الرئيسية / تأملات / الحياة في الدنيا

الحياة في الدنيا

بين مقامات الأكوان تتجلى حقائق الانسان في حضرة العيان، فتحجب الحادثية والظروف ما يحجبان. ويبقى ضباب ثائر بين الحيرة والصمت، يشعره بعضنا ويتجاوزه الآخر . سأتجاوز الدنيا إلى الحياة لأصف فترة من الوجود تتجلى في لحظات من الحقيقة والجمال والألم والجد والشك واليقين تتعاقب علينا جميعا ونشاهدها في الآخر. ونتوقعها كثيرا وتحيرنا أكثر ونثق بها وتتكرر لأكثر من مرة أمام عيوننا وتملأنا غبطة وغضبا وسرورا عند كل لقاء. ولأن أكثر ما يلفت انتباهنا في هذا الكون هو هذه الحياة التي استيقظنا ونحن نبحر في أعماقها بكل وعينا دونما استشكال لحقيقتها وعلاقتها بوجودنا وما يربطها بالزمن، ودعانا الفضول إلى النظر في بنية “الحياة الدنيا” هذا المركب الاضافي الذي نقبع به ونحن على علم بجميع أبعاده المعرفية معرفة اقتناع لا معرفة تصور، لكن معرفتنا به تذوب في بنية الواقع الماثل في عيوننا، فتلتبس علينا جملة من المعاني التي نتخبط بها بين اللحظة والأخرى، وهنا نتساءل عن الفرق بين الحياة والدنيا؟ هذا ولكل بيئة ثقافة تزود الذهن بحقائق راسخة تشكل غلافا معرفيا عند بني تلك البيئة عن الأشياء قبل تجربتها وقبل بلوغها، ما يضع حواجزا تصورية تحول بين الانسان ومباشرة الحقائق الدفينة عن الاشياء في الكون، فيكتفي بتنمية تلك التصورات الموروثة عن الأشياء.

الحياة دورة تبدأ من الوجود الأول للكائن الحي في عالم النمو..والحياة علم على النمو والتكاثر والانتقال من صفة لضدها بعد زمن معلوم في غلاف من المألوف يحجب التغير ، والحياة دليل على الوجود وبها تتجلى كل معاني الجمال . الحياة نبض وشعور وحركة وانتقال وصراع أضداد يتجسد في مألوف نتجاوزه بكل بساطة، ولا يسمح لنا منطقنا ولا عقلنا بالوقوف عنده ولو للحظة.

الدنيا هي مفردة من الزمن تنتمي لمسار طويل عشناه بالقوة والاضطرار، ويرى بعض الناس أنه لا معنى لفصل العبارتين عن بعضها البعض، فلا معنى للحياة دون الدنيا ولا معنى للدنيا دون الحياة؛ وهو نظر فيه نظر؛ فمن البديهي أننا حين نقصد الحياة فإنا نقصد شكلا من الوجود ينتقل بالشيئ من صفة لضدها بسرعة تحجب الانتقال، أما حين نعني الدنيا فإننا نبحر في قاموس الزمن وهي امتداد لعصور من الوجود سبقتنا وسنعيشها في عوالم مختلفة عن واقعنا، وهذا ما يحيلنا إلى أن المفردتين تنتميان لأصلين مختلفين ويتضح اختلافهما في الفرق بين الوجود والزمن؟ والوجود صفة تتجسد في الزمن؛ والزمن نسبة بين شيئين.

وهنا نكتشف أن الذي يخيل على ذهن المتدبر لهاتين العبارتين حتى يظنهما مركبا لا يختلف في الدلالة؛ ولا معنى لأحد جزءيه دون الآخر، هو أن الدنيا هي حدود حياتنا وهي ما يفسر حقية ما نعيشه هنا، ويمكن تفسير بنية الحياة بسهولة حين نستوعب كنه الدنيا.

ديدي نجيب

اترك رد