الرئيسية / تأملات / صناعة إنسان على يد إنسان غير “نعسان” !

صناعة إنسان على يد إنسان غير “نعسان” !

أدركت وأنا في جلسة المساء بين جماعة من الأصدقاء أن إنسان اليوم بدأ يفقد جزءا من وجوده و”أنسنته” بفعل عالمه الافتراضي، وبدأ تعلقه بالافتراض واهتمامه بتفاصيله تحجبه عن واقعه الذي بين يديه، ومضى يزاحم البنية النمطية لديه عن الحياة ويزاحمها في ذهنه.
نعم لقد رمتني الحيرة في إحدى متاهاتها وأغلقت علي منافذ الخروج، وأنا أسير في طفولتي الافتراضية، وأنا ألقي بإنساني في السنة الثالثة من الحياة الافتراضية أبحر كل مساء في وجهة غير تلك التي ألفتها بالأمس، حيث لم يعد “وجه الكتاب” كما كان في البداية تلك المرآة التي تعكس لنا وجه الحياة على صفحة الانسان الافتراضي المخلص.

ولا أدري اين سيبلغ بنا الانسجام والتعلق والالتزام بعوالم الافتراضي التي أصبحت تأسرنا وتوجهنا وتسيطر على ترتيب لقاءاتنا فحين نعود لواقعنا نرى الحيرة تتسلل لأطرافنا وتخيم على بصرنا ونحن نحاول إزاحة حجاب الانطباع وغشاوة الاستعارة عن وجه الحضور ونميط لثام الافتراض عن دوال الأشياء المألوفة في واقعنا القديم، وتأبى المدلولات أن تعانق ذهننا و لا تريد أن تظهر كما هي .
إننا أصبحنا ونحن في الواقع كمن يحاول صناعة إنسان من ذاته إنسانا جديدا يهب للآخر مساحة من ذاته ويشعره بأنه فعلا ما زال إنسانا قابلا للبشرية ؛ إننا كمن يصنع إنسانا يقبل الحياة الطبيعية على أنها مرحلة من الالتزام والفرائض نتجرعها بصمت ونقبلها على أنها واجب علينا أن ننهيه بسرعة لنعود إلى وجودنا الجميل إلى عالمنا المنتقى الذي ندرك به المدلولات في انفصال من دوالها وهي تتبرج في حلل من حقيقتها.

twitter-psycho-1260x840

هل فعلا أصبح إنساننا النمطي غريبا في الواقع مترددا بين تجاذبات الانطباع وسلطة التفاعل، حيث أن الانسان خلال حديثه مع الانسان ومجالسته له إنما يبحث عن نفسه وعن شيئ مما يجد في ذاته ليطمئن أن هناك شيئ في الحياة يشبهه ويشعر ببعض ما يشعر به ويقاسمه بعض العقل والفهم واللغة فيسعد بذلك ، لكن حين يجد أشكالا مثله تماما لا تربطها به أي نقاط تلاقي فإنه سيعود للبحث عن كائن يفهمه ، منها أصبح من غير المستبعد أن ينظر بعضا بعضا ويقول : نعم إنه فلان فعلا أو يشبهه على الأقل ! أو كأن جزءا منا هنا يحدثنا عن جزءنا الآخر، لكن شيئا ما ينقصه.

فهل نجح الطفل الآمريكي في سجننا هنا في عالمه الصامت نتبادل الحروف والايحاءات، وكأننا حبات قمح تطبخ في مرجل يغلو، يجرب بعضنا قابليته للاشتعال والذوبان ويتعالى بعضنا الآخر على طبيعته النباتية ويتهرب إلى الصمود بعيدا عن ألسنة اللهيب التي تصله بعالمه.
وهنا نتساءل كيف بإمكاننا إعادة ترميم إنساننا حتى تتطابق المدلولات مع دوالها؛ و ليعود للتكامل والانسجام ويتجاوز البنية النمطية التي تحجبه عن رؤية الواقع على ماهو عليه؟ وحتى يستعيد شهيته لحياة الواقع ويجد في الواقع ما يقنعه بقيمة الآخر بعيدا عن الافتراض.

ديد النجيب

2 تعليقات

  1. احسنت بارك الله فيك. وعليك

  2. محمد سالم بن عبد المومن

    أول خطوة في عالم الافتراض كانت الكتاب فلم يكن له واقع إلا الحبر والورق أما ما وراء ذلك من مجالات شعرية أو أدببة أوعلمية حسابية وفلسفية … فقد أضفناه قسرا إلى واقعنا وكأني بعالمنا الافتراضي الحالي وقد اقتحم واقعنا بعد فترات من التأقلم

اترك رد