الرئيسية / قراءات أدبية / رسالة فتاوي الشياطين (الجزء الثالث)

رسالة فتاوي الشياطين (الجزء الثالث)

وسئل قاضي الشياطين في مدينة انواذيب: ما هو رأي إبليس في تغيير العوائد في البلاد الإسلامية هل يعتبره خيرا أم شرا؟
فأجاب: كان إبليس يقف من العوائد موقف الحذر ولم يبت فيها برأي صريح ولذلك اختلف أصحابه فمنهم من قال لا ينبغي أن تغير العوائد الإسلامية ومنهم من قال ينبغي أن تغير وحجة القائلين بالنهي عن التغيير أن العوائد إذا طال عليها العهد . وسئل قاضي الشياطين في مدينة انواذيب: ما هو رأي إبليس في تغيير العوائد في البلاد الإسلامية هل يعتبره خيرا أم شرا؟
فأجاب: كان إبليس يقف من العوائد موقف الحذر ولم يبت فيها برأي صريح ولذلك اختلف أصحابه فمنهم من قال لا ينبغي أن تغير العوائد الإسلامية ومنهم من قال ينبغي أن تغير وحجة القائلين بالنهي عن التغيير أن العوائد إذا طال عليها العهد اعتبرت شرعا حتى أنها لو غيرت اعتبر تغييرها منكرا ومعلوم أن إدخال ما ليس في الشرع على أنه منه من مقاصد إبليس بل يعتبره أحب المعاصي إليه بعد الشرك بالله وأيضا إبقاء العوائد على ما هي عليه فيه منافع كثيرة منها أن في هذه العوائد ما هو مخالف للشرع فليس من الرأي تغييره. ومنها أن فيها المنكر الحاضر ولا ينبغي تغييره على أمل منكر أعظم منه لأن القناعة بالقليل من قواعد مذهبنا ومنها أن بقاء العوائد يلاقي ردود فعل من الشباب فلا يبعد أن يبرأ الشاب من الدين والعوائد إذا لم تتغير العوائد وتتبدل وقد بدأت بوادره تبدو. وأما القائلون بوجوب التغيير فحجتهم على وجوه منها أن التغيير تحرك وإبليس يحب الحركة والسر في حبه لها أنها رمز الاضطراب والشك بعكس السكون فإنه رمز السكينة والوقار ومنها أن العوائد إذا اختلطت بالدين اختلاطا كبيرا فإذا غيرت ففيها تغيير الدين وهذا من مقاصد إبليس ومنها أن في هذه العوائد ما يخدم الدين لأنه مستمد منه ففي القضاء عليها قضاء على الدين ومنها أن القضاء عليها يدخل التشويش على العامة وقد قال إبليس إنه أحب إليه من الدنيا وما فيها ومنها أن تغيير العوائد ينشأ عنه ما يسمى في اصطلاحنا بالتربة الصالحة وعادة المحققين من علماء الإسلام محاربتها حتى أنهم نهوا عن كثير من المباحات واعتبروها قدحا في الشهادة وهي دليل على قوة ملاحظتهم ومنها أن تطور العوائد أمر جديد وللنفس بالأمر الجديد تعلق هذا ما حضرني الآن من حجج الفريقين ولكن لكل منهما وجه وأصل المسألة هل درء المصالح أولى من جلب المفاسد والذي كان يوصينا به الشيوخ أن نجعل أمامنا في ذلك هذه الكلمة التي تعزى إلى شيخ من أئمة الإسلام وهي عليكم بالاتباع في الدين والابتداع في الدنيا فنعمل على أن يبتدع الناس في الدين وأن يتبعوا في الدنيا هذا ما تحصل عندنا في هذه المسألة.
وسئل أحد الشياطين بما نصه: جوابكم في رجل من المسلمين يدعي أنه ولي من أولياء الله وهو يصلي مع ذلك بالنجاسة هل الاعتناء به أولى أم الاعتناء برجل لا يدعي شيئا ولا يؤدي إلا الفريضة مع شروطها وهو يخالط الناس؟
فأجاب: ما دام ذلك الولي يصلي بالنجاسة فالعناية بغيره أولى لاسيما ذلك الرجل الذي لا يصلي إلا الفريضة ولا يدعي الولاية فمن مثل هذا كان إبليس يحذر أعوانه ويقول لهم لا يغرنكم المحافظون على رؤوس الأموال فهم أشد خطرا من غيرهم فوسوسوا لهم ما استطعتم وفي هذا الرجل الذي ذكرت ثلاث أمارات كان إبليس حرض على أصحابها ويعتبرهم أصعب الناس وتضليلهم أثمن شيء.
الأولى: أنه لا يدعي شيئا من الولاية ولا الصلاح ولا علم الغيب ولا العلم ولا نحوه فعلى هذا فهو سالم من رعونة النفس والاعتداد بها فيصعب أن يؤتى من باب طلب الرياسة ورؤية الفضل على الغير.
الثانية: ذكرت أنه لا يزيد على الفريضة بشروطها فعلى هذا لا يمكن أن يؤتى لا من نزعة التقصير لأنه جاء بالمطلوب ولا من نزعة الغلو لأنه لم يزد على الفريضة ولهذا كان إبليس يسمي هذا النوع من الناس بالمحافظين على رؤوس الأموال.
الثالثة: ذكرت أنه يخالط الناس وعلى هذا فمن الصعب الدخول عليه من باب العزلة فهذا الرجل أولى بالاعتناء من ذلك الولي الذي يصلي بالنجاسة.
وسئل بعضهم عن تغيير المنكر؟
فأجاب: إذا رأيتم الناس يشترطون في مغيره أن لا يكون مرتكبا فارضوا منهم بذلك فمن مقاصد إبليس أن يلهي كل أحد بخاصة نفسه حتى يفترق أمر الناس ولا يوجد من بينهم من يقوم بالأمر العام والكفائيات ومن هذا الباب دخل على كثير من العباد حتى رأوا أنفسهم أفضل من القائمين بالحرف المهمة والمدافعين عن الإسلام والمحافظين على أمن الأمة والنهي عن المنكر من هذا الباب فإذا رأيتم الناس تركوه فاتركوهم ما تركوه وإن اشترطوا فيه أن يمتثل الآمر فاتركوا لهم ذلك فإنكم إن لم تفعلوا ذلك أوشكتم أن تقبلوا الوضع لأن الأمة المحمدية على طول الأمد لن تعدم من يدلها على المكيدة التي ترمون إليها وهي تفكيك المجتمع حتى لا يقبض على يد الظالم.
وسئل بعضهم: هل تعتبر ذرائع الحرام جميعا أم يعتبر بعضها وبعضها ملغي؟ بينوا لنا ذلك بيانا شافيا.
فأجاب بما نصه: أما بعد فالذي يجيء من النصوص التي بأيدينا هو أن جميع ذرائع الحرام معتبرة سواء منها البعيد والقريب فغرس العنب مثلا وبناء الدور معتبران عندنا اعتبار الذرائع البعيدة والسر في ذلك هو أن هذه الذرائع زيادة خير إذ ربما كانت وسيلة يوما ما إلى ارتكاب حرام وإن قيل إن اعتبار هذا النوع من الذرائع دليل على شدة الطمع والطمع يخالف القناعة التي هي من قواعد إبليس قلنا لا منافاة لأن اعتبار الذرائع البعيدة في الحقيقة قناعة لأنه رضى بالقليل ثم إن الطمع في مذهب إبليس لا ينافي القناعة بل هما متكاملان فإبليس يطمع دائما في قليل يقنع به فافهم.
وسئل شيطان الشياطين في إيكيد: ما تقولون في إمام هدى ظهر في المسلمين ما أنجع الوسائل لصد الناس عنه حتى لا يقبلوا عليه؟ أجيبوا أدامكم الله.
فأجاب بما نصه: أما بعد فإن الناس بالنسبة لهذا الإمام قسمان قسم يسكن معه وقسم لا يسكن معه أما القسم الذي يسكن معه فوسائل صدهم عنه بالطرق التالية:
الأولى: أن تطووا عنهم حقيقته فلا يشاهدون إلا بشريته حتى يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون لأنهم لم يروا سر الخصوصية فيه.
الثانية: أن تطلعوهم على معايبه التي هي في الحقيقة جزء من بشريته فلا يشاهدون فيه إلا أنه عبد لأهوائه وأنه ممن طلب الدنيا وأنه ربما كان مرائيا بدينه لأن هذه الأشياء قل أن يسلم منها أحد لأنها غرائز في القلوب ولا يمكن أن تمحى حتى لا يبقى منها أثر.
الثالثة: أن تحجبوا عنهم محاسنه كلها قال إبليس بهذه الطريقة قتلنا عثمان بن عفان حيث قال أراهمني الباطل شيطانا فغاب عن قتلته أنه من السابقين الأولين وأنه هاجر الهجرتين وأنه بدري وأنه تزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه حفر للمسلمين بئرا كانوا بأمس الحاجة إليها وأنه جهز جيش العسرة وأنه بعد كل هذا خليفة وأنه جمع القرآن وأنه فتح الفتوح.
الرابعة: أن تسلطوا عليه حاسدا مطاع الأمر يتنقصه حتى لا يقبل عليه أحد.
الخامسة: ولا يصار إليها إلا عند الضرورة أن تصيبوا من ماله لأن العامة لا يقدرون العلم حق قدره إلا إذا صاحبه مال أو تصيبوا من أهله لأن ذلك ينفر منه ضعفة العقول.
وأما القسم الذي لا يسكن معه في مكان فصدهم أهون لأنه ما رأى كمن سمع وهذا القسم يعتمد في صده على ترويج الإشاعات الكاذبة وهو شيء يسير لأنه عادة ما يصادف آذانا صاغية فإن كان هذا الإمام من أهل الكرامة روجنا كونه ساحرا أو مخدما أو نحو ذلك أو دجالا وإن كان عالما روجنا كونه مبتدعا أو مخالفا للجماعة ولا نعدم في الحالتين من نعتمد عليهم من المنكرين ممن يدعون أنهم يزنون الأمور بميزان الشرع وهم في الحقيقة لا يعرفون الصنجات التي يزنون بها فيتصدى للرد على هذا الإمام بدافع نفسي أكثر مما هو ديني ولا يكلف نفسه البحث عن حقيقة هذا الإمام بل يعتمد على الإشاعات التي روجناها فيكفينا بذلك مؤونته حتى يموت قلت وهذا هو الغالب وإلا فإن لكل أحد وسيلة خاصة ينفر بها عن هذا الإمام والمعتمد عليه في ذلك ميول كل أحد وعوائده وطبيعته والأشياء تختلف من شخص لشخص.
وسئل أيضا: ما تقولون في الطرق الصوفية؟
فأجاب: كان الناس في القديم يشكون إلى إبليس ما لاقوا من تعدد هذه الطرق ويقولون له إنا لم نستطع عملا لأنا أينما سرنا وجدنا داعيا إلى الله يدعو إلى طريق توصل إلى الله غير الطريق التي عند غيره وكان إبليس يقول لهم أبشروا فلا يأتي التفرق إلا بخير ولا نفهم ما يريد فاليوم ظهر مصداق ما كان يقول إبليس ففي الزمن القديم كان الناس لا يتعصبون لطرقهم ويرون أنه ما دام المقصود واحدا فلا عبرة بتعدد الوسائل وأما اليوم فقد انعكست القضية وصار كل فريق يبدع صاحبه أو يكفره وتعصب كل حزب لما لديهم وهذا تنشأ عنه التربة الصالحة فماذا نبتغي بعد أن قال المسلمون بعضهم لبعض كما قالت النصارى ليست اليهود على شيء وقالت اليهود ليست النصارى على شيء فتعدد الطرق الصوفية اليوم من أوسع الأبواب التي ندخل منها.
وسئل: ما هي الأشياء التي على الشيطان أن يحكمها قبل أن يبدأ مهنة التسويل؟
فأجاب: عليه أم يحكم فنونا كثيرة منها فن الإغراء وفن الدعاية وفن التلبيس وفن المراوغة وفن الصبر وفن الإملاء وفن الغرور وفن القناعة وفن الطمع أما الإغراء فهو فن تستمال به النفس بصفة غير مباشرة وتكون بإظهار المعصية بصفة تغري النفوس وإنما تستعمل مع ضعاف العقول وأما الدعاية فهي فن تستمال به النفس بصفة مباشرة والفرق بينها وبين الإغراء أن الدعاية تعتمد أشياء خارجة عن صفات المدعو إليه كالحض والأمر والنهي بعكس الإغراء فإنه إظهار الصفات المغريات. وأما التلبيس فهو إظهار الحق في مظهر الباطل أو الباطل في مظهر الحق ويستعمل مع ضعاف البصيرة والجهلة بالشريعة وأما المراوغة فهي مفاعلة من الروغ وهي عدم السكون إلى مكيدة واحدة إذا سد باب جيء من باب آخر وتستعمل هذه الطريقة مع المريدين وأما الصبر فهو عدم الملل من المراوغة والدعاية والإغراء والتلبيس ولا بد منه مع كل أحد أما فن الإملاء فهو ملكة تزيين الاستمرار في المعصية وتستعمل مع الفساق وأهل البدع والمصرين على المعاصي. وأما فن الغرور فهو مثل التلبيس إلا أن الغرور أعم منه وهو عبارة عن ملكة تزيين المعاصي على وجه يحتسب العاصي به أن المعصية طاعة وتستعمل مع جملة العباد والمتدينين. وأما فن القناعة فهو الاكتفاء بالمعصية القليلة ويستعمل مع العلماء والفقهاء والسالكين. وأما فن الطمع فهو ملكة استخراج الكيفية التي يمكن يكون بها الفعل المباح أو الواجب وسيلة إلى معصية ما. وهذه الفنون كما رأيت أغلبها متشابه لذلك ربما أطلق بعضها على بعض مجازا وعلى الشيطان أن يعمل مع هذه الفنون أشياء أخرى لا تسطر في الكتب وإنما سبيلها الذوق وتعرف بالممارسة كما أن عليه أن يعلم طبيعة قرينه ومزاجه ودرجة علمه وعادته ومذهبه وعقيدته ونقط الضعف فيه وميوله إلى غير ذلك وقد كتبنا لك من ذلك ما لا يسمح جهله.
وسئل كبير شياطين تكند الجديدة: هل يصح أن يستعين شيطان من الجن بشيطان من الإنس؟
فأجاب: نعم لكن الطريق التي يتم بها ذلك ليست مما يسطر في الكتب.
وسئل: أيهما أحب إلى إبليس الحماقة أم الغضب؟
فأجاب: لم يتوقف أحد ممن أدركنا في أن الغضب أحب إلى إبليس من الحماقة ووجه ذلك أن الغضب يسخر العقل لرغبات الحماقة وإذا كانت الحماقة عبارة عن نقصان في العقل فليس ببعيد أن يكون نقصانها يلزم عليه نقصان في التكليف لأن العقل هو مناط التكليف ولو كان فقهاء الإسلام لم يصرحوا بذلك بل وضعوا درجة دنيا لعقل التكليف ولم يجعلوا التكليف تابعا لنسبة العقل والنظر يقتضي خلاف ما ذكروا لاسيما إذا سلمنا أن الولاية طور فوق العقل وأن حسنات الأبرار سيئات المقربين وأنه كلما ترقى العارف ازداد التكليف عليه شدة اللهم إلا أن يكون مرادهم أن العقل طور واحد وبذلكم الاعتبار لا يقتضي تفاوته تفاوتا في التكليف. ولنرجع إلى ما كنا بصدده فنقول وإذا كانت الحماقة نقصانا في العقل فهي بذلك الاعتبار أقل خطرا من الغضب وإنما قلنا إن الغضب يسخر العقل لرغبات الحماقة لأن الحماقة لا تنفك عنها البهيمية لأنها من ذاتياتها والغضب هو أيضا من صفات البهيمية وبه تملك البهيمة التصرف في العقل لأن العقل في الحقيقة خادم ووسيلة وبما ذكرنا يتضح لك معنى قول مصدر الحق للذي اختصر له الوصية لا تغضب وتعلم أنها كلمة ينبغي للشياطين أن يحاربوها لأنها جمعت خير الدنيا والآخرة ولذلك عدوها من جوامع الكلم.
وسئل عالم من الشياطين: ما معنى هذا الكلام: كتب إبليس إلى أحد أعوانه أوصيك على الاصطلاح فإنه من أخبأ المسالك وأستر المهالك يقول به الرجل الكلمة لا يلقى لها بالا يكبه الله بها في جهنم؟
فأجاب بما نصه: هذا كلام صحيح النسبة إلى إبليس بل ورد في الفتاوى الإبليسية ومعناه على الإجمال انه لا ينبغي للأعوان أن يذهلوا عن اصطلاح الناس في التخاطب بل عليهم أن يدسوا فيه كلمات مما يسخط الله يستعملها الناس من غير أن يلقوا بالا لما تعنيه في الحقيقة ولما يعنون بها هم ولما سيفهم منها فقدر المفاسد التي يمكن أن تنجم عن هذه المصطلحات وهي كثيرة اليوم وسنذكر لك منها أمثلة توضح لك ما ذكرناه: فلان مسلم يعني ضعيف فصار الناس يأنفون من الاتصاف بهذه الصفة مع أنها في الأصل كناية فقط وهذه الكناية من دسائس إبليس. فلان رجعي يقولها المسلم يعني بها من له ميل إلى القديم فتفهم على أنه يريد الذين يحافظون على الدين. الديمقراطية يقولها الكافر يريد بها المساواة وحرية الأديان فيسمعها المسلم فيفهم المساواة وحكم الشعب لنفسه بنفسه فيقول الإسلام دين ديمقراطي فيسمع هذه الكلمة عامي فيفهم منها الإسلام دين يبيح الردة فتنتشر المفاسد وهو المقصود. التزمت يطلقها الغربيون على من يحافظ على التقاليد جدا فيفهمها المسلمون على ذلك فيقولون إنهم ضد التزمت فتفهم على أنهم ضد الإسلام والأمثلة على ذلك كثيرة وفيما ذكرناه منها كفاية وهذه الكلمات لا يلقى لها بال عادة ولذلك حذر منها مصدر الحق أصحابه وبسبب ذلك أوصى إبليس أعوانه بأن يولوها اعتناء خاصا وقد حققوا في هذا الزمن الأخير نجاحا عظيما.
وسئل شيطان من أهل الرقيبة: كيف يعرف أن العالم ممن يمكن قوده بسهولة؟
فأجاب: إذا رأيتموه يريد أن يوفى أجره قبل يوم القيامة.
وسئل أيضا عن الصلاة في الطائرة ؟
فأجاب: إنها لا تجوز إجماعا.
وسئل عن السبحة؟
فأجاب: لا بأس بها من حيث إنها عد للحسنات ولكن لا خير فيها من حيث إنها وسيلة من وسائل الذكر وكفى دليلا على شرها أن كبار أهل الصوفية كانوا يستعينون بها في أورادهم.
وسئل عن ترك العمل يوم الجمعة؟
فأجاب: لو لم يكرهه فقهاء الإسلام لكرهته لكن فقهاء الإسلام كرهوه خوف التشبه باليهود والنصارى وأنا أكرهه لمعنى الشعيرة الذي فيه فمن عادة إبليس كراهة الشعائر لأنها من مظاهر القوة والفسحة في الإسلام يحس بها العامة أنهم ينتمون إلى أمة إسلامية قوية متضامنة لها عاداتها وقيمها وهذا من أخطر الأشياء ولو جاز لنا أن نوافق الفقهاء في شيء لوافقناهم في هذه.
وسئل إبليس الصغير: أصحيح ما يقال من أن بعض العارفين من أمة الإسلام يتلاعبون بالشيطان؟
فأجاب: هذا صحيح لكن هذا النوع من العارفين نادر جدا وعلى كل حال فليس هذا بالذي يسقط وجوب التسويل لأنه ليس من شرط وجوب التسويل تحقق الإجداء خلافا لما ذهب إليه بعض من لا تحصيل له من متأخري أهل المذهب فأفتوا بجواز القنوط من استهواء عباد الله المخلصين وهذا غلط فاحش.
وسئل أيضا: لما ذا كان إبليس الكبير يأمر أعوانه بإكثار الوسوسة في العبادات لمن قد اقترف إثما قبلها مع أن هذا مخالف لقواعد القناعة والإملاء؟
فأجاب: ما ذكرتم صحيح والجواب عنه لا يسطر في الكتب ويكفي أن تعلموا أن المتصوفين من الأمة الإسلامية يعتبرون كثرة الوسواس في العبادات عقابا من الله لعبده على إثم ارتكبه والآثمون في ذلك ليسوا سواء.
وسئل أيضا: أرأيت لو خرج اليوم الدجال وابتدأ في فتنة الناس هل نتعاون معه أم يعمل كلنا على شاكلته أم ما العمل؟
فأجاب بما نصه: أما بعد ففي الفتاوى الإبليسية ما نصه: سئل إبليس الكبير عن فتنة الدجال هل له فيها أثر فأجاب نعم لي فيها أعظم الأثر إذ الدجال إنما هو عون من أعواني وأخ من إخواني ليتني رأيت إخواني انتهى منها بلفظها فهذا يدل على أنها تابعة لإبليس ولا غرابة في ذلك إذ مذهبنا أن إبليس هو مصدر كل فتنة فإذا تقرر هذا عندك فالذي نراه في المسألة هو أن يعمل كل أحد على شاكلته فدعوا للدجال أهل الحضر واذهبوا إلى أهل البدو وإنما لم نر جواز التعاون لما يلزم عليه من التمانع وتشتت الطرق وإنما قلنا بوجوب الذهاب إلى البادية لأن الدجال لا يدخل البادية فلا شك أن تضليلهم أصبح فرض عين على كل الشياطين سواء منهم أهل الحاضرة أم أهل البادية كتبه إبليس بن شهاب بن إبليس.
وورد نفس السؤال على خنزب الكبير فأجاب: الذي يأتي على مذهبنا التخيير في مثل هذه الحال واستحسن بعض المتأخرين وجوب الذهاب إلى أهل البادية قال لأن أهل الحضر قام بهم الدجال وهو الذي أراه.
وورد نفس السؤال على الولهان فأجاب بما نصه: أما بعد فقد ورد علينا سؤال من أحد الإخوان يسأل فيه عن العمل عند خروج الدجال هل الأفضل إعانته أم عمل كل أحد على شاكلته فأجاب أحد المفتين بأن الأفضل عدم الإعانة وأجابه الآخر بالتخيير قلت ولم يظهر أن هذين الجوابين حزا المسألة من مفصلها ولا رميا جمارها بمحصبها إذ غاب عن صاحبيهما جانب من السؤال عظيم ومدخل من مداخلها كريم وخفي عليهما أن في هذه المسألة ما هو منصوص عليه فالعبرة به والرجوع إليه ونحن مبينون ذلك فذاكرون فيه الحق الذي لا غبار عليه فنقول إنه من المعلوم البديهي أن المسيح الدجال من أبناء آدم وأن القاعدة عدم التفويض لابن آدم في التضليل كائنا ما كان لأن ابن آدم مضل لا بالأصالة والمضل لا بالأصالة لا يفوض له فإذا تمهد لديك هذا فاعلم أنه لا بد من إعانة المسيح الدجال في نشر الفتنة التي يريد نشرها وإعانته تكون بإمداده بالغي وذلك أن المضلين من الإنس كالمصابيح إذا لم تمد بالكهرباء دائما فلا يأتي منها ضوء وكذلك الدجال إذا لم يدم إمداده بالغي أنى يكون منه تضليل هذا ما يقتضيه النظر من جهة القواعد وأما من جهة النصوص فقد روي أن إبليس كان يوصي أعوانه فيقول لهم هيئوا التربة الصالحة للدجال فمن أعوانه من فهم هذا على أنه أمر بإعانة الدجال بطرق الأولى ومنهم من فهم أن هذا يدل بمفهوم المخالفة على وجوب الاقتصار على تهيئة التربة الصالحة قلت ولا يخفى على ذي بصيرة أن الاحتمال الأول أصح وأرجح لأن قولك للشخص إذا قدم عليك فلان فاصنع له طبلا يفهم منه بطريق الأولى أنه أمر بتهيئة جميع وجوه الإحسان من أكل وشرب وفراش وغير ذلك وأما الاحتمال الثاني فإنما يعتمد مفهوم اللقب وهو ضعيف لا يعتبره الشياطين إلا في إغواء ضعفة العقول فتحصل أن الجاري على الأصول وظاهر النصوص أن المطلوب إعانة المسيح الدجال وأن إعانته أفضل من تضليل أهل البادية كتبه الولهان بن اللافظ بن إبليس.
وكتب عنكوز تحت هذا الجواب: أما بعد فقد تأملت ما كتبه الولهان بن اللافظ بن إبليس فإذا هو حق اليقين الذي لا معدل عنه لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فقه صحيح وأنقال مسلمة***أظن نابت جيل العصر أهملها
وسئل أحد الشياطين بما نصه: ورد علينا سؤال من أحد شياطين الإنس يسأل عن معنى قول إبليس ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ؟
فأجاب: هذا لا نعلم معناه فمن هم المقصودون بالخطاب ؟
وسئل عنه عنكوز فقال: هذا من تمويه شياطين الإنس فمن هم المعنيون بهذا الخطاب نعم ورد أن إبليس كان يقول لأعوانه مروا الناس بالصراخ يفشلوا وتذهب ريحهم ولكن هذا اللفظ لا يؤدي هذا المعنى المذكور
وسئل أحد الراسخين من الشياطين عن معنى قول امرئ القيس الكندي:
خرجت بها تمشي تجر وراءنا****على أثرينا فضل مرط مذيــــــل
فأجاب: خرجت بها أي النفس تمشي إلى شهواتها ومألوفاتها تجر وراءها مروط التأويلات التي تبيح الحرام وتحسن الشبهات فتمحو أثر السير مع النفس إلى شهواتها بأن تجر على أثره مروط الرخص الشرعية فيغدو المحظور لا خطر فيه والمشبه لا شبهة فيه.
وسئل عن معنى قول الشاعر:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله****والزاد حتى نعله ألقاهـــــــــــــــا
فأجاب: هذا البيت قاله أحد ظرفاء الشياطين يصف أحد السالكين الذين تجب مطاردتهم فمعنى قوله ألقى الصحيفة أنه نبذ جميع العلائق حتى عمله نبذه فلم يلتفت إليه من حيث أنه يخلد في صحيفته ليثاب عليه بل إنما يفعله لما تقتضيه العبودية ومعنى قوله يخفف رحله أي ليلا يعلق به شيء لأن السفر طويل والبطان بطاء ومعنى قوله والزاد أي أنه ألقى الزاد أي جميع ما تألفه نفسه بل ألقى نفسه نفسها فلم يثبتها أصلا وإنما قلنا إن المراد بالنعل النفس لأن النفس هي التي يسار بها فهذا السالك الموصوف بالبيت تجرد من جميع العلائق سواء منها ما كان نورانيا وما كان ظلمانيا فتجرد من رؤية عمله ومن مألوفات نفسه وضرورياتها بل حتى تجرد منها هي نفسها فاستطاع بذلك أن يسير سير البرق إلى هدفه الذي لا يدخله إلا من خلع ما عليه وهذا النوع من السالكين قال فيهم إبليس ما أتعبني مثل هؤلاء.
وسئل عن معنى قول الشاعر:
أتغضب إن أذنا قتيبة جزتــــا****جهارا ولم تغضب لقتل ابن حازم
فقال: هذا بيت قاله أحد ظرفاء الشياطين يسخر من رجل مغرور التبس عليه النهي عن المنكر الذي يكون عن دافع ديني بالذي يكون عن دافع نفسي فينهى عن منكر حقير لأنه يمس من رئاسته ويترك منكرا عظيما لأنه لا ضرر فيه عليه.
وسئل عن قائل هذا البيت وما معناه:
زعمتني شيخا ولست بشيخ****إنما الشيخ من يدب دبيبـــــــا
فأجاب: هذا البيت قاله أحد الأبالسة على لسان أحد أهل التصوف يخاطب نفسه والمعنى أن نفسه تقول له إنه شيخ تربية ويرد عليها بأنه ليس بشيخ وإنما الشيخ من يدب قاله وحاله في القلوب دبيب النار في الحطب فالبيت على حذف مضاف والتعبير بالدبيب في هذا المقال من أحسن ما نطقت به الألسنة قال أبو نواس:
فتمشت في مفاصلهم *****كدبيب النار في الحطب
وقد كان أحد الفضلاء يورد هذا البيت على غير وجه موروده ويتأوله على غير معناه فيزعم أن المراد بقوله من يدب دبيبا من يتبختر في مشيته وأن البيت تعريض بأشياخ آخر الزمان وهذا الذي قاله حسن لو ساعده النقل .
وسئل أيضا: ما معنى تفضيل إبليس بعض الأزمنة على بعض مع أن الزمان في الحقيقة معدم لأنه عبارة عن نسبة اصطلاحية؟
فأجاب: توقيفي وليس لعارض في ذات الزمن حتى يرد عليه أن الزمن لا وجود له فكراهة إبليس ليوم الجمعة مثلا ليس بشيء في يوم الجمعة إذ يوم الجمعة إنما هو عبارة عن نسبة اصطلاحية بين موجودين فلا معنى لكراهيتها بهذا الاعتبار وإنما كره توقيفا اختيارا منه لأن الشريعة الإسلامية فضلته ثم جعلته بعد التفضيل ظرفا لكثير من الفضائل وهنا دقيقة وهي مسألة وقع فيها خلاف هل الفضل توقيفي أم لا والذي نراه أنه توقيفي ولا يتسع المقام لبسط ذلك.
وسئل أيضا: ما قول أبي نواس وما معناه؟
عجبت من إبليس في كبــره*****وخبث ما أضمر في نيته
تاه على آدم في سجـــــــدة *****وصار قوادا لذريتـــــــه
فأجاب: هذا صحيح ولا عجب في ما عجب منه أبو نواس ………..

يتبع بحول الله

[الجزء الأول->http://www.niefrar.org/spip.php?article169] [الجزء الثاني->http://www.niefrar.org/spip.php?article178]

اترك رد