جهاز الشم عن بعد (الشمامة)

قد أتى على الإنسان حين من الدهر ولا يمكنه أن يسمع بأذنيه إلا الأصوات القريبة منه أو الكائنة في دائرة إدراكه ثم فتح الله بالهواتف والإذاعات فصار الإنسان ترمى إليه الأصوات من مكان بعيد بواسطة هذه الآلات فكأنما يناجيه بها مخاطبون من مكان قريب.

ومضى على الإنسان كذلك ردح من الزمن ولا يمكنه أن يبصر إلا ما في محيطه القريب ليس الشمس والقمر والنجوم وما يراه في النوم، ثم جاء الله بهذا الجهاز المسمى التلفزة وهي كلمة تعني في الأصول اللاتينية الرؤية عن بعد فصار بإمكان الإنسان أن يرى ويبصر أحداثا تقع منه على آلاف الأميال، تعرض عليه في عُرض الشاشات الصغيرة وحتى في هاتفه المحمول وفي عرض الحائط.

وما أرى الوقت إلا قد حان لبروز جهاز آخر يعنى بحاسة الشم كما تعنى الإذاعة بحاسة السمع و التلفزة بحاسة البصر.

وإذا كان العرب هم من سيخترعون هذا الجهاز فسيسمونه –وبدون أي مركب نقص- بالشمامة وإذا كان الغربيون هم مخترعوه فسيسمونه بألفاظ نحو “التلُودورا” أو “التليالفا كتيف” وهما كلمتان تتألفان من جزأين أولهما بمعنى البعد والثاني بمعنى الرائحة والشم في الجذور اللاتينية.

المهم أن الشمامة سيتم وضعها تماما موضع الفضائيات التلفزية والمحطات الإذاعية فستكون هنالك مزودة مركزية بإمكانها بث جميع الروائح بأنواعها وصيغها على أن يتم التقاطها بالأجهزة المنزلية كما نلتقط البرامج الإذاعية. وستكون هنالك محطات متعددة بعد تحرير الفضاء الشمي.

وستكون لكل محطة سياساتها وتوجهاتها وبرامجها وسيكون بإمكان كل ملتقط أن يختار الروائح التي يفضلها أو تفضلها ربة البيت أو يرغب فيها الأصدقاء.

ولا شك أن أهل كل محطة سيصبغونها بصبغتهم الخاصة والغالب على الظن أن هذه المحطات ستشترك في أشياء وتتباين في أخرى.

ومن المسائل التي تشترك فيها بث الروائح الطيبة الخفيفة في الصباح وعندما يخلد الناس إلى النوم وبث الروائح الأكثر ذفرا والأسطع عبقا عندما تبلغ الشمس كبد السماء، وستكون لكل حزب سياسي رائحته التي يعرف بها وتعرف به.

وستمتاز محطات بتوفرها على روائح لا توجد في غيرها وتبثها حصريا منها الطيب ودون ذلك ولعل أطرف برامج هذه المحطات برنامج بعنوان “منوعات” يجمع بين روائح مختلفة منها رائحة الأزهار ورائحة الأبزار ورائحة البيض والمشوي ورائحة الفستق المقلي ورائحة المسك الذكي ورائحة الصابون والأشنان ورائحة العرق والصنان.

وعكسا لما يتوهم الناس أن المحطات ذات التوجه اليساري سيكون الغالب عليها الرائحة الخبيثة كرائحة المذابح والمناتف فإنها تضم أذكى ما ننتجه صناع العطر في باريس وفي عطريات الشرق الأوسط والهند.

ولما حاول مجلس إدارة محطة “دلتا” أن لا تصدر من محطته إلا الروائح الطبيعية صرفا نصحه الناصحون والخبراء بأن ذلك هو عين الخطإ قالوا إن الرائحة الطيبة لا يتذوقها بحق إلا من عرف الروائح الخبيثة لأن الأشياء في هذا العالم إنما تتميز بضدها فكان من الحكمة أن تراوح بين الخبيث والطيب على أن الطيب والخبيث نسبيان فرب خبيث عند زيد هو طيب عند عمرو والمفروض في المحطة أنها تعمل على أن يجد كل مواطن رغبته ومعلوم أيضا أنه لكل ساقط لاقط كما في المثل وهذا من هذا.

أما شكل الجهاز وسعره وبراءة اختراعه والترخيصات الإدارية المتعلقة به فلا تسألني عن شيء من هذه الأشياء فمنها أمور فنية لا يعلمها إلا المهندسون في حاسة الشم ومنها قانونية لا يبت فيها إلا السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان.

بقي أن نشير إلى أن العلماء اختلفوا في حاسة الشم هل هي عبارة عن أجزاء صغيرة من المشموم تتلقاها أنوف الشامين فتبلغها الأعصاب إلى المركز المختص في الدماغ فيبت فيها أم هي شيء آخر.

والذي لا شك فيه أنها ليست حكرا على بني البشر إذ يشاركهم فيها الحيوان النامي. ومن بين الحيوانات من له ملكة في الشم أكبر من الملكة التي يتمتع بها الإنسان. والكلب في هذا الميدان هو سيد الموقف وفي هذا فائدة فيمكن لدواجن البيت والطوافات عليه أن يشاركوا أهل البيت في متعة الشم إلا أن ذوق البشر قد لا يوافق بالضرورة ذوق الحيوان بل قد تضر بالحيوان ريح تنعش الإنسان والعكس صحيح، وأنت خبير بما يعانيه الجعل وهو المكني بأبي جعرانة من رياح الورد إذ تكاد تأتي على نفس المسكي, وما أجدر الصراصير وبنات وردان والبعوض أن يكن كذلك فتلتقط لهم محطة “بيتا” التي تغلب عليها روائح الرند والورد فيكفينا ذاك شراء المبيدات.  وليس للتقدم توقف بعد.

تعليق واحد

  1. المقال طريف كالعادة ولعل الأستاذ استشرف المستقبل فالبحوث في هذا المجال بدأت تعطي نتائج لابأس بها فهذا شاب فرنسي صمم منبها يعمل بالرائحة بدل الصوت وقد تبنت شركة كوكل فكرته و سيتم تصنيع الأجهزة قريبا,

    وهناك ايضا شركة تسمى Olf-Action تقوم الأن بتجربة جهاز بث في دور السينما يسمى ODORAVISION يمكن المشاهدين من شم رائحة المواد المعروضة على الشاشة, الرابط التالي:

    http://www.projection-homecinema.fr/2015/04/25/test-en-cours-systeme-olfactif-odoravision/

    ODORAVISION

اترك رد