الرئيسية / قراءات أدبية / الرسالـــــــــــــــة الزبليـــــــــة (الجزء الأول)

الرسالـــــــــــــــة الزبليـــــــــة (الجزء الأول)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم ذي الخلق العظيم وعلى آله وصحبه أزكى الصلاة وأسنى التسليم.
إلى الإخوان في انيفرار حرسها الله.
يقوم إليكم منا سلام قام فقال قمت لموجب هو الاشتياق إلى رؤيتكم والالتحاق بحضرتكم وغيره من السلامات موجبه قوله صلى الله عليه وسلم أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وأنا مشتاق إلى التحدث معكم يقظة لا مناما فإني كل ليلة ألقاكمبسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم ذي الخلق العظيم وعلى آله وصحبه أزكى الصلاة وأسنى التسليم.
إلى الإخوان في انيفرار حرسها الله.
يقوم إليكم منا سلام قام فقال قمت لموجب هو الاشتياق إلى رؤيتكم والالتحاق بحضرتكم وغيره من السلامات موجبه قوله صلى الله عليه وسلم أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وأنا مشتاق إلى التحدث معكم يقظة لا مناما فإني كل ليلة ألقاكم
[| [( تطالعني خيالات لسلمى۞ كما يتطلع الدين الغريــــــم )] |] وهذه اللقاءات التي تكون في النوم لا طائل تحتها وكذلك التي تكون بين النوم واليقظة على أنها إذا فقدت فسنجد فقدها كما يجد الجائع فقد التمرة التي كان يظن أنها لا تغني وإذا كان الشعراء يتغنون بالخيال الذي يزورهم فإني لا أتبعهم في ذلك معاذ الله أن أكون من الغاوين يقولون زار الخيال وزارت فلانة وأرقت لطيف كيت وكيت ونحو ذلك وما يعلمون أن الزيارات أنواع منها الزيارة الرسمية التي يقوم بها رئيس بلد لرئيس بلد آخر ومنها الزيارة التي يقوم بها المريد لشيخه يريد بها صلاح قلبه ومنها الزيارة التي يقوم بها الأحياء للأموات يريدون منهم قضاء حوائج لم يستطيعوا تحقيقها لهم في الحياة ومنها الزيارة التي يقوم بها الثقلاء داخل المناطق المختلفة ابتلاء من الله لعباده ليعلم الصابرين وخير هذه الزيارات تلك الرسمية لأن صاحبها يزور ويطير وفي المثل رحم الله من زار وطار وأما زيارة الطيف فلا خير فيها فهي كزيارة الضيف في الصيف بل هذه خير لأن الضيف ينزل لرزقه ويرحل بذنوب أهل البلد وأما من لا ذنب له وهو نادر فتزاد حسناته حسب العملية المشهورة وإنما قلنا إنها لا خير فيها لأنها كسراب يحسبه العطشان شرابا حتى إذا جاء وجد الشيطان عنده ولم يجد عنده شيئا وبقي على أحر من الجمر
[| [( وإذا رآه أخو اللواح لظنه۞ ماء أراق شرابه لسرابه )] |] لاسيما إذا كان الطيف هو الذي جاء امحمد بن الطلب والذي قال فيه: وكان وداعا منه أن هو سلما واسمع قوله:
[| [( ومن ذا ولا من ذا رأى مثل زوره ۞ولا مثل ما بين الجوانح أضرما )] |] يتبين لك صدق ما ذكرنا.
وهذه الأسطر أكتبها وأنا في مقامة من أرض فوتة وأهلها يشربون اللبن ويأكلون الكسكس والهاكو والحوت وهي مدينة فيها الجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وأنا مسئول عنها وراعيها ولا أرضى أن أكون شرا من حمار زهير بن أبي سلمى الذي وصفه بقوله:
[| [( وليس بغافل عنها مضيع۞رعيته إذا غفل الرعاء )] |] وهذا البيت يمكن أن يمدح به خليفة من الخلفاء أو رئيس من الرؤساء وقد كتبه الله لعير من المعيوراء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقلت حمار زهير ولم أقل حمار عزير لأن حمار عزير لا رعية له ولا زوجات وإنما هو حمار بعثه الله بعد أن مات مدة مائة سنة بقدرة العلي الكبير ولا شك أن كل من مات له حمار يتمنى أن يقع له ما وقع لحمار عزير من الإحياء بعد الموت وذلك لأن من مات له حمار لم تضمن له الجنة وكذلك من مات له شيء من البقر يتمنى أن يقع له ما وقع لحمار عزير ولاسيما الذين يرون أن ضرب وجوههم أيسر من نتف أذناب عجولهم وكأن قائلهم ينشد على ذلك: ومن دونها أن تستباح وجوهنا أي أذناب عجولهم وفرق آخر وهو أن حمار زهير وحشي وحمار عزير أهلي.
إلا أن لبن هذه البلاد ليس صحيحا في البدن وكذلك لحمها فهي حقا أرض بني إسرائيل الذين يحبون ما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها وأصح الأشياء فيها عيش متر وأصح البقر تلك التي اجتازت رحلة الشتاء والصيف وهي حائل وأصح السحرة فيها الذي يسحر البحر فيسخره وأصح الحيات فيها الحية المسماة كرجمه بكاف معقودة وذلك أنه يوجد في هذه الأرض من أنواع الحيات الكثيرة منها الطويلة والقصيرة والمتوسطة من كل نوع فلو كانت تباع لكانت الأولى بمائة والثانية بسبعين والثالثة بخمسين هذا إذا بيعت بالجملة أما إذا بيعت بالمفرد فتزيد قليلا وفي هذه الحيات الأسود والأصفر والأحمر وذو الطفتين والأبتر وكثير من هذه الحيات لا يؤذي وأهل البلد لا يرون قتل هذا النوع والصواب قتله لأن من كثر سواد قوم فهو منهم وكثير من أهل البلد مسالم للحيات عامة لأنه لا يعلم هل هي حيات على حقيقتها أم هي السحرة تتشكل والغيلان تتغول .
وفي هذه الأرض من الحشرات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولم أر حشرة ولا حرشة في أرض القبلة إلا رأيت ألفا من مثلها فكأن منادي الحشرات ينادي يا داخل هنا ألف من مثلك ولم أفقد إلا دويبة كورس وبه يعلم صحة ما يقولون من أن كورس من أهل إيكيد الأصليين .
وفي هذه البلاد الفيل ولقد رأيته وما أعظم أوراق سدرة المنتهى إذ كانت أوراقها كآذان الفيلة حسب ما ورد في الصحيح ولو جاز لنا أن نترحم على كافر لترحمنا على مسيلمة بن حبيب فلقد أصاب في وصف الفيل ولم يعد فيه حقيقة الحال ولقد صدق فيه وإنه لكذاب ولقد كتبت في بعض مراسلاتي لأحد الأصدقاء إن مقامة أرض الفيل والفال والقيل والقال وهذه تحفة للذين يحبون الجناس والفال والسحر والعين من باب واحد كما في كريم علمكم.
وإنما قلت إن مقامة بلاد القيل والقال لأن أهلها مولعون بالسياسة والتنافس على الرياسة والناس يزعمون أنهم كثيرو الفتن والحق أنهم ليسوا كذلك والحمد لله ما ثم أحد يضرب أو يؤكل ماله ولا ثم من يهان بضرب وصفع في ملأ وفتن الفؤوس ومناوشات المواسي وملاكمة المرازب نادرة جدا والحمد لله أما جدي يغصب أو امرأة تضرب أو حمارة تعرقب فكثير الوقوع ولكنه لا يغير ما عليه السواد الأعظم من المسالمة والتعايش تحت الحنيفية البيضاء.
وهذه المشاجرات إذا وقعت فإنما تنشأ غالبا عن الغضب وهو كما تعلمون قد ينشأ عنه كثير غير هذا فهو وإن كانت حقيقته واحدة فإن مظاهره متعددة فالغضبان يأمره الشرع بشيء وهو يأمر نفسه بشيء آخر وذلك أن لكل من غضب أمرا يبرر به غضبه من الانتقام ومظاهر الانتقام مختلفة عند الناس فالطفل المدلل يغتاظ ويضرب عن الأكل والمرأة تذهب إلى بيت أهلها و الحجاج بن يوسف يقتل وكسرى يعرض المغضوب عليه للفيلة والفيل يرمي المغضوب عليه إلى السماء ثم يرفسه على الأرض وبعض أمرائنا الأقدمين يأمرون بالمغضوب عليه فتشرح أفخاذه بالموسى وهو حي وعقيل بن علفة المري يأمر بالمغضوب عليه فيوثقه ويرميه بقرية النمل كذلك فعل بمن خطب إليه إحدى بناته وبعضهم يحدق النظر في المغضوب عليه وبعضهم يدعو دعاء لكواطه وبلغنا آن أهل الصين يأمرون بدهنه وأن يلحسه الكلب وهو موثق اليدين ومن الغاضبين من يعفو ويصفح بعد القدرة وهم الحلماء ومنهم من يعفو ويصفح قبل هذا وهم الضعفاء ومن الغاضبين من يسب ويجدع.
وجل معاش أهل هذه الأرض إنما هو الحراثة والتنمية والإسعافات ويوم تقسيم الإسعافات يوم مشهود فإذا حشر الناس لأخذ أرزاقهم منها تزاحموا على الباب تزاحمهم على الحجر الأسود أو مقام إبراهيم وتكتلوا واختلط بعضهم ببعض فهذا رأس وهذه يد وهذه رجل وهذه فخذ أما لمن هذه اليد أو هذا الرأس أو هذه الفخذ فهذا ما لا يستطيع الرائي أن يعرفه أما ميكائيل عليه السلام الذي بيده أرزاقهم فإنه وحده يعرفه ويعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وكم سيجد كل واحد منهم ومتى سيجده وأين هو سيجده وهل يحتاج فيه إلى هذا الزحام أم هو محروم في الأزل ستذهب جهوده أدراج الرياح ولا شيء أثقل في هذا اليوم من رجال مكتب قسم حزب الشعب الذين يريدون أن يعطوا أموال الفقراء وهم من الأغنياء وإذا منعهم أحد حسبوه منعهم تحكما وتعنتا وإنما منعهم ورعا وحرصا على أداء الحقوق إلى أهلها وهذا النوع من أهل السياسة موجود في كل قرية ولو جاز لنا أن نفسر القرآن بالرأي لقلنا إن المراد بقوله تعالى “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا” إنما هم أعضاء القسم لا غير فإنهم يفهمون الحزب على أنه شرف يوجب لهم اختصاصا لا عبئا يوجب عليهم احتمالا وتمسكا بالمثل العليا ولعمري إنه لكذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون.
وأهل هذه الناحية لا ينقمون علي إلا كوني لم أحفظ نصف ديني وإن كنت قد حفظت النصف الآخر وبعضهم ممن يجهل الأمر يسألني عن حال عرسي ومتى ستقدم فأقول لهم إنها لا تحب الحر على حد قول الشاعر:
[| [( على لاحب لا يهتدى بمناره ۞ إذا سافه العود النباطي جرجرا )] |] وقد رام أحدهم أن يرسل إليها معي تحفة فاعتذرت إليه بأن ما يعطى لأزواجنا وذرياتنا كما يعطى لنا ونحن معاشر الحكام لا نقبل الرشا وما لم يعط لأحدنا قبل توليه لا يأخذه كما روي عن تيب رحمها الله أنها ردت خطبة ابن عمها بحجة أنه لم يخطبها قبل ذلك وأما الذين يعلمون أني غير متزوج فيريدون مني أن أتخذ خليلة من الموجود
[| [( ألا إن لم تكن إبل فمعزى ۞كأن قرون جلتها العصي )] |] وهذا كما تعلمون أمر ميسور علي لاسيما وكثير ما يدخل النساء ساحة البيت متذرعات بشتى الوسائل فهذه تبيع ديكا وهذه تبيع حصيرا وهذه تبيع أدما وكنت دائما أحذر اللواتي يبعن الأدم لأن هذه التجارة أصبحت عند النساء رمزا لطلب ما لا يجوز وأنتم تعلمون قصة عبد الله بن عبد المطلب مع بائعة الأدم حين استعصم منها ولعمري أنه لخليق بما فعل وقصة بائعة الأدم التي تطلب من يذهب معها لالتقاط ثمر الصلاحة ورحم الله النابغة الذبياني ما كنت أحسبه عزهاة إلى هذا الحد حيث عرضت عليه بائعة الأدم عند ذي المجاز أدما فقال لها لا تحطمك الناقة إن البيع قد انتهى زمنه وذلك قوله في وصف ناقته:
[| [(
كادت تساقطني رحلي وميــثرتـي۞ بذي المجاز ولم تحسس به نغمـا
من قول حرمية قالت وقد ظعنوا ۞هل في مخفيكم من يشتري أدمـــا
قلت لها وهي تجري تحت لبتهـا ۞لا تحطمنك إن البيع قد زرمــــــا
)] |]

أم لعل النابغة لم يفهم مرادها أو لعله فهمه وتغافل عنه ولهذه الأسباب كنت أخاف من بائعات الأدم.
أما بائعة الديك فكانت أخفهن هواء سألتني هل أنا شريف فقلت لها لا وكلا ولم أقل لها إني ابن ثاني اثنين حرصا على التمسك بعادات سلفنا في كتم محاسنهم كما فعل جدنا عبد الله بن محمذن بن عبد الله بن عمر حين كتم حجه وكما فعل محمد فال بن محمذن حين قال إننا معشر إدابهم حراطين للمتونة ولو شئت لذكرت لها أني ابن ثاني اثنين وإنني ابن عم عتيق بن أبي عتيق صاحب عمر بن أبي ربيعة وأن ابن عمي عبد الله بن جدعان المشهور بالجود وأن لي خؤولة في بني كنانة من طرف أم رومان رضي الله عنها وأن عبد الله بن الزبير ابن عمتي وأنه من المحتمل جدا أن أكون من الذين يتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون وأنه من المحتمل أن أدخل الجنة إن شاء الله مصداقا لقوله تعالى”فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” لم أقل لها شيئا من ذلك وإنما قلت لها إنني من أهل المذرذرة وإن كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه نهانا أن نكون كأنباط العراق إذا سئل أحدهم ممن هو قال من القرية الفلانية أو من البلد الفلاني ولولا خشية أن يقال إني انتسبت إلى عامر بن صعصعة أو دخلت في النسب الواسع لقلت لها إني من قبيلة تشمش .

يتبع بحول الله

2 تعليقات

  1. شكرا لكم على هذه الرسالة الشريفة الرائعة ما شاء الله

  2. مشارك ومتصفح للموقع ، معلقا علي الجزء الاول من الرسالة الزبلية ذ/بباه بن أتيش

    بخ بخ ..ومعناه حسن حسن ، ياشيخنا وأستاذنا ، أدام الله نعمه علينا وعليك، وجزاك الله خيرا بهذه الاطلالات ، التي تتحفنا فيها بكل مفيد ، فوفقكم الله ، وأدام نعمه الظاهرة والباطنة علينا وعليكم ورعاكم من كل سوء ، وكتب متصفح ومشارك في الموقع لطف رب الكائنات به وبجميع المسلمين آمين آمين ، يارب العالمين .

اترك رد