الأكاديمية الموريتانية – متى؟ محمد فال ولد عبد اللطيف

– كان من ديدني وهجراني في ساعات خلوي بنفسي، وأوقات صفاء فكري، أن أفكر في كل ما من شأنه أن يرفع من شأن بلادي ويلمع صورتها في الداخل والخارج وفي الظاهر والباطن.
ولقد فكرت في الأسبوع الذي قبل الأسبوع الذي تحاكم فيه الفاعلون السياسيون إلى المفعولين السياسيين عبر صناديق الاقتراع فقلت: ما أحسن التعاطي مع الأمور العامة في جو ديمقراطي، ولكن غيره أحسن منه وهو الخوض في الميادين العلمية والجولان في مروجها الزكية وتذوق برد إدراك الحقائق العلمية حيث تعرض الحقائق نفسها بقوة نفسها لا بسطوة سلطان ولا بمظاهرة أعوان…. – كان من ديدني وهجراني في ساعات خلوي بنفسي، وأوقات صفاء فكري، أن أفكر في كل ما من شأنه أن يرفع من شأن بلادي ويلمع صورتها في الداخل والخارج وفي الظاهر والباطن.
ولقد فكرت في الأسبوع الذي قبل الأسبوع الذي تحاكم فيه الفاعلون السياسيون إلى المفعولين السياسيين عبر صناديق الاقتراع فقلت: ما أحسن التعاطي مع الأمور العامة في جو ديمقراطي، ولكن غيره أحسن منه وهو الخوض في الميادين العلمية والجولان في مروجها الزكية وتذوق برد إدراك الحقائق العلمية حيث تعرض الحقائق نفسها بقوة نفسها لا بسطوة سلطان ولا بمظاهرة أعوان….
وذهبت بي الفكرة كل مذهب إلى أن خلصت إلى هذا السؤال : لماذا لا توجد أكاديمية موريتانية؟
وللتذكير فإن الأكاديمية عبارة عن مجمع علمي يتألف من جماعة من علماء العيار الثقيل في مختلف التخصصات، منظمين تنظيم دائرة الأولياء لا يزيدون ولا ينقصون، لكل واحد منهم كرسي يحمل اسمه، فإذا شغر ذلك الكرسي بموته أو لمانع نهائي عين فيه شخص بنفس المؤهلات.
ولهذه المؤسسة دور أدبي وعلمي وشرفي كبير، وليس بإمكان كل من دب وهب أن يصل إليها إلا بشق الأنفس وبجهود وأيام يشبن النواصي.
ومما شجعني على هذا الاقتراح أني نظرت إلى ما حولي وما أعرفه من الدول، فإذا الأكاديميات لا توجد غالبا إلا في الدول العريقة ذات الإشعاع الحضاري. أما الدولة الحديثة التاريخ والتي لا إشعاع لها إلا إشعاع كإشعاع الفحمة السوداء فلا حظ لها في مثل هذه المؤسسات النبيلة.
فكرت في نفسي وقدرت وقلت الحمد لله أن بلادي – حرسها الله وأعلى شأنها – تتوفر على كل هذه المعايير أو جلها، فهي وإن كانت لها قدم في البداوة لا تنكر فإن بداوتها ليست بداوة الكفر والنفاق وجهل حدود ما أنزل اهلك، بل بداوة العلم والعمل ونشر دين الله على ظهور العيس وألواح الميس، منذ عهد المرابطين الأولين لم تزل منهم طوائف ظاهرة على الحق به يهدون وبه يعدلون.
وبلادنا – كذلك – ذات إشعاع علمي أجلى من الشمس رابعة الزوال في الشرق الأدنى والأوسط والمغارب وفي القارة السمراء.
وبلادنا – كذلك – هي أرض المليون شاعر والمليون تاجر جمعوا بين الديوان والدكان جمعا لم يتيسر قبل لغيرهم، لم يمنعهم الضرب في الأرض عن الضرب في القرض في الطول والعرض.
فلابد – إن شاء الله – من إنشاء هذه الأكاديمية المباركة، ونظرا لسمو هذه المؤسسة ودورها الخطير ومركزها الهام الذي يرقى إلى درجة رموز الدولة، فإن إنشاءها لا بد أن يكون بنص قانوني، أما تعيين أعضائها فيكون بمرسوم رئاسي بسيط، وتجب أن تكون ملحقة في السلم البروتكولي برئاسة الجمهورية مباشرة لا ترضى بدون ذلك.
ولا شك أن إبراز هذه المؤسسة من الصعوبة بمكان، فأخشى أن تكون كثرة شروطها من أسباب سقوطها.
فأول ما نخشى على هذه الأكاديمية أن تستحيل إلى هيئة شبه سياسية تراعى فيها التوازنات القبلية والجهوية وتراعى فيها حقوق الأقليات والهيئات الهشة من المجتمع ويتجلى فيها التمييز الإيجابي تجاه الجنس اللطيف، فإنها إذا انجرفت إلى هذا المنحدر فعلى العلوم والمعارف السلام.
وثاني ما يخشى على هذه المؤسسة أن تستحيل إلى نقطة سوداء تبتلع الميزانية ابتلاعا وتعشش فيها الزبونية والمحسوبية تعشيشا يجعلها وكرا ومرتزقا للكثير من الموظفين الكسالى أو الوهميين الذين لا يأتون المكاتب إلا وهم كسالى ولا يعملون إلا وهم كارهون.
وثالث ما يخشى على هذه المؤسسة أن يستحوذ عليها الشباب من ذوي العلم العاري من الحكمة والتجربة، فالذي جرى به العمل أن الالتحاق بالأكاديمية يجب أن يكون تتويجا لمسار مهني شريفا وشهرة بالعلم مبرزة لا يختلف فيها زيد ولا عمرو.
بقي أن نشير إلى أن الالتحاق بالأكاديمية ليس حقا سياسيا ولا مدنيا فيحق للأجانب أن يلتحقوا بها ففي ذلك تشريف للبلاد وتنويه بمكانتها العلمية والحضارية فلتكن على بال من ذلك.
هذا اقتراح للناس من فخور بوطنه غيور عليه يحب له ولما يرفع من شأنه، قدمه في هذا المنتدى الكريم، واعيا أن الكلمة توتي دائما أكلها ولو بعد حين وعلى الله المعول.