الرئيسية / اكليع الغب / تساؤلات حول الدليل الأمين ؟؟؟

تساؤلات حول الدليل الأمين ؟؟؟

 

منذ أن ألمح رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر رضي الله عنه باحتمال أن يهاجرا معا، و ذو الخلال يجهز ويخطط – طيلة أربعة أشهر- لهذه الرحلة الشاقة الشيقة، من خلال ما اكتسبه من التجارب في أسفاره مع قوافل الايلاف.

اشترى راحلتين قد سرى النِّيُّ فيهما بالقدر الذى سيجنبهما الانضاء طيلة السفر، ووزع أدوار البطولة بين شباب من أهل بيته، فدرب عبد الله على تحسس الأخبار من خلال التنصت للأحاديث التى يتجاذبها الكبار في أندية و أفنية الحرم. حيث ستكون مهمته الأساسية هي قياس مستوى ردة فعل قريش على الهجرة و جلب أكبر قدر من المعلومات عن عمليات المطاردة خصوصا مكونات فرق الطلب و الطرق التى ستسلكها.. ، كما طلب من ابنته أسماء توفير جميع المستلزمات اللوجيستية الضرورية للرحلة وجلبها ليلا – وفي الوقت المحدد- إلى غار ثور الذى يبعد 4 كيلومترات عن الحرم.

أما عامر بن فهيرة فقد كلف برعي غنمه نهارا في سفح جبل ثور وبعد حلول الظلام يجلب اللبن إلى الغار، و يعود مباشرة إلى مكة ليسمر مع الرعاة، ثم يباكر بغنمه إلى بطحة قريش ليمحو آثار خطى عبد الله الذى سيعود فجرا من الغار بعد أن يطلع المهاجريْن (رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه) في الليل على ما سمعه في النهار. كما لعبت أمنا عائشة – رغم صغر سنها- دورا جوهريا في هذه المهمة النبيلة، بدا جليا من خلال ضبطها لتفاصيلها الدقيقة، التى وصلتنا عنها عبرصحيح البخارى.

ونظرا لدرجة الغليان و الاحتقان السائدة آنذاك في المجتمع المكي ، فقد قرر المهاجران أن يسافرا عبر طريق ساحلية غير معهودة ليسلما من خطر ملاحقة مرتزقة العرب. ولكي يتم ذلك فلا بد لهما من التعاقد مع دليلٍ أمينٍ خرِّيتٍ ماهر بالهداية في الصحراء.

وقع اختيارهما على رجل من بنى الدئل أهدى من القطا، قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل ، يدعى عبد الله بن أريقط ، فأمناه – رغم أنه على دين قومه- ودفعا إليه الراحلتين ليرعاهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال .

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته ليلة الخميس 26 صفر تاركا عليا بن أبى طالب كرم الله وجهه في فراشه ملتحفا ببرده الحضرمي الأخضر، و سلك طريق اليمن حتى وصل إلى بئر ميمون حيث وجد أبا بكر في انتظاره فاتجها مباشرة صوب غار ثور و كمَنَا فيه ثلاث ليال هي الجمعة والسبت والأحد.

e17864cec56447f59a18c19e57adb6c0

جبل ثور 

لما جاء عبد الله في الموعد المحدد ،وجد المهاجريْن بانتظاره و برفقتهما عامر بن فهيرة، وذلك بعد أن أضلت الحمامة والعنكبوت عصابات الطلب المكية التى تقصت أثرهما إلى الغار، طمعا فى الجائزة السنية المرصودة لمن يبلغ عنهما (100من الإبل لكل واحد منهما).

فالصدق في الغار والصديق لم يرما *** وهم يقولون ما في الغار من أرم

ظنوا الحمام وظنوا العـــنكبوت على *** خـــــير البرية لم تنسج ولم تحم

وقاية الـــــله أغنت عــــن مضاعفة *** من الدروع وعن عال من الأطم

انطلق السفر المبارك صبيحة الاثنين غرة ربيع الأول الموافق 16 سبتمبر 622 ميلادية يتبع إرشادات الدليل المحترف، فسلك بهما أسفل مكة ، ثم مضى على الساحل حتى عارض الطريق أسفل عُسفان، ثم سلك أسفل أمَجٍ ، ثم استجاز حتى عارض الطريق بعد ان أجاز قُـدَيْدًا، حيث مرا على خيمة أم معبد عند المشلل على بعد 130 كيلومتر من مكة، ثم سلك بهما الخرَّار، ثم ثنية المرت، ثم سلك لِقفا ثم أجاز مَدلجة لِقف، ثم استبطن مدلجة مجاج، ثم سلك مذجح مجاح ثم تبطن مذجح من ذى الغضوين ، ثم بطن ذى كشر، ثم أخذ الجداجد ، ثم الأجرد ثم سلك ذا سلم من بطن مَدلَجة تعهن ثم مر على العبابيد ثم أجاز الطاجة ثم هبط العرج ثم سلك ثنية الغائر حتى هبط بطن ريم حيث التقيا بالزبير بن العوام مع جمع من التجار قافلين من الشام فكساهما ثيابا بيضا و أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتشوق أهل المدينة إليه، ثم دخل الركب المبارك قبضاء – على بنى عمرو بن عوف – ضحى الاثنين، لثمان ليال خلت من ربيع الأول. الموافق 23 سبتمبر سنة 622 . وقد رجع عبد الله بن الأريقط مباشرة إلى مكة بعدما قام بمهمته على أكمل وجه، و أوصل إلى عبد الله بن أبى بكر رغبة والده فى التحاق أسرته به في أسرع وقت . وقد عقد هذا الطريق العلامة ببها بن محمذن بن أحمد بقوله:

من غار ثور وصل المختار *** وصـحبه لأمج إذ ساروا

وبعد أن جاؤوا إليه قد ثبت *** مـــجيئهم إلى ثنية المرت

وبعدها لقــــف وبعدها أتوا *** مَدلَجَة لها إلى لقــف نموا

وبعدها مـــــــدلجة المَجاج *** وهي بفتح الميم كالعَجاج

ومذجــــح وقدم الجيم على *** حاء كما عن الرواة نقلا

ثم أتـــوا مـــدلجة تـــضاف *** لتعـــهن وما بــذا خلاف

ثم الجداجد اعددن فالأجردا*** ثم العبـــابد فطاجة اعددا

والعــــــرج فالثنية المضافة *** لغــــائر وقــلت المسافة

فبطـــن ريم ثم بــــــعده قبا *** فطيبة دار النبي المجتبى

صلى عليه ربنا ما ارتاحا*** محــــبه لذكــــــره فـــناحا

hijra-map

لا تسعفنا المصادر التاريخية بالكثير من أخبار الدليل الأمين عبد الله بن أريقط ، و رغم ذلك فإننى أرى أن الرجل كان يمتلك حظا نادرا من الأمانة جعله لا يعير أذنا لمروجى جائزة قريش التى كانت ستجعله من أثرياء العرب، خصوصا أن قيمة الأتعاب التى تقاضاها لا تقارن بها. بل فضل احترام عهوده والوفاء بالتزاماته حتى مع مطلوبين هاربين لا تجمعه معهما لحمة الدين. وهو في سبيل ذلك يعرض نفسه لخطر انتقام قبيلة قوية وذات شأن وتربطه بها أواصر الحلف.

وقد قمت ببحث سريع حول هذه الشخصية الغامضة فوجدت أن الطبري ذكر فى تاريخه أنه يدعى عبد الله بن أرقد و أن أمه امرأة من بنى سهم بن عمرو .أما ابن القيم فقد نسبه في زاد المعاد إلى بنى ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. والراجح في نسبه ما ورد في صحيح البخاري من أنه من بنى عبدِ بن عديِّ بن الدئل بن بكر بن عبد مناة.

ودئل بضم الدال وكسرالهمزة كبنية الفعل الثلاثي للمجهول وهي صيغة نادرة جدا في الأسماء.

أما دينه فقد أكد ابن كثير في البداية والنهاية أنه كان من الكفار و لا يعرف له إسلام. إلا ان الشيخ ابن حجر العسقلاني ذكره في القسم الأول من الصحابة وذلك يعنى – حسب قاعدته- أنه من الصحابة فعلا وليس من المخضرمين أو ممن له رؤية فقط أو من ذكر فيهم خطأ.

يقول ابن حجر في الإصابة: (عبد الله بن أريقط و يقال أريقد بدل الطاء الليثى ثم الدئلى، دليل النبي صلى الله عليه وسلم و أبى بكر لما هاجرا ثبت ذكره في الصحيح و أنه كان على دين قومه و لم أر من ذكره في الصحابة إلا الذهبي في التجريد. وقد جزم عبد الغنى المقدسى في السيرة له بأنه لم يعرف له إسلام وتبعه النووى في تهذيب الأسماء).

وقد رجعت لترجمته في تجريد الذهبي الذى أحال عليه ابن حجر فوجدته أورده تحت رقم 3132 ولم يزد على سطر واحد قال فيه (… عبد الله بن أريقط الليثى و يقال الدئلى فالليث و الدئل أخوان)، ولم يرمز بعده بشيء مما يعنى – حسب منهجيته- أنه زاده على أسد الغابة دون ذكر مصدره في ذلك.

والحاصل أن إيراد ابن حجر له في القسم الأول كان كافيا للجزم بصحبته لولا أنه أحال على الذهبي الذى لم يحل بدوره على شيء.

وقد ألحت علي في ختام هذه العجالة جملة من التساؤلات أردت أن أتقاسمها مع القراء بهدف إثراء الموضوع وهي:

لماذا اختفى اسم ابن الأريقط من جميع الأحداث المكية والمدنية بعد الهجرة؟ لماذ لم يتصل برسول الله عليه وسلم بعدما استقر في المدينة؟ كما فعل غيره ممن لهم عليه أيادٍ؟

هل عاش ابن الأريقط حتى أدرك السنة التاسعة للهجرة؟ و إذا ثبت ذلك فإن القاعدة العامة تقضى باحتمال اسلامه لأنهم يعتبرون كل من أدرك تلك السنة من سكان الجزيرة العربية مسلما؟ لكن لماذا لم يذكره ابن حجر في القسم الثالث الذى خصصه لتلك الفئة من الصحابة؟

ما حقيقة صحبته التى ذكرها الذهبي في التجريد؟ أم أنها صحبة بدعوى العاطفة ، حيث يؤكد بعض أهل السير اسلام أشخاص قبل أن يكتمل لديهم الدليل على ذلك كأبى طالب وغيره..

يعقوب بن عبد الله بن أبنْ

7 تعليقات

  1. أستاذنا يعقوب، أرى، بعد إذنك، أن السؤال الأهم هو: لماذا تجاهل كتــّاب السيرة حياة هذا الرجل؟.. نرجو أن تعمق البحث لتدلنا، كعادتك، على جواب شاف

  2. محمدن ولد باب ولد محمودا

    أفدتنا و أجدت كعادتك يا يعقوب ..

  3. جزيتم خيرا.. مقال رائع أثار تساؤلات وملاحظات أروع

  4. امني ولد ححام

    أشكر الأخ يعقوب على مقاله النير والأخ بباه على تساؤلاته الواردة. وقد استوحيت من قصة ابن الأريقط عبرا وددت أن اشارككما وسائر القراء إياها.
    1ـ تؤكد القصة أهمية الأخذ بالأسباب. فالله قد عصم رسوله عليه الصلاة والسلام من الناس وكان بالإمكان أن يحميه دون الحاجة إلى أي احتياط أو تدبير أمني. لكن نواميس الكون ومقتضيات الشرع تستلزم الأخذ بالأسباب. وما يتخبط فيه المسلمون اليوم من جهل وفقر وتخلف لا يمكن أن يخرجوا منه إلا إذا أخذوا بأسباب العلم والكسب والتقدم.
    2ـ تبرز القصة ضرورة اللجوء إلى التخصص والاحترافية: فتصور وتنفيذ مسار الرحلة ينبئان عن مهارة عالية في مجال التخطيط ومهنية راسخة في معرفة التضاريس والمسالك. ولا شك أن نواقص التخصص وإيكال الأمور إلى غير المحترفين من أكبر أسباب تخلف المسلمين اليوم.
    3ـ جواز الاستعانة بالكافر: وهذا أمر ينبغي التأكيد عليه اليوم في ظل انتشار مفاهيم مغلوطة للولاء والبراء تجعل الاستعانة بالكافر بمثابة موادة لمن حاد الله ورسوله.
    4ـ الأمانة ليست حكرا على المسلمين: “ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك”. فالكافر أيضا قد يكون أمينا وصادقا وعادلا. وهذه حقيقة بات ضروريا إدراكها في عصر تفرضه فيه العولمة وثورة الاتصال تعايش المسلمين مع الآخرين.
    5ـ مهمة ابن الأريقط يغلب عليها الطابع الأمني. والغموض ربيب المهمات الأمنية. وربما لذلك شاء الله أن يظل الغموض يكتنف سيرة ابن الأريقط فلا تكاد مراجع السيرة النبوية تحسم مصيره أو تشفي الغليل بشأنه.
    6ـ العبرة في القصة ليست بشخص ابن الأريقط وإنما بالمهمة التي قام بها. ولذلك احتفظ لنا التاريخ باسمه دون سيرته. ونجد أمثلة من هذا النوع في القرآن مثل فتى موسى وأصحاب الكهف.

  5. بباه الداهي

    مقال عميق، وأسئلة أعمق،
    شخصيا استثارني المقال، وأوحي إلى بأسئلة أخرى
    1. التسمية : ليست كثيرة في عرب ما قبل عام الفيل، أذكر منها عبد اله بن عبد المطلب، عبد الله بن جدعان، الأمر الذي يؤكد أن أبن الآريقط كان من جيل هؤلاء،
    2- المهنة: يبدو أنه على درجة كبيرة من المهنية والاحتراف، وهو يرجح فرضية أنه أكبر سنا من الصديق الذي كان يزيد على الخمسين يوم الهجرة، وهذه المهنة ربما تأخذ من الصحة والبدن.
    هذان الاعتباران يرجحان أنه مات مباشرة بعد الهجرة كما يموت أي أعرابي في الجزيرة العربية
    3.غيابه عن بعض مشاهد الهجرة: قصة أم معبد، سراقة، ربما يعود ذلك إلى أنه لم يكن ملازما للرسول صلى الله عليه وسلم طيلة الطريق، أو أنه كان منهما على مسافة لاعتبارات أمنية
    هذا الاعتبار يفسر عدم إسلامه أثناء الرحلة، أما قبل الرحلة فقد كانت الاستعانة به على كفره وسلية للتخفي
    كل تلك الافتراضات تحتاج إلى خريت في كتب السير والتراجم وأنساب العرب

  6. مقال ممتاز كعادتك بارك الله فيك

  7. مقال رائع ينم عن “استهد” صاحبه في الكتب مثل استهد ابن آريقط في الجزيرة العربية ما شاء الله

اترك رد