الرئيسية / الاخبار / كيف نصنع قناعة من الماس..؟

كيف نصنع قناعة من الماس..؟

تتلبد سماء الصمت كل مساء بصولة من الغيوم الكثيفة التي تكاد تمطر قبل أوانها وحين يقرب النوم ؛ وهو فصل الحصاد إذا بها تنتشر في فضاء واسع ..حتى تفقد القدرة على معرفة وجهتها الأخيرة..

ونصحو صباحا على أرض يابسة مألوفة وكأن فصول السنة انتهت في ساعة واحدة من الليل. ذلك أقرب ما توصف به الأفكار التي تزدحم على الذهن أثناء وقبل النوم فبعضها لصيق عميق وبعضها يزول قبل تجذره في النفس أوقبل أن يولد.

بين هذا وذاك جلست أصنع قناعة من الماس كأقوى معدن صلب لا تأثر به حدة اللحظات ولا تحزّ به ضربات الظروف ولا شراسة الكلمات، قناعة صلبة لا تزيحها عواتي الزمن ولا عواصف الواقع ..

إن صناعة قناعة قوية ليس لعبة جميلة مسلية ولا ترفا فكريا ممتعا، ولا حلما مفجعا ينتهي بيقظة مفاجئة تخلصك من الوهم، لكنها تحدّ عظيم للياقة العقل وقدرة النفس في مجابهة الآخر ودليلها معرفة ورضى وصمت وصمود وسر..مفردات قل أن تجتمع في قلب ..غريبة تفزع السامع أكثر ما توقظ به روح الإقدام..لكنها جميلة حين تجد رجلا يحب نفسه ويعرف قيمة الفراغ الذي يملأه في قلب الوجود بالنسبة لنفسه على الاقل.

إننا كبشر ننتمي لمجتمع له بنية ثقافية وسلم اجتماعي وعادات محترمة وتقاليد ـ نبذل في سبيل إحيائها الغالي والنفيس، بها يؤمن الفرد في لاوعيه وتوجّه الصغير قبل الكبير ويشعرها الميت قبل المولود..لأننا نجهل علم الحياة ..ذلك المعجم الذي نبعده عن الطريق كل صباح وكل مساء ونتحمل أعباء الصبر ـ لنعيش فترتنا بكل هدوء وطيب ذكر لا يمت بصلة لشعورنا ولا لذكرياتنا ولا للحظاتنا التي ولدت في الوحدة وعاشت في الضياع ، حتى يرضى الآخر عنا ويذكرنا بخير بعد حين .. وقبل أن نغادر نلجأ إلى كل أشيائنا الجميلة لنعيدها لظرفها الصغير حتى لا تثير أهتمام أي كان أو تفسد عليه الصورة النمطية التي يعتبرنا من خلالها وتمثلنا في ذهنه….

إننا نحتاج لمعرفة وفهم أنفسنا معرفة موضوعية عميقة تتجاوز ما يعرف الآخر عنا وما تلقيناه من الآخر عن أنفسنا، لنصل أبجدية القناعة ونتقدم في دربها، فالقناعة باب لا يدخل من غير طريق النفس ،، هي سلم نجتازه في الوحدة دون أي تأثير أورياء أو تكلف، ولها عقباتها القوية التي تعيدك للبداية، حتى تشعر أنك فقدت عمرا نادرا في سبيل افتراض لا يسمن ولا يغني من جوع.. كيف نصنع قناعة ؟ سؤال يتطلب أن نتملص من قبضة الآخر ونملك هدفا يشعره الانسان قبل أن يعيشه، حتى ننتقل من اعتبارات اللحظة والمكان لنفسر للآخر ما نشعره مما يتناقض عنده مع ما يعرف عنا…فنحن فقط من يمكن أن يفسر أنفسنا للآخر وهو من يعيننا على التغيير والانتقال من حياة لأخرى فبدونه لن نحرك ساكنا وبدون أنفسنا لن يغير هو نظرته إلينا…ولن نؤمن بما حققنا من تغيير قبل أن يبوح به الآخر سهوا..فالآخر جزء منا وعلينا إشراكه في عملية بناء القناعة التي نحلم بها..

ديدي نجيب

اترك رد