الرئيسية / الاخبار / كلمة الباحث الدكتور يحيى ولد البراء في حفل عشاء تشمشه

كلمة الباحث الدكتور يحيى ولد البراء في حفل عشاء تشمشه

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وبارك على نبيه محمد بن عبد الله سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحابته والتابعين

وبعد فأتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على هذه الدعوة العظيمة قبيلة أهل باركلل الكرماء، التي أنجبت من العلماء الأفذاذ وأولياء الله الأخيار وأرباب المروءة والجاه من يعز وجوده ويقل نظيره ويقصر اللسان عن تعداده. ولا غرابة في ذلك فهي القبيلة الممدحة بامتياز التي سار بذكر أمجادها سواء منها التليد أو الطارف من لا يسير مشمرا وغنى بمآثرها من لا يغني مغردا والتي ظلت منذ نشأتها محط رحال المشكلات النازلات العظائم ومدار الحل والعقد والإبرام والنقض لا في تشمشه فحسب بل في سكان غرب الصحراء الكبرى جميعا.

وأخص بالذكر السيد إسحاق بن أحمد بن محمد الأمين حمين وأهنئه على هذه المبادرة الهادفة وهذه الدعوة الكريمة ذات الفائدة العميمة إن شاء الله، وأشكره على هذا الجهد الكبير الذي بذله في سبيل إحياء ما اندرس وطالت به الطيل من أواصر المحبة ووشائج الرحم بين أعضاء الجسد الواحد، وأهنئه على هذا السعي الحسن الموعود فيه بجزيل الأجر من أجل التواصل واللقاء والاجتماع فقد ورد أن في ذلك خيرا كثيرا.

أما الكلمة التي أريد أن أقولها فستكون مختصرة وتتوجه نحو مسألتين خفيفتين في لفظهما، ثقيلتين في مدلولهما ومغزاهما:

أولاهما الوثوق اليقيني أن في جعل الله البشر ينتظمون في شكل مخصوص عبر عنه القرآن بقوله: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” حكمة بالغة ومعنى عميقا.

وهذا المعنى يؤسِّس لنظرة خاصة يجب أن تؤطر عَلاقة الناس بعضِهم ببعض، علاقةً لا تتناسى ولا تتجاهل أن البشر جميعا يشتركون في وحدة الخلق، والهدف من الإيجاد، ولوازم الطبيعة البشرية. وذلك من خلال الوعي بحقيقة الانتساب والانتماء إلى شعب وقبيلة، ومن خلال الإيمان بأن رفعة شأن الإنسان وكماله وتميزه، لا يتأتى بمجرد الانتماء وحده، لأن الناس جميعهم في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يكون التفاضل بالتقوى والخلق الحسن والنفع لخلق الله والإحسان إلى جميع الكائنات.

وعلى هذا فالحكمة في النشأة قبائل وشعوبا هي التعارف التي تدل عليه لام التعليل الواردة في الآية. أما التجاهل والتنافر والمعاداة فهي أمور مخالفة للمقصود من هذه النشأة التي أراد الله للإنسان. ومن هنا فالقبيلة تكون ذات فائدة عظيمة إذا اعتبرت امتدادا للأسرة، تسعى في التربية الخلقية وفي التنشئة الحسنة وفي التوجيه نحو الخير، ولكنها تكون وبالا إذا لم تضطلع بهذا الدور أو وظفت لمنع الحقوق والاستطالة على الآخرين والتفاخر بالمال والعدد.

لهذا فمن المتجه شرعا وعقلا الاهتمام بهذا النوع من الأشكال التنظيمية لهدف التعارف والتواصل وإحياء دواعي الإحسان وجوالب المحبة والسعي في إبعاد الناس عن الرذيلة وحثهم على مجافاة الشر ودعاته.

وفي هذا السياق تتنزل هذه الدعوة المباركة لإحياء العهد الشمشوي باعتباره إطارا كان بالغ الأهمية في نشر الفضيلة والقيم النبيلة والعمل الدؤوب لإعمار الأرض والرفع من الإنتاج لنيل الحياة الطيبة في الدنيا وعقبى الدار في الأخرى .

أما المسألة الثانية فهي إنفاذ الأمر المطلوب من الإنسان باعتباره كائنا مكرما لمكان مسؤوليته واستخلافه. “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ “. وهذا التكريم يتعلق بقضيتين الأولى هي: تحميله الأمانة إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا”، والثانية هي استعماره في الأرض ” هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا “.

والأمانة التي أشفقت منها السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض وَالْجِبَال وتحملها الإنسان، يتحدد مقتضاها في مدى انتباهه وفهمه للغاية من وجوده التي حصرها الله في عبادته بالعلم توحيدا له وتنزيها، وبالعمل تقربا إليه بأعمال البر ونوافل الخير وإقامة الدين بشقيه العيني والكفائي، والاعتصام بحبل الله المتين من أجل توحيد صف المسلمين جميعا ليكونوا كالبنيان المرصوص ومن أجل حماية البيضة ونبذ الخلاف والتواصي بالحق والتواصي بالصبر . وعلى أساس القيام بعهد الأمانة هذا تتم محاسبة الإنسان بعد ذلك إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.

أما الاستعمار الذي يعني السعي في إعمار الأرض وإحيائها عملا وإنتاجا، وصونها عن الفساد والضرر، فمن لوازمه العمل على إشاعة العدل والمساواة وإرساء الأمن والسلام والسلم الاجتماعي.

ولاشك أن أوائل المجموعات المكونة لهذا الحلف قد أحسنوا تطبيق هذه الوصايا وطبقوها بشكل صارم حتى ألفوها وأصبحت لهم سلوكا ملازما وعادة متبعة وراسخة.

وهذا ما يجعل هذه المبادرة إلى إحياء هذا الحلف وجيهة وبناءة. فهذا الحلف كان له تاريخ طويل من السعي لتطبيق الإسلام والاضطلاع برسالته الأخلاقية العظيمة وقد تجلى ذلك على أرض الواقع عند جرعاء التنضب أوائل القرن الثامن الهجري حين أوثقوا بينهم العهد على العمل بما ورد في الثمن الأخير من سورة الفرقان.

وفي الأخير أقول إنني كنت أريد لهذه الكلمة أن تطول وتتشعب ولكن المقام ليس مقام الاسترسال والإطالة فاكتفيت بهذه الملاحظات التي أحسبها جد مفصحة عن المقصود.

وأعيد الشكر كرة أخرى لمجموعة أهل باركل وللسيد إسحاق وأرجو أن يكون هذا العمل بادرة خير للمجموعة الشمشوية نهوضا بالدين، ونشرا للعلم، وترسيخا للأخلاق الفاضلة، كما أرجو أن يعم هذا المسعى كل القبائل والمجموعات التي تضمها موريتانيا فتحيي هي أيضا ما كان عليه أسلافها من الدين المتين والخلق العظيم والنفع الشامل المستديم، ليعم الخير ويلتئم الشمل وتزول الإحن والرعونات وتحيى المسلكيات القويمة.

فالقبيلة باعتبارها معطى فطريا أراده الله لعباده، هي القناة الأنجع لتغيير الأوضاع والقدرة على التواصل والتغيير وذلك من أجل الخير للبلد وللأمة وللبشرية جمعاء فالإنسان كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إما أخ لك في الدين أو مثيل لك في الخلق.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعليق واحد

  1. جزاكم الله خيرا على نشر هذه الكلمة القيمة والتى لولا موقعكم الموقر لما وجدنا اليها سبيلا

اترك رد