الرئيسية / على الهامش / حرب البسوس

حرب البسوس

ذكر الشاعر ناقة البسوس أنها من الشؤم بمكان ومن شرطنا التعريف بالمرأة المسماة البسو س وناقتها , ذلك أن البسو س بنت منقذ التميمية كانت مقيمة مع ابن اختها جساس بن مرة الشيباني في بكر بن وائل وكان لها جار اسمه سعدبن شمي الجرمي يقيم بجوارها وكانت له ناقة تدعي” سراب “ وكان في ذلك الزمن قد ملك كليب قبائل معد وكان يضرب به المثل في العز والملك فكان يجير علي الدهر أي يقول )وحش البلد كذا في حماي فلا يهاج( وكان له حمي ترعي فيه ابله ولا يرعي معه فيه أحد ولا ترد ابل مع ابله في يوم حتى قيل “أعز من كليب وائل” وقد أخذه الزهو من اتفاق المعدية علي تمليكه وبُعد صيته في العرب الاخرين فأطلق العنان لنفسه دون عقله وأصبح نافذ الكلمة لا معقب لما يقول في شأن القوم حتى من المقيمين حواليه فإنهم يأتمرون بأوامره و ينتهون عن الرعي في حماه والأمور المحذورة عنده ليلا يغضب واستمر الحال هكذا حتى قتل كليب بن ربيعة لناقة جار البسوس بنت منقذ خالة جساس بن مرة الشيبان.
من قبيلة كليب من فرعها الثاني الهام , ذلك أن الناقة “سراب” دخلت حمي كليب مع بعض ابله فلما فطن لها ضربها بقوسه فاشرقت بالوتين ثم جاء صاحبها وهوسعد بن شمس الجرمي جار البسوس بنت منقذ التميمية وهي خالة جساس كما تقدم ولما جاءها الرجل مرعوبا من فقدانه ناقته ومن كون قاتلها هو كليب بن ربيعة , فما إلا أن ذهبت الي ابن اختها جساسا وأخبرته الخبر وكان سنه دون العشرين آنذاك .
فأبت له نخوته أن يترك الامر يذهب هكذا سدى دون تصرف حازم فذ هب الي كليب في حماه ومعه يرافقه عمرو بن الحارث الشيباني بن عمه فأتيا كليبا فكلمه جساس قائلا “ياأبا الماجدة ” وكانت لقبا لكليب، عمدت الي ناقة جارتي فعقرتها فقال له كليب “أتراك مانعي أن أذبّ عن حماي ” فاستشاط جساس غضبا من تحقير كليب له فضربه حتى قضم صلبه ثم جاءه عمرو بن الحارث من خلفه فقطع بطنه حتى وقع كليب يفحص برجله وهو ينادي يا جساس اسقني شربة ماء فقال جسا س : هيهات جاوزت شبيثا والأ حص (وهما ماءان مشهوران في تلك المنطقة ) ومعني كلمة جساس لكليب أن الماء بعيد متناوله منه الان لأنه ظالم حسب ماوقع في عدة مرات منها هذه وهي أشهرها علي الاطلا ق.
هذا وقد علم العرب بمقتل كليب بن ربيعة ملك معد , وقد قال عمرو ابن الأهتم المنقري التميمي
بعد مقتل كليب مباشرة هذه الابيات :

وان كليبا كان يظـــــــــلم قو مه *** فأدركه مثـــــل اللذي تريان
فلما حساه الرمح كف ابن عمه *** تذكر ظـــــلم الاهل أي أوان
وقال لجـــسا س أغثني بشربة *** والاّ فخـــبر من رأيت مكاني
فقال تجـاوزت الاحــص وماءها *** وبطن شبيث وهو ليس بدان

ومن ما قيل ابيات البسوس نفسها تخاطب جارها

وتوقظ همم الرجال لحماية الجار تقول :

لعمري لو أصبحت في دار منقذ *** لما ضيم ســـــــعد وهو جار لأبياتي
ولكنني أصبــحت في دار غربة *** متي يعد فيها الذئب يعدو علي شاتي
فيا سعد لا تغرربنفسـك وارتحل *** فانــــــــك في قوم عن الجار أموات
ودونك أذوادي فخــــــذها فإنني *** لراحلة لا تغـــــــدروا ببـــــــــنياتي

وهذا بليغ في الموضو ع وهو خفرذمة المرأة البسوس بنت منقذ التميمية وخفر ذمة أبن اختها جساس بن مرة الشيباني خصوصا وأن المنفذ لهذا الظلم من كان من المفروض أن يقف حاجزا دون أي ظلم في شبه مملكته اذا كان يريد العافية .
لا بأس أن نمر ولو سريعا بتعريف كليب بن ربيعة وهو غني عنه لشهرته : فنقول هو كليب بن ربيعة التغلبي من الفرعين الكبيرين من بكر بن وائل , كان ملك المنطقة التي وقعت واقعته .
كان لكليب أخ يقال له المهلهل واسمه عدي بن ربيعة وكان يزن أنه زير نساء ومدمن شراب وهذا ن الامران ليسا مما يمتدح في الجاهلية بالرغم من مزاولة الامرين من الأكثرية ،الساحقة من المجتمعات آنذاك , فلما سمع بمقتل اخيه كليب غاظه وفاجئه الامر وترك الخمر والنساء بعد أن رحل بنو شيبان ومن والاهم عن التغلبيين ومن والاهم من بكر بن وائل وكان معظم الناس يري عدم الدخول في الحرب ومنهم سيد بني قيس بن ثعلبة في من هو تابع له وهو فرع من بكر بن وائل, ثم ان بني شيبان ومن معهم نزلوا بالنهي وهو ماء لهم وكانت عند ه أول وقعة من حرب البسوس كما ذكر المؤرخون .
وقبل الحرب فقد اجتمعت رؤوس قبائل عدة عند المهلهل وكلفها باللقاء مع مرة بن ذهل الشيباني والد جساس وأن تعرض عليه اربع خلال ، احياء كليب لهم،تسليم ابنك جساسا فنقتله بكليب ، او ابنك هماما كذلك أو أن يمكنهم من نفسه ليقتلوه مكان كليب.
فقال لهم مرة بن ذهل الشيباني مجيبا علي طلباتهم: ) أما احيائي كليبا فهذا ما لايكون , وأما جساس فانه غلام طعن طعنة علي عجل ثم ركب فرسه ولا أدري أي البلا د أحتوي عليه , وأما همام فانه ابو عشرة واخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم فلن يسلموه لي لادفعه لكم ليقتل بجريرة غيره ،وأما أنا فهل هي إلا أن تجول الخيل جولة غدا فأكون أول قتيل بينها فما أتعجل من المو ت , وبالمقابل لكم عندي خصلتان : هاؤلاء بني الباقون خذوا أحدهم وعلقوا في رقبته نسعة وخذوه الي رحالكم لتنحروه نحر الجزور , والا فألف ناقة سو داء المقل اقيم لكم بها كفيلا من بني وائل)
فلما سمعوا رده غضبوا واخبروه لم يعجلوا في الامر بل انهم يلومونه علي بخس ابنائه لهم ومساواته لهم اللبن بدم كليب فهذا أمر لا يتصور أبدا ’ وخرجوا من عند ه مغضبين لعدم تلبية أي شر ط من شروطهم ومحاولة مرة أن يكون الحل بقتل أحد بنيه غير من ذكروا في طلبات الرجال القادمين بمقترح من عند المهلهل بن ربيعة وقد سمعنا رده عليهم وقد تهرب من تسليم أي مطلو ب بذريعة مقنعة وبذ لك يكون قد القي الكرة في مرمي الطرف باعطائه لهم الاذن بأخذ أحد بنيه الاخرين وهذه اللفظة التي وردت في مقترحه هؤلاء بني الباقون ؟ وهذا من الصدق والذكاء في هذه الكلمة قد سبب تعقد القضية حتي لم يبق خيار غير الأ هبة والاستعداد للحرب التي لا غالب فيها ولا مغلو ب ولا فيها قاتل ومقتول تمرير قضية الدية ثم ان الحرب ارتفع صو ت طبولها واجتمعت الي المهلهل عدة فروع من بكر بن وائل علي بني شيبان اللذين لم يكن معهم أول الامر الا سوادهم الاعظم .
وقد بدأت الحرب بيوم النهي وهو أول يوم من ايام حرب البسوس ثم يوم الذنائب ويوم واردات ويوم الحنو وعويرضات ويوم القصيبات ثم يوم تحلاق اللمم ويم الثنية وكانت الدائرة في اكثر هذه وما تلاها لبني تغلب علي بني شيبان.
و تلاحقت تداعيات حرب البسوس بعد مقتل كليب وتدخل الحارث بن عباد بعد مقتل ابنه بشسع نعل كليب وقسم الحارث علي أنه لا يوقف القتل حتي يكلمه من في القبور وقد نجحوا في جعل الحارث يستيقن أو يظن أن الناس كلموه بعد موتهم وذلك أنهم قد أ مروا وأكدوا علي الرجل المدخل في البير أن ينشد عند بدء المعركة في الايام الموالية بأعلى صوته
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا *** حنانيك بعض الشر أهون من بعض
ثم انهم تنادوا الي الصلح وتحمل الديات وغيره من بوادر السلم فتوقفت الحرب بعدما حصدت عددا من الابطال والابرياء والنساء والشيوخ من الفريقين وكانت الدائرة في النهاية لبني شيبان بمساعدة الحارث بن عباد سيد بني قيس بن ثعلبة علي بني تغلب من بكروائل ومن والاهم بقيادة المهلهل عدي بن ربيعة الذي أسره الحارث بن عباد وهو لا يعرفه.ثم لم يبق من ذكرهذه الحرب وأيامها وما قيل فيها من كلام مأثورالا قصيدتان أولاهما لمهلهل يرثي اخاه كليبا بن ربيعة ومطلعها:

أليلتنا بذي حـــــــــسم أنـيري *** اذا أنتتتت انقضــيت فلا تحور
فان أك بالذنائـــــب طال ليلي *** فقد ابكتتي من اللـــيل القصير
وأنقذني بيـــاض الصبح منها *** وقد أنقتتتذت من شـــــــر كبير
كأن كواكب الجـــــوزاء عوذ*** معطلة علــــــــي ربع كسير
كأن الجــــــدي في مثناة ربق *** أســـــــير أو بمنزلة الأسيــر
كأن الفرقــــــــدين يدا مفــيض ***ألـــــــح علي افاضـــته قمير

الي أن يقول متخلصا الي رثاء اخيه وفخره بقتل رجالات من بني عمومته:

فلو نبش المقابر عن كــلـيب *** لأخبر بالذنــــــــائب أي زير
بيوم الشعــــــثمين لقــرعينا *** وكيف لقاء منت تحت القبور
وأني قد تركــــت بواردات *** بجــــــــــيرا في دم كالعبير
ينوء بصـــدره والرمح فيه *** ويخلـــجه خدب كالبعير
هتكت بيــــــــوت بني عباد *** وبعض القتل أشفى للصدور
وهمام ابن مرة قد تـــــركنا*** علــــيه القشعمان من النسور
علي أن ليس عدلا من كليب*** اذا طرد اليتيم عـــــن الجزور
علي أن ليس عدلا من كليب*** اذا زحف العـــضاه من الدبور

ويستمر في تكرار شطر بيته :

علي أن ليس عدلا من كليب الخ …..الي ان يقول في آخر مرة منها:

علي أن ليس عدلا من كليب *** اذا علنت نجيات الامور

الي أن يقول مخاطبا كليبا :

فلا وأبـــــي جليلة ما أفأنا *** من النعـــم المؤبل من بعـير
ولكنا نهكــــنا القوم ضربا *** علي الاثــــباج منهم والثغور
قتيل ما قتـيل المرء عمرو *** و جساس ابن مرة ذو ضرير
تركنا الخيل عاكفة عليهم *** كأن الخيتتتتل تدحض في غدير

ومن أبياتها المتعارفة لدي الناس قوله:

تسائلني بديـــــلة عن أبيها *** ولم تعـــــــلم بديلة ما ضميري

وهي طويلة. وكذلك قد بقيت مرثية الحارث بن عباد لابنه بجيرا خالدة ومطلعها:

قل لأم الاغر تبكي بــــجيرا *** حـــــيل بين الرجال والاموال
لهف نفسي علي بجير اذا ما *** جالت الخيل يوم حرب عضال

الي أن يقول منها

ولعمري لأبكـــــــــين بجيرا *** ما أتي الماء من رؤوس الجبال

الي أن يقول

يابجير الخيرات لا صلح حتي *** نملأ البيد من رؤوس الرجال

الي أن يقول في آخرها:

قربــــــاها وقربا لامتي در*** عا دلاصــــــــا تــــرد حد النبال
رب جيش لقيته ممطرالمو *** ت علي هيـكل خفيـــف الحلال
سائلواكنـــدة الكرام وبكرا *** واسألوا مذحـــجا وحــــي هلال
اذ أتونا بعسكر ذي زهاء *** مكفهرا لاذي شـــــــــديد المصال
فقريـــــناه حين رام قرانا*** كل ماضي الذباب عضب الصقال

ومن ابياتها المشهورة المطربة قوله:

قربا مربط النــعامة مني *** لبـــــــــجير فداه عمي وخالي
قربا مربط النعــامة مني*** ان قتل الاحرار بالشسع غالي

وهي من غرر الشعر العربي (يتبع إن شاء الله)
الأستاذ: محمدن بن عبد الله

2 تعليقات

  1. ماهي الاستعارات التي تبرز في القصيدة

  2. وخيرت بالملك ولاغرو فاهل احملمحمد اسرة علم وصلاح

اترك رد