الرئيسية / فيسبوكيات / النـَّــوْشْ …. من صفحة الأستاذ يعقوب بن اليدالي

النـَّــوْشْ …. من صفحة الأستاذ يعقوب بن اليدالي

 

النوش لغة مصدر من فعل ناش ينوش ، وناش الجالس أسرع في النهوض و ناش الشيء تناوله ومن ذلك قول البدوي :

وناشهم سلمة ابن الأكوع *** وهو يقول اليوم يوم الرضع

واصطلاحا هو مطاردة يقوم بها الرجال بعد المسك بذيل الثور أو البكرة لقصد معين ، قد يكون لوضع علامة  مميزة على الصغار، أو حقن المبيطر أوطعنه الذى يشفى من العضد، أو تقييد الضوال الهمل أو ترويض الدواب الشرد أو تهذيب مراس العوذ المطافيل و في ذلك كله تستوى الإبل مع البقر.

إلا أن طرق تثبيتهما تختلف – كما أخبرنى أحد أهل التخصص- ففى الإبل يكفى الإمساك بالرجل الخلفية لتوقيف البعير أو البكرة وثباتهما ، أما الثيران والعجول فلابد من إمساك الساق الأمامية لتتوقف عن الركض وتستقر. ويعتمد “النوش” على اللياقة البدنية أولا و الخبرة و الممارسة ثانيا ، و لابد للرعاة و المنمين من احترافه للقيام بالمهمات التى أشرنا إليها سابقا.

وقد وسع المجتمع الحساني الحقل الدلالي لكلمة “النوش” فأصبحوا يطلقون “نوش التاديت” على السؤر الذى يحتسيه الحالب بين الفيقتين أو قبل حلبه لدابة أخرى . كما يستعيرون “نوش البيت و الكاف” لمن تذكر عجز البيت دون صدره….

وتروى في المجالس البدوية طرف عديدة تتعلق ب”النوش” منها أن عسكريا فرنسيا مر على منم  يدعى :”ول ا گب”  فرآى في إبله بعيرا أعجبه فقال للمترجم الذى يرافقه  مُرْهُ أن يعقل ذلك البعير فسوف نرسله مع القوافل، فبادر المنمي كالمنفذ لطلب الفرنسي ومال إلى ذنب البعير وقرصه قرصة مؤلمة فثار الأخير و ركض بصاحبه ركضا منكرا مر به خلاله على أكمة من أشجار القتاد، فسالت الدماء من أطراف المنمي وترك البعير شاردا، فلما رأى الفرنسي المشهد اشمأز من نفور البعير و ما سببه لصاحبه  من الضرر، وأمر المترجم أن يخبره بعدم حاجته للبعير فقال له المترجم – وقد فطن لحيلته – “حَكْ عَنْ ذَاكْ گِدْ نَوْشَكْ يَوُلْ اگبَ” فسارت مثلا .

ومنها أن واحدا من “گوميات”  كلفه “كوماند” بمهمة عويصة تتعلق بنقل بريد عاجل من أطار إلى المذرذرة وقد رصد له جائزة سنية إن هو تمكن من توصيلها في الوقت المحدد، فلما جاوز إنشيرى ضل أحد جمال القافلة ليلا وهو يحمل زاده ومتاعه فاستغاث بالشيخ الصالح لمرابط بن متالى رحمه الله ، فلما أصبح طلب الجمل فوجده قرب شجرة يأكل من ورقها فاقترب منه و أمسك ذيله فركض به الجمل يمينا وشمال في حزون الأرض لكن الرجل كان “نواشا” فأمسكه و زمَّه والتفت إلى الخلف كالذى يحدث مرافقه وقال: ( لِمْرَابِطْ رَانَكْ عَدَّلْتْ ذَاكْ الِّ اعْلِيكْ أُمَزَالْ ذَاكْ الِّ شُورِ يَانَ وِنْدُورْ نَتِقْنُ )

 وقد حدثنى الثقة أن “النوش” كان الرياضة المفضلة لأحد الخلفاء الذين ساسوا بلدنا ، حيث يلبس جلبابا أسود ويتجه إلى معطن غير بعيد من القصر، فيمسك بذنب بعير أو بكرة فتميل به ذات اليمين و ذات الشمال حتى يقطع مسافة بعيدة على تلك الحال ثم يرجع وقد تصبب عرقا فيدخل الحمام  ويرجع إلى نشاطاته العادية.

ومن النكت الايگيدية المتعلقة بالموضوع ما يروى من أن أحد الطلاب كان يقرأ خطبة القاموس على شيخه فلما بلغ قول مجد الدين الفيروز أبادى :(_ … على أنى أذهب إلى ما قال أبو زيد إذا جاوزت المشاهير من الأفعال التى ياتى ماضيها على فعَلَ فأنت في المستقبل بالخيار..)

قال الشيخ ” أرَاه ُ لاحْتُ فَعَلَ” و “اللوح” بالحسانية يصطلح لإلقاء الدابة لمن ينوشها على الأرض.

وقد استخدم الأدباء مصطلح ” النوش” في بعض أدبياتهم  إما تصريحا أو تلميحا ، حيث  نجد الشيخ امحمد بن أحمد يور يورد المثل العامي الشهير “عذر النواش”  في إحدى روائعه  التى ذكر فيها أماكن من مقاطعة الركيز حين يقول:

إِبْنـِـــصَّكْ وَ للَّ گَاعْ إِزِيدْ *** امْشَ تِشْــوَاشْ ازْمَـانْ ابْعِــيدْ

وانـْــتَ تَاهِمْ عَنُّ مُفِيدْ *** أيَمْ التـِّـشْوَاشْ اعْليِكْ اعْمَاشْ

واتْبَانْ اعْذَرْتْ ابْلِمْهيِريدْ *** وِبْكِتـْــبِيـتْ اللَّ لِلتـِّـــــشْوَاشْ

أهَذا هُوَّ مَوْگـَـــفْ تَوْحِيدْ *** اللـَّــــگاطْ أعـِــــــذْرْ النَّوَاشْ

وأثرَكْ لَجـَـــيْتْ التُمْبَزَيْدْ *** مِنْ جِيـــــهِتْ لُـوَيْدْ ال ِّخَاشْ

فَجَارْ امْــنْ امْگابِلْ لِغْرَيدْ *** مَــا يَبـْـــــگالِ مِنــَكْ مُنْگاشْ

والمثل يضرب عادة في الذى يفشل في إنجاز مهمة أوكلت إليه،  فيبدأ في سرد الأعذار التى حالت دون إتمامها،  تماما كما يفعل “النواش” إذاما انفلتت دابته من يديه فيلقى اللوم على طبيعة الأرض و قصر المضمار وعرق اليدين ….

أما الأديب آدبّ بن الشيخ أحمد فقد أشار إلى النوش تلميحا في قوله ” يَعْـمَلْ مُـــلاَنَ مَا تِنْتَاشْ ” الوارد في نصه التالى:

عـَـــگْلِ عَـــنِّ لاَهِ تِمْــشِ *** ذَرْوَكْ نَافِــــدْ سِبِّتْ فِلْشِ

مَشْــــيَكْ عَنَّ مَاهُ مِنْشِ *** نِحْنَ ذُ وَاحِدْ فِالتِّـــشبَاشْ

غِيرْ إلَ گِلْتْ ألاَّ تِمْـــــشِ *** يَعْـمَلْ مُـــلاَنَ مَا تِنْـــتَاشْ

آنَ هـُــــوَّ الِّ مَـانِمْـــــشِ *** وَاعِدْ سِــبِّتْ فِلْشِ وَلاِّشْ

أما الشيخ الأديب محمد بن أحمد سالم الأبهمي فقد صور لنا في قطعته التالية مشهدا نادرا من مشاهد “النوش”  بطله الشاعر نفسه حيث أن جملا لشيخه كان قد شرد لفترة طويلة حتى صار متوحشا لا يألف البشر، ثم إنه رجع إلى  مسارح “انيفرار” فبادر طلاب  الشيخ ومريدوه بملاحقته بهدف الإمساك به لكنهم عجزوا عن ذلك لقوته وشدة نفوره، فانتدب الشاعر القوي للمهمة وقام بها على الوجه المطلوب، وهذه الأبيات تشى بخبرة الشيخ في تطويع ضوال الإبل وشوارد اللغة :

و معود صرع الكماة مشرد *** أوحــى إلي مقـــالة المــتـــشدد

يا أيها الغـــادى يشــمر ذيله *** حدبا ليـأخذ مــقودى و مقيــدى

كذبتك نفسك في شرود جافل *** ذى مرة في نفــسه مــــتأبد

نجم المصيف عليه تدعو أنفه *** قنن القــــــتاد اليـــانع المتــأود

كادت تقـــدمه مخوض قادها *** قدر إلى ركــــن لها مـــستأسد

بينا هما في غيضة قد طال ما *** طلبا جــــناها من مــكان أبعد

شد السباع عليهــــما فعقرنها *** و مضى لوجهته نجــاء خفيدد

قلت اتئد فلســوف تبقى موثقا *** قسرا ألد بغــــير قـــيد محصد

أنجتك من شرك السباع عناية*** قادتك نحــوى لاقطــا لك باليد

فغدا تـــقود له التلامذ فى ذرى *** شيــخ كريم النجر هــاد مهتد

وأغلب الظن عندى أن الشيخ المذكور في الأبيات هو الشيخ أحمد الفاضل لأن الشاعر أخذ عنه هو و بنوه و لما يكنه له الشيخ من التقدير و الإعجاب ومن ذلك قولته الشهيرة : عجبت لمن يضحك وليس عنده ابن عم كمحمد بن أحمد سالم ، ثم إن الشيخ كان معروفا بكثرة الإبل و إلى ذلك يشير سيد أحمد لحبيب بن المختار الفاضلى في منظومته للعبر بقوله: وماله من إبل ومن بقر الخ…

يعقوب بن عبد الله بن أبُنْ

 

شرح بعض الكلمات الواردة في القطعة تتميما للفائدة:

 

ذى مرة: المرة القوة و الجمع المرر و أصلها قوة الفتل و الإمرار إحكام الفتل يقول لبيد في معلقته:

رجعا بأمرهما إلى ذى مرة ***حصد ونجح صريمة إبرامها

متأبد: متوحش و كذلك أبد يأبد أبودا

متأيد: اسم فاعل من تأود ، وتأود العود تعوج و تأوده الأمر ثقل عليه وشق

نجاء: الإسراع

الخفيدد: السريع و تطلق أيضا على الظليم الخفيف لسرعته يقول طرفة في معلقته:

و إن شئت سامى واسط الكور رأسها *** وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد

محصد: الحصد المحكم و الفعل حصد يحصد و أحصدت القيد أحكمته

 

 

 

 

 

 

 

 

4 تعليقات

  1. ومن قصص النوش أيضا ما يروى أن شيخا من بني ديمان كان في تلاميذه شاب من أهل مركب “إيجك” شديد الذكاء سريع الحفظ فأعجب به الشيخ كثيرا حتى أسر إلى بعض أهله أنه سيزوجه ابنته فاشتد عليهم ذلك لما يرون من أولوية بني عمومتها بها ولما يخفى على الشيخ من طباعه, فاحتال أحدهم على التلميذ يوما فأوهمه أن لمرابط يريد بعيرا له ليضع عليه النار فقام التلميذ بمطاردة ذلك البعير وكان شرودا ينوشه بين خيام الحي حتى مر أمام خيمة الشيخ فأسقط خالفة منها وتدفق شراب كان مهيأ له فسألهم ما هذا فقالوا تلميذكم فلان يريد أن يمسك لكم البعير فقالوا قولوا له يدعه فإنه لم يعد لي به حاجة ففهموا بذلك أنه فهو مقصدهم.

  2. article très original garni des poèmes bien choisis merci Yacob et vivement d’autres pépites

  3. بباه ولد الداهي
    مقال جميل، ما لي من تعليق سوى:
    مقال يلوح المرء حين يرومه@كما لوح ذو ضعف بأرض المعارك
    ينوش المعاني في احتراف وخفة@ كنوش ظباء من برير الأرائك

  4. موضوع ظريف وتناول يشي بالحس البحثي والأدبي لكاتبنا يعقوب، لا عدمناه..

اترك رد