الرئيسية / قراءات أدبية / ترجمة “موريتانيد”

ترجمة “موريتانيد”

انواكشوط عاصمة موريتانيا…. وعليه فالواجب الوطني يحتم على جميع الموريتانيين أن يقطنوها.
اليوم تحتضن العاصمة ثلث سكان البلد وأحد الثلثين في طريقه إليها والآخر ينتظر الفرصة المجانية أوتذكرة النقل للقدوم.

أعرف هذه المدينة منذ فترة ليست بالقصيرة وفي تلك الحقبة كانت مدينة يستحيل العيش فيها أما اليوم فهي مدينة يستحيل الموت فيها: إننا نموت بمجرد أن نقترب منها…..انواكشوط عاصمة موريتانيا…. وعليه فالواجب الوطني يحتم على جميع الموريتانيين أن يقطنوها.
اليوم تحتضن العاصمة ثلث سكان البلد وأحد الثلثين في طريقه إليها والآخر ينتظر الفرصة المجانية أوتذكرة النقل للقدوم.

أعرف هذه المدينة منذ فترة ليست بالقصيرة وفي تلك الحقبة كانت مدينة يستحيل العيش فيها أما اليوم فهي مدينة يستحيل الموت فيها: إننا نموت بمجرد أن نقترب منها…..

مشكلة هذه المدينة أنها ليست مدينة واحدة بل هي سلسلة من القرى الصغيرة رصت بعضها إلى بعض لايجمعها إلا تلك الأمور التي نكرهها في المدن: التلوث, الضغط, الأصوات, والروائح….

وبما أن انواكشوط مازالت فتية فإنها لا تمتلك هويتها الخاصة, لذلك فالكل يحمل إليها هويته ويرسخ فيها عوائد قريته أومخيمه ويعيد فيها تشكيل حياته القبلية.

مشكلتي مع انواكشوط هي أني أرى أن هذه المدينة تشكل في حد ذاتها عدوانا مستمرا.ولا أعني هنا ضجيج المرور وإنما يتعلق الأمر ب “الوجود” في هذه المدينة (الوجود حسب الفيلسوف هايدغر إن صح القول)

وإليكم يومي النموذجي في انواكشوط:
الإستيقاظ عند طلوع الشمس.أستيقظ مصابا بالدوار, جلدي سميك كجلد تمساح خمسيني أنضج ثماني ساعات على جمر الغضى,
لقد نمت البارحة نوما مشوشا كالعادة… تناولنا الشاي حتي الثانية عشر ثم حاولت أن أقرأ قليلا لأنام عند الصفحة الثالثة. عند الساعة الثانية أيقظتني مذعورا منبهات سيارات موكب حفل زفاف, وعند الثالثة نبهتني اصوات محركات سيارات قرب نافذة غرفتي في سباقات للشباب. الرابعة ينهق حمار فتجيبه كافة حمر انواكشوط ثم كلابها لتبدأ الديكة في الصياح بدورها.ولا تهدأ هذه الضوضاء إلا بعد نصف ساعة.
وحين أغمض جفني يصيح مؤذن أرِقٌ بصوت غائر في مكبر صوت حاد ومزعج مما يثير رد فعل مؤذن المسجد المجاور لينافسه بنبرة أشد حدة تكاد تحطم زجاج النوافذ.
أستسلم للتعب وأغفو قليلا تاركا مؤذني المدينة مئذنة مئذنة وقد دخلوا في حرب لاهوادة فيها.
وكالعادة استيقظ نهائيا بصوت سيارة صاحب المخبزة التي تعاني مشكلة في التشغيل…..
حان وقت الذهاب إلى العمل….
الشحاذون …كم يمثلون من ساكنة انواكشوط؟ قد يكون من 5 إلى 10 بالمائة؟
أعرف كثيرا من الشحاذين ويعرفونني بلقبي. والشحاذة هنا بدأت تتحول إلى مهنة.
“شحاذي الملازم”شيخ نحيف ذو سبحة ولحية بيضاء. لا أعرف اسمه لكنه يعرف اسمي جيدا.
كلما التقينا وطبعا نلتقي كل يوم يحدثني عن حياة أسرته ولقد بت أعرف “أمراض النساء” التي تصيب حرم المتسول وكل الإلتهابات التي تلم بالإبن الصغير “امسيكين” وأعرف أيضا كل شيء عن الابن الكبير الذي يدرس الطب و”الحمد لله” بسوريا.
وبعد تقريره اليومي عن أحوال الأسرة يتضرع ” شحاذي” إلى الخالق “ليعلي درجتي” (وهي بالفعل مرتفعة في هذه الساعة الصباحية) و”يفضح حسادي” وأن “يضاعف مالي”. وبالطبع لم يعد أمامي خيار فأعطيه ورقة نقدية صغيرة. وغالبا عندما يقتنص الشحاذ هذه القطعة يصبح في هذا الوقت بالذات أيسر مني.
والقاعدة المطردة هي أنني كلما عرفت أكثر عن أمراض السيدة وعن دراسة النجل الأكبر فإن المغرم سيزداد. إنه لم يعد ذلك الشحاذ المجهول الذي ترده العشرة والعشرون,لا إنه “شحاذي” وينبغي أن أكون عند حسن ظنه وتطلعاته.
بعدأن يغادر “شحاذي” يتقاطر الشحاذون الآخرون من كل حدب وأتملص منهم بما في جيبي من القطع, لقد أصبحت أشبه ما يكون بمؤسسة صغيرة لها عمالها.
بعد أن ينفض الشحاذون لينقضوا زرافات على ساذج آخر يأتي دور الباعة المتجولين….
لا , لا أشتري “ساعة مقاومة للصدمات”, لا, لا أحتاج “مفكا أمريكيا ,و5 مفاتيح عالمية”, لا “6 سكاكين و6 شوكات بسعر للأصدقاء”, لا أريد “دوزينة من السراويل الداخلية القطنية”’ لا, لا أدفع شيئا ولا أقول شيئا ولا أساوم ولا أي شيء آخر, كل ما أتمناه الآن هو السلامة.
أدخل المكتب ثم أحكم إغلاقه وأنا دون البكاء. أجلس على المقعد متحسرا وإذا بقرع على الباب يبدأ خفيفا ثم لا يلبث أن يتعاظم, شخصان يتعاقبان كل له نصيبه من القصف, أفتح شاردا, هل هذه القيامة؟ لا, “لقد قيل لنا أنك بالمكتب فارتأينا أن نمر للسلام عليك”, “اهييه اهييه, لمحنا سيارتك, وقد طال العهد” يضيف الآخر “وهذا هو ما جاء بنا” , طبعا لا, “إنني أدرك أن الوقت غير مناسب لكنني على الحديدة فهل تساعدني؟”
ليس الآن ربما أمكنني أن أساعدك غدا أو بعد غد بل الأسبوع المقبل.
حان دور الزوار: هل نعد شايا؟ أجل, أجل لا بأس وهل يوجد “ازريك”؟ نعم موجود. وهل بإمكاني أن أستخدم الهاتف؟ هيا, اتصل على “هانولولو” إن شئت.
من شاي للزوار و”ازريك” واتصالات هاتفية إلى صديق مفلس وقريب في ورطة ينتهي يوم عملي وأنا جاف الريق, ملتوي المعدة, أشعث الرأس ويابس الحلق.
أعود إلى المنزل, حيث ينتظرني زوار آخرون ومشاكل من نوع آخر…..
لقد وردت علي فكرة وهي لماذا لا نستفيد من تقنية “شحاذي” في تعاملنا مع المؤسسات المانحة؟
لنتوجه مثلا إلى البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي, ولا نترك لخبرائه فرصة للكلام, ثم نحدثهم عما يجري في جكني, وعن الأمطار في المذرذره, وعن كهرباء أوجفت, وعن وجع أسنان والي انواكشوط, وعن حمى السيناتور الفلاني ومزاج الوزير العلاني.
وكل ما عرفوا عنا أكثر بذلوا لنا مزيدا من العطاء…
وعند عودتنا لربوع الوطن سنقول كما يحتمل أن يقوله “شحاذي”: “يا لكم من أغبياء”

حبيب ولد محفوظ
ترجمة موقع أخبار انيفرار

[المقال الأصلي->http://www.niefrar.org/spip.php?article77]

3 تعليقات

  1. لأول مرة اقرا ترجمة حقيقية لأحدى الموريتانيد

  2. الحضرمي المختار الميداح

    هذالمقال من روائع المرحوم حبيب ولدمحفوظ التي كان يكتبها بأسلوبه الخاص والمتميز رحمه الله. كان حبيب يغذي الساحة الثقافية وتربع علي عرشها.ووجد معارضة من بعض المثقفين المتعاونين مع الحكم لكنه ردهم بمقالاته علي اعقابهم.الترجمة جيدة وممتازةكمايجب ان يكون لمثل مقالات حبيب ولد محفوظ رحمه الله

  3. حد امن اترارزة

    Bonjour
    J’ai lu attantivement la traduction fidelle que vous avez publiée pour l’article du Marhoume Habib.
    Je vous confirme que ce que j’ai lu en arabe c’est ce que j’ai compris en français…
    Un travail intelctuel extraordinaire
    mais je ne suit pas etonnée: Ehil nivrar sont capable de traduire ce qui a été écrit par leur fils.

اترك رد