كما أنني كنت أشعر إلي حد بعيد بالارتياح وأنا بين أقطاب تاشمشه من جهة، وأعيان ولايات كل من الترارزة وإينشيري و داخلت نواذيبو من جهة ثانية.

 

والحقيقة أن جماعة أهل باركلل التي نظمت هذه المبادرة، أدارت الأمور بحكمة بالغة، وأظهرت قدرتها علي تضميد الجراح، وأحقيتها وسبقها في لم الشمل الشمشوي بامتياز، وذلك في حيز زمني تصعب فيه اللقاءات وتتعدد فيه ذرائع التخلف ودوافع التغيب والانشغالات، بل ذهبت أكثر من ذلك فوحدت ثلاث ولايات تأثرت بتاشمشه من قريب أو من بعيد. فبالإضافة إلي تاشمشه ومن تحالف معهم، كان هناك تمثيل معتبر لكل الإمارات التقليدية، التي جاءت أساسا لتؤكد دعمها لكل ما من شأنه أن يوحد الجهود ويعزز التقارب لا علي مستوي “تاشمشه” فحسب، وإنما علي مستوي كل الموريتانيين، بل فتحت أذرعها لتشيد بأهمية الحلف الشمشوي وعمقه الروحي والمعرفي.

 

ولا أبالغ إذا قلت بالمرة الواحدة إني شاهدت العديد من الشخصيات المعرفية وأصحاب الرأي، حضروا هذه المبادرة وهم ينتمون إلي العديد من الأسر والمجموعات الفاعلة من مختلف ولاياتنا الداخلية. وبصفتي أحد المدعوين، أرى أن جماعة أهل باركلل أخذت بزمام المبادرة وقامت بدورها الوحدوي باقتدار، وسعت في لم شعث مجموعة “تاشمشه” وجمع شتاتها، بل قومت صرحها الذي تعرض لهزات عديدة، فحققت بالفعل ما عجز عنه الكثير من الجماعات في المنطقة، وفتحت الباب علي مصراعيه لإظهار العمق “الشمشوي” والتأكيد علي أنه ملكية ثقافية لكل الموريتانيين. وهذا لعمري سبق حققته الجماعة المذكورة بامتياز، ولا غرابة في ذلك فجدهم باركلل ولد أحمد بزيد حقق لبلاد هذا البرزخ القصي ما عجز عنه العديد من نظرائه أيام “السيبة”، كما أن المصادر التاريخية الموجودة بحوزتنا تشير إلي أن أحمد بزيد نفسه حقق لولاية الترارزة خاصة وبلاد شنقيط عامة، من الإنجازات المعرفية والفوائد المعنوية ما استرعي الانتباه، وذاد عن حياضها في مشاهد عدة صحبة ابن خالته الولي الصالح باب أحمد، أيام صولات وجولات الطامعين الأوروبيين وغيرهم، وأيام كانت فيه البلاد عرضة لكل من هب ودب من أصحاب الملل والبدع المستوردة والشعوذة.

 

ورحم الله العلامة المختار ولد حامدن الذي كان يدرك أكثر من غيره هذه الحقائق، ويشيد بفضل أهل باركلل وتميزهم عن غيرهم في العلم والمعرفة وسبقهم إلي كل ما من شأنه أن  يرفع البلاد والعباد…، فنراه  في رثاء الشيخ الفاضل/ باركلل ولد العتيق رحمه الله، يلمح إلي مكانة القوم وفضلهم ــ كما جرت عليه عادته ــ بومضات خاطفة، ويشيد بسبقهم الدائم في المعالي في سياق أدبي في غاية الروعة والجمال، حيث يقول:

 

إن إحراز “بارك الله” فيـــــــه        قصب السبق في المعالي بديهي

عاش ما عاش لم يقع منه فعل        فيه نقد ولم يقله بفيـــــــــــــــــه

كان بيت القصيد في مجمع الــــــــــــخمس فريدا في بحره ورويـــــــه

كان ما لا يعنيه عنه بمنــــــأى        كان يغنيه عنه ما يعنيــــــــــــــه

 

فما من شك أن هذه المبادرة نجحت بامتياز، وأعطتنا دفعا جديدا وتحمسا منقطع النظير لتفعيل الحلف الشمشوى، وستكون فاتحة عهد جديد من التشاور والتقارب بين مختلف المعنيين بعون الله، وبداية حراك شمشوي جديد لاستعادة ما كان عليه الآباء من نهج، وما تخلقوا به من شيم حفظها لنا التاريخ..، طبقا لما ورد في الكلمة الافتتاحية للمتحدث باسم جماعة أهل باركلل السيد الفاضل/إسحاق ولد أحمد ولد حمين.والواقع أن جميع الحاضرين لتلك المبادرة، أصبحوا علي رؤية واضحة وثقة تامة من أن الإطار الشمشوي تجلي في أبهي صوره وأنه أقرب من أي وقت مضي لانتفاع الناس به، باعتبار الشمولية التي حققتها المبادرة والإجماع الذي حظيت به هذه المرة بإشراف من جماعة أهل باركلل وتزكية  ومباركة العديد من العلماء وأصحاب الفضيلة وأصحاب الرأي، فضلا عن ما يحدو الجميع من أمل في المستقبل الواعد لهذا الحلف إذا ما قوي واستوي علي سوقه، لمحورية دوره في الإصلاح بشكل عام، مراعاة لقولة الإمام مالك الشهيرة، رحمه الله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).وأملنا جميعا أن يكون هذا الحلف منارة علمية تنفع الناس وتقربهم إلي الله وتضمن لهم البقاء والاستمرارية، قال تعلي: “أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” صدق الله العظيم.

 

وانطلاقا من هذه الرؤية، فإن الجمهور الذي حضر مبادرة إحياء الحلف الشمشوي، بات أقرب ما يكون إلي الدخول في إطار وحدوي تنصهر فيه جميع الجهود، بل أصبح أكثر من ذلك يجعل نصب عينيه ما حققته مجموعة “تاشمشه” من إنجازات شهد بها القاصي والداني، ويراهن علي أهميتها ويشحذ عزائمه للدفاع عنها ويسعي قدما لتحقيق المزيد منها. وفي هذا الصدد فإن الحوار بين مختلف الأطراف كان شاملا، وتلاقحت الأفكار بما فيه الكفاية، واستمع الجمهور إلي العديد من النقاشات المفيدة والآراء السديدة . كما استمع إلي مداخلات مرتجلة للعديد من المشايخ والعلماء الأفاضل والدكاترة والأساتذة وعلي رأسهم العلامة حمدن ولد التاه، والأستاذ اسحاق ولد أحمد ولد حمين، وسعادة السفير يحظيه ولد سيد أحمد، والأستاذ بوميه ولد أبياه، والأستاذ محمد عالي ولد البخاري وغيرهم………..

 

كما شنف آذان  الحضور العديد من المحاضرين البارزين، وذلك بمحاضرات قيمة دارت حول موضوع المبادرة، وأبرزت في الأساس مكانة “تاشمشه” وأهميتهم في المشهد الثقافي الموريتاني عموما.

 

وقد قدم تلك المحاضرات كل من: الدكتور يحيي البراء، والأستاذ الحسين ولد محنض، والأستاذ التاه ولد الجمد، والأستاذ عبد الله المكي، وغيرهم…

 

ولقد كان للشعر مكانته المتميزة في حفل المبادرة المذكورة، إلا أنه انصب في الأساس علي المدائح النبوية إنكاء للمتطاولين علي الجناب النبوي من جهة، وحرصا علي استحضار الأجواء التي كان يألفها الشمشويون من جهة ثانية، والتي كانت تملأ من حين لآخر بالأذكار المفيدة والابتهالات العديدة والصلوات المديدة علي سيد الأنبياء والمرسلين وأفضل خلق الله محمد صلي الله عليه وسلم.

 

وتجدر الإشارة إلي أن جماعة أولاد بازيد حظيت في هذا الحفل بخصوصية متميزة من جماعة أهل باركلل لعلها ميزتها عن غيرها، ألا وهي إصرار إحدى الشخصيات البارزة من جماعة أهل باركلل علي الجلوس جنبا إلي جنب معها طيلة الفترة، وهو فضيلة الفتي النابه بوبكرن ولد البخاري الشريف، الذي أصر علي أن يكون بازيديا مائة في المائة هذه المرة، ويأخذ قسطه الوافر من أخواله وأبناء عمته، ولقد أولانا من العناية ما جعلنا نشعر أننا بين أهلنا وذوي قرابتنا بحيث استقصي في الملإ كل من يدلي إلي الشريف البخاري الشريف بقرابة ليقدمه لنا ونتبادل معه التحايا والتعارف وأطراف الحديث، ولقد أخذنا بحديثه الآسر والممتع ليحدثنا عن زيارته لمقبرة جدنا بازيد ولد المختار والعديد من أولاده بالقرب من ابير التورس(المذرذرة)، وعن جده الشريف مولاي إدريس الموجود بنفس المقبرة، والذي قدم مع أهم أمراء الترارزة الأمير اعلي شنظورة من المغرب، وقد أسند إليه الأمير المذكور القيادة الروحية والدينية لجيشه الكبير الذي مكنه من بسط السلطة في جنوب البلاد.

 

ولقد تواجدنا في البداية مع وفد أهل محنض باب ولد اعبيد، ممثلا في قادة المنسقية، فتعززت ثقتنا بنجاح أعمال المبادرة، واستعادت ذكرياتنا الدور الشمشوي لهذه الأسرة الكريمة، أسرة علم ودين بلغت مرتقي تنخفض دون أعاليه أعين الناظرين، أسرة جعلت الفقه المالكي ميسرا لا علي المستوي الموريتاني فحسب، وإنما علي مستوي العالم الإسلامي برمته، أسرة بذ علماؤها نظراءهم في الدراسات والبحوث المعاصرة. كما تمتعنا بجو معرفي جد مريح، أنارته أقطاب الأسر الفاضلة التي جمعتنا وإياهم تلك الخيمة الشمشوية الكبيرة التي وفقت في احتضان الجميع من أبناء الرجال الخمسة الذين تخلقوا بالأخلاق القرآنية الواردة في خواتم سورة الفرقان، وهم: يدبيال يعقوب ومهنض أمغر ويدمس ويداج وابهنضام، بالإضافة إلي كل من علقت به بصماتهم أو أظلته دوحتهم المعرفية وارفة الظلال. فلقد كانوا ــ والحق يقال ــ عزا للجميع خاصة الزوايا، وقبلة ماثلة في كل الأذهان ويتجه إليها الجميع.

 

فعلي سبيل المثال لا الحصر، التقينا بالفاضليين فتذكرنا حكم الشاعر فتي ولد عبيدي بشأنهم، الذي أصدره بعناية منذ عقود من الزمن، حيث يقول:

 

بنو الفاضل المعني و ديمان لفظة            وهل تكمل الألفاظ إن فقد المعنى

 

وكنا بالقرب من وفد الأعلام سدنة العلم في بئر المساجد(إنيفرار) بقيادة العلامة محمد فال ولد عبد اللطيف، وعضوية الزميل المهندس أحمدو ولد الشاه الذي خصنا بظرافته وتذاكر معنا في الشأن الشمشوي بشكل عام. كما حظينا بوقفة خصتنا بها جماعة البهناويين(نسبة إلي جدهم أبى هانئ) الذين تميزوا بالعلم والصلاح والخوارق وإباية النفس برئاسة الدكتور الصوفي ولد بدا، وعضوية كل من البشير ولد الحسن، ومحمد سالم المنجي، ومحمد فاضل ولد المامون والأستاذ/الشيخ أمينو الصوفي والأستاذ/المصطفي ولد أحمد عالم..وغيرهم.

 

كما تواجدنا مع وفد من الألفغيين برامكة الشمشويين “أولاد حبين” المنتسبين لأحمذ أكذ المختار الألفغي، الذي كان صالحا ووجيها مؤثرا في المشهد الشمشوي بشكل عام.

 

وحظينا في الأخير بوقفة مع اليداليين وعلي رأسهم المدير السابق للثقافة  ومدير عام الوثائق الوطنية سابقا برئاسة الجمهورية الأستاذ/المختار ولد حمينا، وجلسنا معهم بالقدر الذي نثمن فيه معا هذه المبادرة.

 

وتبادلنا أطراف الحديث مليا مع  كل من ألفنا حسن جواره أو جمعتنا به صلة قربي أو مودة من مختلف المجموعات المشاركة في المبادرة، لتعود بنا الذكريات إلي ما أراده لنا سلفنا الصالح من الانسجام مع مجموعات شمشوية فاضلة، ظلت تحيط بمضاربنا و تجمعنا وإياها أواصر متينة من القربى والمودة الصادقة وحسن الجوار.

 

باباه الحافظ

 

نقلا عن موقع المذرذرة اليوم

اترك رد